في خبر مثير أوردته صحيفة روسيا اليوم اعتمدت مصلحة السجون بسويسرا نظاما جديدا يتعلق بلون الجدران داخل المعتقلات تجاوزا، لأن الزنازن في البلاد التي حباها الله بالديمقراطية في حقيقة الأمر غرف من خمس نجوم ،وأصدرت قرارا هاما نافذا يقضي بذهنها باللون الوردي، استنادا إلى آراء استشاريين في علم النفس، فتحت معهم الجهة الوصية على تأمين حياة الناس داخل أربعة جدران مع حرمان من الحرية في أقصر مداها . الإخصائيون النفسيون والسوسيو نفسيون نصحوا الإدارة باعتماد هذا اللون الوردي لما يحمله من تأثير إيجابي على حالة الإنسان النفسية، ولأن الخبر حسبما أفاد المصدر ذاته لم يقتصر على السجون ذات الاعتقال النظري ، والتي لم تصدر في شأنها أحكام قطعية فحسب، بل قررت الشرطة، أيضا، دهن زنازن السجن الاحتياطي المؤقت باللون الوردي، ومع سريان القرار ودخول التجربة حيز التطبيق الفعلي لمدة ليست بالطويلة ، لاحظت إدارة السجون أن الموقوفين المعروفين بعدوانيتهم أصبحوا أكثر هدوء، حتى أن بعضهم كان يغط في سبات عميق.» لنتجرع طعم المرارة ، بعيدا عن أية مقارنة لا تجدي نفعا، إذ لا وجود لها مع فارق، فإن واقع السجون المغربية وفق ما خلصت إليه دراسة أعدها المجلس الوطني لحقوق الإنسان « متأزمة وخطيرة ومعالجتها مسؤولية مشتركة» التقرير ليس الأول من نوعه، صادر عن مؤسسة رسمية ويكتسي صبغة واقعية . والسؤال الذي يطرح نفسه ، ما القيمة المضافة التي قد يحملها قرار مماثل بطلاء جدران السجون المغربية باللون الوردي في تلميع الوضعية المزرية التي تعيشها المؤسسات السجنية، وما السبيل إلى التماهي مع مضامين هذا القرار السويسري الموغل عميقا في أغوار النفس الإنسانية ؟ وما الذي يمكن أن ترممه الفكرة في حال استلهامها سيما في ظل سجون مغربية تشهد تفشي ظواهر خطرة مثل الشذوذ الجنسي، الاكتظاظ، ورواج المخدرات والخمور ، ووجود فوارق بين المعتقلين، ليصبح بذلك الضعيف رهينة للمعاملات اللإنسانية والمهينة من هذا النوع «إن المؤسسة السجنية تفقد دورها الإصلاحي في خضم هذه المسلكيات الشاذة وتعدو مؤسسة لإنتاج انحرافات جديدة، إذ يمكن لسجينين من أصل ثلاث، أطلق صراحهما توا، أن يقعوا في حالة العود. يقول أحد الباحثين، مشيرا إلى أن واقع السجون المغربية ليس منسجما مع مدرسة التأهيل الاجتماعي وإعادة الإدماج. وفي حديث آخر، يؤخذ البعض بسخرية ماكرة واقع السجون المغربية متسائلا في استغراب في تشف ونكاية « لا نطمح في ذلك اليوم الذي تقوم فيه الحكومة المغربية بجعل سجون المملكة وردية من درجة 5 نجوم، لأن ذلك من شأنه أن يشجع الانحراف ويعمق جروح الجريمة، ويضيف بمرارة « تريدون لبعض المجرمين الخارجين عن القانون الاسترخاء والراحة في غرفة بها هاتف وتلفزيون وخلوة شرعية إضافة إلى مرافق صحية ورياضية ؟ أين الديمقراطية ؟ ولعل قوانين العديد من سجون العالم تبدو مثيرة للاهتمام الذي لا يلبث أن يتحول إلى الإعجاب، فعلى سبيل المثال، ثمة قانون تعمل به السجون الفيدرالية البرازيلية، يسمح بتقليص مدة الحكم ل 4 أيام مقابل قراءة كتاب واحد، وإن كان ذلك بشرط ألا يتجاوز مجموع هذه الأيام شهرا ونصف في العام. وسعيا من السجناء للتأكيد على أنهم قرأوا الكتب، يبدي هؤلاء استعدادهم للخضوع إلى اختبار إنشاء، يجيبون فيه على أسئلة ويكتبون ملخصا للكتب التي قرأوها.» ووفق المصدر ذاته» في البرازيل أيضا، وتحديدا في سانتا دو سابوكايا، قررت إدارة أحد السجون تزويده بدرجات هوائية ثابتة، بحيث يسمح للسجناء بركوبها وتحريك عجلاتها، علما أنها مرتبطة بمولدات كهربائية، بحيث يعود دوران العجلات بفائدة التزويد بالكهرباء. لا تقتصر الفائدة على ذلك فحسب، إذ أن المحكومين بالسجن يمارسون الرياضة من خلال هذه العملية، ويقلصون أيام السجن بمعدل يوم واحد مقابل 16 ساعة من الحركة» في هذا الصدد ، كشفت صحيفة « إلكونفيدنسيال الإسبانية» وجود حوالي 6000 سجين مغربي بإسبانيا، وتستقبل السجون الكتلانية النسبة الاكبر حيث يبلغ عددهم في تلك السجون حوالي 1284 سجينا مغربيا ، وتمضي ذات الصحيفة في سعي مقارن لإظهار الواقع المفارق بين السجون المغربية و الإسبانية، وبالتالي الاحتجاج بشكل ضمني على واقع السجناء الإسبان بالمغرب قائلة: إن الموظفين وإداريي السجون بإسبانيا يؤكدون انهم خلال سنواتهم الطويلة من العمل في هذا القطاع ، لم يصادفوا يوما أي حالة يتقدم فيها سجين مغربي بتقديم طلب للانتقال إلى المغرب لقضاء باقي عقوبته ، إنهم يرفضون الانتقال إلى المغرب لقضاء باقي العقوبة». ومضت العديد من وسائل الإعلام الإسبانية التي تضامنت مع السجناء الإسبان- ماعدا غالفان مغتصب الاطفال المغاربة - في كشف الواقع المزري للسجون المغربية بسبب الظروف المزرية للسجن في الكشف عن معطيات تجسد - هذا العالم السفلي المغربي/ السجون- الذي وصفه احد السجناء الإسبان - بأكثر من الجحيم- . وفي هذا السياق وتمضي الصحيفة مؤكدة نقلا عن مصدر من ادارة السجون بإسبانيا «إن السجناء المغاربة بإسبانيا يرغبون في البقاء بأي ثمن و يرفضون الانتقال لقضاء عقوبتهم بالسجون المغربية»، وتضيف الكونفدينسيال قائلة :» إنهم يرفضون حتى الاتصال بأي مؤسسة مغربية خوفا من ان يرسلوهم إلى سجن بالمغرب». وترفق عادة العديد من الصحف الإسبانية معالجاتها لواقع السجون المغربية بصور تظهر «واقع الاكتظاظ المزري» باعتباره احد مشاهد الجحيم بالسجون المغربية، بل أحدث سجناء إسبان سابقون موقعا إلكترونيا « بلوغ» باسم « كرسليس مرويكوس» يتضمن مواد صوتية ومكتوبة عن تجربة السجناء الإسبان الصعبة بالسجون المغربية». وفي موضع آخر له صلة أفاد بحث ميداني أجري على مستوى عدة سجون مغربية، أن ما يناهز ثلثي المحكومين بالإعدام في المملكة، أي ما يقارب 67 % منهم، يعانون من أمراض عقلية مزمنة. البحث الذي أنجزته المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بتعاون مع الجمعية الفرنسية «معا ضد عقوبة الإعدام» والائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، أكد أن وضعية السجناء المحكومين بالإعدام في السجون هي «صعبة»، وأن حياتهم داخل عنابر الموت تفاقم ظهور اضطرابات نفسية لدى معظمهم ولا سيما بسبب الانتظار الذي يشكل في حد ذاته موتا بطيئا»، مشيرا إلى أن هذه الشروط تدفع ب35 % من المعتقلين إلى التفكير في الانتحار أو الرغبة في أن تنفذ عليهم عقوبة الإعدام. يشارإلى أن البحث تحت عنوان «رحلة إلى قبر الأحياء» وشمل عينة 52 محكوما بالإعدام بسجون القنيطرة ومكناس تولال ووجدة، من أصل 115 محكوما بالإعدام في المملكة. لكن طبيب الأمراض العقلية والنفسية ومحلل نفسي الدكتور عبد الله زيوزيو في حوار مع إحدى الجرائد الوطنية عندما سئل عن رأيه حول «بويا عمر» التي تحافظ عليها الدولة كوسيلة للعلاج؟ أجاب الدكتور زيويو «بويا عمر» ليس وسيلة لحل هذه المشاكل، بل هو مجرد سجن خاص يؤدي فيه الناس الذين لايتوفرون على إمكانيات وأَسِرة بالمستشفيات العقلية والنفسية ثمن سجن أبنائهم وأفراد عائلاتهم، إنه مجرد سجن. كما أن هناك مرضى عقليين موجودين بالسجون كيف يصلون إلى السجون؟ فلما يصبح المريض عنيفا يكسر التلفزة مثلا أو يضرب، تذهب عائلته لتطلب من السلطات علاجه. العاملون «بالكومساريات» يعرفون أن هذا المريض سيعود في وجههم، لأنهم يعرفون أن جناح 36 مملوء، فيسجلون ضده محضر اعتداء على الأصول، ويزج به في السجن ويزداد مرضا، وقد يقوم بجريمة داخل السجن بدل الذهاب للعلاج، فهناك العديد من المغاربة يحرمون من حريتهم ويذهبون إلى السجون وإلى «بويا عمر» و«عين عتيق». والجرائم التي وقعت بفاس والرباط يجب أن تدفعنا نحو التساؤل، يضيف الإخصائي النفسي، حول ماقد هيئناه مستقبلا للتصدي لهذه الأمراض؟ والمسؤولية هنا ترجع للجميع، للحقوقيين والجمعويين والمحاميين والقضاة والدكاترة والإعلاميين... إذ يجب التطرق لهذا ودراسة هذه الحالات بدل تحويلهم إلى مجرمين، في حين هم مرضى عقليون ونفسيون، وتسليط الأضواء حول: لماذا لاتعالج هذه الأمراض؟ وماهي الفضاءات المخصصة لها؟ ولماذا لازلنا نخجل لحدود الآن من المرض النفسي؟ ولماذا لايزال العديد من المرضى النفسانيين يطلبون شهادات المرض من الطبيب العام بدل شهادة الطبيب النفساني؟ يجب العمل على تجاوز هذا الطابو. يخلص حوار الجريدة مع أحد أهم الأطباء والمحللين النفسيين بالمغرب