عاجل... ماكرون يقرر تعليق إعفاء المسؤولين والدبلوماسيين الجزائريين من التأشيرة ويطالب حكومته بمزيد من الحزم مع الجزائر    الوداد يعبر مباشرة إلى دور ال32 من كأس "الكاف"    بادس.. ذاكرة شاطئ يهمس بحكايا التاريخ        بلاغ هام من شركة Baleària لزبنائها المسافرين عبر ميناء طنجة المتوسط خلال شهر غشت    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية قوية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الأربعاء إلى الأحد بعدد من مناطق المملكة    بعد أيام من حادث مماثل.. سيارة تدهس شخصًا وتُنهي حياته بمدخل تطوان            عشرات المهاجرين يحاولون الوصول إلى سبتة سباحة    المغرب... تضامن مستمر ومتواصل مع فلسطين بقيادة الملك محمد السادس    رئيس الفيفا جياني إنفانتينو: دعم الملك محمد السادس جعل المغرب نموذجاً كروياً عالمياً    توقيف أفارقة متورطين في تزوير جوازات سفر وشهادات مدرسية أجنبية ووثائق تعريفية ورخص للسياقة    دقيقة صمت في هيروشيما إحياء لذكرى مرور 80 سنة على إلقاء القنبلة الذرية عليها    كتاب طبطبة الأحزاب    حين ينطق التجريد بلغة الإنسان:رحلة في عالم الفنان التشكيلي أحمد الهواري    النجمة أصالة تغني شارة «القيصر» الدراما الجريئة    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر    حزب الله يرفض قرار الحكومة اللبنانية تجريده من سلاحه    مقتل وزيرين في غانا إثر تحطم طائرة    معاذ الضحاك يحقق حلمه بالانضمام إلى الرجاء الرياضي    قراءة ‬في ‬برقية ‬الرئيس ‬الأمريكي ‬دونالد ‬ترامب ‬إلى ‬جلالة ‬الملك ‬    نشوب حريق في شقة سكنية بمدينة الفنيدق    أكلو : إلغاء مهرجان "التبوريدة أوكلو" هذا الصيف.. "شوقي"يكشف معطيات حول هذه التظاهرة    ابن الحسيمة "بيتارش" يلتحق بالفريق الأول لريال مدريد    المديرية العامة للأمن الوطني تطلق حركية الانتقالات السنوية    نقل جندي إسباني من جزيرة النكور بالحسيمة إلى مليلية بمروحية بعد إصابته في ظروف غامضة    عدد ضحايا حوادث السير يرتفع بالمدن فيما يسجل انخفاضا خارجها خلال شهر يوليوز    أشبال الأطلس يستعدون للمونديال بمواجهتين وديتين ضد منتخب مصر    طفل يرى النور بعد ثلاثين عامًا من التجميد    غزة.. انقلاب شاحنة مساعدات يخلف 20 قتيلا ومستوطنون يهاجمون قافلة معونات قرب مخيم النصيرات    أسعار النفط ترتفع    الموثقون بالمغرب يلجأون للقضاء بعد تسريب معطيات رقمية حساسة    بورصة الدار البيضاء تستهل الجلسة بأداء مستقر يميل للصعود    "وصل مرحلة التأزم البنيوي".. 3 مؤسسات رسمية تدق ناقوس الخطر بشأن أنظمة التقاعد            بعد طول انتظار: افتتاح حديقة عين السبع في هذا التاريخ!    الهند تعزز شراكتها مع المغرب في سوق الأسمدة عقب تراجع الصادرات الصينية    مراكش والدار البيضاء أفضل الوجهات المفضلة للأمريكيين لعام 2025    بطولة فرنسا: لنس يتوصل لاتفاق لضم الفرنسي توفان من أودينيزي    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تعقد اجتماعاً حاسماً لدراسة تعديلات قانونية وهيكلية    المغرب يدرب 23 عسكرية من 14 دولة على عمليات حفظ السلام الأممية    "صحة غزة": ارتفاع وفيات التجويع الإسرائيلي إلى 193 بينهم 96 طفلا    «أكوا باور» السعودية تفوز بصفقة «مازن» لتطوير محطتي نور ميدلت 2 و3    بين يَدَيْ سيرتي .. علائم ذكريات ونوافذ على الذات نابضة بالحياة    بنما تعلن من جديد: الصحراء مغربية... ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل النهائي    سفير إسرائيل السابق في فرنسا يناشد ماكرون: إذا لم تفرض عقوبات فورية على إسرائيل فسوف تتحول غزة إلى بمقبرة    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة الروح إلى الفلسفة: شعبة الفلسفة بالرباط في مواجهة اللاعقلانية والظلامية

دخلت شعبة الفلسفة في إيقاع جديد من التنشيط الفكري مع تحمل الأستاذ محمد نورالدين أفاية مسؤولية رئاسة هذه الشعبة بعد سنوات من التوقف و التدبير العادي و الروتيني لشؤون هذه الشعبة التي أنتجت كبار المفكرين والمثقفين في المغرب. وهكذا وضمن باب «أستاذ ومؤلَّف» سبق للشعبة أن نظمت قراءة وتقديم كتاب «التراث في الفكر الإسلامي» للأستاذ كمال عبد اللطيف، قام بالعرض والتقديم الأستاذ محمد نورالدين أفاية، وكتاب «جدلية العقل والمدينة» لمحمد المصباحي قدم له الباحث محمد تحزيمة. و نظمت الشعبة يوم الأربعاء الماضي لقاء فكريا حول أعمال الأستاذ عبد الرزاق الدواي، شارك فيه الأستاذين عبد الصمد تمورو ومحمد مزوز.
وقد أشار نورالدين أفاية في بداية اللقاء إلى الأسباب التي تصر الشعبة على التزامها في تقديم منجزات المشتغلين بالفلسفة الذين انتموا للشعبة و ساهموا في إشعاعها، أو الذين ينتمون إلى مختلف شعب الفلسفة في المغرب. وشدد على الخصال التي تميز عبد الرزاق الدواي الإنسان، والمربي، والباحث. فقد اختار هذا الرجل، منذ البدء، نمط حضور خاص به، ميّزه عن أقرانه وأصدقائه. فهو من الناس الذين جعلوا من الفلسفة»واجهة نضالية» للرفع من الوعي العام، الاجتماعي والسياسي والثقافي. ولم يختر الفلسفة لكي يصير فيلسوفا في البداية بالضرورة، وإنما اختارها كمجال خصب ومتنوع للفعل والممارسة، العملية و النظرية، سواء في مرحلته الثانوية أو حين التحاقه بكلية الآداب بالرباط. بل إنه لم يكف عن التساؤل المستمر عن الأدوار التنويرية للفلسفة إزاء قوة العلوم واجتياح التكنولوجيات، أو أمام سطوة منطق السوق. فالفلسفة تقوم، كما يؤكد في كتابه» حوار الفلسفة والعلم والأخلاق في مطالع الألفية الثالثة» بقيادة «أشكال صراع العقل ضد النزعات اللاعقلانية والظلامية، مع ما يقتضيه الحال من تجديد و تحيين لمعاني العقل و اللاعقلانية استئناسا بإنجازات الثورات التي تبدو أنها بدأت لتوها في ميادين العلوم المعاصرة». ولذلك، يضيف أفاية، انشغل الدواي بوظائف الفلسفة في استنهاض الفهم واكتساب الوعي، أو في الحقل الثقافي العام. وهو بالإضافة إلى اهتماماته بالقضايا الكبرى للفلسفة اشتغل على مفاهيم بعينها مثل الاستلاب، والجينيالوجيا، والقيم. وأكد الأستاذ أفاية على الحاجة، اليوم، إلى الاهتمام بمسألة «الاستلاب» في زمن هيمنة ما كان يسميه المرحوم «محمد عابد الجابري» ب «ثقافة الإدراك» وتراجع ثقافة الوعي بسبب ضجيج الاتصال السمعي البصري واجتياح النزعات الاستهلاكية.
وانتهى أفاية في تقديمه بالقول بأنّ الدواي تميز بنمط حضوره الهادئ، بحيث نحث عبر السنين، ومن خلال العمل وبذل المجهود والصبر، تأليفه الخاص، و أحيانا خلق ما يراه مناسبا من مسافة إزاء أشكال التوتر السائدة، لكي يختار زمان و مكان أخد الكلمة، وأيضا أسلوب الحضور وإثبات الذات. وتلتقي به الشعبة، التي قضى فيها سنين طويلة، كأستاذ لا لتحتفي به، و إنما لاستعادته لها و لطلبتها الجدد، والاستماع لهم في سياق من همّ الاعتراف الذي يحرّك منشطي هذه الشعبة.
ثم أخد الكلمة الأستاذ عبد الصمد تمورو، للحديث عن منجز عبد الرزاق الدواي مركزا، بالأساس، على كتاب» حوار الفلسفة والعلم والأخلاق في مطالع الألفية الثالثة، حيث أشار إلى أن حديثه عن الدواي باعتباره مثقفا لا ينحصر على ما اتخذه من مواقف وما صدر عنه من التزام سياسي وغيره، وإنما أيضا ما أنتجه وألفه من كتب. وموضع مداخلته في سياق ما أسماه ب»استئناف القول الفلسفي» في المغرب من خلال أعمال جيل طليعي من أساتذة الفلسفة، من أمثال محمد عزيز الحبابي، و عبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري وآخرين، عملوا كل من زاوية اشتغاله على نشر قيم التقدم ، والعدالة، والمطالبة بتحقيق إنسانية الإنسان. شدد تمورو على الإطار النظري والتاريخي لتأليف الأستاذ عبد الرزاق الدواي وشخصيته التي كانت تجمع ما بين التدريس والالتزام السياسي والنقابي والتأليف، ملاحظا أن الفلسفة في المغرب غلب على تاريخها مجموعة مميزات، منها الاستنبات من الخارج، والتوفيقية، والارتباط بمجالات معرفية أخرى. و خلص إلى القول بأن الفلسفة وجدت نفسها دائما داخل الصراع حيث اعتبرت القوى التي تناهضها أنها تنتج الفكر الاحتجاجي أو المعارض. و هي لهذا السبب تندرج ضمن المجهودات التنويرية للرقي بالإنسان. و في هذا الإطار تدخل كتابات عبد الرزاق الدواي.
أما الأستاذ محمد مزوز فقد ركز في عرضه على مؤلف «موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر، هيدجر، ليفي ستروس، ميشال فوكو» مستعرضا مكونات الإشكالية التي اشتغل عليها الأستاذ الدواي المتمثلة في ما أحاط بالنزعة الإنسانية في الفلسفة المعاصرة من أسئلة، و مختلف أشكال محاكمة الإنسان في هذه الفلسفة. وتطرق لمكونات الكتاب الذي، كما يقول صاحبه في المقدمة، يهتم بتحليل مظاهر وملابسات أزمة النزعة الإنسانية في الفلسفة و»دراسة أهم مصادرها النظرية، ومناقشة دلالتها وأبعادها، واقتراح تأويل لها»، ولاسيما داخل التاريخ الفلسفي الفرنسي.فالمناقشات التي دارت في هذه فترة الستينات تميزت بالاهتمام المفرط بالمفاهيم، و بالأنساق، والبنيات، وبشكل أساسي باللاشعور، وبمنهج التفكيك و التقويض. وهكذا انصب اهتمام الأستاذ الدواي، كما يقول مزوز، على النقد الهيدجيري للنزعة الإنسانية وفلسفة الذات، بدعوته إلى تجاوز الميتافيزيقا بعد تفكيكها، والنقد الأنتروبولوجي البنيوي الذي بناه ليفي ستروس على أسس أرادها أن تحترم شروط البحث العلمي، والنقد الأركيولوجي، والجينيالوجي كما صاغه ميشال فوكو. وبعد استعراض مختلف مكونات هذا الكتاب انتهى الأستاذ مزوز إلى التساؤل، مع الدواي، حول صدقية الدعوة إلى التخلي عن النزعة الإنسانية عامة، أم أن الأمر يقتصر على التخلي عن الإنسان ككيان ميتافيزيقي.
وأعطيت الكلمة، في الأخير، إلى الأستاذ عبد الرزاق الدواي لا ليرد على ما قدمه الأستاذان من أفكار و قضايا وردت في مصنفاته و إنما اختار الحديث بحرية عن بعض مراحل تاريخه الشخصي و علاقته بالفلسفة وبالتدريس، سواء لما بدأ معلما بالابتدائي، وأستاذا بالثانوي، إلى أن انتقل إلى التعليم العالي. ولم يخل حديثه، وهو يستحضر لحظات من مساره، من الإشارة إلى وقائع و أحداث و لقاءات و أساتذة أثروا فيه، بالسلب أو بالإيجاب في تكوينه و حياته العملية و الجامعية، معتبرا أن انشغالاته الفلسفية لها سياقات نظرية وعملية. لذلك اختار تجنب التعقيد في الدرس الفلسفي، وآمن بمقولة أبيقور التي تؤكد على أن الفلسفة إذا لم تعمل على رفع الهمّ في النفس أو تفتح أملا إنسانيا فهي ضرب من اللغو و الثرثرة. فاهتم بالإنسان و بمختلف قضاياه كما أشار إلى ما أحدثته الانتفاضات العربية من اهتزازات في الضمير و الوعي و السياسة،و التي بالرغم مما تشهده من تحديات فهي، في نظره، ستكون لها تداعيات كبيرة في المستقبل. و انتهى بتوجيه خطاب مباشر للطلبة يحثهم فيه على العمل و بذل المجهود، وبالأساس التشبت بالأمل وأن لا ييأسوا.
بعد ذلك جرى نقاش مع بعض زملائه الذين أصروا على حضور هذه الجلسة و مع الطلبة ليختم الاستاذ نورالدين أفاية الجلسة بالإشارة إلى أن المشتغل بالفلسفة في المغرب يتحرك داخل أرضية شائكة، ومركبة، بحيث أنه لكي يواجه أسئلتها يتعين عليه الالتزام بمقتضيات الدرس الفلسفي وما يتطلبه من بحث وعرض وتواصل، ومواجهة تاريخ الفلسفة بما يقتضيه من استدعاء قضايا التراث ورهاناته الثقافية والسياسية كذلك، وأيضا رفع تحدي الحس المشترك الذي لا يساعد على الارتقاء بالفضول المعرفي، وبذل الجهد للتحصيل والتفكير والسؤال. كما أن المشتغل في هذا الحقل مطالب بمراعاة التراكم الفكري المغربي، على تواضعه، لتأطيره في سياقه النظري والثقافي العام. مستخلصا أن الفلسفة، وفي كل الأحوال، تعلم العقل و الاحتكام لمقتضياته، كما أنها تحرض على الحياة والتشبت بها، وتساهم في تحسين ظروف عيش من يأخد بها، فضلا عن أهميتها في توفير شروط الفهم والتحرر من الدوغمائيات ومن كل أنظمة الفكر المغلق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.