التوجه المغربي نحو القارة السمراء ليس وليد اليوم، فالمغرب ساهم في بناء إفريقيا ومواجهة الاستعمار، وساند مختلف حركات التحرر الوطني الإفريقية من أجل طرد الاستعمار الأوروبي وغير الأوروبي منها. وقد خلفت الفترة الاستعمارية ندوبا لا تندمل في الوجه التي لا تحصى وفراغات في السلطة، وحروبا أهلية وتدميرا شاملا للثروات الباطنية، وسعت القارة إلى لملمة جراحها لكنها مازالت تقاوم، والمغرب يلعب أدوارا كبيرة في الرقي بالقارة في المجال العسكري، إذ شارك في قوات حفظ السلام، ولعب أدوارا أمنية، ويحارب اليوم الإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات.. اختار المغرب عن طواعية أن يكون حاضرا في مختلف مناطق العالم للمساعدة في إحلال السلام العالمي تحت راية الأممالمتحدة مع تفادي المشاركة في النزاعات ذات الطابع العسكري، حفاظا على علاقته المتميزة مع كل أطراف النزاع و تغليب منطق الحوار والحل السلمي على خيار اللجوء إلى استعمال القوة، ويلاحظ أنه منذ منتصف القرن الماضي ، تحمل المغرب مهاما وأدوارا أمنية دفاعا عن القارة، فبالإضافة إلى مهام قوات حفظ السلام يلعب المغرب اليوم أدوارا في حماية أمن إفريقيا في مواجهة الإرهاب والمخدرات ومطاردة الجريمة المنظمة وتقديم خبراته الاستخباراتية للفرقاء الأفارقة وخاصة في المناطق التي يجتاحها الإرهاب، كما أن دول أوروبا أضحت تعتبر المغرب شريكا في محاربة الإرهاب لنجاحه الأمني الاستباقي في إبطال مفعول عشرات الخلايا الإرهابية الخطرة ، في الداخل والخارج . وبالعودة إلى المشاركة المغربية في عملية الأممالمتحدة في الكونغو يوليوز 1960، فقد جاءت عملية السلام في هذا البلد عقب جملة من الأحداث التي عرفها ، فبعد استقلاله غادره البلجيكيون بصفة مفاجئة دون تهيئته لتسيير شؤونه، حيث لم يكن عدد الكونغوليين الحاصلين آنذاك على دبلوم جامعي يتجاوز عشية الاستقلال 17 شخصا. ومن ثم أصبح الكونغو الحديث العهد بالاستقلال بدون إدارة ولا نظام قضائي ولا قوات لحفظ النظام مما ساهم في اندلاع الفوضى وظهور عدة حركات انفصالية مثل حركة انفصال(إقليم كاطنغا بزعامة تشيمبي)، وفي أعقاب هذه التطورات أصدر مجلس الأمن قراره رقم 143 في 13 يوليوز 1960 والذي يهدف إلى إنشاء عملية الأممالمتحدة في الكونغو وبموجب هذا القرار استجاب المغرب لنداء الأممالمتحدة سريعا، وأوفد تجريدة عسكرية (مشاة ومظليين) تتكون من 4 آلاف عسكري، وبعثة مدنية. وساهم المغرب في ترسيخ الأمن وبناء الجيش الكونغولي وبناء المؤسسات ، وفي سنة 1992 جاءت المشاركة المغربية في بعثة الأممالمتحدة للصومال أبريل 1992- مارس 1995: حيث أنه و منذ سقوط نظام سياد بري في يناير 1991 تفجر الصراع في الصومال واندلعت حرب أهلية ضروس تمركزت بمقديشو في البداية ثم انتشرت في جميع أنحاء البلاد فيما بعد، وأمام تلاشي الدولة الصومالية وتفاقم الوضع الإنساني أصدر مجلس الأمن قرار 751 في 24 أبريل 1992 وعلى إثره تشكلت عملية الأممالمتحدة الأولى بالصومال حيث بدأت في الانتشار في 28 أبريل 1992 بهدف مراقبة وقف المعارك بين الأطراف المتصارعة، لكن ذلك لم يحل دون استمرار العمليات المسلحة الشيء الذي أعاق عمليات توزيع الإغاثة للصوماليين، وعقب ذلك اصدر مجلس الأمن القرار 794 الذي فوض للقوات المتعددة الجنسيات التي قادت الطور الأول مهمة إقامة جو آمن لعمليات الإغاثة الإنسانية في إطار ما يسمى بعمليات إعادة الأمل التي سوف تتحول فيما بعد إلى» ONUSOM II» وفي هذا الصدد قرر المغرب أن يشارك في عملية إعادة الأمل في 16 دجنبر 1992، فتوجهت تجريدة مغربية قدرت ب 1250 من القبعات الزرق إلى الصومال، وكانت تضم هيئتين طبيتين اجتماعيتين، بتحضيرات طبية ملائمة ومستشفى متنقل يضم عدة اختصاصيين في مجال التغذية والوقاية الغذائية وطب الأطفال، حيث بلغ مجموع الصوماليين الذين تمت معالجتهم نحو 30 ألف شخص، وقد أنيطت بقوات التجريدة المغربية مسؤولية حماية القاعدة الجوية التي توجد بها نحو 20 طائرة مروحية تابعة للأمم المتحدة، وساهمت في فتح مدرسة.» WAN LAWON «التي أغلقت منذ 12 سنة. وبعد الصومال جاء الدور على المساهمة المغربية في انغولا وذلك في 20 دجنبر 1998 إذ صادق مجلس الأمن على القرار 626 والذي بموجبه تشكلت UNAVEM I والتي كانت مهمتها الأساسية الإشراف على انسحاب القوات الكوبية من انغولا وفقا للجدول الزمني الذي تم الاتفاق عليه تفصيلا في الاتفاق الموقع بين الأطراف المعنية. قرر المغرب المشاركة في هذه البعثة انطلاقا من ماي 1991، وكانت المشاركة المغربية متمثلة في 15 مراقبا عسكريا و11 من عناصر الشرطة المدنية. ومع توقيع اتفاقية لوساكا في 20 نونبر 1994 أصدر مجلس الأمن القرار 976 في 8 فبراير 1995 والذي بموجبه تكونت» UNAVEM II «والتي كانت تهدف إلى تطبيق بروتوكول لوساكا ومراقبة وقف إطلاق النار في انغولا، وكذا توفير ظروف المصالحة الوطنية وتسهيل المساعدة الإنسانية ومراقبة مسلسل الانتخابات، وقد ساهم المغرب مساهمة بناءة من أجل تحقيق السلام في هذا البلد حتى شهر يونيو 1997 تاريخ انتهاء مهمة هذه البعثة في أنغولا. وجاء دور المغرب للتدخل في الكوت ديفوار- المشاركة المغربية في عملية الأممالمتحدة في الكوت ديفوار ONUCI[23]. بعد وفاة الرئيس هوفييه بوانييه في ديسمبر 1993 دخلت الكوت ديفوار في صراع طويل على السلطة خلف اضطرابات عميقة انتهت بانقلاب قادة الجنرال روبيرغي في ديسمبر 1999، ورغم ذلك استمر الخلاف حول السلطة ولاسيما حول الانتخابات الرئاسية التي وصلت ذروتها في أكتوبر 2000 بعد ما أعلنت المحكمة العليا فوز لوران كباكبو لتتوالى بعد ذلك المحاولات الانقلابية والتي كان آخرها تلك التي نشبت في 19 شتنبر 2002، ليقرر المغرب إرسال تجريدة عسكرية قوامها 734 جنديا وبعض الضباط في إطار البعثة الأممية التي تم تشكيلها في أبريل 2004 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1528، لترتيب المصالحة الوطنية والسهر على وقف إطلاق النار والإشراف على نزع السلاح ودعم السلام بشكل يمكن من إقامة الانتخابات في هذا البلد. هذا جانب من الدور المغربي تجاه القارة ، منذ 1960 ، ولا تزال كل العواصم التي مر بها تذكر الأيادي البيضاء للمغرب ودوره العسكري والأمني والمدني في إعادة السلم والأمان لأكثر من بلد ، لكن دور المغرب لا يقف عند هذه المهام ليتعداها إلى أدوار أخرى إلى جانب محاربة الإرهاب. ويبقى التدخل المغربي مطلبا إفريقيا إذ سبق أن قال الوزير الأول المالي السابق موسى مارا، بمدينة طنجة في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ، أن المغرب يعد «فاعلا مهما ومحوريا في استقرار منطقة الساحل بفضل حضوره الاقتصادي القوي»، و أضاف موسى مارا» المغرب ، بفعل موقعه الريادي على الساحة الإفريقية والدولية، تمكن من الاضطلاع بدور سياسي وأمني أكثر كثافة، لمساعدة البلدان الإفريقية المعنية على حل المشاكل الأمنية وإحلال السلام بها وتحقيق التنمية.» ورأى المسؤول المالي أن «دول الساحل ومنطقة جنوب الصحراء تعرف تحديات كثيرة لضمان الاستقرار ومواجهة التهديدات الإرهابية وتهريب المخدرات» واستطاع المغرب مواجهة الظروف السياسية المعقدة التي تمر بها منطقة المغرب العربي والساحل باعتباره لاعبًا سياسيا وأمنيا محوريا يعد جزءًا لا يتجزأ من مستقبل القارة السوداء، فوسط التطورات التي اجتاحت شمال إفريقيا برز المغرب كاستثناء. انخراط المغرب في مجال مكافحة الإرهاب لم يكن جديدا، حيث ساهم في إنشاء منظومة أمنية قوية حصنته من التهديدات التي يمثلها ما يسمى بتنظيم القاعدة في المغرب العربي، إضافة إلى المجموعات المتشددة التي تنتشر على الحدود في دول المغرب العربي وإفريقيا، وقد حققت السياسات التي اتبعتها المملكة لمكافحة الإرهاب نتائج ملموسة ،وأدركت الدول الإفريقية أهمية الدور الإقليمي للمملكة المغربية وما تتمتع به من موارد واستقرار سياسي يمكن أن يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون السياسي والأمني في المنطقة. وقد كان المغرب سباقا في دعم الدول المجاورة له التي تحتاج إلى تأطير أمني لمواجهة خطر تنظيم القاعدة في المغرب العربي، و يذكر أنه أرسل في 2009 مستشارين عسكريين إلى موريتانيا لمساعدة القوات الأمنية على التدريب وإمدادها بالنصائح الأمنية اللازمة. وتؤكد المملكة على أهمية التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، من خلال احتضانها العديد من المؤتمرات الداعمة لوضع أسس ومقترحات تفضي إلى القضاء عليه، ففي عام 2009، أطلق المغرب المؤتمر الوزاري للبلدان الإفريقية الأطلسية، وتم تأسيس أمانة عامة دائمة له في المغرب. وقد تبنى المؤتمر الوزاري الثاني الذي التأم في المغرب في نوفمبر 2010، خطةَ عمل للتعاون والتنسيق في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والبيئة. كما نظمت المملكة المغربية سلسلة من المنتديات الدولية التي عقدت بالمغرب بين عامي 2009-2012 لربط الدول الإفريقية الأطلسية مع نظرائها الأوروبية والأميركية. كما انعقدت في المغرب أشغال الدورة الخامسة لمنتدى مراكش للأمن لمناقشة موضوع "الفراغ الأمني وتوسع مناطق الهشاشات بشمال إفريقيا والساحل والصحراء"، حيث شدد الخبراء والمسؤولون الأمنيون وممثلو منظمات دولية، بعد نقاش مستفيض حول الإشكاليات الأمنية بمختلف بؤر عدم الاستقرار بإفريقيا، على "وضع إطارات لتدبير مشترك للأزمات وإرساء تعاون إقليمي ودولي فعال" لمواجهة التهديدات الإرهابية والجريمة العابرة للحدود التي تغتنم فرصة الفراغ الأمني من أجل الانتشار. ويلعب المغرب أدوارا أمنية كبيرة في مطاردة الجريمة من خلال أذرعه الحديثة في مجال محاربة الإرهاب استباقيا ،ولعل التوجه الإفريقي الأخير الذي اختاره المغرب نحو حلفائه وحضنه الطبيعي لا يتجلى فقط في الاقتصاد والتعاون التقني بل بحمولة أمنية كبيرة باعتبار أن الجريمة والإرهاب وتجارة الممنوعات أضحت عابرة للقارات ولا يمكن لأي طرف أن يواجهها منفردا، بل أضحت المواجهة الجماعية مدخلا وحيدا هو الأنجع، وإلا استغل الإرهابيون كل الفجوات، كما وقع في ليبيا التي تعيش صراعا وفراغا في السلطة ومحاولة زعزعة استقرار تونس بعد الإطاحة بزين العابدين بنعلي الرئيس السابق، وكذا ما يقع في مصر وفي سيناء بالضبط وكذاك ماليوالصومال وتشاد وغيرها حيث انتشرت القاعدة وداعش في ظل وجود فراغ سواء سياسي أو أمني لتصبح مهددة لأمن ومستقبل القارة السمراء.