رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي    مهنيو الإنتاج السمعي البصري يتهيؤون "بالكاد" لاستخدام الذكاء الاصطناعي    بايتاس ينفي الزيادة في أسعار قنينات الغاز حالياً    بعد فضائح فساد.. الحكومة الإسبانية تضع اتحاد الكرة "تحت الوصاية"    بشكل رسمي.. تشافي يواصل قيادة برشلونة    البطولة الوطنية (الدورة ال27)..الجيش الملكي من أجل توسيع الفارق في الصدارة ونقاط ثمينة في صراع البقاء    السلطات تمنح 2905 ترخيصا لزراعة القنب الهندي منذ مطلع هذا العام    بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    زنا المحارم... "طفلة" حامل بعد اغتصاب من طرف أبيها وخالها ضواحي الفنيدق    الأمثال العامية بتطوان... (582)        بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الخميس على وقع الأخضر    الادعاء الإسباني يدعو إلى إغلاق التحقيق في حق زوجة رئيس الوزراء    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    اتحاد العاصمة الجزائري يحط الرحال بمطار وجدة    تراجع حركة المسافرين بمطار الحسيمة خلال شهر مارس الماضي    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    "اتصالات المغرب".. عدد الزبناء ديالها فات 77 مليون بزيادة وصلات ل2,7 فالمية    بعد خسارته ب 10 دون مقابل.. المنتخب الجزائري لكرة اليد يعلن انسحابه من البطولة العربية    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    الزيادة العامة بالأجور تستثني الأطباء والأساتذة ومصدر حكومي يكشف الأسباب    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    عدد زبناء مجموعة (اتصالات المغرب) تجاوز 77 مليون زبون عند متم مارس 2024    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إرث المرأة بين مقاصد الإسلام وغلو الفقهاء

تتصاعد حدة الجدال الدائر في المغرب بين تيارات فكرية مختلفة حول موضوع الإرث وما يترتب عنه من اختلاف الأنصبة بين المرأة والرجل سواء في الفروض أو التعصيب. ويتصدر هذه التيارات تياران هما التيار الحقوقي و التيار السلفي المعسر، وتتموضع بينهما التيارات المعتدلة بتلويناتها المختلفة.
أولا: التيار الحقوقي والمطالبة بالمساواة المطلقة بين المرأة والرجل تنفيذا لمعاهدة سيداو
يجمع هذا التيار كل الأفراد وهيئات وجمعيات المجتمع المدني، المتشبعين بثقافة حقوق الإنسان بمفهومها المعاصر والقائمة على القواعد والمبادئ التالية:
- «يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء» المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- «لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر.» المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويطالب أصحاب هذا التيار بإجبارية احترام بنود اتفاقية سيداو التي (تلزم الدول الأطراف ليس فقط بإدانة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بل واتخاذ الإجراءات المختلفة للقضاء عليه من خلال (تجسيد مبدأ المساواة في الدساتير الوطنية والتشريعات كافة وكفالة التحقيق العملي لذلك- واتخاذ التدابير التشريعية وغير التشريعية لحظر كل أشكال التمييز ضد المرأة- وإقرار حماية قانونية ضد التمييز- وإلغاء القوانين والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة- ويجب على الدول الأطراف أن تتخذ في الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية كل التدابير لضمان تمتع المرأة بحقوقها على أساس المساواة مع الرجل على جميع المستويات والقضاء على الأدوار النمطية للجنسين. واستغلال المرأة ) اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
ثانيا : التيار الفقهي السلفي المعسر للإسلام
يرتكز الفقهاء السلفيون في معارضتهم لعملية المساواة بين المرأة والرجل بما في ذلك المساواة في الإرث، على مجموعة من النصوص القرآنية وبعض الأحاديث النبوية والاجتهادات الفقهية مثل:
- (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ...) النساء 34 .
- (...ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة، واللّه عزيز حكيم) الآية 228 من سورة البقرة.
- (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) البقرة الآية 282.
- (يوصكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين...) سورة النساء الآية 11.
- (وَ?لَّ?تِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ?هْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) النساء 34.
- (وَإِنِ ?مْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَ?لصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ?لأنْفُسُ ?لشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ?للَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا)النساء 128.
- (وليس الذكر كالأنثى) سورة آل عمران الآية 36.
- روى البخاري ومسلم ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن فإني أُريتكن أكثر أهل النار. فقلن: وبمَ يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير.)
- يقول»حجّة الإسلام الغزالي» في النّكاح والزّوجة «والقول الشّافي فيه أنّ النّكاح نوع رقّ، فهي رقيقة له، فعليها طاعة الزّوج مطلقا في كلّ ما طلب منها.في نفسها ممّا لا معصية فيه...» (إحياء علوم الدّين، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1986، 2/ 62-64).
وإلى جانب النصوص أعلاه، ينطلق السلفيون من المسلمات التالية :
1- (لا اجتهاد مع النص). فحسب زعمهم،« النصوص القطعية الواضحة الثبوت والدلالة كما هو الأمر في الإرث، لا يصح معها الاجتهاد. والشريعة الإسلامية كلها مصدرها السلطة الإلهية وبالتالي فهي كاملة شاملة في ذاتها، لا تقبل التجديد أو التطوير. على عكس القوانين الوضعية التي يمكن أن يشوبها النسيان والتقصير أو الجهل والإغفال لجانب دون آخر.... وعلى هذا ففي علم التشريعِ الإسلامي لا يتدخل المجتمع ليصمم الأحكام وسيرها، بل الأحكام هي التي تتحكم في سيرورة المجتمع والسيطرة عليه». د. رقية طه جابر العلواني.
2- الأحكام لا تتغير بتغير الزمان والمكان: قولهم ( ليس منهج السلوك في المجتمع المتغير بطبيعته هو الذي تستنبط منه الأحكام، وإنما تستنبط من نصوص ثابتة مفارقة للزمان والمكان، حاكمة على الأعراف والظروف المتغيرة. فأحكام الشريعة الثابتة المبنية على النصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة المنزلة على البشر من خارج مجتمعاتهم، ليست بنصوص تاريخية، وهذا بخلاف الأعراف والظروف السائدة في المجتمعات والخاضعة بطبيعتها للتاريخية والتغير.
ومنه فإن أحكام الميراث وتحديد الأنصبة من القضايا الثابتة بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، لا تخضع بحال لتقلبات الظروف والزمان والمكان، بل هي من المسائل التي نادراً ما تناولتها الشريعة بالتفصيل حسماً لمادة الخلاف المتوقع في مثل تلك الحالات، وحفاظاً على البنية الاجتماعية والأسرية... فالدعوة إلى تأويل نصوص ميراث المرأة من جديد، و القول بتاريخية تلك المرجعيات يسعى لا محالة إلى إلغاء الشرائع والأحكام الثابتة التي جاءت تلك التعاليم والنصوص بها ليُحِل محله حكماً جديداً، على اعتبار أن حكم التنصيف قد ارتهن بالشروط الاجتماعية والتاريخية السالفة. فالقول بأن أحكام القرآن الكريم جاءت لمجتمع له أسسه وروابطه قول يحكم على الإسلام بإقليميته، ويقوض عالمية رسالته وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ويعتبر أحكامه الثابتة بالنصوص صدى لقيم ومثل عليا مرتبطة بظروف تاريخية تجاوزها الزمن،...... إن فسح المجال لأمثال تلك التأويلات والأفهام يمكن أن يسوق إلى القول بتاريخية النصوص القرآنية ومن ثمّ إبطالها وإلغاؤها بناءً على انتهاء سياقها التاريخي الذي ظهرت فيه. ميراث المرأة.. أحكام ثابتة وتأويلات متغيرة.
3- الإسلام أنصف المرأة وكرمها، ومن مقولاتهم المشهورة في هذا الباب: «كانت المرأة في مجتمعات شبه الجزيرة العربية وبعض الأديان الأخرى محتقرة مهانة، حتى أن سموها رجس من عمل الشيطان ، وكانت عندهم كسقط المتاع ، تباع وتشترى في الأسواق ، مسلوبة الحقوق ، محرومة من حق الميراث وحق التصرف في المال، تُكره على الزواج وعلى البغاء وتدفن حية. فجاء الإسلام ورفع من شأنها، وسوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام ، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة ، ومساوية له في جزاء الآخرة، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله ، ولها حق التملك ، تبيع وتشتري، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها. ومن إكرام الإسلام لها كذلك، أن جعل لها نصيباً من الميراث و من تمام العدل أن جعل لها من الميراث نصف ما للرجل. لأن الإسلام جعل نفقة الزوجة واجبة على الزوج، وجعل مهر الزوجة واجباً على الزوج أيضاً. ولنفرض أن رجلاً مات، وخلَّف ابناً، وبنتاً، وكان للابن ضعف نصيب أخته، ثم أخذ كل منهما نصيبه، ثم تزوج كل منهما؛ فالابن إذا تزوج مطالب بالمهر، والسكن، والنفقة على زوجته وأولاده طيلة حياته. أما أخته فسوف تأخذ المهر من زوجها، وليست مطالبة بشيء من نصيبها لتصرفه على زوجها، أو على نفقة بيتها أو على أولادها؛ فيجتمع لها ما ورثته من أبيها، مع مهرها من زوجها، مع أنها لا تُطَالب بالنفقة على نفسها وأولاده.»
4- المساواة بين المرأة والرجل في الإرث، ستسمح بدخول الأنثى في توارث العرش الملكي ضمن العائلة الحاكمة.
ثالثا : دعاة التجديد والاجتهاد ، دحض الشبهات و آليات ومنطلقات تحقيق المساواة في الإرث بين الجنسين وتوقيف التعصيب
1- دحض الشبهات
عملية التجديد والاجتهاد في الأحكام خاصة مثل قضية الإرث قد لازمت الإسلام منذ نزول الوحي، وبالتالي لا يصح القول بأنها، «فكرة الغرب يستغلها للقضاء على دار الإسلام باستخدام الجهلاء والمنهزمين». كما يدعي المعارضون للمساواة بين الجنسين. والمطلعون ولو قليلا على تاريخ الإسلام لا يجدون في المطالبة بالإصلاح والتجديد خروجا عن القواعد الإسلامية بدليل قوله (ص) (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) روى هذا الحديث أبو داود في سننه وقول علي رضي الله عنه (لا تربوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ) وعنه كذلك (أنتم أعلم بأمر دنياكم) جاء في صحيح مسلم.
وطلب المساواة بين المرأة والرجل في كل الأمور بما في ذلك الإرث، تدعمه مجموعة من النصوص الإسلامية، فضلا عن أن حركة المطالبة بالمساواة تضرب بجذورها في عمق التاريخ الإسلامي. فقد رافق طرحها نزول آيات المواريث. وإلى القارئ هذه الشهادات المأخوذة من القرآن وأمهات كتب التفسير والسيرة والصحاح والسنن والتاريخ الإسلامي ...
- توجد مجموعة من النصوص القرآنية التي تحث على المساواة بين المرأة والرجل يفوق عددها ما يستند عليه السلفيون في التقعيد لدونية المرأة وتبعيتها وخضوعها مستغلين في ذلك كون القرآن حمال أوجه كما نبهنا لذلك علي رضي الله عنه حيث قال: (إنه حمال ذو أوجه فخذوه على أحسن وجه)، والأحسن هنا هو الأصل، والأصل في الديانات هو العدل والمساواة والحرية...أما التفضيل فليس سوى مدخلا لسياسة الاستعباد والاستغلال التي كان هدف الإسلام محاربتها لكن بطريقة تدريجة كأسلوب ناجح في معالجة المشاكل المستعصية. وقضية المرأة كانت من أكثر الأمور تعصيا وهذا ابن جرير يقول: (لما نزلت آية الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين، كرهها الناس أو بعضهم وقالوا: عطي المرأة الربع أو الثمن، ونعطي الإبنة النصف، ونعطي الغلام الصغير، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة؟ وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم، ويعطونه الأكبر فالأكبر). هذا فضلا عن كون أصحاب الفكر المتحامل على المرأة كانوا يستكثرون عليها وعلى العبد، الرضخ الذي كانت تحصل عليه مقابل مساعدتها في الغزوات.كما عارضوا الحد من تعدد الزوجات.
وعن النصوص التي تحث على المساواة بين المرأة والرجل في الإرث نستحضر ما يلي:
(إِنَّ ?لْمُسْلِمِينَ وَ?لْمُسْلِمَاتِ وَ?لْمُؤْمِنِينَ وَ?لْمُؤْمِنَاتِ وَ?لْقَانِتِينَ وَ?لْقَانِتَاتِ وَ?لصَّادِقِينَ وَ?لصَّادِقَاتِ وَ?لصَّابِرِينَ وَ?لصَّابِرَاتِ وَ?لْخَاشِعِينَ وَ?لْخَاشِعَاتِ وَ?لْمُتَصَدِّقِينَ وَ?لْمُتَصَدِّقَاتِ و?لصَّائِمِينَ و?لصَّائِمَاتِ وَ?لْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ?لْحَافِظَاتِ وَ?لذَّاكِرِينَ ?للَّهَ كَثِيراً وَ?لذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ?للَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) سورة الأحزاب الآية 35.
(... أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى? بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَ?لَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَ?رِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَ?تَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّ?تٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ?لأَنْهَ?رُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ?للَّهِ وَ?للَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ?لثَّوَابِ) آل عمران 195.
( وَ?لْمُؤْمِنُونَ وَ?لْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِ?لْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ?لْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ?لصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ?لزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَ?ئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ?للَّهُ إِنَّ ?للَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآية 71
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى? وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل 97.
(وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ?لصَّ?لِحَ?تِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى? وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَ?ئِكَ يَدْخُلُونَ ?لْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً) سورة النساء الآية 124.
(ي?أَيُّهَا ?لنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُو?اْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ?للَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ?للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة الحجرات الآية 13.
( يَ?أَيُّهَا ?لنَّاسُ ?عْبُدُواْ رَبَّكُمُ ?لَّذِي خَلَقَكُمْ وَ?لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة الآية 21.
وللإشارة فإن كلمة «الناس» وردت في القرآن 250 مرة وقي معظمها تخاطب كل من المرأة والرجل على قدم المساواة. مثلها مثل الحالة التي يخاطب فيها الشارع كل من النساء والرجال باستعمال جمع المذكر(انظر النصوص أعلاه، هجروا، اخرجوا، يدخلون، فَأُوْلَ?ئِكَ...) والكلام كذلك عن الإنسان في القرآن يشمل المرأة والرجل.
إن المتمعن في هذه الآيات، لا يسعه إلا أن يؤمن بأن الله يساوي بين المرأة والرجل دون قيد أو شرط ولمن المستغرب والمفارقات الغريبة، أن يضع الله الثقة في المرأة ويجعلها مسؤولة أمامه في التكاليف والجزاء والبشر يعتبرها ناقصة عقل ودين؟؟؟ معتمدين على نصوص قرآنية خارجة عن سياقاتها ومغلوط تأويلها. ( انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَكَفَى? بِهِ إِثْماً مُّبِيناً ) النساء 50.
أما فيما يتعلق بالسنة النبوية فكل ما يثبته التاريخ والسير والصحاح والسنن...، هو أن النبي المصلح (ص) كان يحترم المرأة ويقدرها بشكل لم يتكرر له مثيل في التاريخ. ويكفي المرأة فخرا قوله ( حبب إلى من دنياكم ثلاث الطيب؛ والنساء؛ وجعلت قرة عيني في الصلاة) و( الجنة تحت أقدام الأمهات). مما يدفع الباحث إلى التساؤل عن أصول التدين السلفي المتشدد والمعادي لحقوق المرأة.
- الرغبة في المساواة بين المرأة والرجل رغبة فطرية، وليست عمالة وتبعية للغرب. حيث تثبت معظم المراجع على أن المرأة في فجر الدعوة الإسلامية قد لاحظت تغييبها في النص رغم ما بدلته من جهد وتضحيات في سبيل الدعوة المحمدية ?فقد حضرت لقاء العقبتين وهاجرت مع أوائل المهاجرين...وكانت أول من آمنت بالدعوة وصرفت من مالها الخاص وثبتت النبي على تلقي الوحي ?السيدة خديجة- وأول من استشهد في سبيلها....- مما دفع مجموعة من النساء إلى مراجعة النبي في الأمر (الاحتجاج). نستحضر في ذلك ما قالته أم سلامة (رض) (يا رسول الله لا أسمع لله ذكر النساء في الهجرة بشيء). وأخرج الحاكم عنها أيضا أنها قالت (قلت يا رسول تذكر الرجال ولا تذكر النساء). الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ص97.
وعن مراجعة أم عمارة الأنصارية للنبي في مسألة الجهاد والإرث «أتت أم عمارة الأنصارية النبي فقالت: (ما أرى كل شيء للرجال وما أرى النساء يذكرن في شيء) أخرجه الترمذي . وعنه، أن أم سلامة راجعت النبي، فقالت: (يغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لها نصف الميراث). وعن أبي حاتم عن ابن عباس: «أتت امرأة النبي فقالت: (يا نبي الله للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأة نصف شهادة الرجل. أفنحن في العمل هكذا، إن عملت المرأة حسنة كتب لها نصف حسنة). وهكذا اشتد احتجاج النساء على آيات الإرث إلى أن قالت إحداهن، كما جاء في تفسير الطبري ج 4 ص 50- 51: (كذلك عليهم نصيبان من الذنوب كما لهم نصيبان من الميراث).
وأود قبل أن أختم هذه النقطة الإشارة إلى أن الذين يرون أن «التكريم» الذي تحظى به المرأة في المجتمعات الإسلامية سابقة من نوعها، يقفزون على حقيقة تاريخية هامة وهي أن كل المجتمعات والشعوب قد مرت بفترة النظام الأموسي حيث كانت السلطة والسيادة فيها للمرأة إلى حد التأليه. و تراث شبه الجزيرة العربية لا زال يحتفظ بمجموعة من الشواهد على الرغم من كل محاولات الطمس التي سلكتها السلطات الدينية. وبالتالي لا بد من الاحتراس مما يقدم لنا من معلومات عن تاريخ المرأة و الزواج والقيم والأعراف...لما يشوبها من انتقاء وإسقاط وتعميم مما يخالف قواعد البحث والتأريخ. وإن كان المجال لا يسعنا للتفصيل فيه، فإنه لا يفوتنا أن نشير إلى أن الوقوف على حقيقة ذلك التاريخ سيوضح الكثير من الأمور وعلى مستويات عدة ومنها المستوى الديني.
يبدو أن النساء الاتحاديات حين رفعن شعار  «الدولة المدنية  أساس المواطنة الكاملة» خلال انعقاد المؤتمر الوطني السابع، قد عقدن العزم من أجل النضال  ودعم الحوار واستمراره من أجل ترسيخ مبدأ المساواة داخل المجتمع المغربي والقضاء على كل أشكال التمييز بين الجنسين، تفعيلا لمقتضيات الدستور وانسجاما مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
فبعد فتح النقاش على مصراعيه من جديد  انطلاقا من انعقاد المؤتمر الوطني السابع للنساء الاتحاديات حول عدة قضايا تهم المساواة بين الرجل والمرأة،  نظمت لجنة المساواة وتكافؤ الفرص المنبثقة عن اللجنة الإدارية للحزب، ندوة  فكرية يوم  السبت الماضي بالمقر المركزي للحزب بالرباط تسير في نفس الاتجاه حول «المساواة  بين الاجتهادات الفقهية والمواثيق الدولية»، استقطبت حضورا متميزا  من الفعاليات المهتمة ثم ممثلي الصحافة الوطنية.
في بداية اللقاء قدمت فاطمة بلمودن عضو المكتب السياسي كلمة مقتضبة، ذكرت فيها أن هذه الندوة الفكرية التي تجمع بين أكاديميين ومتخصصين، تأتي في إطار الدينامية التي أطلقها الحزب من أجل فتح الحوار في عدة قضايا راهنة تهم المجتمع المغربي على عدة مستويات منها السياسي، الاقتصادي والاجتماعي، وذلك عبر اللجن المتفرعة عن اللجنة الإدارية الوطنية للحزب.
وسجلت بلمودن أن «هذا الحوار الذي نفتحه كاتحاديين واتحاديات   لملامسة هذه القضايا،  يروم بالأساس طرح الأسئلة  الحارقة التي تقتضيها المرحلة من أجل البحث عن الأجوبة المناسبة خاصة في هذه السياقات الحافلة بالتطورات والمستجدات الداخلية والخارجية، خاصة وأن المغرب على المستوى الوطني يعرف قرارات لا شعبية من طرف الحكومة المحافظة الحالية التي تسعى بكل ما أوتيت لإجهاض المكتسبات التي قدمت من أجلها تضحيات كبرى على مدى سنين خلت».
وشددت في السياق ذاته على أن لجنة المساواة وتكافؤ الفرص التي تترأسها فرتات التجانية، عضو اللجنة الإدارية الوطنية للحزب، قد برمجت عدة مواضيع للنقاش واليوم تطرح موضوع المساواة  باعتباره  شعار حملة النساء الاتحاديات في مؤتمرهن الأخير في إطار المطالبة بالدولة المدنية كأساس للمواطنة الكاملة،  وذلك من أجل فتح حوار غني ومتعدد وجدي حول المساواة  بين الاجتهادات الفقهية والدستور والمواثيق الدولية.
ومن جهتها  قالت فرتات التجانية رئيسة اللجنة، والتي سيرت أشغال هذه الندوة، أن الحوار هو الوسيلة الحضارية  التي يمكن من خلالها أن نسير في أمان وطمأنينة إلى الأمام، خاصة أننا نعرف كلنا أن الحوار في القضايا الفكرية التي تهم  حضارتنا العربية والإسلامية مسألة ليست بالجديدة علينا. وأضافت فرتات أن هذا الحوار الذي نتوخاه هو الحوار الرصين بعيدا عن كل تشنجات أو تعصب فكري، والذي يقترن بالحجة والتفكير العلمي المبني على العقل.
وأبرزت رئيسة اللجنة أن النساء المغربيات يعشن مفارقة كبيرة بسبب مقتضيات الدستور الحالي الذي يتضمن ازدواجية وتناقضات واضحة، إذ نجد في ديباجته أن المغرب دولة إسلامية ودينه الاسلام، وأن المغرب مع حقوق الإنسان وأن الاتفاقيات الدولية تسمو على التشريعات الوطنية وينص كذلك على حقوق المرأة والمناصفة، ما يجعل النساء من خلال الممارسة اليوم أمام تناقضات كبيرة وانفصام في الشخصية، لذلك نريد أن نقارب موضوع المساواة اليوم من خلال مقتضيات الدستور والاجتهادات الفقهية والمواثيق الدولية.
ذ. فريدة بناني أستاذة باحثة في كلية الحقوق بالدار البيضاء وعضوة في عدة منتديات دولية ووطنية قدمت مداخلة عبارة عن مقدمة اصطلاحية منهجية، المراد منها أولا لفت النظر إلى أن هناك  ترسيخا لنوع من القداسة على الآراء الإنسانية والبشرية من خلال المقالات والدعوات والفتاوي من طرف الفقهاء والدعاة، وأحيانا من الحقوقيين أنفسهم وبعض المناضلين دون وعي أو قصد، وثانيا ضبط بعض القواعد الأصولية وإخضاعها للعقل وأخيرا مناقشة بعض الأسس المنهجية.
ودعت بناني خلال هذه المداخلة إلى  ثورة علمية لتصحيح المفاهيم وتدقيقها، خاصة المستعملة في عدد من النقاشات والمقالات وكذا مجالات استعمالها، حيث أصبحت تطلق عدد من المصطلحات والمفاهيم على عواهنها، وتكرس الفهم الخاطئ لعدد من القضايا،  وعددت في نفس الوقت  عدة أمثلة على ذلك ك «لا اجتهاد مع وجود النص»، التي تعني في حقيقة الأمر أنه لا اجتهاد في ما توصل إليه الفقهاء. وأوضحت  بناني في هذا الصدد أن استعمال هذه القاعدة  الإنسانية من أجل قفل باب الاجتهاد، هي خداع إيديولوجي يقال لأشخاص غير متخصصين.
كما ساقت بناني عدة مصطلحات وجمل استعملها الشيخ لمواجهة الدعوة لمنع التعدد ومناقشة موضوع الإرث تكون في عدة نقاشات حول قضايا تهم المجتمع من أجل منع الاجتهاد ،  «الدين أصبح رهينة»، «نعم للمساواة لكن لا تجاوز للخط الأحمر»، «مجتمع مسلم لا يعرف سوى ما جاء في الآيات القرآنية»، «النصوص القطعية لا يجب مناقشتها»...، وشددت بناني على أنه لابد من تدقيق للمفاهيم والتمكن من عدد من الأسس التي ينبغي الإلمام بها لضبط النقاش وأرضيته في أي موضوع فقهي.
وأشارت بناني الى أنه قد تم التمكن من رفع القداسة في التسعينيات عن مدونة الأسرة  التي كان يقال عنها أنها هي الدين وهي الشرع، موضحة في هذا الباب أن ما يطلق عليه الحكم الشرعي أو الشريعة، هو الاجتهادات الفقهية والتي هي مجرد اجتهاد بشري إنساني وليست الشرع في حذ ذاته، لأن القرآن حمال أوجه يجد فيه المرء كل ما يطلبه، أما القراءات والاجتهادات في النص فهي بشرية وإنسانية ليست عليها أية قداسة.
وسجلت بنفس المناسبة أن  ما يتم اليوم لتعليل عدم المساواة باسم الإسلام، إنما هو اجتهادات بشرية  وإنسانية، أولا لأن القرآن ثابت وحين يتعرض للتأويل والاجتهاد من طرف العقل البشري يصبح نصا متحركا، ولكن يجب على المجتهد أن لا يدعي العصمة أو الحقيقة المطلقة، وأن الآيات القرآنية التي جاءت في المعاملات حسب التقسيم الفقهي، والتي لا تتعلق بالعقيدة وإنما لتنظيم علاقات المجتمع، في حاجة إلى اجتهاد.  
ذ.لحسن بنرحو أستاذ الحقوق والذي له عدة مؤلفات منها «الوجيز في الإرث»،  قدم مداخلة حول أحكام الإرث والمدونة تناول خلالها بالدراسة والتحليل هذه الأحكام والاجتهادات، مع التأكيد في البداية على أن كل ما نتحدث عنه ويتعلق بالقانون الوضعي، هو من اختصاص البرلمان ويتدخل فيه الناس كمواطنين.
وذكر بنرحو أن الفقه كله منتوج ذكوري أنتجه الذكور لصالح الذكور، ولو أنتجته النساء سيكون نتاجا آخر، وذكر هنا في هذا السياق أن تنظيم أحكام الإرث في القانون المغربي يحتكم فيه إلى مدونة الأسرة التي هي عبارة عن قانون وضعي من اختصاص البرلمان.
ونبه بنرحو الى أن عدد الآيات التي تتضمن أحكام تنظم علاقات الناس هي لا تتعدي  خمس عشرة آيةّ، وفي مقابل ذلك هناك 300 آية للعقل وساق مثالا على أن فرعون ذكر في العديد من الآيات، وتساءل هنا: هل فرعون أهم من التشريع والناس؟
ودعا بنرحو إلى ضرورة التمييز بين العقيدة والشريعة، فالعقيدة ثابتة  لأنها غير خاضعة للعقل ولا يمكن الاجتهاد فيها، بينما الشريعة عكس ذلك، فأحكام الإرث كلها أحكام مدنية وموجودة سابقا،  فكل الأحكام الموجودة في المدونة أحكام خلافية ولا وجود لشيء ثابت فيها وليس كل ما هو موجود في الدين ، هو أحكام مدنية
وإنما هي اجتهادات فقهية بدون مرجعية نص والتي تصل الى نسبة 60 في المائة، في حين 40 في المائة الأخرى إما فيها نص في القرآن أو في السنة  التي تعتبر خلافية هي الأخرى، وأعطى مثال بالشيعة التي تعتبر الأصل لديها في الإرث هو الوصية، وخلص بنرحو في الأخير الى أنه كل أحكام الإرث المتعارف عليها في القانون الإسلامي  خلافية، وأن مفهوم المواطنة  هو الذي يجب أن يسمو على كل هذه الأحكام.    
ومن جانبها أوضحت ذ فاطنة سرحان الأكاديمية ونائبة رئيس اللجنة الإدارية الوطنية للحزب، أن كل هذه النقاشات والانتقادات والمواجهة العنيفة لما طرحه الاتحاد الاشتراكي في ما يتعلق بالمساواة ومنع التعدد وقانون للإجهاض وأحكام الإرث، لتؤكد بالملموس على أن حزب القوات الشعبية في الطريق والاتجاه الصحيح، خاصة أن المساواة تحرج الكثير ويتخبأ  الممانعون وراء الدين في حين أن الدين براء من ادعاءاتهم.
واستغربت سرحان كيف لأشباه الفقهاء والدعاة الذين يقيمون الدنيا ويقعدونها حين نطالب بالمساواة، ولا يتكلمون حين تصادق الدولة على اتفاقيات دولية تتعارض مع ما يتوهمونه على أنه يتعارض مع الدين،  لكن تكون المعارضة من طرفهم حادة وعنيفة كلما تعلق الأمر بالمطالبة بالمساواة والحقوق من طرف المجتمع.
وانتقدت سرحان صمت المجلس الأعلى العلمي في قضايا تهم المجتمع وتنظيم علاقاته والمنصفة لأحد أطرافه الأساسية، داعية أعضاءه وعضواته للخروج إلى المجتمع ليروا الكوارث التي تحدث في قضايا الإرث، وليروا كذلك الظلم الذي ساهموا في تكريسه في هذا الباب.  
المتدخل الأخير في هذه الندوة، ذ أحمد عصيد أستاذ الفلسفة، قارب موضوع المساواة من خلال التقاليد والأعراف المغربية، موضحا في بداية هذه المداخلة أن السياق الذي يجري فيه هذا النقاش الفكري والرؤية الحالية تطبعه خاصيتان أساسيتان.
وهذا ما يفسر أولا ،يقول عصيد  ، أن هناك شعورا مدركا للخطر في سياق الانتفاضات الشعبية ، سببه الخوف من الرجوع إلى الوراء والتراجع  عن المكتسبات بعد نضال دام نصف قرن من الزمن، وهو ما يفسر كذلك التكتلات السياسية الجديدة التي تعتبر دينامية جديدة هامة،  ثانيا تزايد العنف الرمزي والمادي في الكلام والخطاب والكتابة وحتى في السلوكات، سببه الرئيسي هو أن بعض الأطراف فهمت فهما خاطئا مفهوم الحرية، فالحرية ليست هي أن تقول ما تريد كالدعوة الى القتل وتصرح بذلك علانية، فهذه ليست حرية لأنه فيها مسا خطيرا بحق الآخر.
واعتبر عصيد أن النقاش حول المساواة نقاش جوهري باعتبار أن المساواة هي أساس المواطنة التي تأسست عليها الدولة الحديثة والأزمنة الحديثة، مسجلا في هذا الصدد أن هناك من لايزال يضع رجلا في الأزمنة الحديثة ورجلا في الماضي، ومرد ذلك حسب عصيد عدم الحسم في ذلك، لأن في ذلك أطرافا مستفيدة  من هذا الوضع المتأرجح بين الأصالة والحداثة. ودعا عصيد إلى رد الاعتبار للإسلام لدى المغاربة الذين كانوا يتوفرون على عادات وتقاليد غنية بثقافة مجتمعية واسعة تنظم العلاقات بين الناس، ولا يجب اختزال الأصالة في الدين لأن ذلك شيء خطير وضد المسار الديمقراطي.
وبالنسبة لعصيد الدعوة إلى الرجوع إلى الأصالة  والتقاليد المضيئة في الثقافة المغربية،  لا ترنو إلى استعادة الماضي وهذا هو الفرق مع الاتجاه المحافظ، لا نريد العودة  الى القبائل أو نظام المخزن أو السيبة بل ما نريده دولة حديثة وديمقراطية تنتصر فيها المساواة.
وأفرد عصيد عدة أمثلة من الثقافة المغربية والعادات والتقاليد التي تفيد أن مفهوم العدالة والمساواة  كان حاضرا من قبل فيها عن طريق منظومة سواء تعلق الأمر بالتمثيل والتناوب (أمغار)، وضع القانون جماعيا، (الجماعة)، وكذلك التدرج في الحكم، وحتى في فصل الدين والدنيوي، فالفقيه لم يكن عضوا في مجلس الجماعة، الفقيه مكانه المسجد وكان غالبا ما يكون غريبا عن المنطقة ولكي لا يدخل في الصراعات التي يمكن أن تقع.
وعزا عصيد هذا الاضطراب الذي يقع في المجتمع المغربي والذي تعكسه نقاشات في الساحة ، إلى الاضطراب الحاصل داخل الدولة المغربية الذي ينتج عنه انفصام في الشخصية بحيث نعاين صراعا بين دولة تقليدانية  ودولة حديثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.