مديرة وكالة تهيئة موقع بحيرة مارتشيكا تهنئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش    الجواهري يرفع تقريرا إلى الملك حول الوضعية الاقتصادية والمالية للمغرب    موجة حر خانقة تضرب المغرب وتستمر حتى 10 غشت    مهنيون تجمعيون يثمنون "الرؤية الملكية"    بريطانيا: سنعترف بدولة فلسطين في سبتمبر إذا لم توقف إسرائيل الحرب    "إيركام" يضع حصيلة تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية تحت مجهر المساءلة    حملة أمنية واسعة تستهدف مقاهي الشيشة بشاطئ أصفيتحة بالحسيمة وحجز 36 نرجيلة    الملك محمد السادس يقرّ على جدول الترقية لسنة 2025 المتعلق بأفراد القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والحرس الملكي والقوات المساعدة    في أول تصريح بعد تعيينه.. السفير الأمريكي الجديد بالمغرب يجدد دعم واشنطن لمغربية الصحراء ورفض أي حلول خارج السيادة المغربية    الوكالة المغربية للطاقة المستدامة تطلق طلب إبداء الاهتمام بخدمات استشارية تتعلق ب"نظام تخزين الطاقة بواسطة البطاريات"    دي بوكيلي تزور "مركز الصم" بطنجة    النصر السعودي يقدم جواو فيليكس    قطعة نقدية تذكارية تخلد عيد العرش    المساعدون التقنيون بالصيدليات يواجهون شبح البطالة في ظل "أزمة التسعيرة"    حقيقة إصابات "حلوى الزجاج" بزايو    المغرب يشارك في "بينالي البندقية"    الصويرة : محمد ملال ، الكاتب الإقليمي للحزب ، والنائب البرلماني وعضو المكتب السياسي ، يتوج مساره الأكاديمي بشهادة الدكتوراه    نهائي "كان" السيدات: احتجاج الجامعة المغربية يعجل بتغييرات تحكيمية من قبل 'الكاف"    الرجاء يستأنف تدريباته بالبيضاء بعد معسكر أكادير        بعد ترحيله.. البقالي: الالتفاف حول سفينة "حنظلة" هو دعم للقضية الفلسطينية وكسر لحاجز الصمت    "إبادة مستمرة"… مقتل 36 فلسطينيا بهجمات إسرائيلية في غزة منذ فجر الثلاثاء    رئيس "الفيفا" يتجول في شمال المغرب ويقصد شفشاون    النيجر تستعين بالمغرب لتأسيس شركة طيران وطنية    36.7 مليار درهم حجم رقم معاملات صادرات الفوسفاط خلال 5 أشهر    سعد الله و نوس:وحده الأمل    الاستصهان: تفكيك السردية الصهيونية من موقع الفهم لا التبعية    عضة كلب ضال تودي بحياة طفل نواحي الناظور    خيتافي يعلن عن تعاقده مع اللاعب المغربي عبد الكبير عبقار حتى 2028    الدورة الرابعة لصيف طنجة الكبرى .. كرنفال استثنائي وسهرات فنية تضيء ليالي المدينة    "مجموعة أكديطال" تعلن عن استحواذها على مستشفى عبد الرحمن المشاري بالسعودية    موسم جديد للأنشطة التربوية الصيفية لفائدة أبناء المفرج عنهم في قضايا التطرف والإرهاب    توظيف مبلغ مالي مهم من فائض الخزينة    المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية: المغرب بلدٌ مانح للخبرة والتضامن العلمي    سجن تولال 1 ينفي منع زيارة نزيل ويؤكد احترام الإجراءات المعتمدة    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    إسبانيا تسجل أرقام قياسية في عبور المسافرين والمركبات نحو المغرب    مسلح يقتحم برجا بنيويورك ويخلف 4 قتلى بينهم شرطي        بورصة الدار البيضاء .. أداء إيجابي في تداولات الافتتاح    لاعب سابق للمنتخب الفرنسي يحاكم في البرازيل    فليك يتخذ قرارا حاسما بشأن شتيغن    "قاتل الشياطين" يحطم الأرقام القياسية في اليابان    مات مرتين .. في وداع زياد الرحباني صمتت فيروز    هند زيادي تُشعل منصة كلميم وتواصل نجاحها ب"انسى"    بسبب مبابي.. ريال مدريد يخطط لبيع فينيسيوس        متى ينبغي إجراء الفحوص الدورية على العينين؟    استخدام الهاتف في سن مبكرة يهدد الصحة العقلية        مصرع 30 شخصاً وإجلاء عشرات الآلاف في بكين بسبب أمطار غزيرة    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    ما علاقة السكري من النوع الثاني بالكبد الدهني؟        على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية «زمن الخوف» لإدريس كنبوري .. استقراء مضمرات التاريخ وحديقته السرية

لطالما توسل التاريخ بالأدب، ولطالما اعتبر التاريخ سرد ودراما وحبكة، شدتهما علاقة قرابة امتدت لعهود طويلة، إلى أن فرضت عليهما ابستمولوجيا القرن التاسع أن يستعجلا بإعلان وثيقة الطلاق، تحت وقع مدرسة تاريخية فرنسية، أسسها شارل سينوبوس وفيكتور لانغلوا، صاحبا كتاب مرجعي في ابستمولوجيا التاريخ»مدخل إلى الدراسات التاريخية»، حيت نافحا عن ضرورة تسييج المعرفة التاريخية من الدخلاء، ونقلها من الهواية نحو التخصص، فظن البعض أن بهذه المحاولة الجريئة،تم تشييع الأدب إلى متواه الأخير، وفصل التاريخ عن الأدب، ليخرج الفيلسوف الفرنسي بول ريكور، في لحظة تصادم علني مع عَرَّابي الحوليات الفرنسية، زمن الانتشاء بالنصر الاعلامي على مختلف مباحث العلوم الانسانية، منافحا عن مركزية السرد في كتابة التاريخ، وأن التاريخ لا يعدو أن يكون في العمق سوى سرد وحبكة مُقنَّعة بالتاريخ.
وحديثا، ثمة من يعاضد بالقول أن التاريخ هو الإبن العاق للأدب، أو العكس، تبعالانهجاسات الانتماء وذاتية التخصص، التي تصرفنا خارج مدارات التناهج البروديلي، وبين التاريخ والأدب، تطفو على السطح ذوات تعتصرألما، تستعطف بالحكي، من ذاكرة موشومة بالعنف والعنف المضاد، منتشية بالبوح السيكولوجي من هوس الضمير وعذابات الماضي الأليم، ماضي الانتهاكات، لكن ماذا يمكن للأديب في زمانية متكلسة أن يضيف إلى حقل التاريخ؟ وهليمكن للأدب له أن يبحر بعيدا في مكاشفة الحقيقة التاريخية من لغة مؤرخ غارقة في سراديب التقاليد الأكاديمية؟ ومن خلالهما أين يرتاح القارئ أفي لغة الأديب الموسومةبالتخييل والابداع، أم في لغة المؤرخ المقَمَّسة من صَنْعة التاريخ؟
حينما تنهجس الرواية بحكي وقائع الزمن الراهن، وتفاصيل الذاكرة القريبة من نبض التاريخ، وترسم أفقا جديدا يعيد إنتاج وقائع أغفلها التاريخ المكتوب، قصدا أو عَرَضا، تبعا لتجاذبات اللحظة السياسية، واكراهات مالكي وسائل الانتاج والاكراه الجدد في مصادرة الحق في كتابة التاريخ، تكون إذاك ناطقة عن انجراحات الذاكرة والتاريخ، لذاتية تنتحب ألما، تضيقت به الصدور، وتتنطع مقاومة زمن النسيان، بحثا عن الخلاص.
رواية زمن الخوف للأكاديمي المغربي إدريس كنبوري، الصادرة سنة 2016، عن منشورات طوب بريس، في حوالي 178 صفحة، تستقرأ مضمرات التاريخ وحديقته السرية بتوصيف الصحفي جيل بيرو، في لحظة موسومة بالمصارحة قبل المصالحة، تعود بسردية الحكي إلى مطمورات تقع في أقبية النسيان وتجاويف المسكوت عنه في تاريخ الزمن الراهن بالمغرب.
تكتب عن القبيلة المغربية، عن انقساميتها السياسية، وتوافقاتها الداخلية، عن ثنائية الانشطار والانصهار، عن تقاذف مغاربة الاستقلال نحو اقتسام تركة الرجل الأبيض، عن زعزعة الهندسة الاجتماعية التقليدية، بهندسة جديدة، جعلت من المقاوم قابعا في هامش البؤس، ومن الخائن سيدا ونافذا في قومه.
تحكي رواية زمن الخوف عن مقتل ذئب، يتفرق دمه بين قبيلتين متجاورتين بمنطقة الغرب، قبيلة بوحزيطات وقبيلة الحشالفة، وسط غابة من أشجار تقف حجابا بين قبيلتين متناحرتين، وبينهما مخزن شبح يقف متفرجا أمام ذئب ينهش شاة، ولكن هل يأكل المخزن الذئاب(ص12)، لابد أن يكون هذا الذئب اللعين، الذي يحدث كل هذه الجلبةأكثر من حيوان( ص 17)، ولابد أن يكون مقتله مجلبة للعار(ص 26).
تدور أحداث الرواية كلها داخل فضاء القبيلة، وتحاول أن تسبر دهاليز مؤسسة «اجماعة» كتنظيم اجتماعي وسياسي فاعل في ضبط التوازنات، يرأسه أمغار يدعى «سيدي بوغالم»، عن حكمة قبيلة بوحزيطات، مقابل جسارة قبيلة الحشالفة المدعومة من طرف رجال المخزن والحزب الجديد، وتهافتها على أراضي الغير، بمباركة من السادة الجدد.
قَتْل الذئب سيزعزع استقرار القبيلة، وسيجر عليها أكبر النكبات بسبب تحكيم جائر، فالصبيحي مثلا قسم ألا يجالس الناس، ولا يخرج من بيته، ولا يصلي في جماعة، والدعدوع لم يظهر له أثر منذ الحادث( ص 35)،بينما والد الدعدوع نزل إلى المدينة،وساءت طبائعه فسرقته إحدى النساء، واختفى عن الأنظار، وقيل مات، وقيل حصل على الأوراق، فهاجر إلى دولة أخرى ليعيش ما تبقى له من العمر هناك،أما أم الدعدوع تقطع قلبها على رحيل ابنها، أضحت تائهة في الدروب باحثة عنه، وفي كبدهالوعة الغياب، إلى أن أدركتها يد المنون حزنا على فراق لم تكتبه الموت (ص37).
تحضر شخصية المعلم «عبود»، كشاهد مؤتمن على توثيق الذاكرة، وناقلا أمينا لشواهد الماضي إلى أجيال الحاضر، عبر التدوين وتقصي الأخبار، إنه صوت العقل في مواجهة سراديب الفقه المتكلس، وصوت الحكمة في مجابهة نعرات التطرف والعصبية، تحضر دروس التاريخ داخل القسم وخارجه، دروس عن الاستعمار والمقاومة والحركة الوطنية، أملا في توضيح الأشياء، وانتصارا لروح المصالحة المفقودة.
التاريخ شيء مخيف، لأن الناس تخشى التحديق في الخلف، حتى لا تسقط (ص 63)، التاريخ الحقيقي ليس مكتوبا كله، ولكنه ما يزال موجودا في صدور الرجال، يعيشونه كقصص، لا كتاريخ، هذا ما حصل مع حادث الذئب، التاريخ ليس ذئابا وحيوانات، التاريخ وقائع (ص59)، هكذا يلقي المعلم عبود إلى بطل الرواية أحمد بثقل توثيق الذاكرة حول مذبحة سوق أربعاء الغرب بين بوحزيطات والحشالفة، بسبب تجاذبات السياسة، بين مناصرين لحزب الشورى والاستقلال، ومؤيدين لحزب الاستقلال، ففي سوق أربعاء الغرب ذبح الناس مثل الدجاج، وسرقت الأراضي بالقوة، تحت مباركة الحزب الجديد، دون تدخل الدولة، لأن الدولة هي الحشالفة أنفسهم (ص 73).
تحضر شخصية عَلُّولة داخل قبيلة بوحزيطات، كشخصية واشية بأسرارها، وناقلة لأخبارها إلى العدو، والتي ستكون وراء وشاية توجه أعيان القبيلة نحو الرباط، لإعلام السلطان محمد بن يوسف بتجاوزات قبيلة الحشالفة، ومن خلالها تبرز فئات استفادت من مغرب ما بعد الحماية، المغرب الذي خرج منه المسلمون ودخل النصارى (ص 95).
لو كنت أعرف أن أمثال هؤلاء هم الذين سيرثون الفرنسيين لما قاتلت، لدخلت بيتي وقعدت أنتظر الموت، الموت خير من حياة كهذه (ص132)، بهذا يصدح حكيم القرية سيدي بوغالم بعد سكوت طويل،أهذا هو الانسان الذي كان؟ أين نبض الحياة وحركتها؟ أين الذكريات والتاريخ الذي يقول المعلم عبود أنه في صدور الرجال؟ أين صدر والدي الذي مات بسبب الكمد» الفقصة»( ص 137)، وكأن قدر قرية بوحزيطات أن يكتب عليها الهَم، صراع مع الطبيعة، وصراع مع البشر، أي حكمة موجودة في السماء (ص 142).
حزب الاستقلال، السادن الجديد لمغرب الاستقلال، أنشا سجونا في عدة أماكن لتأديب من يخالف الرأي، فحضر سجن «الدادة» و»دار بريشة» في الرواية كتعبير عن معتقلات الشوريين من حاملي شعار» المغرب لنا لا لغيرنا»، فلا أحد ينظر إلى السماء وقت المطر، لكنك يجب أن تفتح عينيك وتنظر إلى الخلف، أنتم تعيشون ماضيكم من جديد في كل مرة ولذلك لا تستطيعون النظر إليه لأنه يتحرك فيكم كل وقت (ص 166).
وختاما، تنساق رواية الزمن الخوف مع روايات عدة في منجز أدب الاعتقال أو السجون بمغرب الاستقلال، التي حاولت أن تسبر الحديقة السرية لتاريخ المغرب غير المكتوب، وتعري عن انجراحات انطولوجيا الذات المغربية المقهورة بطعم السياسة، وتتحدث عن تقل فاتورة الذاكرة في كتابة تاريخ مغربي، يُسهم فيه الجلاد والضحية بمحبر واحد، بمنطق تحقيق المصارحة أولا قبل المصالحة، وتلك قصة أخرى لا يعرفها إلا المؤرخ أو من له مزاج المؤرخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.