"بين رمال بادس يختبئ زمن لا يموت، حيث يتنفس الشاطئ حكايات الأبطال، وهمسات الأولياء، وأصداء الحضارات التي نسجت وطنًا من الذاكرة والصمت".. حين تطأ قدماك رمال شاطئ بادس، على أطراف إقليمالحسيمة، في عمق الريف المغربي المطِلّ على زرقة المتوسط، لا تجد لافتة تاريخية تعرفك بالمكان، ولا أي أثر رسمي يذكّرك بأنك تقف فوق تراب مدينة كانت يومًا مرسى للعلماء ومرفأ للوزراء. هنا، الصمت هو المستضيف الوحيد، وصدى البحر يرشد خطواتك. أمامك تمتد شبه جزيرة صخرية يتدلّى من أعلاها العلم الإسباني، وجنود يراقبون بهدوء حافة البحر. ما تراه مجرد واجهة، أما الحقيقة فهي أعمق: وجه المدينة مخبوء في الجذور، وتاريخها محفور في الصخر والسكينة. في بادس، الأرض تخفي أكثر مما تظهر؛ الرمال تحوي أسرارًا مطمورة، والجبال تكتنز ظلال الأولياء، وعلى ضفافها ترسو المراكب القديمة محمّلة بأصداء معارك ومواويل مضت. هنا، كل زاوية تهمس بتاريخ لم يُكتب، وكل صخرة تنبض بما لم تسطره كتب المؤرخين. الذاكرة هنا أعمق من الكلمات وأثقل من أن تُروى دفعة واحدة. المكان لا يموت رغم صمته، ولا يتكلم إلا لمن ينصت له حقًا. أما العابرون فلا يدركون سوى قشرة الزمن، بينما الجوهر يختبئ في الأعماق، يخط نفسه بالحكاية والشعور لا بالخرائط. هذا المكان ليس مجرد موقع جغرافي، بل قصة حياة كاملة تُروى. الحديث عن بادس قد نعني به الصخرة أو شبه الجزيرة، وقد نقصد المدينة التاريخية المطمورة، أو الشاطئ المنسوج من العزلة والجمال. نستعيد بادس كما هي في كتب الجهاد والصلاح والولاية، وفي ذاكرة التجارة والعلم والصناعة. رغم أن الحكايات لم تُكتب كلها، فإنها بقيت تُروى، وإن غابت في غبار الغزاة، لم تنطفئ، بل اختبأت في تضاريس الذاكرة، واستترت في ظل الصخر. هنا، تسافر الذاكرة بلا جواز، ويتحوّل المكان إلى كتاب مفتوح تترتله الطبيعة، وتكتبه الريح على الرمل، وتظل كل زفرة بحر قصيدة تنتظر من يصغي إليها، لا بالمداد، بل بالإنصات.