استنفار بجماعة مولاي عبد الله لتفادي تدفق مياه واد فليفل لعاصمة دكالة    طنجة.. اصطدام عنيف بين دراجة نارية وسيارة يُخلّف إصابات متفاوتة الخطورة    خلف "الأبواب المغلقة" .. ترامب يتهم نتنياهو بإفشال السلام في غزة    مركز إيواء يستقبل مشرّدي المحمدية    "بنك المغرب" يراجع فوائد القروض ويحضّر لتغيير طريقة التحكم في الأسعار ابتداء من 2026    كأس إفريقيا 2025: بطاقة ب50 درهما وتخفيض 30% وبرنامج قطارات خاص للجماهير    سلطات الحوز ترفع حالة التأهب القصوى لمواجهة موجة البرد والثلوج    التساقطات الثلجية والأمطار تدفع وزارة التجهيز إلى استنفار فرقها لضمان سلامة حركة السير    موجة البرد القارس: مؤسسة محمد الخامس للتضامن تطلق عملية دعم لفائدة 73 ألف أسرة في 28 إقليما    تعبئة شاملة بشيشاوة لدعم القطاع الصحي    عوامل مناخية وراء التقلبات الجوية التي يعرفها المغرب: "لانينيا" تُضعف المرتفع الأزوري والاحتباس الحراري يُكثّف التساقطات    إسبانيا تعتمد مسيّرة بحرية متطورة لتعزيز مراقبة مضيق جبل طارق    نقد مقولة "استنفاد التجربة": في تقييم حزب العدالة والتنمية ومنطق الإنهاء السياسي        بونو: "الأسود" متحمسون ل"الكان"    رصيف الصحافة: مباريات كأس إفريقيا تمدد أوقات إغلاق المقاهي والمطاعم    توقعات بأرقام قياسية في "الكان"    الدوزي ينسحب من أغنية كأس إفريقيا    "التجاري وفا بنك" يستحوذ على 45 في المائة من الاكتتابات في "SGTM"    بنك المغرب يبقي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في 2,25 في المائة    وزارة التجهيز والماء تعبئ إمكانياتها لإزالة الثلوج وضمان حركة السير بعد اضطرابات جوية    تماثل للشفاء    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى ملك مملكة البحرين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    هيئات تطالب الحكومة بإعلان مدينة آسفي منطقة منكوبة وتعويض المتضررين وإنصاف الضحايا    بنكيران: تلقيت تعويضا بقيمة 100 مليون سنتيم بعد إعفائي من تشكيل الحكومة    بنك المغرب: وقع تسجيل نمو اقتصادي بنسبة 5 في المائة سنة 2025    الحكم على نادي باريس سان جرمان بدفع 61 مليون أورو لفائدة مبابي كمكافآت ورواتب غير مدفوعة    دعوات لإعلان آسفي منطقة منكوبة    ترامب يطالب BBC ب10 مليارات دولار تعويضاً عن تهمة التشهير    التربية في صلب أولوياتها…الصين ترسم معالم تنشئة أخلاقية جديدة للأطفال        بطولة "الفوتسال" تتوقف بالمغرب    بوساطة مغربية... الأمم المتحدة تعيد إطلاق حوار ليبيا السياسي    مسلحون يقتلون 3 أمنيين في إيران    ال"كاف" تطلق دليل "كان المغرب 2025"    أبرز أحزاب المعارضة الكولومبية يرشح مؤيدة لترامب لانتخابات 2026 الرئاسية    أبرز عشرة أحداث شهدها العالم في العام 2025    تراجع أسعار النفط في ظل توقعات بتسجيل فائض في سنة 2026    أخنوش: إصلاح الصفقات العمومية رافعة لتمكين المقاولات الصغرى والمتوسطة وتعزيز تنافسيتها    إحباط مخطط إرهابي خطير كان يستهدف لوس أنجلوس في ليلة رأس السنة    الإعلام الفرنسي يرشّح المغرب للتتويج بكأس إفريقيا 2025    الرواية المغربية "في متاهات الأستاذ ف.ن." ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2026    فاس تحتظن الدورة ال13 لأيام التواصل السينمائي    دورة ناجحة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بمكناس    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    جدل واسع عقب اختيار محمد رمضان لإحياء حفل افتتاح كأس إفريقيا 2025    عريضة توقيعات تطالب بالإفراج عن الرابور "PAUSE" وتدق ناقوس الخطر حول حرية الإبداع بالمغرب    بنسليمان تحتضن المعرض الجهوي للكتاب من 17 إلى 22 دجنبر احتفاءً بالقراءة في زمن التحول الرقمي    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا دِفَاعًا عَنِ الَمْؤَلِّف وَلَا دَفْعًا بِالْبُخَارِي قِرَاءَةٌ فِي كِتَاب»صَحِيح الْبُخَارِي نِهَايَةُ أُسْطُورَة» 1

يَقَعُ كِتَاب رَشيد إيلَال الَمْعَنْوَن ب «صَحِيح الْبُخَارِي نِهَايَةُ أُسْطُورَة» فِي 283 صَفْحَةٍ مِنَ الْحَجْمِ الْكَبِير، مُوَزَّعٍ عَلَى خَمْسَةِ فُصُولٍ وتَصْدِير، وَهِي كالتَّالي:
آفةُ تَدْوينِ الْحَدِيث؛
آفةُ عِلَمْ الْحَدِيث؛
أُسْطُورَة الْبُخَارِي؛
سُقُوطُ الْأُسْطُورَة؛
مَنْ أَلَّفَ صَحِيح الْبُخَارِي.
لقد أثَارَ الْكِتَاب ضَجَّةً لَا لُزُومَ لَهَا، لأَنَّ الَمَوْضُوع قَدْ تَنَاوَلَهُ، قَبَلْ هَذَا، مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْبَاحِثين2، وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ قَدْ أَوْفَوْهُ حَقَّهُ، وِإِنْ كُنْتُ أَتَعَجَّبُ كَيْفَ أَغْفَلَ الْبَاحِث ذِكْرَ هَذِهِ الدِّراسَاتِ وَسِوَاهَا فِي مَتْنِ بَحْثِهِ، وَلَمْ يُشِرْ إِلَيْهَا، وَلَوْ مِنْ بَابِ التَّعْريفِ بِالشَّيْء؛ وَهَذا مَا لَمْ أَسْتَسِغْهُ مِنَ الَمْؤَلِّف.
قَبَلْ مُنَاقَشَةِ الْكِتَاب لَابُدَّ مِنَ الْإِشَارَة إِلَى أَنَّ إِشْكَالِيَّةَ الْحَدِيث النَّبَوِيِّ مِنْ أَعْقَدِ الْأُمُورِ فِي الدِّين الْإِسْلامي والْبَحْث فِيهَا يَتَطلَّب جُرْأة مَدْعومَة بِالعِلْمِ والْحُجَّة والْبَيِّنَة نَظَرًا لِحَسَاسِيَّتِهَا3. ومَع ذَلِك، فَلَا بَأْس مِنْ أنْ نَتَعَامَل مَع تُراثِنَا بِمَقَايِيسَ عِلْمِيَّة تُحَكِّمُ الْعَقْلَ، إِذْ لَا سُلْطَةَ سِوَاه، وبلغةِ أَبِي الْعَلَاء الَمْعَرِّي: « لَا إِمَامَ سِوَى عَقْلْي»، وَإِنْ ظَلَّتْ هَذِه الَمْقُولَةُ نَشَازًا دَاخِلَ الثَّقافَة الإسْلامِيَّة الَّتِي لَا تُقِرُّ بِالْعَقْل الْفَرْدِ عَلَى حِسَابِ الْعَقْلِ الْفِقْهِيِّ الْجَمَاعي، الَّذي مِنْ سِمَاتِه الانغِلاَق، مَا دَاَم يُحْتَجُّ بِالْفَتْوَى وَيُعَطَّلُ الْعَقْل، مِصْدَاقاً لِقَوْلِ بْنِ سَبْعين: «أَعُودُ بِاللهِ مِنْ عَقْلٍ يُقْنِع»؛ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ نَرْكُنَ إِلى الرِّوَايَةِ وَالنَّقْلِ وَالسَّنَدِ الْمُعَوِّلِ عَلَى مَا يُسَمَّى بِالتَّعْدِيل وَالتَّجْرِيحِ وعِلْمِ الرِّجَال، لأَنَّ هَذِهِ الْمَنْهَجِيَّةَ غَيْرُ دَقِيقَةٍ، وأَثْبَتَتْ عَدَم نَجَاعَتِها، مِنْ ذَلِكَ:
إِنَّ صَحِيح الْبُخَارِي يَضُمُّ أَحاديثَ تُنَاقِضُ النَّص الْقُرْآنِي ذَاتَهُ، إِضَافَةً إِلى كَوْن بَعْض الأَحادِيث تُناقِضُ الأُخْرى، وَأَحادِيث لَا يَقْبَلْهَا الْعَقْل؛
أَحادِيثَ صَحِيحةً لَا نَجِدُها عِنْدَ الْبُخَارِي فِي حِينْ نَجِدُهَا فِي صَحِيح مُسْلِم وَبِالْمِثْل نَجِدُ أَحادِيثَ أَغْفَلَهَا مُسْلم وَأَثبَتهَا الْبُخَارِي، عِلْمًا أَنَّ الَمْؤَلِّفَيْنِ اعْتَمَدَا نَفْسَ الْمَنْهَجِيَّةِ، خاصَّةً وأَنَّ الْمُصَنَّفَين يُعَدَّانِ وَلَا يَزَالَا مِنَ الْكُتُبِ الصِّحَاحِ؛
إِنَّ ثَقَافَتَنا الْإِسْلامِيّة تُبَجِّلُ السَّلَفَ لِدَرَجَةِ التَّقْدِيسِ، فَالْبُخَارِي وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحابَةِ، هُمْ دَائِماً عَلَى حَقٍّ وَإِنْ أَخْطأَوْا، مَا دَامُوا يَحْمِلُون الْعَلَامَةَ:»رَضِيَّ اللهُ عَنْهُ/عَنْهُمْ»، إِنَّهَا ISO الثَّقَافَة الْفِقْهِيَّة، وَالْعَصا السِّحْرِيَّة لفُقَهائنَا، إِذْ تَمَكَّنُوا بِوَاسِطَتِها مِنْ أَنْ يُمَرِّروا الْمَصائِب4. وَالأُسْتاذ رَشيد إِيلَال قَدْ أَصابَ فِي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَحَسْبُهُ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ يَتَحَرَّجُونَ تَارَةً فِي الاعْتِمَادِ عَلَى حَدِيثٍ لِتَفْسيرِ نَصٍّ قُرْآني أَوْ نَجِدُهُمْ يُبَرِّرُونَ عَدَم تَقَابُلِ أَوْ تَنَاقُضِ نَصِّ الْحَدِيث مَعَ النَّص الْقُرْآني، بَلْ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ لِاخْتِراعِ عِلْمٍ جَديدٍ هُوَ نَسْخُ السُّنة لِلْقُرْآن.
لَقَدْ تَحَوَّلَ الْبُخَارِي إِلَى صَنَمٍ، تَعْبُدُهُ الْقَبِيلَة؛ لِذَلِكَ لَابُدَّ مِنْ خَلْخَلَةِ نِظَامَنَا الْقَديمِ، وَلِمَا لَا هَدْمِهُ وَرَدْمِهُ وبِنَاء أُسُسِ نِظَامٍ جَديدٍ. إِنّ ادِّعاءَ امْتِلاكِ الْحَقيقَة النِّهائِيَّة وَالْمٌطْلَقَة لِكُلِّ أَمْرٍ فِي كُلِّ عِلْمٍ مُمْكِنٍ، هُوَ الْمُصيبَةُ بِعَيْنِهَا، لأَنَّهُ يُؤَدِّي أَوْ أَدَّى بِالْفِعْلِ إِلى اسْتِشْرَاءِ وَبَاءٍ نَفْسِيٍّ حَادٍّ5.
إِنَّ سُؤَالَ: مَنْ أَلَّفَ صَحِيح الْبُخَارِي؟ (ص، 279)؛ أَوْ بِمَعْنى آخَرَ: هَلْ كِتَاب «الْجامِعُ الْمُسْنَدُ الصَحِيح الْمُخْتَصَرُ مِنْ أُمُورِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّمَ وَسُنَنِهِ وَأَيَّامِهِ» مِنْ تَأْلِيفِ الْبُخَارِي؟
الَّذي طَرَحَهُ الأُسْتاذُ رَشيد إِيلال، سُؤَالٌ مُحْرِجٌ لِثَقَافَةٍ تَتَهَيَّبُ السُّؤَال، بَلْ تُقِرُّ بِمَشْرُوعِيَّةِ عَدَم طَرْحِ السُّؤَال. وَلَكِنْ مَاذَا قَدَّمَ لَنا الْبَاحِث كَحُجَجٍ لِيُقْنِعَنا بِرَأْيِه، عَلَى اعْتِبار أَنَّ الْكِتَابةَ تَجَلٍّ لِنَوْعٍ مِنَ الْحَقيقَةِ مَا دامَتِ الْكِتَابةُ تَتَجاوَزُ وَعْيَها، وبِاعْتِبارِها تَجْرِبَةً غَيْرَ مُنْتَهِيَّةٍ، إِنَّهَا بَحْثٌ مُسْتَمِرٌّ.
يَغُوصُ الْبَاحِث عَلَى مَدَارِ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى لِلْبَحْثِ فِي عَمَلِيَّةِ تَدْوِينِ الْحَدِيث عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ وَالصَّحَابَةِ مِنْ عَدَمهَا لِيُعَرِّجَ لِلْبَحْثِ فِي عِلْمِ التَّدْوينِ وَالاسْتِقْصَاءِ حَوْلَ عِلْمِيَّةِ الْحَدِيث وَما يُسَمِّيهِ أُكْذوبَةَ عِلْمِ الرِّجالِ، لِيَنْتَقِلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْخَوْضِ، فِي مَا أَسْمَاهُ، أُسْطُورَة الْبُخَارِي. كُلُّ هَذَا لِيَخْلُصَ، فِي النِّهايَةِ، إِلَى الْقَوْل: « إِنَّ صَحِيح الْبُخَارِي كِتَابٌ مَجْهُولُ الْمُؤَلِّف، لَا أُصولَ لَهُ، وَلَا حَقِيقَةَ لِوُجُودِهِ، فَهُوَ كِتَاب لَقِيطٌ.. «(ص،280 )
يُجْمِلٌ الَمْؤَلِّف دَوافِعَ تَأْليفِ كِتَابهِ إِلَى مَا يَلي:
1- أَضْحى كِتَابا «فَوْقَ النَّقْدِ وَفَوْقَ الْعِلْمِ، وَفَوْقَ الْعَقْل بَلْ فَوْقَ الْقُرْآنَ نَفْسِهِ لَدَى مُعْظَمِ الشُّيُوخِ..» (ص، 8)؛
2- تَمَسُّك الشُّيوخِ وَالْفُقَهاءِ بِكِتَاب الْبُخَارِي وَاعْتِبارِهِ أَصَحَّ كِتَاب بَعْدَ الْقُرْآن: «إِنَّ فِئَةَ الشُّيوخِ وَالْفُقَهاءِ وَالَمْحَدِّثِين ظَلَّتْ فِي مُجْمَلِها مُتَمَسِّكَةً بِالجَامِعِ الصَحِيح عَلَى أَساسِ أَنَّ كُلَّ مَا فِيه صَحِيح وأَنَّه أَصَحُّ كِتَاب بَعْدَ كِتَاب الله، بَلْ حَمل سِلاح التَّكْفِير والزَّنْدَقَةِ فِي وَجْهِ كُلِّ مَنْ يُنْكِرُ أَحَادِيثَ فِي هذا الكِتَاب أَوْ يُوَجِّهَ إِلَيْها سِهامَ انْتِقاداتٍ حَتَّى لَوْ عارَضَتْ مُتُونَها كِتَاب الله الْمُوحَى إِلَى نَبِيِّه.» (ص، 8)؛
3- يَحْوي بَيْن ثَناياهُ جُمْلَة إِساءاتٍ: «وَجَدْتُ أَنَّ الْمِئاتَ مِنْها تَحْبَلُ بِكَوارِثَ خَطيرَةٍ فَمِنْها ما يُسيءُ إِلَى مَقامِ الْأُلُوهِيَّة، وَمِنْها ما يُسيءُ إِلَى مَقامِ النُّبُوَّةِ، مِنْها ما يُسِيءُ إِلَى مَقامِ الإِنْسان نَفْسِهِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى وَجْهِ الْخُصوصِ..» (ص، 8)؛
بِالنِّسْبَةِ لِي أَرَى أَنَّ الكِتَاب يُمْكِنُ تَقْسِيمُهُ إِلَى قِسْمَيْن:
أ- الدِّراسَةُ، مُمَثَّلَةً فِي الْأَجْزاءِ الْأَرْبَعَة؛
ب- نُسَخُ مَخْطُوطَات صَحِيح الْبُخَارِي، مُتَمَثِّلَةً فِي الْجُزْءِ الْخامِسِ.
أَتَّفِقُ مَعَ الْمُؤَلِّف فِي مَا يَخُصُّ الْقِسْمَ الْأَوَّل الْمُتَعَلِّق بِإشْكالِيَّة تَدْوٍينِ الْحَدِيث وعُلومِ الْحَدِيث ورجالاته، عِلْماً أَنَّ الْأُسْتاذ إيلال لَمْ يُضِفْ شَيْئًا جَدِيداً لِلدِّراساتِ الَّتِي أَثبَتُهَا فِي الْهَامِشِ رَقْم 2، بَلْ أُجْزِمُ أَنَّ دِراسَةَ زَكَرِيا أَوزون، وَمَقَالَة وَضَّاح صائِب السَّالِفَتَي الذِّكْر، كانَتا أَكْثَر عِلْمِيَّة وَغِنىً؛ إِذْ رَجَعَ أَصْحابُها لِمَصادِرَ عَدِيدَة، كَمَا ارْتَكّزَتا عَلَى هَوامِش ثَقافِيَّة أَغْنَت الَمَوْضُوع وَيَسَّرَتِ الْبَحْثَ.
إِنَّ ما شَدَّنِي وَأنَا أُطالِعُ الْقِسْم الثَّانِي، هُوَ الصُّوَر الشَّمْسِيَّة لَمْخْطُوطَات من كِتَاب الْبُخَارِي، وَكُنْتُ أَعْتَقِدُ أَنَّنِي إِزاءَ عَمَلٍ تَحْقِيقي لِتِلْك الَمْخْطُوطَات، الشَّيْء الَّذِي حَدَا بِالْبَاحِث لأَنْ يَتَوَصَّل إِلَى خُلَاصَتِه الْمُتَمَثِّلَة فِي، «نِهايَة أُسْطُورَة الْبُخَارِي»؛ إلَّا أَنَّنِي وَجَدْتُ نَفْسِي حائِراً، أَقْرَأُ هَذَا الْقِسْمَ ثُمَّ أُعِيدُه عَلَّنِي أَجِدُ مَا شَوَّقَنِي الْبَاحِث إِلَيْهِ وَأَوْهَمَنِي بِه؛ فعُدْتُ بِخُفِّي حُنَيْن. لِذَلِك، أُسَائِلُ الْبَاحِث: ما عَلَاقَةُ تِلْك الصُّور بِنِهايِة أُسْطُورَة الْبُخَارِي؟ عِلْماً بأَنَّ الْمُؤَلِّف لَمْ يَقُم بِعَمَلِيَّة تَحْقِيق، بَلْ اكْتَفَى بِالصُّور وَبِأَقْوالِ مُحافِظ مَكْتَبَةِ الْمَلِك عَبْدِ الْعَزيزِ الْعامَّة بِالرِّياض الَّتِي تُنْفِي وُجُودِ نُسْخَة أَصْلِيَّة لِكِتَاب الْبُخَارِي. وَهُنا أَقُولُ لِلْمُؤَلِّف: إِنَّ مَنْهَجَ عِلَمْ الْحَدِيث الَّذي رَفَضْتَهُ، هَا أنْتَ تَسْتَعْمِلْهُ بِحَذافيرِه عِنْدَما اعْتَمَدْتَ عَلَى شَهَادَةِ مُحافِظِ الْمَكْتَبَة. مَتَى كَانَ الْعِلَمْ يَتَأَسَّسُ عَلَى الرِّوايَةِ الشَّفَوِيَّة (عِلْمُ الرِّجَال)؟ أَلاَ يُجَرَّحَ هَذَا الرَّجُلُ؟
ملاحظات منهجية:
1- إِنَّ مِنْ أَساسِيَّاتِ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ أَنْ يَكُونَ الْبَاحِث مُلِمّاً بِأَغْلَب مَا كُتِبَ حَوْلَ مَوْضُوعِ بَحْثِه، وَالْحَالُ أَنَّ الْأُسْتاذَ رَشِيد إِيلَال قَدْ أخَلَّ بهَذا الشّرْط. الْغَريبُ أَنَّ الْبَاحِث لَمْ يُشِر للَمْصادر الَّتِي يَكُونُ قَدِ اعْتَمَدَها عُمْدَةً لِبَحْثِه، وَمَا أكْثَرَها؛ بَلْ إِنَّ مَا يُثِير الْقَلَقَ أَنَّ الكِتَاب يَفْتَقِدُ لِببلْيوغْرافِيا، سِيّمَا وَأَنَّنا لَا نَعَدَم كُتُبًا تَناوَلَتْ صَحِيح الْبُخَارِي بالدَّرْسِ والتَّمْحِيص..
2 – انْتِفاء الْمَنْهَجِيَّة العِلْمِيّة التَّوْثِيقِيَّة فِي الكِتَاب، نَقْرَأُ فِي الصَّفْحة 19، ما يَلِي: «وَهُنا ارْتأَيْتُ أَنْ أَنْقُلَ لَكُمْ مَا أَوْرَدَهُ الَمفَكِّر الْمِصري محمود أَبُو رَيَّة رحمه الله فِي كِتَابه «أضْواءٌ عَلَى السُّنة الْمُحمدية» نَقْلا عَنِ الْفَقيه الْمُحَدِّث رَشيد رِضَا رَحِمَهُ الله صَاحِبُ الْمَنار فِي الْمُوازَنَةِ وَالْمُقارَنَة بَيْنَ أَحَادِيثِ مَنْعِ كِتَابة الْحَدِيث، والْأَحَادِيثِ الْمُجِيزَةِ لَهُ… « (ص. 19). (التشديد مني). تَتَمَثَّلُ الْمَنْهَجِيَّة الْعِلْمِية الْمُتَّبَعَة في عَدَم ذِكْرِ لَا الْجِنْسِيَّة وَلَا الْأَلْقَاب وَلاَ التَّرَحُّمِ عَلَى أَيِّ أَحَدٍ…، إِذْ يَنْبَغِي لِلْباحِثِ أَنْ يَتَجَرَّدَ عَنْ مَوْضُوع الدَّرْسِ، كَمَا أَنَّ الْمُؤَلِّف لَمْ يَذْكُرِ لَا طَبْعَةَ الْكِتَابِ وَلَا الصَّفَحَاتِ الَّتِي نَقَلَ عَنْهَا، حَتَّى يَسْهَلْ عَلَى الْقارِئِ الرُّجوع إِلَى النَّص الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ.
3- إِنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يُحَدِّد النُسْخَة الْمُعْتَمَدَةَ مِنْ صَحِيح الْبُخَارِي فِي بَحْثِهِ والَّتِي يُحِيلُ عَلَيْهَا؛
4- إِنَّ عَدَم وُجُودِ نُسْخَة بِخَطِّ يَدِ الْبُخَارِي أَوْ أَحَدَ تَلامِذَتِهِ أَوْ تَلاميذِ تَلامِذَتِهِ لَيْسَ حُجَّةً لِلْقَوْلِ بأَنَّ الكِتَابَ مَنْحُولٌ عَلَى الْبُخَارِي. هَلْ عَدَم وُجُودِ نُسْخَة خَطٍّيَّة لِامْرِئِ الْقَيْسِ أَوْ لِزُهَيْر بْنِ أَبِي سَلْمَى أَوْ لِغَيْرِهِمَا تَجْعَلُنَا نُنْفِي الْمُعَلَّقاتِ عَنْ أَصْحَابِهَا؟ فَالْكُلُّ، عَرَباً وَمُسْتَشْرِقِينَ، يَنْسُبُونهَا لَهُمْ. بَلْ يُمْكِنُنِي أَنْ أَذْهَبَ بَعِيدًا، فأَقُول: هَلْ وُجِدَتْ نُسْخَةٌ خَطٍّيَّة مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِخَطِّ يَدِ الرَّسُولِ، عِلْماً بأَنَّ مَسْأَلَةَ أُمِّيَةِ الرَّسُولِ أَضْحَتْ قَضِيَّةً مَرْدودَةً، طَبْعاً لَا وُجُودَ لَهَا الْبَتَّةَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا أَحَدَ يُجَادِلُ فِي الْوَحْي وفِي نُزُولِ الْقُرْآن عَلَى محمد؛
5 – يَتَحَدَّثُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْفَصْلِ الْخامِسِ وَخاصَّةً الْمَبْحَث الْمُعَنْوَن بِ»اخْتِلَافِ نُسَخِ صَحِيح الْبُخَارِي» يَقُولُ الْمُؤَلِّف:»مِنَ الضَّرَباتِ الْقَاضِيَّةِ الْمُوَجَّهَةِ لِكِتَاب صَحِيح الْبُخَارِي مَسْأَلَةُ اخْتِلَافِ النُّسخِ..»(إيلال ص.269). إِنَّ اخْتِلَافَ نُسَخِ الكِتَابِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِنَفْي نَسَبِ الكِتَاب لِصَاحِبِهِ. عِنْدَمَا أَحْرَقَ عُثْمَان بْنُ عَفَّان كُلَّ نُسَخِ الْقُرْآن، أَوْ مَا يُعْرَفُ بِالْمَصاحِفِ الأُولَى: مُصْحَف أُبَيُّ بْنُ كَعْب، ومُصْحَف عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسْعُود، ومُصْحَف عَلَى بْنِ أَبِي طَالِب…، هَلْ شَكَّكَ أَحَدٌ فِي الْقُرْآن، رَغْمَ مَا قِيلِ حَوْلَ الْمَوْضُوع؟ زِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ نُسْخَةَ الْمَشْهَدِ الْحُسَيْنِي الَّتِي تُعْتَبَرُ نُسْخَةً أَصْلِيَّةً لِمُصْحَفِ عُثْمَان بْنِ عَفَّان، قَد أَثبَت عِلْمُ التَّحْقِيق وَتَارِيخ الخُطُوط أَنَّها لَيْسَتْ كَذَلِك؛
فَمَسْأَلَةُ الاخْتِلَاف نَجِدُها أَيْضاً فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيم ، سِيَّمَا فِي مَا يُسَمَّى الْقِرَاءَات، بَيْنَ قِرَاءَةِ وَرْشٍ وَقِرَاءَةِ حَفْص وَمِثَالُنَا عَلَى ذَلِكَ، الآية 146، سُورَة آل عمران.
– قِرَاءَةُ وَرْش: «وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لما أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَإِنَّوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ»؛
– قِرَاءَةُ حَفْص: «وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لَمْا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَإِنَّوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ».
نَفْسُ الشَّيْء نَجِدُهُ فِي سورَةِ الْفاتِحَة الَّتِي يَقْرَؤُها وَرْش ب: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين مَلِكِ يَوْمِ الدِّين…» فِي حِين أَنَّ حَفْص يقرؤها ب: «الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين مَالِكِ يَوْمِ الدِّين» وَهُنَاكَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ ، هَلْ الاخْتِلاف فِي الرِّوَايَات أَوِ الْقِراءاتِ سَبَب لِنَفْي وَحْيِ الْقُرْآنَ؟
أُوَافِقُكَ الرَّأْيَ أُسْتاذ رَشيد فِي مَسْأَلَة النَّبْش فِي التُّراثِ وتَنْقِيَّة ثَقَافَتِنا وَلَكِنْ بِأَسُسٍ عِلْمِيّة مَتِينَة، وَلَكِنَّنِي أَتَحَفَّظُ فِي مَسْأَلَةِ أُسْطُورَةِ الْبُخَارِي، لَا دِفَاعًا عَنْهُ، وَلكِنْ، لِكَوْنِ حُجَجِكَ ظَنِّيَةُ التُّبُوث.
الهوامش:
(Endnotes)
1 – رشيد إيلال، «صحيح الْبُخَارِي نهاية أُسْطُورَة»، دار الوطن، الطبعة الأولى، 2017؛
2 – إِنَّظر:
– زكريا أوزون، جناية الْبُخَارِي انقاذ الدين من إمام المحدثين؛ رياض الريس، الطبعة الأولى 2004؛
– سامر الاسلامبولي، تحرير العقل من النقل، قراءة نقدية لمجموعة من أحاديث الْبُخَارِي ومسلم؛ عَدَم ذكر دار النشر، القاهرة 2015؛
– وضاح صائب، قتل الإسلام وتقديس الجناة، وبخاصة الإضاءة الخامسة: جناية كتبة الأحاديث، الصحاح ليست صحاحا.. الْبُخَارِي نموذجا، دار الإِنَّتشار العربي، الطبعة الأولى 2011؛
-إبراهيم فوزي، تدوين السنة، رياض الريس، الطبعة الأولى 1994؛
– ابن قرناس، الْقُرْآن والْحَدِيث، منشورات الجمل، وبخاصة القسم الأَول من الدراسة، الذي يقع فِي أكثر من 140 صفحة من أصل 527 صفحة، الطبعة الأولى 2008؛
3- زكريا أوزون، جناية الْبُخَارِي ، انقاذ الدين من المْحدثين، رياض الريس الطبعة الأولى، 2004، ص. 11.
4- انظر سيرة أبي هريرة وخاصة علاقته بعمر بن الخطاب، فِي كِتَاب الطبقات لابن سعد، تفسير الطبري…
5 – سيد محمود القمني، السؤال الآخر، الكِتَاب الذهبي، مؤسسة روزاليوسف، الطبعة الأولى، 1998، الصفحة 59.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.