المغاربة يجهلون تاريخهم، ومناهج التعليم الرسمية مسؤولة عن ذلكلفاسية: ذاكرة تاريخية وفضاء عائلي» المغاربة يجهلون تاريخهم، ومناهج التعليم الرسمية مسؤولة عن ذلك تطرق المتدخلون في آخر ندوات المهرجان المتوسطي للكتاب بفاس في دورته التاسعة، والتي تمحورت حول «القصور الفاسية: ذاكرة تاريخية وفضاء عائلي» الى تاريخ المدينة العتيقة وما وسم فضاءها من جمالية المعمار وعادات أهل المدينة وعلاقات التكافل والتازر التي طبعت أناسها رغم هبوب رياح الحداثة والعصرنة التي أصبحت تهدد النسيج الاجتماعي بهاته المدينة. الجلسة التي سيرها الدكتور والناقد عبد الرحمان طنكول، والتي احتضنتها رحاب الجامعة الأورو متوسطية بفاس يوم الأربعاء الماضي، عادت الى النبش في ذاكرة العمران بفاس العتيقة وجمالية المعمار وهندسته الضاربة في جذور وحضارات عدة لعل أبرزها الحضارة الاندلسية كما جاء في تدخل الدكتور محمد مطالسي المعماري والخبير في جماليات المعمار المغربي والعربي وعميد الجامعة الاورومتوسطية الذي تطرق الى ميكانيزمات التحولات الاجتماعية والجغرافية والبيئية التي حدثت داخل المدينة، والى العلاقة بين الفضاء والمجتمع التي طبعتها دوما الحميمية، مشيرا الى أن تخصصه في تاريخ المعمار جعله يهتم بالمدن العتيقة باعتبارها رافدا من رافد المعرفة، وبالتنظيمات المجالية داخل هذه المدن (الفضاءات، اللوحات، هندسة المباني..) واختلاف هذه الهندسة باختلاف طبيعة هذه الفضاءات وأدوارها، حيث أشار الى نوعين من الفضاءات المكشوفة والمخفية ( السوق، الحرم، الحديقة، القصبة، المسجد أماكن الحرفيين..) ولم يفت الدكتور مطالسي الاشارة الى الهوة الكبيرة التي تفصل الشباب المغربي عن تاريخه، محملا المسؤولية للمدرسة المغربية التي لا تساهم في التعريف بتاريخ المغرب وحضارته بالشكل الصحيح الذي يقوي هذا الارتباط الهوياتي عكس ما عاينه خلال مقامه بأوربا التي قضى بها أربعة عقود عايش فيها ارتباط الشباب الاوربي بتاريخه واحتفاء المناهج التعليمية به، باعتباره إسمنت الهوية والاحساس بالانتماء. المحتفى به خلال هذه الدورة المؤرخ والشاعر عبد المجيد بن جلون اعتبر في تدخله أن ولادته بقصر المنبهي أو ما كان يعرف لحظتها بدار المنبهي، وما ارتبط بها من أحداث تاريخيه، جعله يخصص ما يقارب نصف عمره لتاريخ الحركة الوطنية بالشمال ولتاريخ هذا القصر، فانكب على دراسة شخصية المهدي المنبهي وتاريخه في كل الأدبيات التي تناولت مرحلة أوج سلطته في عهد الصدر الأعظم باحماد أو فترة السلطان مولاي عبد العزيز، وهو ما لم يشف غليله البحثي، حيث لم يجد إلا النزر القليل مثل قيامه بمهمة تمثيل السلطان في مراسيم تأبين الملكة فيكتوريا وتنصيب اادوارد السابع في 1901 وكونه كان سفيرا بإنجلترا وألمانيا قبل أن ينفى الى طنجة بعد فشله في سحق ثورة بوحمارة، وأنه اقام قبل ذلك بقصر المنبهي داخل المدينة العتيقة، وهو القصر التي تبين بعد النبش في تاريخه أن ارضه تعود الى مليكة آل الوزاني وكان من قبل دارا للسكة قبل أن تترامى عليه الدولة المغربية ويقطن به المقيم العام ليوطي في 1912 ويشتريه بعد ذلك آل بن جلون. أما مداخلةالاستاذ الباحث في الذاكرة محمد الملياني فانصبت حول موضوعة الذاكرة كما وردت في كتابات عبد المجيد بن جلون الذي تناول على الخصوص الذاكرة العائلية كمدخل للذاكرة التاريخية بشكل أعم. وركز الملياني مداخلته حول الذاكرة كأداة للتلاقح والتواصل قبل أن يعرج على الدور الحيوي الذي لعبته العلاقات الاجتماعية، وهي العلاقات التي تمحورت حولها ثقافة وعادات معظم المدن المغربية، وضمنها مدينة فاس على الخصوص التي تعتبر مثالا حيا خلال العصور الوسطى لهذا الدور الذي لعبته العلاقات الاجتماعية في مقاومة موجات العصرنة في تجلياتها السلبية. وقال الملياني إن ما يبرز جليا في هذه العلاقات هو طابع التلاقح والتواصل، وهي سمة غالبة حتى في صنائع فاس التقليدية، حيث يمكن قراءتها حتى في الزليج الفاسي الذي ترمز مربعاته ومكعباته الى ذلك التلاقح والتناغم بين زليجة وأخرى. وحسب الملياني لا يمكن فهم رموز تاريخ المدن العتيقة كما هو الحال بالنسبة لفاس، دون فهم طبيعة العلاقات الاجتماعية ودور التلاقح داخلها. وربط الملياني بين الذاكرة الجماعية وبين تناقل التجارب والتي تتطور في إطار حياة اجتماعية ثقافية وتربوية داخل مجموعة أو تجمع بشري. ومن هنا فالمثال الذي تقدمه كتابات عبد المجيد بن جلون حول الذاكرة العائلية، هو دليل قوي على هذه القاعدة، حيث أن الحديث عن التجربة الفردية الخاصة والحميمية يشكل قطعة من القطع المجتمعة التي تؤسس للذاكرة الجماعية، وهو ما تمكن من خلاله الكاتب من جمع شتات ذكرياته الفردية في إطار عام منسجم وموحد. وفي الاتجاه المعاكس عندما ننطلق من الذاكرة الجماعية ونتعمق فيها، نلج الى التجارب الفردية، مشيرا الى أن المناهج التعليمية بالمغرب لا تتطرق الى التاريخ والتراث الجماعي ولكل ما يرتبط بالذاكرة، مضيفا أن هناك إرثا إنسانيا عالميا بالمغرب في فاس وفي غيرها من المدن المغربية، لكن التواصل والانفتاح عليه هو ما ينقصنا لتأثيث هذه الذاكرة الجماعية. من جانبه تعرض الدكتور محمد اللبار أستاذ شعبة التاريخ بكلية الآداب بفاس في مداخلته الى جوانب التكافل الاجتماعي في تراث أهل فاس، حيث لعبت الاوقاف دورا كبيرا في تعضيد التلاحم بين مكونات المجتمع الفاسي من خلال رعاية الفئات المعوزة والفقيرة عبر 3 نماذج: المرأة والأسرة-2) الشيوخ والمرضى-3) الطفولة والخدم. حيث خصصت أوقاف لفائدة النساء كأوقاف العرائس وتوجه خدماتها لعرائس الأشراف والفقراء وتجهيزهن، وكانت خلالها 8 دور مخصصة لإقامة الأعراس والعرسان وأخرى كان يطلق عليها أوقاف دار التقاة وتخصص لإقامةالنساء المتقاضيات أمام المحاكم أو الحوامل، فيما كان الشيوخ والمرضى يستفيدون من أجرة شهرية أو الاقامة بالخيريات ( ضريح سيدي أحمد البرنوصي الزاوية المتوكلية)، فيما كانت أوقاف المساكين توفر السكن للغرباء دون مقابل وللعاطلين أو الوافدين على مدينة فاس أيام الجفاف، مقدما مثالا بسنة 1906 حيث لجأ الى المدينة 4 آلاف شخص. وعرج اللبار على عادات التكافل التي كان يستفيد منها الأطفال والخدم كعمليات الإعذار (موسم سيدي بوغالب)، أوقاف تعليم الصبيان، دار الفقيهة لتعليم الفتيات، دار المعلمة وأوقاف الأواني التي كانت مخصصة للخدم وكانت ترمي الى عدم إيقاع العقوبة عليهم في حال تكسير أواني مشغليهم، حيث كانت تخصص محلات للأواني يستبدل فيها الخدم الأواني المكسورة بأخرى جديدة. وأشار اللبار الى أن هذه العادات آيلة للانهيار اليوم بفعل التحولات الطارئة على المجتمع المغربي، داعيا الى العودة الى التراث ومصالحة الشباب مع تاريخه لأن التراث هو ما يخلد حضارة الشعوب في التاريخ.