من حسنات النظام القضائي المغربي أنه جعل التقاضي على ثلاث مراحل: الابتدائية، والاستئناف والنقض، وذلك تفادياً لاستمرار بعض الهفوات أو الأخطاء غير المقصودة أو الاجتهاد غير الموافق لحقيقة ما أجمع عليه قضاة محكمة النقض، الذين يصححون الأمر ويحيلون الملف من جديد على هيئة أخرى بنفس محكمة الاستئناف المصدرة للقرار المطعون فيه بالنقض للبت فيه طبقاً للقانون. القرار عدد 33 الصادر في 7 يناير 09 في الملف التجاري عدد 07/1/3/1332 عن المجلس الأعلى محكمة النقض اليوم مثال عن خبرة قضاة هذا الهرم القضائي بالمغرب، بني على القاعدة التالية: »يمكن الجمع بين مسطرة تحقيق الرهن ومسطرة الأداء في آن واحد، لعدم وجود أي مقتضى قانوني يمنع الدائن المرتهن رهناً رسمياً للمسطرتين، مادام أن أموال المدين هي ضمانة عامة لدائنيه، وأن مآل المسطرتين معاً هو التنفيذ على المدين في حدود مبلغ الدين وليس اقتضاءه مرتين. إن المحكمة التي قضت بعدم أحقية الدائن في الجمع بين مسطرة تحقيق الرهن ومسطرة الأداء في آن واحد قياساً على قاعدة الفصل 1223 من قانون الالتزامات والعقود، تكون قد أساءت تطبيق القانون، وعرضت قرارها للنقض«. إذ يستفاد من وثائق الملف والقرار المطعون فيه الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء في 29 شتنبر 03 تحت عدد 03/2846 في الملف 9/02/4829 وأنه في 10 دجنبر 01 قدمت البنك (A) مقالا لدى تجارية البيضاء (الابتدائية) عرضت فيه أنه بمقتضى عقد قرض مقرون برهن منحت للمدعى عليه (B) قرضاً بمبلغ 900.000,00 درهم على أساس إرجاعه بأقساط شهرية لمدة 48 شهراً آخرها 25 غشت 04 مع فائدة بنكية بسعر 10.5% والضريبة على القيمة المضافة، وقد تخلد مبلغ 178.385.82 درهم، كما هو واضح بكشف الحساب، طالبة بذلك الحكم على المدعى عليه (B) بأداء المبلغ المذكور، مع الفائدة البنكية أعلاه من فاتح غشت 01 إلى غاية الأداء والإكراه البدني في الأقصى والصائر. المحكمة التجارية قضت بعدم قبول الطلب لعدم إمكانية الجمع بين دعوى الأداء ومسطرة تحقيق الرهن. البنك استأنفت الحكم الابتدائي، فأيدته محكمة الاستئناف التجارية بمقتضى قرارها الذي طعنت البنك فيه بالنقض. القضاة المستشارون بالمجلس الأعلى الغرفة التجارية ذوو التجربة أصلحوا خطأ زملائهم في المحكمتين الابتدائية والاستئنافية بنقضهم القرار المطعون فيه وإحالة القضية على نفس المحكمة للبت فيها من جديد بهيئة أخرى طبقاً للقانون وبتحميل المطلوب في النقض المصاريف، مع إثبات إصلاحها هذا بسجلات المحكمة المصدّرة له إثر الحكم المطعون فيه أو بطرته، حتى يظل مرجعاً يعمل به، وذلك بناء على ما يلي: «.... إن ما بنت عليه محكمة الاستئناف التجارية قرارها فيه تحريف صريح للفصل المذكور (من ق. ل. ع 1223) ولقاعدة أموال المدين ضمان عام لدائنه، وأن الفصل 469 من قانون المسطرة المدنية نصل على أنه لا يقع البيع الجبري للعقارات إلا عند عدم كفاية المنقولات، ولا يوجد في القاعدتين معاً ما يستشف منه عدم جواز الجمع بين دعوى الأداء ودعوى تحقيق الرهن وتكون بذلك محكمة الاستئناف قد أولتْ وطبَّقَتْ الفصل المذكور على غير وجهه الحقيقي. وبشكل مخالف لما يتوخاه المشرع مما يعرض قرارها للنقض... كما أنه ليس هناك أي مقتضى قانوني يحول دون المرتهن رهناً رسمياً، وإمكانية سلوك مسطرة تحقيق الرهن الرسمي، وإقامة دعوى الأداء، مادام أن أموال المدين هي ضمان عام لدائنيه بمقتضى الفصل 1241 من قانون الالتزامات والعقود، فضلا على أن مآل مسطرة تحقيق الرهن، ودعوى الأداء هو التنفيذ على المدين في حدود مبلغ الدين، وليس اقتضاء الدين مرتين، مما يجعل القرار غير مرتكز على أساس وعرضة للنقض...».