بوعرعار "كبير المترجمين".. سفير لغوي متجول بارع ودبلوماسي "فوق العادة"    الداخلية تلزم الجماعات بتحديد تسعيرة الضريبة على الأراضي غير المبنية لتشمل الدواوير... تغازوت نموذجا (فيديو)    فاتح شهر جمادى الآخرة لعام 1447 هجرية يوم غد السبت    انعقاد الجمعية العامة للإنتربول بمراكش.. اعتراف دولي بمساهمة المغرب في الأمن العالمي (رئيس المنظمة)    ماركا الإسبانية: لمسة خادعة من لاعب البرازيل أقصت المغرب في الدقيقة 95 وحرمت المغرب من نصف نهائي المونديال    العيون.. انتخاب عبد الإله حفظي رئيسا لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية    النقابة الوطنية للصحافة المغربية تدين تجاوزات لجنة أخلاقيات المهنة وتطالب بتحقيق عاجل    الدريوش تترأس حفل تخرّج بأكادير    للمرة الثانية.. سيدات الجيش الملكي يفزن بلقب دوري أبطال إفريقيا لكرة القدم    انتخاب الأستاذ كريم الشمانتي رئيسا للمكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالدائرة الاستئنافية بالحسيمة    نفاذ تذاكر حفل «بودشارت» بتطوان بعد طرحها بنصف ساعة فقط    أكادير.. الدريوش تزور عددا من الوحدات الصناعية البحرية وورشين لبناء السفن بجهة سوس–ماسة    انخفاض الرقم الاستدلالي للأثمان خلال شهر أكتوبر    "المعدن الأصفر" يلهب الأسواق.. المغرب يتبوأ المركز 63 في احتياطيات الذهب    بيلد: "يويفا" يوقف دياز 3 مباريات    القضاء المغربي يدين مغني الراب حمزة رائد على خلفية احتجاجات جيل زد    لفتيت يحذر المشبوهين بالابتعاد عن الانتخابات وإلا سيتم إبعادهم    كأس العرب لكرة القدم (قطر 2025)..طارق السكتيوي: "سنخوض المنافسة ونحن عازمون على التتويج وتشريف المغرب"    توقيف التيكتوكر مولينيكس بمطار مراكش ونقله إلى طنجة للتحقيق    بن هنية: "صوت هند رجب" يتخلّد حين يصل نفس الشعور إلى كافة الناس    بورصة البيضاء تنهي التداولات بارتفاع    السكتيوي يتفادى نقاش استبعاد زياش    "العدالة والتنمية" يرفع مقترحاته لتحديث مبادرة الحكم الذاتي للصحراء    الحسيمة.. فتح تحقيق أمني بعد سماع دوي طلق ناري في بني بوعياش    الداخلة: المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال يوقع أربع مذكرات تفاهم مع مؤسسات إفريقية لمكافحة تجنيد الأطفال        يونيسف تحصي مقتل طفلين فلسطينيين على الأقل يوميا في غزة منذ وقف إطلاق النار    الاتحاد الأوروبي يصفع دعاة الانفصال ويجدد عدم الاعتراف بالكيان الوهمي    صاحبة الجلالة أم "صاحبة جلال"    صحف إسبانية .. المغرب يؤكد مكانته على قمة كرة القدم العالمية    المنتخب المغربي للسيدات داخل القاعة ينهزم أمام نظيره الأرجنتيني    وفاة رضيع في الطرامواي تولد في العراء الطبي بسلا تهز الرأي العام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الاتحاد العام للفلاحين يتدارس ملف إعادة تشكيل القطيع الوطني    المطر يُعرّي أخطاء البشر !    من 28 نقطة… النص الحرفي لخطة ترامب لوقف الحرب في أوكرانيا    بعد الهدنة في لبنان.. حصيلة دموية ثقيلة إثر استهدافات الإسرائيلية    لوحة بورتريه لفريدا كاهلو تصبح أغلى عمل فني من إنجاز امرأة    اختتام مهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور وتتويج أبرز الأعمال    القوة الجوية المغربية تقتني 10 مروحيات "إتش 225 إم" من إيرباص    "الأول يكشف تفاصيل استنطاق "بوز فلو".. الرابور أمام القضاء بسبب اتهامات مرتبطة بمضامين أغانيه    تتويج سفير المغرب لدى الأرجنتين ضمن "قادة التحول في أمريكا اللاتينية"    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي    المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    خطف 52 تلميذا من مدرسة بنيجيريا    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار في السياسة ومحيطها مع المفكر عبد الإله بلقزيز : ليس وراء الحزبية السياسية في بلادنا تراث فكري -13-
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 10 - 06 - 2017

بعد الحوار الذي أنجزناه مع المفكر والكاتب عبد الإله بلقزيز في صيف 2015 بجريدة الاتحاد الاشتراكي، وفي تقديمنا لهذا الحوار التزمنا مع المفكر وقراء الجريدة أن الحوار سيكون في ثلاثة محاور رئيسة: وهي الأدبي، والسياسي، والفكري. في صيف 2015 كان الحوار أدبياً وذاتياً. أما اليوم فإننا نطرق بوابة السياسي في إنتاج هذا المفرد بصيغة الجمع. انطلاقاً من كتاباته السياسية التي تدخل ضمن مشروعه النظري والفكري العام؛ حاولنا مشاكسته في بعض القضايا السياسية في راهننا العربي: فلسطين، العولمة، الديمقراطية، الدولة، المعارضة، ثم الخطاب القومي، والربيع العربي، وغيرها كثير.
كلما اقتربت من عبد الإله بلقزيز إلاّ وازداد حباً وتقديراً؛ فهو المبدئي الذي لا يفرط في مبادئه، مهما كان الثمن، يدافع عن مشروعه القومي باستماتة فارقة. فالمتتبع لأعماله سيصل، بالضرورة، الى هذه التقدمية، والحداثية في إنتاجه الفكري، وممارسته المهنية، وانخراطه في الجبهات المناهضة للعولمة والامبريالية… بل أكثر من ذلك فكتاباته السياسية تستشرف المستقبل، ليس لأنه يؤسس نظره على الفكر السياسي، والحداثي، والفلسفي، وإنما في انخراطه الكلي في قضايا العالم العربي. نفتح هذا الحوار لنتقرب من هذا الرجل أكثر؛ الرجل الذي يُحيط زائره بالحبّ والتقدير والكرم. نقول له شكرا لأننا اخترقنا عالمك، وفتحت لنا قلبك للحديث عن أوجاعنا، ومطبّاتنا، وأعطابنا السياسية والتاريخية.
وأقول شكراً للصديق محمد رزيق الذي شاركني في إنجاز هذا الحوار، والشكر موصول الى الاصدقاء الذين قاموا بتفريغ الحوار وكتابته (الإخوة محمد البوقيدي، محمد زكاري، إبراهيم وانزار). أملنا في أن يكون هذا الحوار إطلالة على الجوانب المهمة من فكر هذا الرجل.

o أستاذ، في هذا الإطار، ألا تعتقد معي، أن المسألة راجعة إلى الحركة الوطنية ذاتها، بحكم أن هذه الحركة كان نضالها شفهياً، وخطابها شفهياً أكثر ما كان مكتوباً، إذا استثنينا علال الفاسي، ومحمد بن الحسن الوزاني، والمهدي بنبركة إلى حد ما، وعمر بنجلون، لا نجد كتابات أخرى. ثم سؤال آخر عن حالة شاذة عندنا في المغرب؛ رجل السياسة عندنا لا يكتب مذكراته، كما نجد ذلك مثلاً في مصر وفي لبنان أو في الغرب…
n التقاليد الشفهية في تاريخ الحركة الوطنية شيء لا غبار عليه، ولكن لا تنسى في الوقت نفسه، بأن الذين قادوا الحركة الوطنية، وأسسوا الأحزاب الوطنية، والتقدمية، كلهم مثقفون. هؤلاء الذين ذكرت لك، من علال الفاسي، ومحمد بن الحسن الوزاني، وعبد لله إبراهيم، والمهدي بنبركة، وعمر بنجلون، وعزيز بلال، هؤلاء كانوا قادة لأحزاب سياسية، وكانوا مثقفين. وهذه ظاهرة فريدة، ليست فريدة في العالم، ولكن كان لها نظائر في الوطن العربي، ميشيل عفلق، وأكرم الحوراني، وصلاح البيطار، وزكي الأرسوزي، ومحمد عزة دروزة، وقسطنطين زريق…أمثلة لهؤلاء. والشيوعيون الأوائل كانوا مثقفين، تماماً كما كان الليبرليون مثقفين، ويكفيك أن تذكر منهم أحمد لطفي السيد في مصر. هذا صحيح؛ كانت ظاهرة عامة في زمن مضى. اليوم، المثقف يكاد أن يختفي من المشهد الحزبي. ربما بعد عزيز بلال وبعد محمد عابد الجابري وعلي أومليل ومحمد سبيلا، آخر مثقف كان في الحياة الحزبية، هو محمد جسوس رحمه لله، وبعد ذلك، لا نرى أحداً. فإذاً، ليس السبب فقط أن هناك تقاليد شفهية لأن العمل الحزبي تغلب فيه التقاليد الشفهية. السؤال هو: لماذا فقط هؤلاء هم الذين خلفوا لنا آثاراً، هؤلاء الذين ذكرت؟ طبعاً، الجواب هو لأنهم مثقفون، بينما الآخرون ليسوا مثقفين. هنا نأتي إلى السؤال الثاني.
أما عن غياب الشهادات التاريخية على ألسنة أولئك الذي كانوا صناعاً لفصول من التاريخ الحزبي الوطني، فإنّ هذا الغياب يرتد إلى عاملين: العامل الأول، هو ما تفضلتَ بذكره، أي هيمنة التقاليد الشفهية، وغياب التقاليد الكتابية. والثاني هو أنّه حتى بالنسبة إلى من في وسعهم أن يعوضوا عن عجزهم عن الكتابة بتقديم إفادات شفهية لمن يحرر النصّ باسمهم، هؤلاء، أ كثرهم، حينما تسأله، يقول لك لم يئِن الأوان بعد لكي يقدم المرء روايته عن الأحداث. يقول لك هذا وهو قد تجاوز الثمانين! متى سيحين الحين إذن؟ الله أعلم. تشعر كما لو كان يحجم عن الإدلاء بشهادته مخافة أن يكون للإدلاء بها حجة عليه، أو سببا في مساءلته، أو… الخ! أو ربما تجد سبباً آخر للإحجام هو التواضع. في كل الأحوال، هذه المسائل التي ذكرنا، أي ندرة النصوص الفكرية التي يستند إليها العمل الحزبي، فضلاً عن غياب التقاليد الكتابية عند قادة الأحزاب وغيرهم. والإحجام عن تقديم شهادات عن حقبة ما من تاريخ العمل الحزبي، أو من تاريخ العمل الوطني… كلها تجتمع لكي تشكل حالة سلبية. وطبعا، هذا ينعكس، ليس فقط على الحزب عينه، أو على الحركة السياسية عينها، بل ينعكس على مجمل المجال الثقافي، والفكري؛ إذ حينما ينتدب باحث ما، مؤرخ أو عالم سياسة، نفسه لكي يكتب حول تاريخ الحركة الوطنية، لا يجد تحت تصرفه المادة الكافية لكي يكتب. وحتى حينما يحاول أن يعوض عن ذلك بالإصغاء إلى إفادات شفهية من القيادات، يجد أن ثلاثة أرباع هذه القيادات توفاها لله، ومن هم ما زالوا على قيد الحياة يحجمون عن تقديم تلك الإفادات. فإذا، كيف يمكن أن يزدهر البحث العلمي في غيبة هذا التراث وفي بيئة الصمت والكتمان هذه؟ نحن لا نقدر في مجتمعاتنا، من أسفٍ، خاصة في المجتمع المغربي، قيمة النص المكتوب، والوثيقة المكتوبة. لديك الآن مئات الآلاف من الطلبة في الجامعات، من منهم يعرف تراث «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب». لا أحد إلا من رحم ربُّك. لأنه لا أحد تحت تصرفه نص واحد من هذا التراث، من أدبيات «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»! الذي لم يكلّف أحدٌ نفسه، مثلاً، توثيقه، على الأقل وثائق مؤتمراته الوطنية!
n إذا سمحت، مؤخراً كانت دعوة قضائية ضد «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» من أجل إفراغه من المقر، رغم أن هناك وثيقة تثبت أن المقرّ عطاء من الملك محمد الخامس. لكن هذه الوثيقة، حين البحث عنها، لم توجد بالمطلق حتى عند مناضلي «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» في السبعينيات، الشيء الذي جعل هذا الأمر مشكلة.
o هذا جانب. الجانب الآخر، إذا سمحت أستاذ، خلال كلامكم، تذكرت ما قاله محمد برادة في كتاب حواري معه، في هذا الكتاب الحواري تحدث عن النضال والحزب، وما إلى ذلك. وقال بالحرف إننا كنا نناقش «الإيديولوجيا العربية المعاصرة» لعبد لله العروي داخل المقرات الحزبية، وكان الأمر كذلك، فعلاً، في سبعينيات القرن الماضي، حتى في بداية الثمانينيات، كان قياس المناضل، ليس بما يعرف من الأدبيات الحزبية، بل قياسه راجع إلى مدى إلمامه المعرفي، ومدى فهمه لمجموعة من القضايا الفكرية، سواء عند محمد جسوس، وإن كان محمد جسوس لا يكتب، أو عند محمد عابد الجابري، وغيرهم، من المفكرين المغاربة أو العرب، الآن هذا الأمر لم يعد بالمطلق.
n أنا لا أريد أن أتحدث في شؤون «الاتحاد الاشتراكي»، أو دعني أقول – إذا كان لابدّ لي من أن أتحدث في الأمر-فلأتحدث في «الاتحاد الاشتراكي» و»حزب الاستقلال» حتى لا أكون انتقائياً.
حينما كان لشخص مثل محمد عابد الجابري، أو عمر بنجلون، مكانة في قيادة الحزب، وحتى حينما كان لمحمد جسوس شبيه هذه المكانة في قيادة الحزب، فإن ذلك يعزى، ضمن ما يعزى إليه، إلى أن تقليد المثقف كجزء من المشروع الحزبي، بل كرمز لهذا المشروع، ما يزال طريا في الحياة الحزبية. وهذا يقال أيضاً عن «حزب الاستقلال». وجود شخص مثل عبد الكريم غلاب، داخل قيادة حزب الاستقلال هو ثمرة لقيم كانت سائدة في الحزب، وهو أن أعضاءه مثقفون. لا تنسى أن رجالاً مثل المهدي بنبركة وعبد الله إبراهيم، من كبار المثقفين، كانوا في قيادة «حزب الاستقلال»، قبل الانقسام، في 1959. إذا، هذه الظاهرة كانت قوانينُها، إذا شئت، ما تزال سارية المفعول في العمران الحزبي المغربي إلى حدود منتصف الثمانينيات. الأمور تختلف منذ ذاك الحين. لا ننسى، أيضا، بأنه دخل إلى قيادة الحزب مثقفون، مثلا، فتح الله ولعلو، أكاديمي أيضاً ومثقف، عبد الواحد الراضي أكاديمي، محمد الحبيب المالكي. لكن هذه النوعية من القيادات، لم تعد موجودة في أحزابنا السياسية. وهذا كان، في الحقيقة، تقليداً حميداً جداً في تاريخ المغرب. وحتى اليسار، أذكرك، حينما نشأت حركة اليسار الجديد، كل المناضلين كانوا مثقفين، أكاديميين، وخريجي الجامعات، ويقرؤون، ويتناقشون، ويكتبون…الخ. هذه الظاهرة الآن أصبحت هناك قطيعة كاملة بين السياسة والمعرفة. أصبح العارف أو المثقف موضوع إزعاج، لا يريده السياسي لأنه رجل مزعج. ولهذا أحزابنا، اليوم، والحمد لله، خلو من هؤلاء المثقفين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.