قطاع الداخلية يتصدر شكاوى المغاربة خلال سنة 2024    الحكومة تفوّض لمندوبية السجون مهمة تنزيل العقوبات البديلة    الحكومة تصادق على مرسوم تنظيم نشاط الإنتاج السينمائي    مجلس الحكومة يصادق على تعيينات في مناصب عليا    نتائج إيجابية في "اتصالات المغرب"    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    رئيس الحكومة يترأس مراسم التوقيع على بروتوكول اتفاق بين الحكومة والمكتب الوطني للمطارات    سوس ماسة.. 230 عارضا يشاركون في المعرض الدولي للمنتوجات المحلية    حماس ترد على مقترح الهدنة في غزة    الرادارات الروسية تفقد طائرة ركاب    "فرانس برس": اجتماع سوري إسرائيلي مرتقب في باريس الخميس برعاية أميركية    النهضة البركانية تحتفي بلقب البطولة    ميلان الإيطالي يتعاقد مع الدولي الإكوادوري بيرفيس إستوبينيان    توقيف 3 أشخاص بالقنيطرة بشبهة التحريض على الفساد وتصوير ونشر محتويات رقمية تتضمن مواد إباحية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    القنيطرة.. تفكيك شبكة لتصوير ونشر محتويات إباحية مقابل تحويلات مالية    إقليم العرائش.. انتشال جثة أربعيني غرق في سد وادي المخازن    بعد احتجاجات الساكنة.. عامل العرائش يعد بالاستجابة للمطالب في إعادة تهيئة الشرفة الأطلسية    صاحب أغنية "مهبول أنا" يفتتح غدا فعاليات الدورة ال11 للمهرجان المتوسطي للناظور    المشي 7000 خطوة يوميا مفيد جدا صحيا بحسب دراسة    البرتغال معنا: آمولا نوبا!    28 لاعبا لخوض نهائيات أمم إفريقيا للاعبين المحليين    بطولة القسم الممتاز لكرة السلة سيدات.. الكوكب المراكشي يتوج باللقب عقب فوزه على اتحاد طنجة    حملة ميدانية لضبط مختسلي الكهرباء بسوق كاسابراطا    تطورات جديدة في قضية الطفلة غيثة.. المحكمة تأمر بخبرة طبية وتؤجل الملف    الحكومة تستهدف تقليص عجز الميزانية إلى 3,5% خلال 2025    وزيرة المالية في المجلس الحكومي: من المنتظر أن يتسارع معدل النمو إلى حدود 4,5% خلال هذه السنة    الرجاء يطلق حملة "الألف منخرط" لتوسيع المشاركة الجماهيرية في القرار    طنجة تحتفي بالثقافة الأمازيغية بافتتاح معرض الكتاب والمنتوجات التقليدية ضمن مهرجان ثويزا    إقليم بولمان يخلد الذكرى 26 لعيد العرش ويحتفي بالتلاميذ المتفوقين دراسيًا    من الأمومة إلى الأضواء.. "غالي" يعيد ماريا نديم للواجهة    العيطة المرساوية تتواصل بمديونة    سفارة الصين بالرباط تُخلد الذكرى 98 لتأسيس الجيش الشعبي الصيني بحضور رفيع المستوى        تبون يرهن مستقبل الجزائر: ثروات تُهدر وكرامة تُباع لصالح جبهة البوليساريو        أرباح "غوغل" في الربع الثاني تجاوزت التوقعات ببلوغها 28,2 مليار دولار    شي جين بينغ يستقبل قادة الاتحاد الأوروبي ويؤكد على أهمية تعزيز الشراكة الصينية الأوروبية في ظل تحولات عالمية متسارعة    اتصالات المغرب.. أكثر من 80 مليون زبون وأرباح تتجاوز 4 مليارات درهم    مهرجان إفران الدولي يفتتح نسخته السابعة بمزيج من الفن والتراث والرياضة وسط جمهور غفير    بينهم 9 من منتظري المساعدات.. إسرائيل تقتل 23 فلسطينيا بغزة منذ فجر الخميس    زيان يصور الموسم الثاني من "أفاذار"    "سجلماسة" .. جدل يرافق إعادة تأهيل أحد أبرز المواقع التاريخية المغربية    أمين فرحان يعزز دفاع الفتح الرباطي    جامعة الدراجات تنظم منافسات الكأس    إسبانيا تكسر عقدة ألمانيا وتصعد لملاقاة إنجلترا في نهائي "يورو" السيدات    فرنسا تفرض حظر تجول ليليًا على القاصرين في مدن عدة بسبب تصاعد عنف المخدرات        كلمة .. المغرب أولا أيها المشرعون    الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    رقصة الافعى محور الندوة العلمية لمهرجان ايقاعات لوناسة بتارودانت    المغرب يتجه نحو إصلاح جذري في السياسة الدوائية    دراسة: متلازمة القولون العصبي لا ترتبط بحساسية الغلوتين    اليوم العالمي للدماغ يسلط الضوء على تحديات الأمراض العصبية المتزايدة    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عتبة الحداثة والديمقراطية.. في قضية المرأة والإرث والتعدّد

في حوار حديث معها، تحدّثت صاحبة جائزة الكونغور الأدبية، الكاتبة الفرنسية – المغربية، ليلى السليماني، عن الوضع الجديد للمرأة المغربية، وقامت بإطلالة على المرأة القضية في واحدٍ من بلدان العالم الإسلامي الأكثر جدلا في هذا الشأن. قالت "ليس المغرب هو بلد تطبيق الشريعة، فاللصوص لا تُقطع أيديهم، والطلاق لا يمكن أن يتم بضربة مزاجٍ من الزوج، وتعدّد الزوجات صار نادرا، فالمجتمع يتطوّر، وهناك نقاشات عديدة بشأن قضايا مهمة من قبيل الإرث والنساء". وعلى الرغم من أنها كانت تتحدّث عن حالة مغربية، فقد أثارت إحدى القضايا الرئيسة اليوم، في المرافقة السياسية والثقافية لتحولات الربيع العربي، سواء في الرقعة التي تقدّم فيها أو التي انتكس فيها.
ومن المثير حقا أن نلاحظ أن قضيتين اثنتين أثارتهما الكاتبة، تشكلان إحدى بؤر التساؤل من نخبة الغرب، لكنهما تشكلان، في الوقت نفسه، نقاط التوازن بين القوى داخل المجتمع، العربي الإسلامي، إن لم نقل بؤرة الوجود فيه، هما التعددية الزوجية والحق في إعادة النظر في الإرث أو المواريث. وقد عشنا، في المغرب وتونس ومصر، وهي دول مركزية، في البحث عن حلول مستعصية في الدائرة العقدية للعرب المسلمين الراهنين، جدلا حقيقيا أحيانا ومفتعلا حينا آخر، لكنه جدل يكشف عن ثلاث توليفات، أو تركيبات حضارية، في التعامل مع التطور والحداثة بشكل عام.
لم تجد قضية التعدّدية الزوجية في المغرب كبير عناء في أن تهضمها القوى المحافظة، ولاسيما منهم الإسلاميون الذين يمثلون المحافظة الجديدة في السلطة، على الرغم من أن جزءا من الوزراء تعدّدي في العقود الزوجية، فإن معارضتهم لم تكن قوية، عندما تبنّت الدولة والمجتمع قرارات جديدة في ما يتعلق بالموضوع، ووضع شروط شبه تعجيزية في مدونة الأسرة الجديدة التي ترأس أشغالها الزعيم التاريخي لحزب الاستقلال، وريث السلفية الوطنية المتنورة، الفقيد امحمد بوستة.
ومن المثير حقا أن دولةً تعيش تحت إمارة المؤمنين، وتشكل الحداثة السياسية فيها الدائرة الثالثة للمشروعية، بعد الدين والشرعية التاريخية، وجدت الصيغة المتوافق عليها حول الموضوع، ومواضيع أخرى، منها السن القانونية للزواج، للحد من زواج القاصرات، بل والطفلات في البلاد.
البلاد الوحيدة التي تجاوزت هذا السقف، وهي تونس، والتي كرّست ثقافة ونموذجا جد متقدم في القضية النسائية، فقد حافظت المرأة التونسية على مكتسباتٍ قوية، ورثتها عن الحقبة البورقيبية، وهي حقبة "إرادوية- تطوعية"، كان الموقف الثقافي فيها عند الرئيس المحرّر سابقا عن كل مواقف التوازنات المجتمعية.
وعلى الرغم من القوة الهائلة للمحافظين التونسيين، حركة النهضة أو غيرها، فإن هذا الوضع الاعتباري لم يتزعزع، بل انتقلت تونس، مع الرئيس الباجي قايد السبسي، إلى مرتبة أعلى، عندما أكد في خطاب، بمناسبة العيد الوطني للمرأة "على ضرورة إجراء مراجعات قانونية، من شأنها أن تساوي بين الرجل والمرأة في الميراث، وأن يسمح لها بالزواج من غير المسلم". وأيدت الدعوة دار الإفتاء في تونس، ما أثار ردود فعل غير مستحبة في بلدان أخرى منها مصر، غير أن المساندة التي حصلت من الفقه الرسمي جعلت الأمر أقلّ حدة، وانصب النقاش على بُعْدِها السياسي في الظرف التونسي الحالي. وكان لافتا أن القوة الرئيسية في التيار المحافظ لم تحول القضية إلى صراع، بل اكتفت بالمتابعة، لإدراكها ربما أن المجتمع التونسي لم يعاند هذا التوجه.
ومن المثير أن المجتمع الذي تجد فيها القوة المحافظة، "النهضة" ومحيطها، ميزان قوة حقيقي، تكتفي بإدارة الصراع خوفا من عودة النظام السابق أكثر من خوفها من "تجاوز" المحاذير العقدية، وهو تفكير من صميم الحداثة السياسية للنخبة الإسلامية التي تدرك أن الصراع هو، في العمق، بين حداثة بدون مضامين ديمقراطية وحداثة ذات مضامين شاملة، تتأسس على ديمقراطية واسعة، أي حداثة لا تلغي الديمقراطية والتعبيرات الحرة في المجتمع.
ولعل النقطة الأكثر جدلا هي التي تعلقت بالإرث، أو المواريث بلغة فقه الشرق. في المغرب، دار جدل وصل إلى حد تكفير قادة يساريين ونخب يسارية فتحت النقاش بشأن الموضوع، لكن سرعان ما هدأت العاصفة، بعد أن تبنى المجلس الوطني لحقوق الإنسان موقفا شبيها بمواقف اليساريين، وقدّمه رسميا في أكتوبر 2015. وكان المجلس قد طالب بضرورة "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، بما في ذلك تعديل مدونة الأسرة، بشكل يمنح للمرأة حقوقًا متساوية مع الرجل في عدة مجالات، منها الإرث وانعقاد الزواج والطلاق والعلاقة مع الأطفال. وأشار المجلس، في تقرير موضوعاتي عن "وضعية المساواة والمناصفة في المغرب: صوت إعمال غايات وأهداف"، بضرورة "إحداث هيئة المناصفة ومكافحة أشكال التمييز، والعمل على تعميم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مع سحب كل الإعلانات التفسيرية المتعلقة بها". وجاء في تقرير المجلس أن "المقتضيات القانونية غير المتكافئة المنظمة للإرث تساهم في الرفع من هشاشة وفقر الفتيات والنساء. كما أن الوقف والقواعد التي تحكم أراضي الجموع (أراض تملكها جماعات من القبائل)، تساهم في تجريدهن من حقهن في ملكية الأرض أو في الإرث".
وفي الهندسة العامة للدولة، يعد المجلس منظمة غير حكومية، تقدم المشورة للحكومة، لكنها أيضا مؤسسة جاءت نتيجة عمل المصالحة الوطنية الكبرى التي فتحت البلاد أمام مصالحةٍ مع الماضي، وتعويض حالات الانكسار الحضاري التي عرفتها عقودا، وهو أيضا وليد "الدسترة" المتقدمة لتوصيات هيئة المصالحة والإنصاف، والتي كان موضوع المرأة أحد قضاياها الشائكة.
وبذلك يقدم المغرب النموذج الثاني في التعامل مع القضية، فهو يسعى إلى حداثة مجتمعية مبنية على التوافق، وعلى الدور الترشيدي للدولة، مع مراعاة شروط التوافق الديمقراطي. وبمعنى آخر، لا تعوض الحداثة هنا العجز في الديمقراطية أوتحضر أولوية عن التدبير الديمقراطي، على الرغم من وجود نزوع من هذا النوع.
في مصر التي كانت دوما رحما لأسئلة النهضة في المشرق، كما في المغرب، يبدو أن النقاش فيها لا يتم انطلاقا من وضعها الذاتي، أي كمرحلة في نضجها المجتمعي الثقافي، ولاسيما المواريث والمرأة! بل رد فعل على دولةٍ "تحديثية" مجاورة في الزمن السياسي (الربيع العربي) وفي القلق الإيديولوجي (مرحلة ما بعد الإخوان المسلمين) وفي تدبير الاستعصاءات المتولدة عن العنف السياسي.
وقد كان لافتا ذلك الرد القوي للأزهر الذي لم يعد منبرا عقديا حوله إجماع، منذ أدرجته المؤسسة العسكرية ضمن دائرة اتخاذ القرار السياسي، إبان الثورة الأولى ونتائجها.. ونذكر ولا شك ما كتبته وكالات الأنباء عن شعار "يا_الأزهر_خليك_في_العسكر". وقد انتقد وكيل الأزهر، عباس شومان، دعوة الرئيس التونسي، معتبرا أنها "تتصادم مع أحكام الشريعة الإسلامية". وقال في بيان، نشرته الصفحة الرسمية لمكتب وكيل الأزهر على "فيسبوك"، إن "المواريث مقسمة بآيات قطعية الدلالة لا تحتمل الاجتهاد، ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان والمكان، وهي من الموضوعات القليلة التي وردت في كتاب الله مفصلة لا مجملة".
وجاء انتقاد الأزهر على مواقفه بناء على انتقاد الوضع عموما، لأن الأزهر مدان بما اعتبره منتقدوه "صمتا من أعلى مرجعية إسلامية في مصر على قضايا أساسية والتعليق على موضوع يتعلق بالشأن الداخلي لدولة أخرى"، والحل أن مصر التحديث والنهضة تبدو بعيدة عن نقاشات الفصل الديمقراطي والفصل الحداثي معا، وتكتفي منهما بالتوازن بين التجربة العسكرية والمحافظة المجتمعية. ولم تدخل القوى المعبّرة عن المجتمع ونزعته المحافظة في الجدل، حول القضيتين، ربما لإدراكٍ متأخر بأن قضية الديمقراطية والتعدّدية أضمن طريق للمشاركة والنقاش الجدي، بعيدا عن الاستخدام والتوظيف.
ويمكن إجمالا القول إن القضية، المتعلقة بالمرأة والإرث والتعدّد الزوجي، تكشف عن مستويات ثلاثة في البحث عن الحداثة انطلاقا من عتبة المرأة: حداثة أكبر من الديمقراطية كما في تونس، حداثة وديمقراطية متوافق على حدودهما، كما في المغرب، حداثة بلا حداثة ولا ديمقراطية كما في مصر.
منشور في موقع »العربي الجديد«...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.