توقع فتح بحث قضائي بعد نشر المهداوي فيديو مسرب من مداولات لجنة التأديب بالمجلس الوطني للصحافة    المجلس الأعلى للسلطة القضائية ينظم دورات تكوينية للقاضيات الراغبات في تولي مناصب المسؤولية    اجتماع المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار    الاتحاد العام للفلاحين يتدارس ملف إعادة تشكيل القطيع الوطني    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    تتويج سفير المغرب لدى الأرجنتين ضمن "قادة التحول في أمريكا اللاتينية"    أمل موكادور لكرة القدم الشاطئية بطلا للمغرب لسنة 2025    مونديال أقل من 17 سنة.. في مواجهة حاسمة المنتخب المغربي يلاقي البرازيل اليوم الجمعة وعينه على حجز مقعد في نصف النهائي    قرعة الملحق الأوروبي لمونديال 2026.. مواجهات نارية في طريق آخر أربعة مقاعد    "الشباب": حمد الله غير مقيد قانونيا    وفاة رضيع وُلد في طرامواي الرباط تُشعل جدل الإهمال الطبي وتُحرّك التحقيقات    30 دولة تعارض مسودة اتفاق "كوب30"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تراجع أسعار الذهب    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة    خطف 52 تلميذا من مدرسة بنيجيريا    لفتيت: إصلاحات المنظومة الانتخابية تهدف إلى "تجنب الشبهات" وتحسين صورة البرلمان    سيراليون تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتعبر عن ارتياح بالغ باعتماد القرار التاريخي 2797        المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    المغربي إدريس علواني يحصد الميدالية البرونزية في بطولة إفريقيا للدراجات    مدرب مارسيليا: أكرد لاعب لا يعوض.. وعلينا التأقلم مع غيابه    المغرب يرأس المجلس الدولي للزيتون لعام 2026    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي    بوعياش: تبادل إطلاق النار بحي بوسلامة ينتهي بتوقيف أحد المشتبه فيهم    مراكش: استئناف هدم مساكن العسكريين وقدماء المحاربين... وتعويضات تشمل بقعاً أرضية ومساعدات للبناء    اعتداء خطير بمستعجلات مستشفى بني ملال يخرج النقابة الوطنية للصحة للاحتجاج والتصعيد    كيوسك الجمعة | المنظومة المؤطرة للانتخابات تهدف إلى تخليق العملية الانتخابية والسياسية    وسام حمادة والدة "هند رجب" في افتتاح الدوحة السينمائي:    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    مهرجان الذاكرة المشتركة بالناظور يتوج أفلاما من المغرب وبولندا وأوروبا الغربية    توقيف "مولينكس" ونقله إلى طنجة للتحقيق في ملف مرتبط بمحتوى رقمي مثير للجدل    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    بوريطة يتباحث بالرباط مع نظيره الغاني    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    "الأحرار" يصادق على تصوره للحكم الذاتي تمهيداً لرفعه إلى الملك    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    أشبال الأطلس ضد البرازيل: معركة حاسمة نحو نصف النهائي    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    معمار النص... نص المعمار    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحيم بوعبيد وأجواء مؤتمر طنجة 1958

في أوائل أبريل 1958، وقع الاتفاق بين المرحوم المهدي بن بركة وبيني على ضرورة إطلاع علال الفاسي على تحليلنا للحالة في المغرب العربي, اتجهنا معا إلى منزله بطنجة, حيث كان مقيما منذ رجوعه من الخارج.
وبعد هذه الجلسة مع السي علال, تقرر بإجماع الثلاثة، الإعلان فورا عن الدعوة التي توجه من طرف حزب الاستقلال إلى الحزبين الشقيقين في كل من تونس والجزائر, من أجل عقد مؤتمر لتدارس الوضع في المغرب العربي، والعمل على تحديد آفاقه حالا ومستقبلا.
أما بقية أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال فلم يخبروا بهذا القرار إلا فيما بعد، لكن لم يكن أي اعتراض من طرفهم فيما إذا كانت الظروف مناسبة أولا فيما يخص جدول الأعمال. أما المحجوب بن الصديق, الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل، فكان رأيه على ما يظهر أن المبادرة ربما اتخذت قبل أوانها المناسب...
كان جواب جبهة التحرير الجزائرية بالقبول مجرد توصلها بالدعوة. أما حزب الدستور التونسي فلم يعلن عن قبوله ومشاركته إلا بعد مرور بضعة أيام.
وعندما تم الاتفاق بين المنظمات الثلاث ، تقرر عقد المؤتمر ابتداء من 27 أبريل 1958 بمدينة طنجة, وكان محمد الخامس رحمه الله يتتبع عن كثب كل مرحلة من مراحل هذه المساعي, مؤملا أن تنتهي إلى توحيد الخط، وإبراز الأهداف المشتركة بين الأطراف الثلاثة.
وبالفعل، انعقدت الجلسة الأولى لمؤتمر طنجة يوم 27 أبريل 1958 بقصر مرشان، في جو مؤثر من الحماس الشعبي وبحضور عدد كبير من رجال الصحافة العربية والأجنبية والعديد من الملاحظين الأجانب من مختلف التيارات والبعثات الدبلوماسية, وكان الوفد الجزائري يتضمن السادة بوصوف, بومنجل وعبد الحميد المهري, وكان هذا الأخير كثيرا ما يتكلم أثناء الجلسات باسم الوفد الجزائري. أما الوفد التونسي، فكان تحت رئاسة الباهي الادغم, ويضم من بين أعضائه مدير الحزب، السيد شاكر والتليلي كممثل للاتحاد العام للعمال التونسيين. أما الوفد المغربي فكان يتضمن أساسا علال الفاسي والمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد البصري بصفته ممثلا لأعضاء جمعية المقاومة وجيش التحرير، وأضيف إلى الوفد المغربي بمبادرة من علال الفاسي السيد الداي ولد سيدي بابا، الشيء الذي أثار شيئا من التحفظ من طرف الوفد التونسي، نظرا لموقف تونس آنذاك من قضية موريطانيا، لكن هذا الحدث لم يؤثر في النهاية على صحوة الجو بين الاطراف, حيث لم تدرج قضية موريطانيا في جدول أعمال المؤتمر.
انعقد مؤتمر طنجة في أجواء المؤامرات العسكرية والدبلوماسية التي كان يقوم بها آنذاك الاستعمار الفرنسي والاسباني, ضدا على الحركات التحررية من المغرب العربي, وليتسنى للقارئ أو الباحث الإحاطة بأهم المعطيات والأحداث العسكرية التي كانت شعوب المغرب العربي تواجهها من أجل الحفاظ على استقلالها ومواصلة الكفاح لاستكمال وحدتها الترابية. وهنا يجب التذكير بأطماع الاستعمار الفرنسي للسيطرة على جميع المناطق الصحراوية، ليجعل منها منطقة تابعة للسيادة الفرنسية. والتأكيد اعتمادا على المصادر الفرنسية والاسبانية ,أن تلك الأطماع لم تكن مجرد نظريات أو تخمينات, بل كانت تنطلق من عمليات استراتيجية عسكرية وديبلوماسية.
1 - بتاريخ 8 فبراير 1958 هجم سلاح الطيران الفرنسي على قرية ساقية سيدي يوسف بتونس,حيث توجد قواعد عسكرية لجبهة التحرير الجزائرية, هجوم خلف خسائر بشرية ومادية فادحة، فأثار الهجوم الغادر استنكار الرأي العام الدولي، وكان المغرب بالطبع في طليعة من أدانوا تلك العملية الوحشية المدبرة، لكن المهم من هذا الحدث الشنيع هو إظهار عزم الجيش الفرنسي في الجزائر, الذي كان يتصرف باستقلال عن حكومته المركزية بباريس، على توجيه ضرباته التخريبية إلى كل من تونس والمغرب، نظرا لمساندة القطرين لجبهة التحرير في كفاحها ضد الاحتلال. كما تبين للرأي العام الدولي أنه بدون تحرير الجزائر، فمن المحتمل أن تمتد الحرب إلى كل من تونس والمغرب وتشمل الاقطار الثلاثة, الأمر الذي سيتولد عنه وضع خطير في البحر المتوسط.
2 - وبتاريخ 10 فبراير 1958، أي يومين بعد الهجوم على ساقية سيدي يوسف وقع هجوم من طرف الجيش الفرنسي والجيش الاسباني على وحدات الجيش
المغربي، في كل من وادي الذهب والساقية الحمراء، وذلك بمقتضى حلف عسكري سري أبرز بين قادة الجيش الفرنسي وقيادة الجيش الاسباني. جيش التحرير استطاع منذ سنة 1955 أن يحرر الصحراء المغربية بأجمعها، حتى اضطر الإسبانيون الى الاحتفاظ بالعيون والداخلة فقط. أما الجيش الفرنسي فكان يرى في احتلال جيش التحرير لمجموع الصحراء (الغربية) خطراً على شمال موريطانيا، وبالأخص على قاعدة تيندوف. الأمر الذي كان يخشاه الجيش الفرنسي، هو أن تصبح هذه المنطقة من الصحراء المحررة واجهة جديدة تصبح في متناول جيش التحرير الجزائري.
وكثيراً ما يقال إن هذه العملية المشتركة بين المستعمرين، الفرنسي والإسباني، تسمى بعملية «إيكوميون». والحقيقة أن العملية العسكرية كانت تحمل اسم «أورگان». والجزء منها الذي قام بتنفيذه الجيش الفرنسي انطلاقاً من جنوب الصحراء هو الذي أطلق عليه اسم «إيكوميون». أما الجزء الذي وُكل إلى الجيش الإسباني، انطلاقاً من الساقية الحمراء فكان يُدعى بعملية «تايدي».
وليس المجال هنا لوصف هذه العملية العسكرية بكل ما يلزم من دقة، لكن الأمر الذي يجب إبرازه هو أن الجيش الفرنسي كان يخشى أن تصبح الصحراء (الغربية) قاعدة جديدة، في إمكان جيش التحرير الجزائري استعمالها لفتح واجهة جديدة في الجنوب الصحراوي. لذلك تدخل الجيش الفرنسي بكيفية مكثفة وأباح للجيش الإسباني أن يسترجع احتلاله على أهم مناطق الصحراء المغربية.
3 والعامل الثالث الذي كان يُلفت الأنظار، أثناء انعقاد مؤتمر طنجة، هو الهيجان السائد في الجزائر. إذ أصبحت الجالية الفرنسية وبمساندة جيش الاحتلال تعتبر نفسها في شبه استقلال بالنسبة لحكومة باريس، التي كان الغلاة الفرنسيون يتهمونها بالتخاذل والخيانة. فيما يرجع لمستقبل الجزائر. وعلى أي حال، تبين بعد مرور أسبوعين على مؤتمر طنجة، إن الجمهورية الرابعة الفرنسية انتهى أجلها وجاء الجنرال دوكول في أواخر ماي 1958 بضغط من الجالية والجيش الفرنسي في الجزائر.
وهكذا دخلت حركة التحرير الجزائرية ومجموع أقطار المغرب العربي، مرحلة جديدة في كفاحها.
إذن انعقد المؤتمر (مؤتمر طنجة) في الظروف الداخلية والخارجية التي أشرت الى بعض الجوانب منها. في جلسة الافتتاح، فوجئنا بمبادرة من السيد باهي الأدغم، الذي اقترح باسم الوفد التونسي أن تسند رئاسة المؤتمر وتسيير جلساته الى علال الفاسي. فكان الإجماع على المقترح التونسي.. وهنا تجب الإشارة إلى أن الحاج أحمد بلافريج لم يلتحق بالوفد المغربي إلا في جلسة الختام.
استمرت الجلسات طيلة ثلاثة أيام في جو من الصفاء والشعور بخطورة المسؤولية لا بالنسبة لماضي المغرب العربي، ولكن أساساً بالنسبة إلى المستقبل.
أما أهم القرارات التي اتُفق عليها بالإجماع، والتي أعلن عنها أثناء ندوة صحفية، يوم اختتام المؤتمر، فهي تتلخص في النقط التالية:
1 حق الشعب الجزائري في استرجاع سيادته الكاملة وإعلان الاستقلال. والتزام الشعبين التونسي والمغربي وحكومتهما إزاء الجزائر المجاهدة، ببذل المساعدة الكاملة، ماديا وماليا وديبلوماسيا إلى نهاية التحرر من الوجود الاستعماري في هذه المنطقة من المغرب العربي.
2 قررت الأطراف المشاركة في المؤتمر أن تؤسس في أقرب وقت حكومة جزائرية مؤقتة، وذلك باستشارة مع كل من المغرب وتونس، لتكون هذه الهيئة المؤسسة الشرعية الناطقة باسم الشعب الجزائري.
3 يندد المؤتمر بالمساعدات المالية والعسكرية التي يتوصل بها الاستعمار الفرنسي من طرف بعض الدول الغربية، وخاصة منها دول الحلف الأطلسي، ويوجه المؤتمر إنذاراً لهذه الدول مفاده أن المغرب وتونس لا يمكنهما أن لا يقوما بردود الفعل اللازمة، إزاء هذا التصرف العدواني.
4 يقرر المؤتمر أنه حان الوقت للعمل على تشييد أسس المغرب العربي الكبير، وفقاً للأماني المشتركة لكافة شعوب الأقطار الثلاثة. ويعتبر المؤتمر أن الوحدة المنشودة من الممكن أن تكون على شكل فيدرالي، اعتباراً للمعطيات الخاصة التي يتسم بها كل قطر من الأقطار الثلاثة.
5 وفي هذا الصدد، وفي انتظار أن تتحرر الجزائر من الاحتلال الأجنبي، يوصي المؤتمر بتأسيس مجلس استشاري للمغرب العربي، يضم أعضاء من المجالس الوطنية في كل من تونس والمغرب، وأعضاء من مجلس الثورة الجزائري.
وتكون مهمة هذه المؤسسة المشتركة دراسة القضايا المتعلقة بوحدة المغرب العربي، من النواحي الاقتصادية والثقافية والبشرية، واتخاذ مراقب في شكل ملتمسات وتوصيات توجه إلى حكومات الأقطار الثلاثة، وبالجملة يكون دور هذه المؤسسة القيام بكل أشكال الدراسات اللازمة، والعمل على تعميق الوعي لدى شعوب المنطقة بالأخبار والمداولات العلنية والحرص على السير في طريق الوحدة بفعالية ومسؤولية.
5 تأسيس كتابة دائمة لمؤتمر المغرب العربي, مهمتها العمل على تطبيق المقررات السابقة، وتنسيق العمل بين الأحزاب الثلاثة والدعوة، إن اقتضى الحال إلى عقد اجتماع كلما اقتضت ذلك الظروف الداخلية والخارجية.
وطبقا لهذه المقررات، شكلت ثلاثة وفود مشتركة لتبلغ نتائج المؤتمر، الى كل من جلالة الملك محمد الخامس، والرئيس الحبيب بورقيبة وجلالة الملك ادريس السنوسي بليبيا.
وكان السيد بوصوف هو المكلف برئاسة الوفد الذي اقتبل من طرف جلالة محمد الخامس, وكان الاستقبال حارا من طرف العاهل المغربي، حيث أكد بصفة خاصة ضرورة تأسيس حكومة جزائرية مؤقتة، تكون الناطق باسم الشعب الجزائري في المحافل الدولية، كما أعطى الأمر بتقديم مساعدة مالية لجبهة التحرير الجزائرية، كأول دعم مادي للثورة التحريرية.
واسند للمهدي بن بركة رئاسة الوفد الذي قدم نتائج المؤتمر الى الملك ادريس السنوسي.
تلك هي القرارات التي أعلن عنها عند انتهاء المؤتمر، لكن الجلسات تناولت مواضيع أخرى دون أن يتخذ فيها قرار أو توجيه.
فالوفد المغربي طرح نوعية العلاقات التجارية والاقتصادية مع أقطار السوق الأوربية المشتركة. وكانت سنة 1958، سنة الدخول في حيز التطبيق لمعاهدة الدول الأوربية الست، فاقترح الوفد المغربي تأسيس لجنة خاصة لدراسة الموضوع، واقتراح خطة مشتركة, على الأقل بين تونس والمغرب إزاء دول السوق الأوربية المشتركة .وفي نهاية الأمر تبين أن الموضوع يتطلب وقتا لدراسة علاقات كل طرف من الأطراف المغربية إزاء الأقطار الأوربية وخاصة منها فرنسا.
كما طرح الوفد إنشاء مؤسسة مشتركة لتنسيق تسويق منتوجاتنا إلى الخارج، وبالأخص منها الفلاحية والمعدنية والبحرية، بدلا من أن تستمر المنافسات بين هذه المنتوجات التي يستفيد منها أرباب المصالح الأوربية على حسابنا.
وأخيرا تقدم الوفد المغربي باقتراح يرمي إلى اتخاذ قرار يتعلق بإنشاء وحدة جمركية، تضم الأقطار الثلاثة، على أن يتدرج المشروع على عدة مراحل فيما يخص البضائع، وفيما يخص الزمن، حيث ذكر الوفد المغربي عدة بضائع مغربية يمكنها أن تباع في السوق التونسية، وفيما بعد في السوق الجزائرية، وكذلك الأمر فيما يتعلق ببعض المنتوجات أو البضائع التونسية أو الجزائرية بالنسبة للسوق المغربية.
كل هذه المقترحات كانت ترمي إلى تمتين روابط التعاون بطرق تدرجية واقعية، تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الخاصة لكل قطر، لتكون في نهايتها هادفة إلى انشاء منطقة تعاون متضامن في الميدان الاقتصادي والتجاري، حتى تصبح لوحدة المغرب العربي أسس صلبة تتطور بحسب الظروف مع تطور الزمن.
لكن بعد مداولات صريحة, تغلب الرأي الذي كان يقول بإرجاء البت في كل هذه القضايا والمقترحات إلى لقاءات قادمة...
تلك كانت نظرتنا، نحن في المغرب الى المنهج الذي كان يجب سلوكه لبناء صرح المغرب العربي الموحد. وهي نظرة تتسم في رأينا بالواقعية، واعتبار العقبات الظرفية أو المحلية، ولكنها جادة في سيرها الى الأمام، تجعلنا نتغلب بأكثر فعالية على رواسب الاستعمار في الداخل، ونستطيع أن نوجه كذلك، بأكثر فعالية وبعمل منسق متواصل علاقاتنا مع الخارج، أعني مع الدول الصناعية.
ماذا يمكن القول اليوم وقد مرت 25 سنة على مؤتمر طنجة؟ الجواب واضح: كل الإلتزامات التي تعهدت بها الأطراف ظلت حبرا على ورق. بل أصبح التوتر بين أقطار المغرب العربي على أشده، خاصة منذ سنة 1974.
كانت اطماع الاستعمار الفرنسي، سنة 1958، تهدف إلى الاحتفاظ بالسيطرة على كل المناطق الصحراوية، شرقا وغربا، وسعت فرنسا للتفرقة بيننا، كأقطار مجاورة. وفشلت هذه المساعي بتنسيق العمل ووحدة الرأي ، وإعطاء الأولوية لقضية الشعب الجزائري المجاهد. هذا ما يشهد عليه التاريخ وكنا نأمل, بل نريد أن يحول المخطط الاستعماري الى مخطط يجمع شعوب المغرب العربي لتصبح المناطق الصحراوية وخيراتها المادية و البشرية مناطق استغلال مشترك، يكون ركنا أساسيا لبناء المغرب العربي، كل ذلك في إطار احترام السيادة الوطنية لكل طرف من الأطراف.
كل ذلك لم يكن, وهذا هو الواقع الملموس والذي يؤسف له. فالمناطق الصحراوية، بدلا من أن تجمع بيننا، تحولت إلى عامل التفرقة والمواجهة الحادة الخطيرة.نحن في الاتحاد الاشتراكي، نقول، ومازلنا نقول ذلك، أنه لو تأسس مثلا المجلس الاستشاري للمغرب العربي, كما تقرر ذلك في مؤتمر طنجة، وأصبح يباشر مهامه في تخطيط مراحل البناء المشترك، وتدليل العقبات، والتغلب على عوامل الخلط والتقييم الخاطئ،لكنا استطعنا أن نتجنب حرب الرمال سنة 1963، وقضية الصحراء التي أثيرت على الشكل المعروف سنة 1974، ولكانت شعوب المغرب العربي قد استطاعت أن تتبع الأحداث وتطوراتها من خلال مداولات هذا المجلس وتكون لها سلطة القرار إزاء الأجهزة الحاكمة.
إن لكل طرف من الأطراف مسؤولياته الخاصة، إزاء شعوب المغرب العربي، بمن فيهم سكان المناطق الصحراوية. لكن التعبير اليوم عن مشاعر الأسف والحسرة لا يفيد في شيء، لتجديد العزم - إن كان هناك عزم - لتلافي الأخطاء.
إذا كانت ذكرى مؤتمر طنجة مفيدة، حيث تجعلنا نقيم الوضع الجديد, فإن الفائدة كل الفائدة المؤملة هي أن تدفعنا هذه الذكرى جميعا في انطلاقة جديدة خالصة لأداء الرسالة ا لمنوطة بنا في صدق وأمانة وواقعية، وذلك بالتخلي عن روح الهيمنة و«الوطنية» الضيقة.
وهكذا دخلت حركة التحرير الجزائرية ومجموع أقطار المغرب العربي، مرحلة جديدة في كفاحها.
إذن انعقد المؤتمر (مؤتمر طنجة) في الظروف الداخلية والخارجية التي أشرت الى بعض الجوانب منها. في جلسة الافتتاح، فوجئنا بمبادرة من السيد باهي الأدغم، الذي اقترح باسم الوفد التونسي أن تسند رئاسة المؤتمر وتسيير جلساته الى علال الفاسي. فكان الإجماع على المقترح التونسي.. وهنا تجب الإشارة إلى أن الحاج أحمد بلافريج لم يلتحق بالوفد المغربي إلا في جلسة الختام.
استمرت الجلسات طيلة ثلاثة أيام في جو من الصفاء والشعور بخطورة المسؤولية لا بالنسبة لماضي المغرب العربي، ولكن أساساً بالنسبة إلى المستقبل.
أما أهم القرارات التي اتُفق عليها بالإجماع، والتي أعلن عنها أثناء ندوة صحفية، يوم اختتام المؤتمر، فهي تتلخص في النقط التالية:
1 حق الشعب الجزائري في استرجاع سيادته الكاملة وإعلان الاستقلال. والتزام الشعبين التونسي والمغربي وحكومتهما إزاء الجزائر المجاهدة، ببذل المساعدة الكاملة، ماديا وماليا وديبلوماسيا إلى نهاية التحرر من الوجود الاستعماري في هذه المنطقة من المغرب العربي.
2 قررت الأطراف المشاركة في المؤتمر أن تؤسس في أقرب وقت حكومة جزائرية مؤقتة، وذلك باستشارة مع كل من المغرب وتونس، لتكون هذه الهيئة المؤسسة الشرعية الناطقة باسم الشعب الجزائري.
3 يندد المؤتمر بالمساعدات المالية والعسكرية التي يتوصل بها الاستعمار الفرنسي من طرف بعض الدول الغربية، وخاصة منها دول الحلف الأطلسي، ويوجه المؤتمر إنذاراً لهذه الدول مفاده أن المغرب وتونس لا يمكنهما أن لا يقوما بردود الفعل اللازمة، إزاء هذا التصرف العدواني.
4 يقرر المؤتمر أنه حان الوقت للعمل على تشييد أسس المغرب العربي الكبير، وفقاً للأماني المشتركة لكافة شعوب الأقطار الثلاثة. ويعتبر المؤتمر أن الوحدة المنشودة من الممكن أن تكون على شكل فيدرالي، اعتباراً للمعطيات الخاصة التي يتسم بها كل قطر من الأقطار الثلاثة.
5 وفي هذا الصدد، وفي انتظار أن تتحرر الجزائر من الاحتلال الأجنبي، يوصي المؤتمر بتأسيس مجلس استشاري للمغرب العربي، يضم أعضاء من المجالس الوطنية في كل من تونس والمغرب، وأعضاء من مجلس الثورة الجزائري.
وتكون مهمة هذه المؤسسة المشتركة دراسة القضايا المتعلقة بوحدة المغرب العربي، من النواحي الاقتصادية والثقافية والبشرية، واتخاذ مراقب في شكل ملتمسات وتوصيات توجه إلى حكومات الأقطار الثلاثة، وبالجملة يكون دور هذه المؤسسة القيام بكل أشكال الدراسات اللازمة، والعمل على تعميق الوعي لدى شعوب المنطقة بالأخبار والمداولات العلنية والحرص على السير في طريق الوحدة بفعالية ومسؤولية.
6 تأسيس كتابة دائمة لمؤتمر المغرب العربي, مهمتها العمل على تطبيق المقررات السابقة، وتنسيق العمل بين الأحزاب الثلاثة والدعوة، إن اقتضى الحال إلى عقد اجتماع كلما اقتضت ذلك الظروف الداخلية والخارجية.
وطبقا لهذه المقررات، شكلت ثلاثة وفود مشتركة لتبلغ نتائج المؤتمر، الى كل من جلالة الملك محمد الخامس، والرئيس الحبيب بورقيبة وجلالة الملك ادريس السنوسي بليبيا.
وكان السيد بوصوف هو المكلف برئاسة الوفد الذي اقتبل من طرف جلالة محمد الخامس, وكان الاستقبال حارا من طرف العاهل المغربي، حيث أكد بصفة خاصة ضرورة تأسيس حكومة جزائرية مؤقتة، تكون الناطق باسم الشعب الجزائري في المحافل الدولية، كما أعطى الأمر بتقديم مساعدة مالية لجبهة التحرير الجزائرية، كأول دعم مادي للثورة التحريرية.
واسند للمهدي بن بركة رئاسة الوفد الذي قدم نتائج المؤتمر الى الملك ادريس السنوسي.
تلك هي القرارات التي أعلن عنها عند انتهاء المؤتمر، لكن الجلسات تناولت مواضيع أخرى دون أن يتخذ فيها قرار أو توجيه.
فالوفد المغربي طرح نوعية العلاقات التجارية والاقتصادية مع أقطار السوق الأوربية المشتركة. وكانت سنة 1958، سنة الدخول في حيز التطبيق لمعاهدة الدول الأوربية الست، فاقترح الوفد المغربي تأسيس لجنة خاصة لدراسة الموضوع، واقتراح خطة مشتركة, على الأقل بين تونس والمغرب إزاء دول السوق الأوربية المشتركة .وفي نهاية الأمر تبين أن الموضوع يتطلب وقتا لدراسة علاقات كل طرف من الأطراف المغربية إزاء الأقطار الأوربية وخاصة منها فرنسا.
كما طرح الوفد إنشاء مؤسسة مشتركة لتنسيق تسويق منتوجاتنا إلى الخارج، وبالأخص منها الفلاحية والمعدنية والبحرية، بدلا من أن تستمر المنافسات بين هذه المنتوجات التي يستفيد منها أرباب المصالح الأوربية على حسابنا.
وأخيرا تقدم الوفد المغربي باقتراح يرمي إلى اتخاذ قرار يتعلق بإنشاء وحدة جمركية، تضم الأقطار الثلاثة، على أن يتدرج المشروع على عدة مراحل فيما يخص البضائع، وفيما يخص الزمن، حيث ذكر الوفد المغربي عدة بضائع مغربية يمكنها أن تباع في السوق التونسية، وفيما بعد في السوق الجزائرية، وكذلك الأمر فيما يتعلق ببعض المنتوجات أو البضائع التونسية أو الجزائرية بالنسبة للسوق المغربية.
كل هذه المقترحات كانت ترمي إلى تمتين روابط التعاون بطرق تدرجية واقعية، تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الخاصة لكل قطر، لتكون في نهايتها هادفة إلى انشاء منطقة تعاون متضامن في الميدان الاقتصادي والتجاري، حتى تصبح لوحدة المغرب العربي أسس صلبة تتطور بحسب الظروف مع تطور الزمن.
لكن بعد مداولات صريحة, تغلب الرأي الذي كان يقول بإرجاء البت في كل هذه القضايا والمقترحات إلى لقاءات قادمة...
تلك كانت نظرتنا، نحن في المغرب الى المنهج الذي كان يجب سلوكه لبناء صرح المغرب العربي الموحد. وهي نظرة تتسم في رأينا بالواقعية، واعتبار العقبات الظرفية أو المحلية، ولكنها جادة في سيرها الى الأمام، تجعلنا نتغلب بأكثر فعالية على رواسب الاستعمار في الداخل، ونستطيع أن نوجه كذلك، بأكثر فعالية وبعمل منسق متواصل علاقاتنا مع الخارج، أعني مع الدول الصناعية.
ماذا يمكن القول اليوم وقد مرت 25 سنة على مؤتمر طنجة؟ الجواب واضح: كل الإلتزامات التي تعهدت بها الأطراف ظلت حبرا على ورق. بل أصبح التوتر بين أقطار المغرب العربي على أشده، خاصة منذ سنة 1974.
كانت اطماع الاستعمار الفرنسي، سنة 1958، تهدف إلى الاحتفاظ بالسيطرة على كل المناطق الصحراوية، شرقا وغربا، وسعت فرنسا للتفرقة بيننا، كأقطار مجاورة. وفشلت هذه المساعي بتنسيق العمل ووحدة الرأي ، وإعطاء الأولوية لقضية الشعب الجزائري المجاهد. هذا ما يشهد عليه التاريخ وكنا نأمل, بل نريد أن يحول المخطط الاستعماري الى مخطط يجمع شعوب المغرب العربي لتصبح المناطق الصحراوية وخيراتها المادية و البشرية مناطق استغلال مشترك، يكون ركنا أساسيا لبناء المغرب العربي، كل ذلك في إطار احترام السيادة الوطنية لكل طرف من الأطراف.
كل ذلك لم يكن, وهذا هو الواقع الملموس والذي يؤسف له. فالمناطق الصحراوية، بدلا من أن تجمع بيننا، تحولت إلى عامل التفرقة والمواجهة الحادة الخطيرة. نحن في الاتحاد الاشتراكي، نقول، ومازلنا نقول ذلك، أنه لو تأسس مثلا المجلس الاستشاري للمغرب العربي, كما تقرر ذلك في مؤتمر طنجة، وأصبح يباشر مهامه في تخطيط مراحل البناء المشترك، وتدليل العقبات، والتغلب على عوامل الخلط والتقييم الخاطئ،لكنا استطعنا أن نتجنب حرب الرمال سنة 1963، وقضية الصحراء التي أثيرت على الشكل المعروف سنة 1974، ولكانت شعوب المغرب العربي قد استطاعت أن تتبع الأحداث وتطوراتها من خلال مداولات هذا المجلس وتكون لها سلطة القرار إزاء الأجهزة الحاكمة.
إن لكل طرف من الأطراف مسؤولياته الخاصة، إزاء شعوب المغرب العربي، بمن فيهم سكان المناطق الصحراوية. لكن التعبير اليوم عن مشاعر الأسف والحسرة لا يفيد في شيء، لتجديد العزم - إن كان هناك عزم - لتلافي الأخطاء.
إذا كانت ذكرى مؤتمر طنجة مفيدة، حيث تجعلنا نقيم الوضع الجديد, فإن الفائدة كل الفائدة المؤملة هي أن تدفعنا هذه الذكرى جميعا في انطلاقة جديدة خالصة لأداء الرسالة المنوطة بنا في صدق وأمانة وواقعية، وذلك بالتخلي عن روح الهيمنة و«الوطنية» الضيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.