فاس.. انهيار مبنى من ستة طوابق يخلف قتلى وجرحى واستنفاراً واسعاً للسلطات    الزلزولي يهدي بيتيس أول نهائي قاري    أمن تيكيوين يوقف مروجي مخدرات    تأجيل قضية محاكمة ناشطين بحراك فجيج    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    المغرب يقود إفريقيا الأطلسية نحو نيويورك    مواجهة حاسمة بين المغرب التطواني وشباب السوالم لتحديد النازل الثاني للقسم الوطني الثاني    اتحاد طنجة يضمن بقاءه في القسم الأول من البطولة الاحترافية    صدام إنجليزي في نهائي الدوري الأوروبي    فتح تحقيق في ممارسات منافية للمنافسة في سوق توريد السردين الصناعي    سعر الذهب يتأثر باتفاق تجاري جديد    الصين وروسيا تجددان تحالفهما عبر إعلان مشترك شامل    تطوان تُسجّل حالتين لوضع حد للحياة في يوم واحد    أسبوع القفطان بمراكش يكرم الحرفيين ويستعرض تنوع الصحراء المغربية    أكاديمية المملكة تتأمل آلة القانون بين الجذور المشرقية والامتدادات المغربية    أوروبا تكشف بضائع أمريكا المعاقبة    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الشعر الحساني النسائي حاضر في فعاليات الدورة ال18 لموسم طانطان 2025    وزير الأوقاف المغربي يقيم مأدبة غداء تكريما لوزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة    في عيد ميلاده الثاني والعشرين: تهانينا الحارة للأمير مولاي الحسن    إنزكان : الجمارك تحجز أزيد من 12 طنا من الأكياس البلاستيكية    خبراء: انضمام المغرب ل"بريكس" غير مستبعد    مجلس تزطوطين يستقبل مسؤولي التطهير السائل ويصادق على جدول أعمال دورة ماي    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    المستشارون يدعون إلى تعديل خريطة الاختصاصات بين المركز والجهات    وزير التشغيل والكفاءات يكشف إجراءات تفعيل العمل عن بعد بالمغرب    بعد إسقاط باكستان لرافال الفرنسية.. واشنطن تراقب أداء الطائرات الصينية المستعملة في الحرب مع الهند    ترامب يهنىء البابا: شرف كبير لأمريكا    مكتب السياحة يسعى للحصول على تصنيف "China Ready" لاستقطاب السياح الصينيين    كرة القدم داخل القاعة لأقل من 19 سنة.. المنتخب المغربي يتعادل مع نظيره الإسباني (6-6)    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    أتاي مهاجر".. سفير الشاي المغربي يواصل تألقه في "معرض ميلانو" ويعتلي عرش الضيافة الأصيلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة        «أول مرة»… مصطفى عليوة يطلق عرضه الكوميدي الأول ويعد الجمهور بليلة استثنائية من الضحك    انفجار في مدينة لاهور الباكستانية وإسقاط مسيرة هندية    الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    محكمة الاستئناف بالرباط تُخفض عقوبة النقيب محمد زيان    أشرف حكيمي يدوّن اسمه في التاريخ ويصبح المدافع الأكثر تأثيرًا هجوميًا بدوري الأبطال    البرلمان يناقش رئيس الحكومة حول إصلاح وتطوير المنظومة التعليمية    أبريل 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة عالميا    وداديون يحتفون بحلول الذكرى ال88 لتأسيس النادي    منصات المخزون والاحتياطات الأولية.. بنيات جهوية موجهة للنشر السريع للإغاثة في حال وقوع كوارث    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    السيد ماهر مقابلة نموذج رياضي مشرف للناشطين في المجال الإنساني    لجنة: زيادة مرتقبة للأطباء الداخليين    زيان قبل الحكم: قول الحق صعب.. والحق لم يترك لعمر صديق    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أم الحسين المنانوزي، الحاجة خديجة الشاو في حوار حصري سابق مع «الاتحاد الإشتراكي» . .محنتي مع المخزن، أفظع من محنتي مع الاستعمار
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 01 - 11 - 2016

كنت، في شهري فبراير/مارس من سنة 2000، قد أنجزت سلسلة مطولة حول سيرة عائلة المانوزي، كواحدة من العائلات الاتحادية والوطنية التي أدت ضريبة النضال الوطني والتقدمي، بفاتورة عالية، والتي لا يزال أحد أبنائها المناضل النقابي والاتحادي الحسين المانوزي، المختطف من تونس يوم 29 أكتوبر 1972، ونقل في صندوق سيارة دبلوماسية مغربية عبر الجزائر إلى الرباط، أقول لا يزال مصيره مجهولا.
وضمن تلك السلسلة، خصصت حلقتين للحاجة خديجة الشاو التي توفيت مساء الأحد الماضي، فيها تفاصيل لم تنشر من قبل وهي التفاصيل التي أعيد نشرها، هنا وفاء لذكرى هذه الأم، المناضلة الصبور.. ووفاء لذكرى زوجها الراحل، الحاج علي المانوزي، واستحضارا لمسيرة آل المانوزي العطرة، السامية في الفعل الوطني والمقاوم والتقدمي، منذ سعيد المانوزي، أحد رفاق الشهيد محمد الزرقطوني، إلى الكمندار إبراهيم المانوزي الذي أعدمه الجنرال أوفقير ظلما، ضمن الضباط الذين تم إعدامهم بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة ليوليوز 1971 ، إلى أكثر من 40 فردا من أبناء العائلة الذين حوكموا بمراكش سنة 1970 و1972.. ولائحة المحنة النضالية الخاصة بهذه العائلة الفاضلة طويلة جدا...
لنعد الإنصات للحاجة خديجة الشاو، شهادة للتاريخ...
o الحاجة المانوزي، أم الحسين، سعيد جدا بلقائك.. وسعيد لأني أول صحفي يحظى بحوار صحفي معك.. أنت أم أخينا المناضل المختطف الحسين المانوزي، ورفيقة درب الحاج علي المانوزي منذ ما يفوق 55 سنة.. ورغم كل المحن، بقيت زوجة فاضلة، رفيقة تقوي العزائم ساعة الشدائد، وأما صابرة، مؤمنة، تنتظر عودة ابنها الذي اختطف منها منذ 28 سنة كاملة.
الأم الفاضلة، أمنا الحاجة، لو نبدأ من البدايات.. متى كان الميلاد وأين، وكيف كانت الطفولة الأولى؟
n أولا أنا أم ككل الأمهات المغربيات، اللواتي يشققن الصخر حتى يربين أولادهن.. أما بخصوص الميلاد، فأنا أخبرت أنني من مواليد 1922 بدوار «أكموت» بقبيلة أمانوز.. وبعد أربع سنوات توفيت والدتي، أي في حوالي سنة 1926، فبقيت مع والدي وعائلتي.. ونحن اسمنا «آيت اغنغاي» (مع تشديد الغين)...
o ما اسم الوالدة؟
n اسمها فاطمة عبد الله آيت بوبكر، أي فاضمة بالأمازيغية كما تعلم ، وكما قلت فقد قضيت طفولة عادية مثل باقي أقراني، في بادية صعبة، حيث الأشغال شاقة بشكل لا يتصور.. ولقد بقيت الحال كما هي، حتى سنة 1934، حيث وقع حادث كبير هز العائلة، وهو حادث استشهاد والدي في معركة طاحنة ضد الجنود الفرنسيين. أذكر أنه جمعنا، كل أهل الدار، وشرع يوصينا خيرا ببعضنا البعض، لأن جدي قد نادى في الناس بالجهاد ضد الغزو الفرنسي.. وأكد لنا أنه ذاهب إلى مواجهة ليموت فيها، أي أنه لن يتنازل عن المواجهة وأخبرنا أنه لا دين عليه، وأن من هم مدينون له بشيء فهو متنازل عنه.. وذهب ولم يعد..
أبي، اسمه محمد بن عبد الله اغنغاي.. ولقد جرح جدي في المعركة الضارية التي وقعت بمنطقة ايت عبد الله، فقام بالدفاع للتغطية حيث يتم إنقاذه وإبعاده، ولقد نجح في ذلك إلى أن استشهد رفقة صديق له اسمه احماد أو الحسن، بإيغورمان بأيت عبد الله بإيلالن وكان ذلك في شهر فبراير سنة 1934.
سنة واحد بعد ذلك، أي في سنة 1935، سأتزوج من الحاج علي المانوزي فانتقلت إلى بيت عائلتهم، وكنا حينها في حالة صعبة.. وأذكر أن كل إخوته قد تمت عملية إعذارهم، وبالناسبة فإنهم بشكل من الأشكال أبنائي أيضا لأني ربيتهم جميعا.. ولقد تركني الحاج علي مدة أربع سنوات في بيت عائلته، كان هو حينها قد هاجر إلى الدار البيضاء، ثم الرباط وفاس وعاد إلى الدار البيضاء.. وبعد أن استقر في تجارته، جاء إلى مدشر العائلة، وتوالت زياراته إلى حدود سنة 1947، السنة التي استقدمني فيها إلى الدار البيضاء، وكنا حينها قد رزقنا بابننا البكر الحسين وابنتنا فاطمة.
حين وصلت إلى الدار البيضاء، كان الحاج علي عضوا في حزب الاستقلال، وكان بيتنا خلية مفتوحة للنقاش والتلاقي، وكانوا كلما التقوا بها إلا وطلب مني الحاج أن أصعد إلى السطح، بدعوى أن الاجتماعات سرية.. كنت أمتثل في الصيف والشتاء وكنت أبقي هناك أصطك من البرد إلى أن ينتهوا من ما هم فيه.. ولقد تسبب لي ذلك في أمراض عدة، أفظعها الروماتيزم الذي لازمني لسنوات.. على كل حال، كانت تلك ضريبة من بين ضرائب أخرى كثيرة.. وأعلم أنني كنت مسؤولة عن كل العائلة، الأبناء والإخوة (إخوان الحاج)، فكلهم كبروا وتعلموا في حضني، وبعدهم جيل آخر مثل مصطفى المانوزي، الذي هو الآن في المحاماة، فأنا التي ربيته مع أبنائي.. والحمد لله إننا عائلة كبيرة وكثيرة الأفراد، لأن ذلك يخلق دفئا ومودة خاصتين.. ولقد ساعدني عملهم السياسي في أن أتعلم أشياء لم يكن ليتاح لي تعلمها. ولقد كان أول اعتقال لهم قبل مجيئي سنة 45، حيث اعتقل سعيد وعبد الله، شقيقا زوجي، لأنهما رفضا بيع بعض السلع الفرنسية. ثم جاء الاعتقال الذي عشته معهم سنة 1954، حيث اعتقلت السلطات الفرنسية كل إخوته بعد هروب أخيه سعيد الذي كان عضوا في خلايا المقاومة، بل واعتقلوا حتى والدهم الذي حضر لتوه من الجنوب...
كان سعيد والحاج علي وإخوته متأكدين أن الشرطة سوف تأتي إلينا، لأنه بعد اعتقالهم للفقيه الفكيكي، كانت كل التطورات ستقود إلى سعيد المانوزي صديقه الحميم في المقاومة.. ولقد اعتقلوا في البداية بسيدي معروف، قاسم، حماد، لحسن، ثم الطيب من درب الكبير. أما والدهم والحاج علي فقد اعتقلوا بعد ذلك، ولقد عذبوا والدهم البالغ 65 سنة أمام ابنه لحسن، وكانوا يسألونه عن مكان تواجد أخيهم سعيد...، بل إنهم عذبوا لحسن بدوره لأنه لم ينفعل أمامهم أثناء تعذيب والده، بل ظل صامتا، كاظما غيضه...، وبعد أن فتشوا بيتنا لم يجدوا شيئا، وكان ذلك أول مواجهة لي مع المستعمرين، ويا للأسف فقد كانت أهون وأخف مما سيقع لي في الاستقلال......
المهم، أذكر أن سي محمد الدكالي، المعروف بساجد، كان يبعث إلي ابني الحسين ليخبرني عن مكان اعتقالهم وكيفية الزيارة، أخبرني أنه علي أن أتوجه إلى كوميسارية المعاريف، وأنه علي أن أقف في الصف حتى يدخلونا إلى الداخل، وعلي أن آخذ معي نساء من العائلة، وحين نسمع أسماء من لهم حق الزيارة على كل واحدة منا أن تتقدم لأخذ الورقة. وأنه علي ألا أبوح بما أعرفه وبما سيقال لي لأحد..... وكذلك كان، حيث اطمأنت أنهم فعلا معتقلون هناك. ولقد اكتفينا بأخذ ثلاث ورقات. أما باقي أسماء العائلة فلم يتقدم أحد لأخذ أوراقهم، وكانت نصيحة ساجد أن تكون النسوة أمازيغيات وبعد أن تأكدنا من وجودهم هناك عدت معهن وابني عبد الكريم على ظهري، بالكاد أكمل أربعين يوما بعد ولادته... فكان ذلك امتحانا من أجل الوطنية.. ولقد كان دور محمد الدكالي (ساجد) رحمه الله مركزيا في دعمنا وتوجيهنا عن طريق ابني الحسين.
o الحاجة المانوزية، قلت إن محنة الاستقلال كانت أفظع من محنتك خلال الاستعمار، وإن كنت أعرف بعض التفاصيل عن ذلك، أود لو توضحين للقراء، خاصة الأجيال الجديدة معنى هذه المرارة التي في تنهيدتك وأنت تقولين ذلك؟
n عذابنا في الاستقلال فاق كل عذاب آخر، ولقد تعمق أكثر سنة 1970، حين اعتقل كل أفراد عائلة المانوزي، وبلغ عدد المعتقلين منهم، كما تعلم 18 فردا.. وجاءت صدمة قتل إبراهيم المانوزي سنة 71، الذي هو في مرتبة أخي الأصغر، حنوت عليه كثيرا وبادلني نفس الحنو.. وكان البحث جاريا عن ابني الحسين الذي كان حينها في فرنسا، ثم انتقل إلى ليبيا.
وإذ أذكر شيئا، فإني أذكر ابني رشيد الذي ظل مختفيا عنهم لأيام عدة قبل أن يقع في أيديهم، وكان لا يزال فتى صغيرا... ،وأذكر أيضا تهديدهم لي في ابنتي فاطمة التي عينت حينها معلمة بمدينة خريبكة،... ثم أذكر يوم جاؤوا بالحاج علي زوجي إلى البيت في حالة يرثى لها... فلا الوجه وجه بالكدمات. ولا اليدين يدان بفعل القيد.. كان رجلا آخر..... بعد خمسة أيام من اعتقال رشيد، جاءت الشرطة إلى البيت، دقوا الجرس والباب، وحين فتحت لهم دخل شرطي متكرش، اسمه مصطفى الصقلي، وكان بالبيت عدد من النسوة، أصابهن ذعر بعد أن شاهدوا الأسلحة النارية في يد رجال المخزن، وكانت أغلبها رشاشات... شرعوا يقلبون البيت كله، وفتحوا خزانة العائلة، فأخذوا 3آلاف درهم كانت مخبأة لأجل شراء السجائر لبيعها في الدكانة الصغيرة التي كانت مصدر رزقنا الوحيد، وتركوا حليا قليلة، وتكررت أسئلتهم عن ابني الحسين، وبدأت التهديدات في حق ابنتي، التي تصاعدت مع أسئلتهم عن نقود فرنسية في ملكية الحسين ابن عم الحاج علي، قالوا إنه تركها لنا في البيت.. وبعد أخذ ورد اعتقلوني، وأخذوني في سياراتهم ..وتركت في البيت ابني صلاح الدين وابن عم زوجي المحامي الآن، مصطفى المانوزي وابني حفيظ أصغر ابنائي. ولقد ظللت أصيح فيهم بالأمازيغية السوسية أني لا أعرف العربية.. والواقع أني كنت أفهم كل ما يقولونه..... المهم، في معتقل درب مولاي الشريف، وجدت رجلا مسنا بطربوش أحمر مخزني، كان ترجمانا لهم، شرع يسألني بالأمازيغية عن الحسين وعن النقود الفرنسية. فأخبرته أن النقود التي نملك أخذها أولئك الذين اعتقلوني، فانتفض واحد منهم وصاح في: »»لا تتحدثي عن تلك النقود، فإننا سنعيدها إليكم»«... وماهي إلا لحظات، حتى جاؤوا بابني رشيد وقد ألبسوه جلبابا والقيد في يديه. يا الله، كان لا يزال فتى في شبابه الأول، وقد وضعوا القب على رأسه..... وبعد أخذ ورد وأسئلة محددة عن النقود الفرنسية تلك، أركبونا في سيارة ومنعوني من التحدث إلى صغيري رشيد - والحمد لله هو الآن دكتور في الإعلاميات، بل لقد جلس شرطي سري بيننا في السيارة، حتى بلغنا دكانة والده التي فتحوها وبحثوا عن النقود، فوجدوا عددا من الأوراق النقدية المغربية، وبعضا من الأوراق النقدية الفرنسية، أخذوها وعادوا برشيد إلى الكوميسارية، فيما أطلقوا سراحي، فعدت إلى البيت.
o بعد اللقاء مع ابنك رشيد المانوزي الذي قلت إنه كان مكبلا، حليق الرأس، بجلباب متسخ إلى أين تطورات الأمور«.
n كما قلت لك ثم اقتيادنا إلى الدكانة الصغيرة لبيع السجائر.. وهناك أخرج ابني نقودا قليلة كانت موضوعة في كتيب صغير، كانت مخصصة لشراء ما نحتاجه من علب السجائر، علما بأنهم سحبوا منا الرخصة بعد ذلك، وبقينا ربنا خلقتنا، أخذوها ثم اقتادوه من جديد وتركوني في الطريق فعدت إلى المنزل، وبعد مدة قصيرة، كرروا الزيارة، حيث فتشوا من جديد كل الغرف وأخذوا حتى البطاقات البريدية التي كان يبعث لنا بها ابني الحسين.
ولقد انقطعت صلتي بزوجي وأبنائي وإخوة زوجي حتى نقلوا إلى السجن بالقنيطرة ثم إلى السجن المدني »اغبيلة« بالدار البيضاء، ثم إلى سجن بولمهارز بمراكش، حيث كانت الزيارة منتظمة، وفي ظروف صعبة جدا.. وأذكر مرة أنهم جاؤوا فجأة بالحاج علي وكنا نحن نعتقد حينها أنه قد مات في أيديهم بسبب التعذيب، خاصة بعد تأكد خبر وفاة شقيقه هناك بدرب مولاي الشريف، جاؤوا به في حالة يرثى لها، حيث الوجه مليء بالكدمات، ويداه مشلولتان تماما بسبب القيد المتواصل، وكان بالكاد يستطيع المشي مثل شيخ طاعن في السن، كانت فرحتنا لرؤيته كبيرة، لأنه حي يرزق، عكس ما أشيع من أنه قتل.. وكم كان الأمر مؤثرا، حين طلبوا مني أن أعطيه ملابس داخلية جديدة وأمروه بخلع القديمة، لكنه لم يستطع لأن يديه شبه مشلولتين، فكان أن قاموا هم بإزالة ملابسه الداخلية وألبسوه الجديد منها، ثم شربوا كأس شاي وراحوا إلى سبيلهم أخذوه معهم، بعد أن فتشوا المنزل جيدا مرة أخرى ولم يعثروا على شيء، علما بأني كنت قد أخذت حقيبة أوراق، بها رسوم عقارية وبعض الحلي الذهبية وخبأتها عند أحد أقاربي، لأن عائلتي كانت تنصحني ألا أترك لهم المال أو الحلي، فقد يصادرونها وتذهب أدراج الرياح، خاصة وأننا لم نكن نملك عليهم أية وثيقة تثبت ما يأخذونه في كل زيارة.
o لو سمحت، الحاجة خديجة، نود لو نتوقف قليلا عند قضية ابنك المختطف الحسين المانوزي، كيف توصلت أنت بالخبر؟
n تلقيت الخبر مثل باقي أفراد عائلتي، أي أساسا من خلال رسالة مشفرة بعثها إلينا ابني رشيد من فرنسا، حيث أدركنا حقيقة الاختطاف، وأن ذلك قد تم في تونس.. وبقينا في حيرة، نحاول التحرك ولكن، في عزلة تامة حتى سنة 1975 أي سنة هروبه من معتقل الرباط..
o كنتم تسمعون رسائله الصوتية قبل اختطافه من إذاعة ليبيا؟
n نعم، كنا نسمع صوته في »صوت التحرير، الذي كان يبث من ليبيا.. وكان الناس يأتون إلي ويحكون لي عما سمعوه من أخبار بصوته.
o لو نتحدث عن الحسين الطفل بالنسبة لك كأم؟
n (صمت ودمع في المآقي).. كان طفلا نجيبا جدا في دراسته، وهو أكبر أبنائي، فكان رجل البيت كلما غاب والده أو اعتقل.. وكانت النسوة في حينا يقلن لي دوما إنني أعطي دروسا إضافية لابني الحسين سرا، وأننا نخصص له معلمين أكفاء لأجل ذلك، لأن تفوقه الكبير في مدرسة «الضيعة البيضاء». ليس عاديا، والحال أن ابني كان مجتهدا وذكيا فقط وكان حيويا ونشيطا.. كان رسول المقاومين زمن الاستعمار وكان عضوا في الكشفية.
علما بأنه ولد بالبادية، بسوس، ولقد رفض جده تسليمه وأيضا ابنتي فاطمة، حين قررنا الرحيل إلى الدار البيضاء فبقي هناك سنتين أخريين حتى بلغ السادسة من عمره، فاقتنع جده بضرورة التحاقه بنا لأجل الدراسة.
المهم، بعد نجاحه في دراسته بمدرسة الطيران بالدار البيضاء وتخرجه منها بتفوق هاجر إلى أوروبا، حيث بعث إلينا أنا ووالده سنة 1966 كي نلتحق به هناك في بلجيكا، حيث كان موظفا في الخطوط الجوية البلجيكية»سابيتا» ذلك ،لأنه قرر أن يبعثنا إلى الحج و هو ما تم فعلا ،حيث توجهنا من بلجيكا إلى ألمانيا ومنها إلى اليونان، ومنها إلى مصر بحرا، أبحرنا من مصر عبر البحر الأحمر إلى السعودية.. ولقد تكلف بكل المصاريف.
سنة واحدة بعد ذلك سيتزوج من فتاة مغربية.
o إذن الحسين كان متزوجا! فهذه أول مرة أسمع بالخبر!
n نعم، زوجناه سنة 1967 من سيدة فاضلة تنحدر من قبيلتنا. ولقد رافقته إلى ليبيا حيث قضت معه سنة هناك، لكنها لم تستطع التأقلم مع بلاد الغربة، وأساسا في ليبيا، فحدثت مشاكل بينهما فعادت إلى المغرب عبر الطائرة وبعد التحاقه بها في أواسط 1968، بقي معها فترة قصيرة انتهت بطلاقهما.
o هل أنجب منها؟
n لا... لم ينجب منها أي مولود..
. بعد ذلك هاجر مجددا إلى فرنسا، حتى جاء خبر اختطافه ثم خبر هروبه من المعتقل بالرباط سنة 1975.
- نعم حين فر جاؤوا بالعشرات، حيث طوقوا البيت وكان والده معتقلا حينها بالسجن المدني اغبيلة بعد أن اختفى بدوره شهورا في معتقل »الكوربيس» المهم، أخبرونا أن الحسين فر من سجن القنيطرة، فاعتقدنا أنه ابن عم الحاج علي زوج ابنتي فاطمة واسمه أيضا الحسين المانوزي، وكنا قد زرناه بالسجن منذ 24 ساعة فقط فلم نفهم الحكاية، لكن بعد اتصال بعائلة زوجي، وأساسا إخوته بالمحمدية تأكدت أن الأمر يتعلق بابني الحسين ففرحت أيما فرح لأنه أخيرا تأكدت أنه حي وأنه عندهم منذ 1972، أي منذ ثلاث سنوات.. ولقد ظلوا يطوقون البيت أسبوعا كاملا، أي فترة هربه وبعد أن رحلوا تأكدنا أنه وقع في أيديهم مجددا.
o واختفت أخباره مجددا؟
n نعم، اختفت أخباره علما بأنهم بحثوا في بيتنا عن صور له، فلم يعثروا على شيء، لأني مع باقي إخوته كنا قد خبأنا كل شيء بعيدا عن منزل العائلة، وهو ما سمح لنا بإنقاذ العديد من الوثائق والصور التي تتوفر أنت الآن على بعضها وكذلك الصحفية الهولندية »دوبور«.
o لو طلبت منك الحاجة خديجة أن توجهي رسالة إلى الحسين ما الذي ستقولينه له؟
n (صمت) لو كان لنا هامش حرية صحافة مثل الذي نتمتع به اليوم لوصل صوتنا ونداؤنا ولما وقع الذي وقع للحسين (صمت .. وبكاء حار،بكاء امرأة جاوزت السبعين من عمرها) كانت الأخبار تأتي أنه في هرمومو رفقة عبد الحق الرويسي ثم قيل لنا إنه يوجد في المستشفى العسكري بالرباط.. لكن الحقيقة يعلمها لله.. وما أود قوله لابني الحسين إني لم أتعب ولن أتعب سأظل أنتظره وأقول له موعدنا الجنة يا بني (صمت وبكاء حار).. أما في الدنيا فالله سيجازي الجميع لأنه إذا كان لا يزال حيا، فإن ربنا سيهيء لنا بقدرته أسباب اللقاء أما إذا كان غير ذلك فإننا سنلتقي حتما عند لله الذي نطلب رحمته لنا جميعا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.