الملك يهنئ هنغاريا بالعيد الوطني    موقف حازم من اليابان تجاه البوليساريو    توجيهات جديدة لضمان التطبيق السليم للعقوبات البديلة في المغرب    حجز عجول بميناء طنجة .. ومستوردون يوقفون الاستيراد بسبب الرسوم    الأمم المتحدة تشيد بكرم الملك محمد السادس للمساعدات الإنسانية الهامة التي أمر بإرسالها إلى غزة    كريستوف بوتان بخوص المساعدات الإنسانية لغزة: بفضل نفوذه الشخصي ومكانته الخاصة الملك محمد السادس الوحيد القادر على مثل هذه المبادرات    البيت الأبيض يطلق حسابه الرسمي على منصة "تيك توك" الصينية    خطة السيطرة على غزة .. تصعيد عسكري يهدد مباحثات الهدنة بالانهيار    إيران تهدد باستخدام صواريخ جديدة    تحقيق بفرنسا إثر وفاة مدوّن فيديو    توقيف جانح قاصر للاشتباه في تورطه في محاولة السرقة من محل تجاري تحت التهديد باستخدام طرد متفجر وهمي    أزيد من 14 ألف حالة غرق في أقل من ثلاثة أشهر بالمغرب    ميداوي يضع حدا لامتحانات الماستر ويحدد شروط القبول بناء على دراسة الملفات    أوروبا تسجل رقماً قياسياً في إصابات الأمراض المنقولة عن طريق البعوض        مقاولات المغرب الصغرى والمتوسطة "تحت رحمة" الأزمة: 90% منها لا تجد تمويلا بنكيا            دراسة: أجهزة السمع تقلل خطر الخرف لدى كبار السن بنسبة تفوق 60%    تقرير: ثلث شباب المغرب عاطلون والقطاع غير المهيكل يبتلع فرص الشغل            ثورة الملك والشعب : ترابط دائم وعهد متجدد    للمرة الثالثة: الموقف الياباني من البوليساريو يصفع الجزائر وصنيعتها.. دلالات استراتيجية وانتصار دبلوماسي جديد للمغرب        حملات أمنية مشددة ضد الدراجات النارية المعدلة بمختلف المدن المغربية    إطلاق فيديو كليب "رمشا الكحولي" بتوقيع المخرج علي رشاد        مدرب تنزانيا: مواجهة المغرب في الشان مهمة معقدة أمام خصم يملك خبرة كبيرة    شباب الريف الحسيمي يواصل تعزيز صفوفه بتعاقدات جديدة    أمين عدلي ينتقل إلى الدوري الإنجليزي في صفقة ضخمة    تخليق الحياة السياسية في المغرب: مطمح ملكي وحلم شعبي نحو مغرب جديد.    أمن طنجة يوقف مواطن دنماركي مبحوثا عنه دوليا    إيزاك يخرج عن صمته: "فقدت الثقة بنيوكاسل ولا يمكن للعلاقة أن تستمر"    تمهيدا لتشغيل الميناء.. إطلاق دراسة لاستشراف احتياجات السكن في الناظور والدريوش        إدارة سجن طنجة 2 تنفي مزاعم تصفية نزيل وتوضح أسباب وفاته    ذكرى ثورة الملك والشعب .. جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 881 شخصا    المغرب يعزز مكانته كقوة إقليمية في قلب التنافس الدولي بالصحراء والساحل    مبابي يقود ريال مدريد لتحقيق أول انتصار في الموسم الجديد        اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بمدينة ميدلت    حجز 14 طنا من البطاطس بتطوان قبل توجيهها للبيع لانعدام شروط النظافة والسلامة    البطولة الإحترافية 2025/2026: المرشحون والوجوه الجديدة ومباريات الجولة الأولى في إعلان MelBet    بدر لحريزي يفوز بمنصب ممثل كرة القدم النسوية في عصبة الرباط سلا القنيطرة    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    كزينة ونجوم الراب يشعلون الليلة التاسعة من المهرجان بحضور جماهيري قياسي    10 أعمال مغربية ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في جائزة كتارا للرواية العربية    مهرجان القنيطرة يفتح أبوابه للاحتفاء بالإبداع ويجمع نجوم الفن والرياضة في دورة شبابية مميزة    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفريات سينمائية : فيلم «طواف فرنسا» لرشيد جعيداني: سؤال الهوية الهجينة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 02 - 12 - 2016

يعالج فيلم «طواف فرنسا» للمخرج الفرنسي، من أب جزائري وأم سودانية، رشيد جعيداني قضايا هامة وشائكة تهم فرنسا اليوم وفي المستقبل أكثر من أي زمن مضى، خاصة وقد سبق له أن خَبِرَ الساحة السمعية البصرية الفرنسية جيدا؛ إذ مَثَّلَ عدة أدوار في السينما والتلفزيون.
يطرح العمل السينمائي الجديد للمخرج رشيد جعيداني المعنون ب"طواف فرنسا" (إنتاج 2016) سؤال الهوية داخل المجتمع الفرنسي الذي انعكس عليه ماضيه الاستعماري بشكل لم يكن متوقعا، فالمكون المغاربي والأفريقي بات جليا داخل مختلف مجالات الفعل الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي.
وهو الأمر الذي يبسطه الفيلم بشكل مباشر تارة، وغير مباشر تارة أخرى عبر سلسلة من الأسئلة المأزومة، غير البريئة، المشحونة برواسب التاريخ، والحاملة لقلق الحاضر والمستقبل، والمتوجسة من مآلات التمزق، ومفاجآت الهوية الهجينة، وذلك على لسان مخرج من ذوي الهويات المركبة، الذي انتبه إلى قيمة الفعل السينمائي في التعبير عنها منذ أن بدأ مشواره الفني كمساعد في الإخراج في فيلم "الكراهية" (1995) للفرنسي ماتيو كاسوفيتس.
ودون الأفلام، تردد المجلات الفرنسية المتخصصة أسئلة كثيرة من ذلك النوع، وأهمها: من هو الفرنسي؟ ما معنى أن تكون فرنسيا؟ ما التحولات الجذرية التي يعرفها المجتمع الفرنسي اليوم؟ إلى أين تسير فرنسا؟
مقابلة بين جيلين
يقابل المخرج بين جيلين مختلفين من الممثلين، وهما جيرار ديبارديو وصادق المنحدران من منظومتين ورؤيتين مغايرتين للدلالة على حصر فرضية الصراع الذي تؤول إليه كل مشكلات المجتمع اليوم، والمتمثلة في صعوبة تعايش الفرنسيين من ذوي الأصول الغربية مع غيرهم من الإثنيات المختلفة؛ إذ صرنا نلاحظ أن كل المشكلات تشير أو يتورط فيها أبناء الفئة الثانية، الحاملين لأفكار مضادة لنمط العيش على الطريقة الغربية أو الذين يحسون بالتمييز والعنصرية والكراهية والإقصاء وغيرها.
كان ديبارديو حاضرا، ولكنه لم يكن مقنعا، فشخصية الفنان التشكيلي كانت مُتَجَاوِزَة له بالنظر إلى عدم قدرته على تقمصها كحالة نفسية ووجدانية، وعدم اشتغاله على الجانب الحركي المتعلق بها خصوصا وأن الفنان التشكيلي له طريقة خاصة أو طرق متعددة تتعلق بطريقته في الإمساك بالفرشاة التي يرسم بها.
وهنا تصبح كفاءة بعض المخرجين الذين يختارون كبار نجوم السينما في أعمالهم الأولى، فيتسيدون عليهم ويتجاوزونهم فيبتعدون عن عمق الشخصيات التي يمثلونها.
اعتمد المخرج تقنيات أفلام الطريق التي ترتكز على الكاميرا المتحركة، الموضوعة في الغالب على السيارة، وتنويع زوايا الالتقاط التي تساهم في تكثيف الحركة، وخلق جمالية تُحَرِّكُ الثابت وتجعله متحركا وسائرا مع إيقاع الفيلم كما هو معروف في بعض الأفلام المشابهة مثل "نيويوركميامي" (1934) للمخرج فرانك كابرا، و"العنزة" (1981) لصاحبه فرنسيس فيبر.
لم يكن السفر إلاّ مناقشة عمومية لتلك الطرق الملتوية والغريبة التي تمنح بموجبها فرنسا المواطنة الجزئية أو المشروطة لبعض "مواطنيها"، وهو ما لا تودّ السينما الفرنسية تناوله أو تتحاشاه عن قصد لتبتعد عن الحرج.
غالبا ما تكرس الأفلام التي تهتم بالفنانين التشكيليين بحثها السينمائي لخلق عالم منسجم مع العوالم اللونية للفنان موضوع الفيلم، فتقترح على المتفرج رؤية منسجمة مع أعماله الفنية، وبما أن الفيلم مخصص لاقتفاء أثر الفنان التشكيلي الفرنسي جون فيرني (1714-1789) حين قام بجولة فنية حول موانئ فرنسا تلبية لطلب لويس الخامس عشر الذي أراد أربعا وعشرين لوحة تعكس أهم الأنشطة المميزة للمدينة، فما كان منه إلاّ أن أبدع خمس عشرة منها فقط، ويتعلق الأمر بالمدن التالية: مرسيليا، باندول، تولون، أنتيب، سيت، بوردو، بايون، لاروشيل، روشفور ودييب، ودارت اللوحات الأخرى حول بعض التفاصيل من نفس المدن.
ونالت تلك الأعمال شهرة كبيرة نتيجة القدرة الهائلة التي أظهرها الفنان على مستوى التقاط التفاصيل، وهندسة فضاء اللوحة، والمزج بين الألوان إلى أن صار واحدا من أهم رسامي البحار والمحيطات.
في سياق الاهتمام بالفن داخل السينما، كان فن "الراب" حاضرا ما دامت قصة الفيلم مبنية في جزء كبير منها على مرافقة المغني الشاب فاروق، ابن العشرين حَوْلا، وهو المضطر إلى الاختفاء لبعض الوقت عن مدينة باريس نتيجة تصفية حسابات ضده، وتعويض ابن الفنان الذي اعتنق الإسلام ضدّ رغبة أبيه، والعمل سائقا لسيارته ومساعدته أثناء رحلته على إنجاز اللوحات الفنية المطلوبة.
أهمية الأغاني
كانت الرحلة ذريعة فيلمية لاختبار مدى قدرة الفرنسي الأصلي على تحمل عقلية مغايرة ذات مرجعيات ثقافية وعقدية مختلفة. كانت كلمات الأغاني عاكسة للشعور بالتهميش، مستفزة ومنتقدة لما يعانيه الشباب من ذوي الأصول المغاربية أو الأفريقية من قلق ولا طمأنينة داخل مجتمع يزداد اختناقا يوما بعد يوم، وما ذلك التوليف بين التشكيل وموسيقى الراب إلاّ نوع من النظرة التي يريد المخرج أن يرى بها الوضع الراهن للمجتمع الفرنسي.
رؤية تحمل في ثناياها نوعا من التنافر المقصود بين جماليات الفن التصويري البحري والراب الحديث، لأن الهوة عميقة بينهما، ولكن النتيجة لم تكن غريبة لدى متتبعي موجات المزج الموسيقي، ولا غير متوقعة لمن يرصد المتاهات الفنية التي دخلتها الموسيقى في الزمن الرقمي.
لم يسلم السيناريو من هِناتٍ على مستوى ضبط العلاقات بين الشخوص، وإقحام بعض المواقف المفتعلة كتلك التي قام بها جيرار ديبارديو وهو يقلد مغني الراب أو مساعدة الفتاة للفنان والسائق المرافق له بعد أن تعطلت سيارتهما لتتحول علاقة الفتاة بفاروق، فجأة، إلى حب وهيام، وكذلك الطريقة المفتعلة التي يعانق بها الفنان رفيقه بعد أن فهم معاناته، ويتحول بسرعة قياسية من أقصى معاداة المهاجرين المسلمين، المكتومة في صدره، والمعلنة بشكل ملتبس، إلى مناصر لهم ومتفهم لجدية تصوراتهم، وأحقيتهم بالعيش في بلد لم يعرفوا سواه.
لم يسلم الفيلم، أيضا، من تقديم بعض الكليشيهات المعروفة عن أبناء المهاجرين أو الفرنسيين من أصول مغاربية كعدم رغبتهم في الاندماج، والميل شبه الفطري للتخريب وإضمار العنف ثم التصرف غير المناسب في بعض الحالات، وهو ما لم يكن سياقه مناسبا، بل كان مقحما من أجل إرضاء صناديق الدعم ومحاباة بعض الجهات السياسية.
لا ينفصل هذا الفيلم عن غيره من الأفلام الفرنسية التي تقدم علاقات الغيرية المركبة بشكل سلبي، وإن ارتأى الفيلسوف الوجودي سارتر الآخر جحيما في سياق بحثه عن الأنا في مقابل الآخر، فالخطاب الفيلمي يضمر في عدة مشاهد حمولة مضادة لمبادئ الحرية والمساواة والتآخي التي تتخذها الجمهورية الفرنسية شعارا لها، وما انفكت تسوقها كقيم إنسانية عليا من شأنها أن تضمن انتقال النموذج الفرنسي في التعايش الجماعي المبني على ميثاق أخلاقي عملي إلى كافة بلدان العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.