الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الاتحاد الاشتراكي
الأحداث المغربية
الأستاذ
الاقتصادية
الأول
الأيام 24
البوصلة
التجديد
التصوف
الجديدة 24
الجسور
الحدود المغربية
الحرة
الدار
الرأي المغربية
الرهان
السند
الشرق المغربية
الشمال 24
الصحراء المغربية
الصحيفة
الصويرة نيوز
الفوانيس السينمائية
القصر الكبير 24
القناة
العرائش أنفو
العلم
العمق المغربي
المساء
المسائية العربية
المغرب 24
المنتخب
النخبة
النهار المغربية
الوجدية
اليوم 24
أخبارنا
أخبار الجنوب
أخبار الناظور
أخبار اليوم
أخبار بلادي
أريفينو
أكادير 24
أكورا بريس
أنا الخبر
أنا المغرب
أون مغاربية
أيت ملول
آسفي اليوم
أسيف
اشتوكة بريس
برلمان
بزنسمان
بوابة القصر الكبير
بوابة إقليم الفقيه بن صالح
أزيلال أون لاين
بريس تطوان
بني ملال أون لاين
خنيفرة أون لاين
بوابة إقليم ميدلت
بوابة قصر السوق
بيان اليوم
تازا سيتي
تازة اليوم وغدا
تطاوين
تطوان بلوس
تطوان نيوز
تليكسبريس
تيزبريس
خريبكة أون لاين
دنيابريس
دوزيم
ديموك بريس
رسالة الأمة
رياضة.ما
ريف بوست
زابريس
زنقة 20
سلا كلوب
سوس رياضة
شباب المغرب
شبكة أندلس الإخبارية
شبكة دليل الريف
شبكة أنباء الشمال
شبكة طنجة الإخبارية
شعب بريس
شمال بوست
شمالي
شورى بريس
صحراء بريس
صوت الحرية
صوت بلادي
طنجة 24
طنجة الأدبية
طنجة نيوز
عالم برس
فبراير
قناة المهاجر
كاب 24 تيفي
كشـ24
كود
كوورة بريس
لكم
لكم الرياضة
لوفوت
محمدية بريس
مراكش بريس
مرايا برس
مغارب كم
مغرب سكوب
ميثاق الرابطة
ناظور برس
ناظور سيتي
ناظور24
نبراس الشباب
نون بريس
نيوز24
هبة سوس
هسبريس
هسبريس الرياضية
هوية بريس
وجدة نيوز
وكالة المغرب العربي
موضوع
كاتب
منطقة
Maghress
من الحر إلى الكارثة .. فيضانات وانهيارات أرضية بعدة مناطق في إيطاليا
جمعيات أمازيغية ينوب عنها محامون من الناظور والحسيمة تقاضي أخنوش
سيادة دوائية في الأفق .. أخنوش يكشف تفاصيل خارطة الطريق لإنتاج الأدوية واللقاحات
انطلاق أشغال المحطة الجوية الجديدة بمطار محمد الخامس
أخنوش: الحكومة نجحت في فتح باب التغطية الصحية للجميع واستقرار المغرب مصدر إزعاج للبعض
ترامب يستقبل نتنياهو بالبيت الأبيض
استنكار حقوقي لمنع وقفة احتجاجية ضد مشاركة إسرائيل في منتدى السوسيولوجيا بالرباط
الزيات يعود إلى رئاسة نادي الرجاء
تعثر تنزانيا وغانا في "كان السيدات"
سلامة المواطن فوق كل اعتبار .. بولعجول يُطلق أضخم حملة توعوية صيفية
تصادم يقتل 3 أفراد من عائلة واحدة
تحذيرات من ارتفاع درجة الحرارة بالمنطقة الشرقية غدا الثلاثاء
بعد ارتفاع قتلى حوادث السير ب20,9%.. خطة طوارئ لإنقاذ صيف 2025
مهرجان "ثويزا" يعود في دورته ال19 بطنجة تحت شعار "نحو الغد الذي يسمى الإنسان"
مهرجان ثويزا يشعل صيف طنجة بالفكر والفن والحوار
ارتفاع الفقر في فرنسا إلى مستويات غير مسبوقة منذ 30 عاما
بلاغ إخباري حول تجديد مكتب جمعية دعم وحدة حماية الطفولة بالدارالبيضاء
التوقيع على مذكرة تفاهم بين المغرب والمنظمة العالمية للملكية الفكرية للحماية القانونية للتراث الثقافي المغربي
شمال المغرب تحت رحمة المتسولين: مشهد مقلق في عز الموسم السياحي
بيان توضيحي لولاية أمن أكادير حول محتوى فيديو منسوب ل'فاعل جمعوي ومرشد سياحي'
المصادقة على مشاريع طرقية لفك العزلة بإقليم شفشاون
بالأرقام.. أشنكلي يُغرق الجهة في الديون ويُعيد تدوير الاتفاقيات وسط تعثُّر المشاريع وتأخُّر تحقيق التنمية المنشودة
لقاء تواصلي أم حفل فولكلوري؟
وكالة بيت مال القدس الشريف تنفذ المرحلة الثانية من حملة الإغاثة الإنسانية للنازحين في مدينة غزة
حين تصعد وردية من رمادها وتمشي فوق الخشبة
" الحرب الإمبريالية على إيران" الحلقة 4كسر الاحتكار النووي: من يردع الكيان الصهيوني النووي؟
فتح باب الترشيح لانتقاء الفيلم الطويل الذي سيمثل المغرب في جوائز الأوسكار 2026
منصة يوتيوب تضيف ميزة مشاهدة المقاطع القصيرة بوضع أفقي
تجريدة من القوات المسلحة الملكية تشارك في احتفالات الذكرى الخمسين لاستقلال جمهوية القمر الاتحادية
حق «الفيتو » الذي يراد به الباطل
المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا بالرباط .. باحثون من أزيد من 100 بلد يناقشون «اللامساواة الاجتماعية والبيئية»
دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي
البروفيسور عيشان يحذر من مخاطر المكيفات الهوائية على مرضى الحساسية
بورصة البيضاء تحقق حصيلة إيجابية
مصرع فتى غرقا إثر سقوطه في حوض مائي غير محروس بالنواصر
الكرواتي إيفان راكيتيتش يعتزل بعمر السابعة والثلاثين
إقصائيات بطولة المغرب العسكرية للقفز على الحواجز 2025 (أسبوع الفرس).. النقيب بدر الدين حسي يفوز بجائزة القوات المسلحة الملكية
جهة سوس–ماسة تحتضن اللقاء الجهوي السابع حول الشباب والمشاركة المواطنة
تكوين في التحري عن ادعاءات التعذيب
ترامب: خطة ماسك "حطام قطار"
أسعار النفط تتراجع
محمد بهضوض... الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم
أبرزهم أوناحي.. أولمبيك مارسيليا يُنزل 6 لاعبين إلى الفريق الرديف
التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية
افتتاح متحف للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو في هونغ كونغ
بالأرقام.. المغرب في طليعة الذكاء الاصطناعي: نحو ريادة عالمية برؤية شاملة وأخلاقيات راسخة
تراجع الذهب نتيجة التقدم في تمديد مهلة الرسوم الجمركية
دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة
"مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية
التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي
التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً
التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس
طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
الجرحٌ الجَبلي : عن يَقِين الكِتَابة في ديوان "رماد اليقين " للشاعر محمد بلمو
عبد اللطيف السخيري
نشر في
الاتحاد الاشتراكي
يوم 29 - 06 - 2018
مُقْتَبَسَاتٌ:
إذا قُلتُ المُحالَ رفَعتُ صَوْتي ***وإن قلتُ اليَقينَ أطلْتُ هَمسي
أبو العلاء المعري
عَلَى قَلَقٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تَحْتِي*** أُوَجِّهُها جَنُوباً أَوْ شَمَالا
المتنبي
لاَ يَمْتَلِكُ قَنَاعَاتٍ إِلا ذَاكَ الَّذِي لَمْ يُعَمِّقْ شَيْئاً
إميل سيوران
يشكل ديوان "رماد اليقين " الخطوة الثالثة في طريق الكتابة الشعرية لدى الشاعر محمد بلمو، بعد "صَوْت التُّراب " و"حَمَاقات السَّلمون". وإذا كان في الديوانين الأولين قد سَاءَل الأَصْلَ، وامْتَطى صَهْوَة الحماقة، ممارساً حَقَّهُ فيها بِوَصفها "هِيَ أَفضل مُجَدِّدٍ لِلْقُوَّة" بتعبير نيتشه؛ فإنه في ديوانه الأخير واصل نزعته المشَّائية رفقة زْرَادشت لمزيد من تحطيم أصنام اليقين، وبَذْرِ الشَّكِ في طَريقه من جِبال زرهون نحو
المدينة
حيثُ يلهو تُجَّارُ الحقيقة على حِبَالٍ من أَوهام الناس.
يَكْتُب محمد بلمو بِمداد جُرْحِه الْجَبَلِيّ الذي يَنْدَاحُ نازفاً على جَسَد وَطنِ اختلَّتْ فيه الموازين! وجَعَلَ مَنْ يتسلَّحُ بالوَعي في مَنْفًى مِنَ الْمُفَارقات. اَلْعَمَى هُو سَيِّدُ الوَاقع، لأنَّ اليقينَ هو عُمْلَةُ التَّبَادُل على كُلِّ الأصعِدة. يَقِينٌ أَعْمَى لأنَّهُ يَعُدُّ نَفْسَهُ بَصِيراً، وَيَدَّعِي امْتِلاَكَهُ لِلْحَقِيقة الكَاملة. بَيْنَما يَرَى الشاعرُ أنَّ الحقيقة دائمةُ الاِختفاء. تَبْذُرُ الْقَلَقَ، لِتَحْفِزَ على المزيد من السَّفَر، والكثيرِ من نَار المعرفة المشبوبة.
يستعيد الشاعر، إذن، بَصِيرَةَ اللاَّيَقين التي طَبَعَتْ تَجْرِبَةَ أبي العَلاء (449ه)، وغَيْرَهُ من العُمْيان في تُراثنا الأدبيّ. فَيتحقَّقُ التَّماهِي بينَ لحظتَيْنِ زَمنيَّتَيْنِ بِكِيمياء الشِّعر، انْطِلاقاً من سِيادة اليَقينيات بين أَهْلِيهِما. ومَا يَنْجُمُ عن ذلك من الأحكام المُطْلَقَة، وتَوزيعِ صُكُوك الاِتِّهام، وذَمِّ الفُضَلاءِ على لسان الرّعاع، وسِيادة عَقْلِيَّة القَطِيع بَدَل الْقَطِيعة (ص:51) مع المُسَلَّمَات المُتَكَلِّسَة التي لا تُثْمِرُ سِوَى الموت، وتَمْنَحٌ السَّيِّدَ الْقَتْلَ (ص: 30) تَاجَ السِّيَادَة، وسَيْفَ الْجَلاَّد.
ينطلق الشاعر محمد بلمو من جُرْحِه الجبليّ بِكامل سُمُوِّه الإنساني، عِوَضَ القُوَّة التي كانت مُنْطلق فَخر رَهين الْمَحْبِسَيْنِ بِذاته، في عَصر انقلَبَتْ فيه الحقائق، فارتَفَع الناقصُ، واتَّضَع الفَاضلُ، وسَادَ فيه الْعَبَثُ واللاَّ منطق.
إذا وَصَفَ الطَّائيَّ بالبُخْلِ مادِرٌ
وعَيّرَ قُسّاً بالفَهاهةِ بَاقِلُ
وَقَالَ السُّهَى لِلشَّمْسِ أنْتِ خَفِيّةٌ
وَقَالَ الدُّجَى يا صُبْحُ لونُكَ حائلُ
وطاوَلَتِ الأرضُ السَّمَاءَ سَفاهَةً
وَفَاخَرَتِ الشُّهْبَ الحَصَى والجَنادلُ
فَيَا مَوْتُ زُرْ إنَّ الحَيَاةَ ذَمِيمَةٌ
وَيَا نَفْسُ جِدّي إِنَّ دَهْرَكِ هَازِلُ
إن المعريَّ الأعمى مُبصرٌ ببصيرته التي تَرَى حقيقةَ وَاقِعِهِ المُظلمةَ. تلك البصيرةُ التي يَخُبُّ على صَهْوَتِها، واصفاً إيَّاها بالجَواد الأَدْهَمِ تارةً، الكُمَيْتِ طوراً، في اغتدائه وسُراهُ. يركبُ الرِّيحَ أو الصَّبا. يخرُج من الليل حِيناً، ويتَّخذُه خليلاً وسَميراً حيناً آخر.
وَليْلانِ حَالٍ بالْكَوَاكِبِ جَوْزُهُ
وآخَرُ مِنْ حَلْيِ الكَوَاكبِ عَاطِلُ
كَأَنَّ دُجَاهُ الْهَجْرُ والصُّبْحُ مَوْعِدٌ
بوَصْلٍ وضَوْءُ الْفَجْرِ حِبٌّ مُمَاطِلُ
قَطَعْتُ بِهِ بَحْراً يَعُبُّ عُبَابُهُ
وَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ التَّبَلُّجَ سَاحِلُ
في قصيدة أبي العلاء ظُلمات بعضُها فوق بعض، لا يقطعُها إلاَّ الحازمُ ذُو البصيرة المتَّقِدة الَّتي تَتَبَلَّجُ صُبحاً في قَلْبِ الشاعر الأعمى ! الغُربة من خلال السجون الثلاثة، تقابلها غُربة الشاعر محمد بلمو في
المدينة
، وفي الوطن الجريح، بل في سجن لا مرئيّ ،يمتدُّ بلا نهاية، مثل مأساة (ص:66).
يركب محمد بلمو أيضا الريح، كما امتطى صهوتها أبا العلاء، والمتنبي من قبله. القلق الوجوديّ قمين بأن يزوِّجَ الحياةَ والموت في ذاتِ الشاعر بين الإقبال على الإبداع الشعري بوصفه دليلَ القدرةِ على الفعل، وبين النكوص بسبب مرارة العجز التي تسد حلق الكلمات. وما ذلك إلا بسبب المفارقات التي تهيمن على الواقع. عندما يسخر الزُّرْنِيجُ من الوَرد (ص:11- 13)، مُسَفِّهاً كُلَّ أَطايِيبه، مُؤَوِّلاً كُلَّ فَضَائِله لِتصيرَ ذَرِيعةً للذَّم، بِلْ لِلتَّكْفِير. الزُّرْنِيجُ دَليلُ عَمَى البَصيرة، بينما الْوَرد والزَّهر دَلِيلَا الجَمْر المحترِق بنار البَصيرة التي تُلْهِبُ الحقيقة بالمزيد من الشَّك، ولَهَبِ اللاَّيقين.
والفُرُوسِيَّةُ رَدِيفَةُ الرِّيح والعَوَاصف. غَيْرَ أَنَّها فُرُوسيّة لا تخرجُ عن مَرارة رَمَاد الخَمَّار الكنوني، ومِطرقة أحمد المجاطي التي فَتَّتَتْ كُلَّ اليَقينيات، حتى أَطَاحَتْ بالحكمة في دَارِ لُقمان نفسه. بينَ القُدرة على الفعل، وانعدامها تَتَمَزَّقُ ذاتُ الشاعر محمد بلمو، مِثْل بَطل تراجيدي يقبلُ بِقَدَرِه، لا يَمْلِكُ غَير يقينِ الموت، وأَنَّ قَدَرَ كُلِّ شَاعر هو القَصيدة. هُوَ القَول. فَالصَّمْتُ بَياض. والبَياض خِدْنُ عَمَى البَصر والبَصِيرة. لِذَا يجبُ أن نَعِيَ حَتْمِيَّةَ الْكِتَابة الشِّعْريّة في تجربة محمد بلمو.
لَوْ بِمَقْدُورِي أَنْ أَسْرُجَ خُيُولَ زِئْبَقْ/أَنْ أَرْكَبَ عَوَاصِفَ عَنْقَاءْ/أَنْ أَلُوذَ بِالضِّيَاءْ/ لَوْ بِمَقْدُورِي /لما كتبت/ لَوْ بِمَقْدُورِي /لَما أَتَيْت. (ص: 15-16).
هذا ما جَناهُ عليه الشِّعر. فَهُوَ أَعْزَلُ إِلا مِنَ الْقَلَمِ رَمْزِ بِدَايَةِ الخَلْقِ، وَالْعَوْدِ المستمرّ لِتلك الْبِدَاية. رُبَّما تَحَقَّقَتِ الْعَوْدَةُ في دِيوان "حَمَاقَات السَّلمون" عن طريق الماءِ الَّذي يحتَضِنُ بِذْرَةَ التَّغْيِيرِ. أَمَّا في هَذا الدِّيوان فَهُوَ يَبْقَى احْتِمالاً مُرْتَبِطاً بالعَودة إلى أَوَّلِ الحَرِيق (ص: 74). إذ لا يتحقق استيعاب شيب الرماد إلا بالبحث عن سيرته في الذات الفردية، والجماعية معاً. فليس هُناك فَرْقٌ بَيْنَ مَصِير الهُوية الذَّاتية، والوَطَنِيَّة، والوُجُودية. كُلُّهَا نَهْبٌ لِلتَّسْآلِ.
أَمُتَيَقِّنٌ/ أَنَّكَ أَنْتَ/ وَأَنَّ الْبِلَادَ بِلادٌ/ وَأَنَّ الأَرْضَ تَدُورُ كَمَا كَانَتْ /وَأَنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ كُلَّ صَبَاح؟ (ص: 74).
اَلرَّمَادُ دَلِيلُ نَارٍ خَامِدة. دَلِيلُ بُرُودَةٍ تَقُولَ الصَّمْتَ، أَوْتَقُولُ الموتَ في الحَياة. دَلِيلُ فَقْدِ الجَدْوَى مِنَ الحَياة، وَانْتِصَارِ العَبَث. فالإِنْسان فَقَدَ لَذَّةَ اكْتِشَافِ النَّار فَصَارَ دُخَاناً (ص:62). والحِزْبُ إِمَارَةٌ شَبِيهَة بِالرَّماد (ص:59). وَالْيَسَارُ نَحَتَ أَصْنَامَهُ عِوَضَ تَحْطِيمِ الآلهة (ص.ن). ولا يُشْعِلُ الذَّاتَ إلا الْيَأْسُ، وَزَهْرَةٌ مُشْتَعِلَةٌ تَشُبُّ مِنْهَا حَرَائِقُ الحُرُوف فَتُلْهِبُ الإِيمَانَ بِجَدْوَى الشِّعر، وإِنْ كَان كُلُّ مَا يَحُفُّ بالشَّاعر يَدْفَعُ إلى التَّشْكِيك في تِلْكَ الجَدْوَى.
يَقْتَاتُ الشِّعْرُ عَلى آلاَم الشَّاعر، وَنَزْفِ جُرْحِه الجَبَليّ، الَّذِي يَمْتَدُّ مِنْ جِرَاحَاتِ السُّلالَة، في "جَنُوبِ الرُّوحِ". وكأنَّ محمد بلمو يُواصلُ رحلةَ الفرسيويّ على حِمَارِه الأَشْهَب، فراراً بما تَبَقَّى من سَنَابِلِ سُلالَتِه خوفاً عليها من مَنَاجِل الثَّأر، مُنحدِراً من الجَبَل نَحْوَ زَرْهُون. هي تَغْرِيبَةٌ تَسْكُنُ نُسْغَ الطفل الذي يَسْكُنُ الشّاعر. يقول:
عَلَى هَذِهِ الْعَتَبَاتِ كُنَّا نَلْعَبُ/وَحِينَ دَاهَمَ اللَّيْلُ قَرْيَتِي/تَسَلَّلَ الْفُقْدَانُ يَخْلَعُ ثَوْبَ الْبَابَ الْعَتِيق/ نِسْيَانٌ شَرِسٌ عَرَّى الْبُيُوتَ القَدِيمَةَ/ مِن الُْحبّ (ص: 35).
قَرْيَةُ محمد بلمو غَائِرَةٌ في ذَاكرة النِّسْيَان. حَرِيقٌ أَوَّلُ لا يَكُفُّ عن العَوْدَةِ إليه. لِيَبْقَى الْجُرْحُ طَازَجاً، يَتَحَوَّلُ إلى مِدَاد للكِتابة بوصفِها قَدَراً كَما قُلنا. بَيْدَ أَنَّ الكِتابة فِعْلٌ إِشْكاليٌّ مَليءٌ بالتَّنَاقُضَات لاِرْتِباطه بِفَضاء
المدينة
بِنَزْعَتِها المركزيَّة التي تُغَرِّبُ كُلَّ مَنْ أَتَاها من الهامش. ولا يملكُ القارئ إلا أنْ تَفْجَأَهُ رُؤْيَةُ الشّاعر إلى الكِتابة بِاعتبارِها مُؤَسَّسَةً مَدِينِيَّة. ومَعْلُوم أن كُلَّ مُؤسسةٍ سُلْطَةٌ. فالنَّسَقُ الاِستعاريّ للمَدينة يُبْرِزُ الكَبْتَ الذي تفرضُهُ الكِتابة نفسُها، وإِنْ كانتِ الغايةُ منها هي التَّعبير الحُرّ. ولا مِرْيَةَ في أَنَّ الشاعرَ يَربط الشِّعر خاصّة بمُمارسة الحرية. غَيْرَ أنَّ
المدينة
تجعلُ المِدادَ نفسَهُ يَتَلَبَّسُ بِلَبُوسِ القَسْوة، وكأنَّهُ مَصَّاصُ دِمَاءٍ يَقْتَاتُ على أَلم الشّاعر، ولا يُعير اهتماماً لِفَرَحِهِ الْبَسِيط، ولا ذِكرياتِهِ الطُّفُولية الْعَبِقَة. فالكَلِماتُ سجينة غًابة الحدِيد. والمِدادُ إِسْمَنْتِيٌّ شَرِهٌ للمَوت، وللقَتلى، مُنْخَرِطٌ في تَشْيِيءِ الإِنسان، وسَلْبِ إِنسانِيَّتِه. ولَعَلَّ الرَّقابة على القَول سَالِبَةٌ للحُرّية التي هي أُوكْسِجِينُ الشّعر؛ بل كُلِّ إبداع. يَقُول الشاعر:
– ظَلاَم ٌمَحَنَّكٌ/ يَنْهَرُ أَفْكَارِي/ يُطَارِدُ قَلَمِي /كَيْ يَرْحَلَ/ بَعِيداً ، (ص: 32).
– تَكْتَسِحُ كَلِمَاتِي الرَّخْوَةَ/ أَسْلِحَةُ الرُّعْبِ، (ص:34).
– في بَيْدَاءِ إِسْمَنْتٍ أَجْلَف/ تَبْحَثُ عَنْ مَاءِ الْمَعْنَى/ كَيْ أَرْتَوِي/ وَلا أَرْتَوِي لَحَظَةً/لا أَرْتَوِي، (ص: 29).
اَلْكَبْتُ والقَمْعُ يُفْرِغان الشّعر من جَدْوَاهُ. ويَدفعان الشّاعر إلى البحث عن مَوْطِئِ قَلَمٍ لَهُ، سُدىً. أَوَلَيْسَ الرَّمَادُ – حَسَبَ ابْنِ سِيرِينَ- كَلاماً بَاطِلاً لا يُنْتَفَعُ به؟ إِنَّ تَأَمُّلَ الشّاعر في سُؤال الجَدْوَى وما مَدَى ضَرُورة الْقَوْلِ الشِّعريّ تَكتسي طَابعاً جَوْهَرِياً في الدِّيوان. وهو في تَأَمُّلِه ذَاَك لا يَنْفِي تلكَ الضَّرورة، ولا يُدْخِلُها في رُؤْيَةٍ عَدَمِيَّة، وَإنَّما يَتَغَيَّا الْعَوْدَةَ بالقَارئ إلى أَوَّلِ الحَرِيق، نَارِ البِداية التي تَقْدَحُ شَرَرَ التَّأَمُّل. فتعُودُ بالذَّات إلى مَنَابِع طُفولتها، وبالمعرِفة إلى صَفَائِها من خِلال تَعْرِيفَات بِدَائِيَّةٍ، تُعِيدُ لِلْأَشْياء غِنَاهَا بِفَتْحِهَا على الاِحتمال، والنَّأْيِ عَنْ وَهْمِ اليَقين. وَلَعَلَّ رَأْسَ هذه التَّعريفاتِ تَعريفُ الشِّعر بِكَوْنِه:
يَهْجُو الْمَعْنَى الْوَاحِد/يَتَبَادَلُ الحَدِيثَ مَعَ الرِّيح/عَلَى رَصِيفِ مَقْهَى البَياَض (ص:57).
اَلتَّعَدُّدُ بَدَلَ الْوَاحِدِيَّة. والْقَلَقُ بَدَلَ الْيَقِينِ الجَامِد. والبَيَاضُ هُوَ أَصْلُ الْكِتَابَة، وفَضَاؤُها المفتُوح على كُلِّ الإِمكانَات والاِحتمالات. لِذلك نَرَى أَنَّ ذاتَ الشّاعر محمد بلمو تَرتبطُ بِرَمْزِيَّة الرِّيحِ التي تَسْفِي رَمَادَ الْيَقِين المُكوَّم في الوَاقع، لِيَقْطَعَ الْقَلَمُ عُطْلَتَهُ، ويَعُودَ إلى قَدَرِ الكِتابة، وتَشْتَعِلَ في الرُّوح زَهْرَةُ الْجَمْرِ (ص:73)؛ لأنَّ نِدَاءَ المحرَقَة يُغْرِي الشّاعر، كما أَغْرَى هِرَقْل مِنْ قَبْلُ. ولم يَحِنْ بَعْدُ وَقْتُ نَثْرِ رَمَادِه على قِمَّةِ الجَبَل (الأُولمب) لأنَّ في الْجُرْحِ الجَبَليّ ما يَسْتَحِقُّ الاِسْتِمْرار في النَّفْخِ عَلى جَمْرِ القَصيد الَّذي يَسْتَوْطِنُ الرُّوح، حتى يَكَادُ القَارِئُ أَنْ يَتَبَيَّن وَهَجَهُ، فَيَقُولَ مَع نَصْرٍ بْنِ سَيَّار (131ه ) :
أَرَى خَلَلَ الرَّمادِ وَمِيضَ جَمْرٍ
ويُوشِكُ أَنْ يكُونَ له ضِرامُ.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
سُلُوكُ الأعمى
لقاء: «رماد اليقين» للشاعر المغربي محمد بلمو بالرباط
سُلوك الأعمى في ديوان «رماد اليقين».. سلوك الكتابة الشعرية الحداثية
هي شعرية الضرير الذي يتلمس طريقه بعكاز الشك والريبة التي تنهض على القلب والمفارقة
«أريجُ» أزهارٍ الألم
"أريجُ" أزهارٍ الألم
أبلغ عن إشهار غير لائق