السكوري: الحكومة تؤكد ضرورة أجرأة اتفاق "30 أبريل" قبل عيد الشغل    استعدادا لعيد الأضحى .. وزير الفلاحة يعقد اجتماعا مع مهنيي اللحوم الحمراء    المغرب وبلجيكا يدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    طقس الثلاثاء.. استمرار الحرارة مع هبوب رياح قوية بهذه المناطق    انتقادات لاذعة تطال فيصل عزيزي بسبب "الملابس الداخلية"    شاعلة وسط الاستقلال.. مور رسالة سيدنا للطالبي العلمي: تحدي كبير فالمقترحات لي غايقدمو لمناصب مجلس النواب والأعيان وصحاب الشكارة مزاحمين مع الكفاءات والأبناء ديال النافدين باغين حقهم من الوزيعة    أكبر توأم ملتصق ف العالم مات.. تزادو وراسهم لاصق وحيرو كاع العلماء والأطباء    بعدما علنات القطيعة مع اللغة الفرنسية.. مالي غادي تقري ولادها اللغات المحلية وغادي تخدم الذكاء الاصطناعي    لامارين روايال عتقات 53 حراگ من دول أفريقيا جنوب الصحرا شمال طانطان    المغرب التطواني يصدر بلاغا ناريا بشأن اللاعب الجزائري بنشريفة    توقيف موظف شرطة متلبسا بحيازة 151 غراما من مخدر الكوكايين ومجموعة من علب اللصاق المستعمل في التخدير    احذر من تناول هذه الأطعمة بغير وقتها!    الملك يقيم مأدبة غداء على شرف الوزير الأول البلجيكي والوفد المرافق له    فتح بحث قضائي في حق شرطي ضبط متلبسا بحيازة 151 غراما من الكوكايين    "أسود الفوتسال" يستعرضون قوتهم أمام زامبيا وينهون مجموعات "الكان" في الصدارة    الملك يهنئ الطالبي العلمي بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا ل"النواب"    مندوبية التخطيط تطلق عملية تحديث البحث الوطني للتشغيل    ماذا قال حكيمي قبل مواجهة البارصا؟    صندوق محمد السادس للاستثمار يستعد لإطلاق طلب إبداء الاهتمام لانتقاء شركات التدبير لتمويل الشركات الناشئة    المغرب التطواني يدين "التصريحات المستفزة" للاعب من اتحاد طنجة    الرصاص يلعلع بمراكش    الثابت والمتغير في القضية الفلسطينية    إسرائيل ترتكب مجازر جديدة بحق النازحين بغزة.. والعثور على مقبرة جماعية بمجمع الشفاء    فلقاء دام 35 دقيقة.. ها شنو دار بين گوتيريش ودي ميستورا حول نزاع الصحرا    ذهاء لشكر فتوزيع مناصب مجلس النواب: كيفاش لعب مع الحركة الشعبية فرئاسة العدل والتشريع وتخلا على المنصب وداز ضرب حليفو البي بي اس باش حيدلو نيابة رئيس البرلمان    كرة القدم .. وفاة اللاعب الدولي المغربي السابق منصف الحداوي    اتفاقية شراكة لتعزيز الحماية الفكرية للتراث الثقافي المغربي    بدء محاكمة ترامب التاريخية.. إليكم السبب..    جدول أعمال مجلس الحكومة الخميس المقبل    المغرب يعزز الإجراءات القانونية لحماية التراث الثقافي والصناعات الوطنية    نسبة ملء سدود حوض سبو 51,15 في المائة    لفهم ما جرى ويجري 1 لماذا اختارت إيران الهجوم عوض سيناريوهات أخرى ؟    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الاتحاد الإفريقي لكرة القدم يغير طاقم تحكيم لقاء نهضة بركان واتحاد العاصمة    بلجيكا تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي "أساسا جيدا" لحل مقبول من جميع الأطراف    على متن طائرة لارام.. احتفال خطير بذكرى زواج يخرق قوانين السلامة    الجمارك تعلن عن تحصيل أزيد من 20 مليار درهم في ثلاثة أشهر    سعر النفط يتراجع في الأسواق الآسيوية    "غوغل" تتيح أدوات لتعديل الصور بالذكاء الاصطناعي    عمل ثنائي يجمع لمجرد وعمور في مصر    تكريم الممثلة الإيفوارية ناكي سي سافاني بمهرجان خريبكة    السينما المغربية بمهرجان "نظرات افريقية للسينما الإفريقيةوالكريول" بمونتريال الكندية.    برنامج مهرجان مراكش العالمي للشعر    بايرن ميونخ طامعين فزين الدين زيدان: دواو معه وباغيين يرجعوه للتدريب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    دوزي يصدر جديده الفني "الباشا" بفيديو كليب استثنائي    ماكرون يبرر مشاركة إسرائيل واستبعاد روسيا في أولمبياد باريس    العلوم قد تكون في خدمة ما هو غير معلن    دراسة: ممارسة التمارين الرياضية في المساء تقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 61 بالمائة    سامسونغ تزيح آبل عن قمة مبيعات الهواتف الذكية في العالم    فرنسا تعزز الأمن أمام دور العبادة والمدارس اليهودية    العالم الفرنسي الكندي سادلان ربح جائزة "أوسكار العلوم" على أبحاثو ف محاربة السرطان    هذه طرق بسيطة للاستيقاظ مبكرا وبدء اليوم بنشاط    الأمثال العامية بتطوان... (572)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    هل قبل الله عملنا في رمضان؟ موضوع خطبة الجمعة للاستاذ إلياس علي التسولي بالناظور    مدونة الأسرة.. الإرث بين دعوات "الحفاظ على شرع الله" و"إعادة النظر في تفاصيل التعصيب"    "الأسرة ومراعاة حقوق الطفل الروحية عند الزواج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاديون خرجوا من جداول الإحصاءات .. «الربيع العربي... إلى أين؟ أفق جديد للتغيير الديمقراطي»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 10 - 2011

«الربيع العربي... إلى أين؟ أفق جديد للتغيير الديمقراطي»، كتاب صدر حديثاً عن «مركز دراسات الوحدة العربية»، يضمّ مجموعة مقالات ودراسات نشرت حديثاً عن «الربيع العربي» وعن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي فجرت تلك الثورات واحدة تلو الأخرى وخصوصاً في تونس ومصر.
ما يميّز الدراسات تلك باستثناء البعض القليل، هو تناولها لموضوع الثورة بشكل عام دون الخوض بال «خصوصية» التي تميّز بلداً عربياً عن آخر. الخصوصية التي يتذرع بها الموالون للأنظمة العربية. وكأن «الخصوصية» تنجّيهم من عدوى الثورات!
يبدأ المفكر التونسي منصف المرزوقي بحثه بنقطة نظام داعياً جميع الأطراف للكفّ عن استعمال مصطلح «الثورات العربية». واستبداله بمصطلح «الثورة العربية». وينطلق المرزوقي بفكرته تلك من مبدأ، أن أسباب تلك الثورات واحدة وهي «تسلط الفرد وحق أهله في الفساد، وحكم الأجهزة البوليسية، وخصخصة مؤسسات الدولة لخدمة الأفراد والعصابات بدل خدمة الوطن والشعب». أما أهدافها فهي أيضاً واحدة تختصر بالجملة الشهيرة: «الشعب يريد إسقاط النظام». إضافة إلى وسائلها التي تميزت بال «سلمية» حتى وإن «ووجهت بالرصاص». كما أنها تحمل طبيعة واحدة «شعبية، مدنية، شبابية، بلا قيادة مركزية وبلا أيديولوجيا».
أسباب الأزمة
يجمع معظم الكتّاب المشاركين على أن أسباب اشتعال تلك الثورات أو تلك «الثورة» كما يحلو للمرزوقي تسميتها، كانت واحدة. «نمو طبقية متوحشة تتغذى على انعدام عدالة توزيع الدخل، واستشراء البطالة. الفجور الذي تمارسه الأنظمة التسلطية العربية التي داست بأقدامها كرامة الإنسان العربي، قبل أمريكا. شطط الأنظمة الفاسدة في القمع والفساد والتزييف والاحتقار مما وضع الإنسان العربي أمام تحدّ وجودي: أكون أو لا أكون، فقرّر أن يكون!». يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة السوربون ووزير الثقافة اللبناني السابق غسان سلامة أن «المسألة في العمق هي في نظرة الحاكم إلى السلطة، بوصفها مُلكاً له، وإلى الدولة بوصفها متاعاً يحق له التصرف به للإثراء الذاتي أو للتوريث لمن يشاء أو للبيع والشراء والمقايضة».
كما يجمع الكتّاب في أكثر من مكان على عدم أهمية التوقيت. بمعنى آخر، على ادخار الجهد والوقت بدراسة مستقبل تلك الثورات بدلاً من الانشغال في كيفية اشتعالها وبدلاً من التساؤل: لماذا اليوم وليس البارحة؟ لماذا الآن تحديداً؟ إذ يرى البعض أن الثورات ليست مجالاً للتنبؤ. ولو كانت كذلك لما اشتعلت أصلاً. كان باستطاعة الزعماء العرب وحكوماتهم المترهلة، المستشرسة، الملتصقة بال «كرسي» أن تتجنب حصولها. إلا أن تجاهل التوقيت لا يمحو الدهشة مما حدث. يقول طاهر لبيب، مدير عام المنظمة العربية للترجمة، في مقدمة الكتاب، إن «الثورات العربية فاجأت المعرفة أيضاً. وإن المعرفة التي لم تتفاجأ لم تكن معرفة. ما سمّي مفاجأة هو تلقائية الممكن، إذ يخرج من «مستحيلات» الخطاب: الخطاب الذي استبطن «خروج العرب من التاريخ»، واستبطن صورة العربي الذي لا يثور». مضيفاً أن وراء هذا كله يأتي «إحباط تجربة اليسار العربي الذي سبق له أن استفزّ الممكن، «مَركسه»، «بلتره»، «قومجه»، وطنّه، عولمه، ناضل، ضحّى، مات من أجله، ولم يتحرك هذا الممكن الحرون!».
ويبدو أن المفاجئ اكثر هو اكتشاف ذلك اليسار العربي أن «الممكن كان كامناً في الواقع، ولم نره. اليوم نعلم أن من سميناهم بحرفيّة عالية، «فاعلين» ليسوا من فعّلوا الممكن.
من فعّل ذلك الممكن الحَرون إذاً؟
يعتقد لبيب أن من فعّله هم «ناس عاديون كانوا، في بحوثنا، كائنات هلامية نملأ بها جداول إحصاءاتنا». من جهته، يرى محمد عبد الشفيع عيسى، أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في مصر، أن الطبقة الوسطى هي التي حركت ذلك الممكن الكامن. ضارباً عرض الحائط بنظريات انقراض الطبقة الوسطى، مؤكداً في الوقت نفسه أن الطبقة الوسطى ربما انقرضت بمفهومها البرجوازي التقليدي، بينما أفرز الواقع الجديد طبقة وسطى جديدة من أبناء الأرياف، سكنوا «الأحياء القصديرية» أو «العشوائية» متوغلين في جهاز الدولة (الخدمة المدنية) وفي النسيج الاقتصادي المتحول حضرياً. بينما تؤكد دراسة توفيق المديني، الكاتب والباحث التونسي، أن محركي الثورة هم «هؤلاء الشباب والشابات المتعلمون والجامعيون، والمنتمون إلى كافة الطبقات الاجتماعية، متخذين من شبكة الانترنت منبراً لهم، وقد واجهوا نظامي بن علي ومبارك بثورة معلوماتية جديدة، استطاعت الالتفاف على جميع الحواجز وتدمير قواطع الرقابة البوليسية التي كانت تصادر صحيفة وتحجب مدوّنة وتقطع خط هاتف جوّال».
وإن اختلف الباحثون المشاركون حول خلفية مبدعي «الثورة»، فهم يجتمعون على نقاط عديدة أهمها: أنهم ليسوا من جيل اليسار العربي «المحبط والمهزوم». ليسوا من المنتمين إلى أحزاب سياسية معارضة. ليسوا من الحركات الإسلامية. شعاراتهم تخففت من ثقل الإيديولوجيا والرطرطة والترهل.
أهمية الحراك
الجماهيري
تكمن أهمية الحراك الجماهيري حسب الدراسات العديدة، أولاً، في قدرته الفريدة والاستثنائية على التخلص من أعتى ديكتاتوريات القرن العشرين.ثانياً، إعادة بناء الإنسان العربي، المتّهم بالعجز والجبن. ثالثاً، إعادة بناء الشعوب العربية وخلق مجموعة بشرية متلاحمة تثق في بعضها البعض وتواجه الموت جنباً إلى جنب، لفرض حقها في العيش الكريم. رابعاً، إعادة بناء الأمة العربية، بعد أن حرصت الديكتاتوريات العربية على اصطناع الخصومات بين العرب أنفسهم، الجزائري ضد المغربي، الكويتي ضد العراقي.. إلخ. خامساً، شعاراتهم براغماتية وملموسة: «ارحل». سادساً، غلب على الثورات طابع سلمي نابذ للعنف، باستثناء الحالة الليبية التي اضطرت إلى استعمال العنف دفاعاً عن النفس. ثامناً، أثبتت تجربتا تونس ومصر أن التغيير الجذري من الداخل ممكن وبدون حاجة إلى الخارج كما حصل في العراق. سابعاً، لم يستعينوا بالإسلام كما فعل أسلافهم في الجزائر أواخر الثمامينات. وهذه النقطة تمتلك من الأهمية ما يعادل كل ما سبق وسيلحق من نقاط. إذ أنها قضت على «بعبع» الإسلام الأصولي الذي تخيف به الأنظمة العربية شعوبها. الأمر الذي أربك الأنظمة نفسها في التعامل مع تلك الانتفاضات أو الثورات.
يعتبر الباحث التونسي توفيق المديني أن «الثورتين الديمقراطيتين في كل من تونس ومصر شكّلت إخفاقاً لكل من الأنظمة التسلطية العربية والحركات الإسلامية الأصولية في آن معاً، وأثبتا أن الوطن العربي قادر على اتباع طريق ثالثة.» مضيفاً أن «الثورة هي ثورة مدنية لا عسكرية ولا إسلامية، رغم التحاق إسلاميي حركتي «النهضة» و»الإخوان المسلمين» بها بعد اندلاعها». ويؤكد أن «الإخوان المسلمين» تغيروا كثيراً. وأرجع التغييرات التي طرأت على الحركة إلى «اختبار الإخفاق، في النجاح الظاهري (الثورة الإسلامية في إيران) كما في الهزيمة (القمع الذي يمارس ضدهم في كل مكان). إضافة لاستخلاصهم الدروس من النموذج التركي (حزب العدالة والتنمية) الذي وفق بين الديمقراطية والنصر الانتخابي والتنمية الاقتصادية والاستقلال الوطني وترويج القيم الإسلامية».
الولايات المتحدة الأمريكية
إذا كان الخطاب الأمريكي يغرّد بمفردات الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن بلد «الديمقراطية» هذا دعم لسنوات طويلة الأنظمة الديكتاتورية في الوطن العربي، مغمضاً عينيه عن انتهاكات حقوق الإنسان وعن الفساد، وعن تغييب القانون. بحيث كانت حقوق الشعوب العربية مجرد «أوراق» ضغط تستخدمها الولايات المتحدة لابتزاز الأنظمة دفاعاً عن مصالحها الاقتصادية والعسكرية في المنطقة العربية، خاصة منطقة الخليج العربي. يعتقد المفكر العربي بدر الدين حسيب أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، «تتمنى ضمناً الحفاظ على الأنظمة العربية المستبدة والفاسدة وغير الديمقراطية». والصفعة الكبرى التي وجهتها الشعوب الثائرة كانت للنمط الإدراكي الغربي للعربي حيث «اهتزت الكليشهات التي طالما روجها، وحرص على تكريسها في الأذهان والمخيلات. من مجتمعات تنتج العنف والإرهاب والهجرة والمخدرات وصور المرأة المحتجبة إلى مجتمعات قادرة على رفع شعارات عصرية ومتعطشة إلى الحرية والديمقراطية.» ويقول الباحث التونسي توفيق المديني إن «سقوط نظام مبارك، الحليف الدائم للولايات المتحدة الأميركية، شكّل ضربة موجعة لإدارة الرئيس أوباما». ويبيّن المديني كيف «أربك خروج مصر من معادلة الصراع مع إسرائيل كل الموازين العربية. لأنه أسقط احتمال قيام الدول العربية الأخرى في المنطقة بتحدّ عسكري ناجح ضد الكيان الصهيوني من دون مشاركة مصر بقوتها العسكرية الأكثر فاعلية في الشرق الأوسط. كما أتاحت له المعادلة أن يدمّر المفاعل النووي العراقي في حزيران /يونيو 1981، وأن يجتاح لبنان في حزيران/يونيو 1982. كما مهد لانخراط العراق في حرب طويلة الأمد مع إيران، ثم لغزو الكويت الذي أدّى بدوره إلى خروج دول التعاون الخليجي فعلياً من الصراع مع إسرائيل. ثم لغزو أمريكي للعراق».
الربيع العربي: وجهة نظر
من الخليج العربي
يأتي الفصل التاسع عشر أي الفصل ما قبل الأخير كصفعة للقارئ المستغرق في متعته ومخاوفِه ودهشته. فصل لا يمت للكتاب بصلة. وهو في الأصل محاضرة قدّمها عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات العربية المتحدة، في معهد كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت بتاريخ 28 تموز/ يوليو 2011. مقدمة الدراسة التي قدّمها، تشبع نهم القارئ لمعرفة المزيد عن أسرار هذا «الممكن الحرون» كما سمّاها الطاهر لبيب في مقدمة الكتاب. يقول عبد الخالق عبد الله في البداية إن «سنة 2011 لم تكن استثنائية فحسب، بل هي سنة تأسيسية. تحوّلات هذه السنة هي من العمق بحيث إنها تلغي ما قبلها، من مؤسسات وشخصيات وعقليات وسلوكيات، وتؤسس لكل ما بعدها.» مضيفاً أن «مرحلة الركود والاستسلام والإحباط والبؤس العربي التي امتدت لأكثر من أربعة عقود قد أوشكت على الانتهاء». ثم يقول إن «مفاجأة المفاجآت كانت ضرب الأنظمة في مأمن وهي غافلة ومطمئنة كل الاطمئنان على بقائها، وجاءت الضربة مفاجئة، ومن حيث لا تدري الأنظمة المستبدة، ومن الزاوية الخفية». ثم يحصي عدد قتلى «لحظة الحرية العربية» خلال فترة امتدت من كانون الثاني/ يناير وحتى تاريخ كتابة الدراسة والذي تجاوز الستة آلاف شهيد! إلى هنا يبدو الأستاذ عبد الله موفقاً في دراسته. إلا أنه بعد عدة أسطر يصل إلى دول الخليج. فتتخفف نبرته من ثوريتها وحدتها. يقول إن «ثورتي تونس ومصر كانتا ملهمتين لقطاعات شعبية واسعة في الخليج خاصة الشباب، إلا أن الحالة الخليجية عصية على التغيير». ثم يصل إلى قطر فيعلن أن «الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، تحول من زعيم دولة خليجية نفطية إلى «شيخ ثوّار العرب» الجديد»! ويعلل ذلك بتأثير قناة «الجزيرة» وبالتالي قطر على الربيع العربي حيث «لا يمكن تخيل الربيع العربي بدون هذه القناة التي هي سلاح فعّأل، بل سلاح ثوري من العيار الثقيل بيد حكومة قطر وأميرها». ثم يفخر بأن قناة «الجزيرة» انحازت إلى الثوّار وأدت دوراً تعبوياً في تغطية الثورات العربية، وتحولت من تغطية الحدث لتصبح هي الحدث». ومن المهم «عدم الاستهانة بدور البلدان الصغيرة في النظام العربي الحالي والمستقبلي، فالبلدان العربية الصغيرة والغنية كقطر والإمارات لديها قيادة سياسية شابة وطموحة، وقد أصبحت في موقع قيادي لتحديد أجندات مرحلة ما بعد الثورة العربية 2011». ربما نسي الأستاذ عبد الله أن قناة «الجزيرة» مارست قدراً كبيراً من التعتيم على ما حدث ويحدث في بلدان مجلس التعاون الخليجي وبخاصة عُمان والبحرين.
قد لا يخفى على أحد، أن تلك الحماسة الجياشة التي تتعامل فيها دول مجلس التعاون الخليجي، هي محاولة ربما لإقامة سدّ خليجي أمام الثورات العربية، لخلق ثورة مضادة تقودها تلك الدول لتحمي استقرارها الداخلي. ويبدو أن أموالاً طائلة تصرف في هذا المجال. حيث يشكل المال إغراءاً عملياً وواقعياً يطفو على الحاجة لإصلاحات سياسية أو لتعديلات دستورية جوهرية.
«الربيع العربي.. إلى أين؟» قد لا يقدم الكتاب إجابات واضحة ومرضية عن مستقبل الثورات العربية وعن ماهية الأنظمة المؤقتة أو البديلة. ويبدو جلياً أن الدراسات لم تتناول الأزمة بعمق كبير. بل اكتفت بملامستها بحذر واستعجال لا يتلاءمان مع إيقاع المتظاهرين الصاخب والغاضب والمتمرّد. لكنه بالتأكيد كتاب يستحق القراءة بتمعن، خاصة وأن معظم كتابه ينتمون إلى جيل الهزيمة والإخفاقات السياسية والركود الفكري.
عن «السفير»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.