المقال أسفله يتشكل عموده الفقري مما سبق أن نشرناه في يوم 22 أبريل الماضي، أي قبل صدور القرار الأممي الجديد بنصف سنة. كان الموعد وقتها موعدا صحراويا أمميا بامتياز، كما كان الترتيب للقرار الحالي يأخذ شكلا ملموسا عند صناع القرار في واشنطن أو نيويورك، على أساس ما وفّرته الرباط من معطيات حاسمة. منذ تلك الفترة تحدد الأمر بشكل حاسم. وجاء خطاب ملك البلاد يوم 31 أكتوبر الماضي، ليتحدد الإطار العملي للحكم الذاتي، وذلك بناء على الآليات التالية: في سياق هذا القرار الأممي 2797، سيقوم المغرب بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، وبالتالي فهو يستجيب للأفق المنتظر دوليا وتعاقده مع الشرعية الدولية، كما يجعل المبادرة بيده فيما يخص المقترح الذي تم تبنيه أمميا. سيقدّمها للأمم المتحدة، وعليه فهي الخطاب الأول، والمظلة الدولية للشرعية. هذه المبادرة ستشكّل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق، ولا يمكن أن تنفتح على ما يمكن أن ينسفها أو يفضي بها إلى خلاصات مضادة لما تقدمه. وقد جاءت تصريحات المبعوث الشخصي للأمين العام، السيد ستيفان دي ميستورا، كما تصريحات مسعد بولوس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي ترامب، لتسير في الاتجاه نفسه، مع بعض التفاصيل من هذا الطرف أو ذاك، التي ننتظر تطورات الوضع القادمة لنتبيّن معناها الملموس. في انتظار ذلك، نعيد نشر المقال الذي طرح الأسئلة التي تشغل الرأي العام قبل القرار وما زالت تغذي التوقعات والتحاليل. برزت عدة أسئلة ومواقف على إثر التطورات الهائلة التي حصلت في أسبوع واحد، المقصود بها هنا الأسبوع من 8 إلى 14 أبريل، ذات العلاقة بقضيتنا الوطنية، قضية الصحراء. والمعروف الآن أن البلاغ الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عقب اللقاء بين رئيس دبلوماسيتها ماركو روبيو وناصر بوريطة، واللقاء الذي جمع لينا ليزا، المسؤولة التنفيذية في ذات الوزارة، مع المبعوث الشخصي للأمين العام ستافان دي ميستورا، ثم تعيين السيد مسعد بولوس مبعوثًا شخصيا للرئاسة الأمريكية مكلّفا بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا)، وفي قلبها القضية الوطنية المغربية من زاوية العمل على تسهيل تنفيذ خطة الإدارة الأمريكية للحل، كلها تطورات متسارعة وذات أثر بليغ في المسلسل الذي تعرفه القضية، في أفق مرور نصف قرن على اندلاع النزاع المفتعل. وتناسلت التحليلات، منها ما صبّ في المتابعة اليومية الحدثية (événementielle) ، ومنها ما ذهب بعيدا إلى الحديث عن آفاق الحل وشكل الحكم الذاتي وحدوده، ومنها من تساءل عن أدوار الجهات التي ظلت تعالج الموضوع. وإجمالًا يمكن تلخيص هذه الأسئلة فيما يلي: ما هي حدود الحكم الذاتي؟ ما هي حدود تدخل الأممالمتحدة؟ ما هي مهام المينورسو في المرحلة الحالية؟ وأي دور لمجلس الأمن بعد الاختراق التاريخي الحاصل فيه؟ ما هي هوامش الفعل لدى المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة؟ وأي دور للمبعوث الشخصي للرئيس ترامب، مسعد بولوس، في علاقة بأدوار مجلس الأمن والأممالمتحدة، إلخ. ولعل من المنتج والمفيد هنا أن نطرح كل سؤال من زاوية التقائه بالقضية، تأريخها الفعلي الحقيقي والجاد، وليس في جدارة البناء النظري للمفهوم الذي يحيل عليه، كما هو الحال هنا مع الحكم الذاتي مثلًا ومعنى السيادة الوطنية. وسنستعين بالكتابات التي ارتأينا أنها على علاقة بالموضوع في تحولاته وتوليفه عبر تفكير دقيق يستحضر البعد التاريخي والرمزي والديني في بناء المفهوم الوطني للدولة المغربية وصياغة الهوية الوطنية بناءً على هذا التاريخ المتعدد والخصب. لقد ربط المغرب، بشكل ديالكتيكي ولكنه صارم، بين الحكم الذاتي والسيادة الوطنية، بطريقة لا غبار عليها. وعليه، فإذا كانت السيادة سيادتين، خارجية معروفة وأخرى داخلية، فسنقول إن الداخلية تعني السلطة الحصرية على التراب وعلى المواطنين الذين يوجدون فوقه ويسكنونه، سلطة حصرية تملكها الدولة ذات السيادة، مع شرط حصري كذلك هو منع واستحالة تدخل أي طرف آخر أو دولة أخرى في الشؤون الداخلية لهذه الدولة والتراب المعني بها. وإذا كان القانون الدولي قد حدّد السيادة في الدولة الأمة، ووضع من مقوّماتها استقلالية الدولة، لمنع فرض أي إرادة من أي دولة أخرى كانت، فإن من صميم سيادة الدولة التنظيم الداخلي بكل حرية للتراب ولساكنته. وبذلك تكون السيادة هي ما تترجمه السلطة الشاملة والمطلقة وغير المشروطة. إلى ذلك، فإن الدولة في المغرب حقيقة تاريخية وليست بناءً نظريًا فقط، ولها تاريخها ومنطقها في ضبط العلاقة مع أقاليم الجنوب بما فيها الصحراء.