تعيين مسؤولين ترابيين جدد في دكالة والشرق    الملك محمد السادس يطلق جيلاً سياسياً جديداً: الدولة تموّل 75% من حملات الشباب لكسر هيمنة المال والنفوذ    ساركوزي يدخل سجن "لاسانتيه" حيث سيقضي عقوبته في قضية التمويل الليبي    تاكايشي أول رئيسة للوزراء باليابان    إسرائيل تؤكد تسلم جثة ضابط صف    المغاربة يترقبون ممراً شرفياً لكأس العالم للشباب في الرباط...    عاجل.. استقبال شعبي وملكي اليوم للمنتخب المغربي بعد إنجازه التاريخي في الشيلي    رياضي سابق يفارق الحياة في مقر أمني بأمريكا    القصر الكبير : حجز أزيد من 30 كيلوغراما من مادة محظورة داخل مرايا معدة للتصدير    كيوسك الثلاثاء | مشروع قانون المالية لسنة 2026 يكشف عن خطة الحكومة للتشغيل    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة    السكوري: نظام التكوين بالتدرج المهني مكن من توفير 39 ألف منصب شغل خلال شهري غشت وشتنبر    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة    صحافة البؤس أو بؤس الصحافة!    المعادن النادرة ورقة ضغط بخصائص صينية ...    عن أي سلام يتحدثون؟    أجواء حارة في توقعات طقس الثلاثاء بالمغرب    الصين تدعو الولايات المتحدة لحل الخلافات التجارية عبر الحوار    خط مباشر يربط بين البيضاء وميونخ    لقجع: تتويج "الأشبال" ليس الأخير.. ونحتاج شبابا متشبعاً بثقافة الانتصار    لتسريع تأهيل العرض الصحي.. افتتاح المستشفى الجامعي بكل من أكادير والعيون سنة 2025 وابن سينا بالرباط في بداية 2026    عمور: المغرب يستقبل 15 مليون سائح ويسجل رقما قياسيا ب87.6 مليار درهم    زواج صناعة الألعاب الإلكترونية بالسينما    مغاربة في "تحدي القراءة": "اقرأ" نافذة التفكير.. والحرف يشفي الإعاقة    المغرب يعزز استقلاله الدفاعي: قانون المالية 2026 يرفع ميزانية القوات المسلحة نحو صناعة عسكرية وطنية متطورة    مؤسسة الدوحة للأفلام تعلن عن مجلس الأمناء الجديد    الملك محمد السادس يفتح مرحلة جديدة من التحول: استثمار تاريخي في الإنسان والطاقة والدفاع    ميزانية القصر الملكي ترتفع بنسبة 2.5% في مشروع مالية 2026    "ماركا" الإسبانية: عثمان معما يجسد الروح القتالية ل"أشبال الأطلس"    الذهب يرتفع قليلا بعد تراجعه من أعلى مستوياته القياسية    الخطوط الملكية المغربية وChina Eastern Airlines توقعان على اتفاق شراكة إستراتيجية لربط الصين بالقارة الإفريقية    خيارات اتحادية وفقط    إلى ذلك الزعيم    من وحي المؤتمر الوطني الثاني عشر .. رسالة التجديد والثقة والإصلاح من أجل مغرب العدالة الاجتماعية    مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون مالية 2026 والنصوص المرتبطة به    لمن تذهب مليارات الإعفاءات الضريبية في مشروع مالية 2026؟    الملك محمد السادس يهنئ منتخب المغرب للشباب بعد تتويجه التاريخي بكأس العالم    في إنجاز غير مسبوق .. أشبال الأطلس يكتبون التاريخ بالشيلي ويصعدون إلى قمة العالم    توقيع مؤلفات جديدة في فعاليات ملتقى سينما المجتمع التاسع ببئر مزوي    هاجسُ التحديثِ في الأدب: دراسةٌ في النُّصوصِ الأدبيَّة لعبد الله العروي    التشكيلي المنصوري الإدريسي يمسك ب «الزمن المنفلت»    بورصة البيضاء تغلق بحصيلة إيجابية    اليوم الثالث من فعاليات المهرجان الوطني للفيلم يتميز بالمرأة والحرية والخيال    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    الصحة تطلق حملة وطنية لتشجيع الرضاعة الطبيعية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الكاف يشيد بالتتويج المستحق للمغرب بكأس العالم تحت 20 سنة    سرقة في اللوفر.. نحو 60 محققا يلاحقون اللصوص والمتحف يمدد إغلاق أبوابه    وزارة الانتقال الطاقي تكشف عن مشاريع لتأهيل وتدبير النفايات المنزلية بإقليم الجديدة    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الماركسية اليوم

1 – خَصَّصت مجلة النهضة التي تصدر في المغرب منذ سنة 2012، عددها الأخير، (17-18، شتاء – ربيع 2019)، لمحور بعنوان الماركسية اليوم. ولا يملك المطَّلِع على محتويات هذا العدد، إلا أن يُثَمِّن الروح التي تقف وراء حرص الهيئة المشرفة على مسعاها الهادف، إلى المساهمة في إضاءة بعض الجوانب المتعلقة بأوضاع الماركسية في عالمنا. وتزداد أهمية هذا المسعى، عندما نكون على بينة من اتساع مجالات الموضوع، وارتباطه بقضايا السياسة والفلسفة، والإيديولوجية والتاريخ واليوتوبيا، وارتباطه أيضاً، بالإشكالات المتصلة بتطوُّر المذاهب والفلسفات الكبرى في الفكر المعاصر، في زمن عرف ويعرف كثيراًً من التراجع عن العديد من القيم النظرية والتاريخية، ذات الصلة بالخيارات والمنجزات الكبرى للماركسية، وكيفيات نظرها للإنسان والتاريخ والمستقبل، ليس في مختلف المجتمعات العربية، بل في العالم أجمع.
وقبل تقديم ومُساءلة بعض جوانب الملف الذي يستوعبه هذا العدد الممتاز، كما ينص على ذلك غلافه، نشير أن الدورية تحمل عنواناً محملاً بإيحاءات عديدة، نتبين هذا الأمر بجلاء، عندما نعرف أن الهيئة المشرفة على إعدادها تضم مجموعة من الباحثين والمناضلين السياسيين، من ذوي الأفق اليساري والعروبي، المؤمن بدور الأفكار وأدوار المثقفين في التهييء للتغيير والتطور في التاريخ، والمؤمن أيضاً، بأن العرب يتطلعون منذ عقود من الزمن، لبناء مشروع تاريخي في النهضة والتقدم، يخلصهم من قيود تأخرهم التاريخي، ويصالحهم مع مكاسب الأزمة المعاصرة وفتوحاتها الكبرى في المعرفة والسياسة.
ارتأى الساهرون على دورية النهضة، أن تكون لها مكانة فكرية جاذبة لشرائح واسعة من القراء، المهتمين بالشأن الثقافي في العالم العربي. وحَرِصَوا خلال سنوات صدورها المتواصلة، رغم كل الصعوبات التي تواجههم، على العناية بكثير من الإشكالات الوطنية المرتبطة بفضاء المحيط العربي. وقد اختاروا في أغلب ما نشرت المجلة من ملفات ودراسات، استبعاد الطابع الأكاديمي الخالص، من أجل منبر ثقافي قادر على مجابهة أسئلة النهضة والتاريخ، بروح تتوخى المساهمة في بناء القضايا الكبرى والأسئلة الأساس في الحاضر المغربي والعربي.
رتَّبَت الدورية أبوابها الثابتة بعناوين دالَّة، حيث تستوعب أغلب أعدادها أبواباً ونوافذ من قَبِيل نهضويات، مدار النظر، جِداليات، ثم جوامع الكَلِمْ، ونوازل وفواصل ثم نُقُول ومقاسات، ومراتب القلم، وفي كل باب منها، نعثر على دراسات ومقالات، وأحياناً تأملات وبيانات، إضافة إلى قراءات ومراجعات نقدية في جديد المكتبات.
اعتنت الأعداد التي صدرت في السبع سنوات الماضية، بجملة من الإشكالات والقضايا المرتبطة بجوانب من مخاضات وتحولات الأوضاع العربية، نذكر منها على سبيل التمثيل، قضايا تخص موضوع الدين والسياسة، وأخرى تتعلق بوحدة اليسار، كما نشير إلى عنايتها بواقع اللغة العربية والمسألة الحزبية في المغرب، وإصدارها لملف عن الإنتلجنسيا، وملف بعنوان في التراث، قراءة وتأويلاً، كما أصدرت الدورية محوراً بعنوان هكذا تكلم عبد الله العروي.
2 – رتَّبت الدورية مواد محور الماركسية اليوم خارج عناوين التبويب المعتادة، وحاولت أبحاث ومقالات العدد، أن تقترب من روح المحور، وتفكر في بعض أسئلته بصورة مختلفة ومتكاملة. وإذا افترضنا أن أسرة تحرير المجلة لم ترسم لمحرري العدد مجالات وقضايا محددة للبحث والكتابة، وتركت لهم الحرية الكاملة في اختيار زاوية النظر المتصلة باهتماماتهم الخاصة، فإن محصلة هذا الافتراض أثمرت في النهاية، المنتوج المتنوع الذي بين أيدينا، وهو منتوج يتجه في مجموعه لبناء زوايا مختلفة في شكل ومحتوى المقاربة، وتجمعه رغم تنوُّعِه مداخل ومقدمات مشتركة.
اتجهت أغلب محاولات العدد للاقتراب من سؤال الماركسية اليوم، حيث توقف البعض أمام الماركسية في سياق تاريخ الفلسفة، ثم الماركسية ومآلات بعض التجارب السياسية، التي استعانت بأدواتها في المجال السياسي، كما اقتربت مقالات أخرى من الماركسية وكيفيات قراءة وتوظيف بعض نصوصها في التاريخ، ودون أن ننسى الإشارات التي تضمنتها بعض الأبحاث في النظر إلى الماركسية باعتبارها طوبي، حيث تَمَّ إبراز حدود التداخل والتقاطع بين الطوباوي والتاريخي، في الفكر وفي الممارسة السياسية الماركسية.. كما سعت أبحاث أخرى للتفكير في الأسس النقدية والتاريخية، الصانعة لكثير من مآثر الماركسية في تاريخ الفلسفة.
ينفتح المحور على أسئلة وقضايا لا حصر لها، وقد أثارت الماركسية وتياراتها وما تزال تثير خلافات تساهم بأشكال مختلفة، في تعزيز رصيدها في الفكر والعمل، في الفلسفة والسياسة. كما أن الثورة المعرفية والتقنية المتصاعدة اليوم في عالمنا، تتجه لتوسيع المسافة القائمة بين بعض مفاهيمها وتصوُّراتها ومفاهيم عالمنا الجديد، بحكم التحوُّلات الجارية في عالمنا، حيث تنشأ نظريات ومفاهيم ومعطيات سياسية جديدة، بعضها مرتبط بمعمارها في النظر، ومطور لجوانب من منظوماتها في الفكر، وكثير منها يشتغل خارج معمار النظرية والتصوُّر الماركسيين، وقد يلتقي أو لا يلتقي بها.. إلا أنه يعين جوانب من أحوالها ومصائرها في عالم متغيِّر.
نُواجه ونحن نتابع موضوعات العدد رحلة فكرية شاقة وثرية في الآن نفسه، رحلة محفوفة بالصعوبات المعرفية والمنهجية والتاريخية، ورغم حرص أغلب المساهمين في المحور على تحديد مجال اهتمامهم، فقد يجد القارئ نفسه أمام مواقف وخلاصات تستدعي عودة أخرى للموضوع، حيث يتم ترتيب جوانب معينة للتفكير الجماعي.. ليظل ملف هذا العدد بمثابة تقديم أوَّلِي لسؤال الماركسية اليوم.
3 – يصعب تقديم خلاصات ونتائج مختلف الأبحاث الواردة في الملف، ولهذا السبب سنكتفي بالتوقف السريع أمام أبرز عناوين المحور، ويمكن للقراء والباحثين العناية بالدراسات التي تهمهم. وضمن هذا الأفق، يمكننا أن نقسم مقالات المحور إلى دوائر كبرى، وذلك بناء على زاوية النظر المعتمدة فيها.. فنجد أنفسنا أمام مجموعة من الأبحاث التي تستحضر الهواجس السياسية لأصحابها، من قَبِيل مقالة محمد الحبيب طالب الماركسية كما أفهمها: روح لعالم بلا روح، ومقالة عز الدين بونيت، تراجع الماركسية أمام هزيمة الوعي اليقظ؟ وبحث عبد الإله بلقزيز، في الماركسية: مراجعات أولية، ومقالة عبد الرحمن النوضة، هل ما زالت الماركسية صالحة؟ وبحث الفضل شلق، تبقى الماركسية أساساً لفهم النظام العالمي.
استوعب المحور أيضاً، مقالة افتتاحية توقفت أساساً أمام نص رأس المال لكارل ماركس، لنور الدين العوفي، حيث اتجه صاحبها لإبراز أهمية يل راهنية هذا النص وراهنية النقد الماركسي للاقتصاد الرأسمالي والمنظومة الرأسمالية، مع محاولة لربط ما سبق ببعض المتغيِّرات في عالمنا، وقد خَلُص صاحبها إلى أن نص رأس المال يتضمن اكتشافين هامين، فائض القيمة والصراع الطبقي، وهما معاً يشكلان النواة الصلبة لنقده للاقتصاد السياسي البورجوازي، وهما يُعِِدَّان أيضاً، مفاتيح أساسية لمعرفة كثير من أوجه التحوُّل القائمة في عالمنا.
تضمَّن المحور إضافة إلى كل ما ذكرنا، مقالات اتجهت نحو رصد بعض الجوانب ذات الطابع الفلسفي الخالص، كما هو عليه الحال في مقالة يونس رزين ماركس، ناقداً فلسفة الحق الهيغلية، ومقالة أحمد الزاهد نقد فلسفة الحق والدولة، أو ورقتي كل من عبد الجليل ظليمات وعبد الإله دعال، في موضوع ماركس والدين. كما استوعب بحثاً حول ماركسية عبد الله العروي لعلال الأزهر، وترجمة قام بها محمد سبيلا لبحث ألتوسير، في موضوع ماركس والنزعة الإنسانية، وبحث عبد الباقي بلفقيه عن الماركسية والأنتروبولوجيا. ويبدو أن الجامع الأكبر بين أغلب وأهم مواد المحور، يتمثل في غياب المقاربات اليقينية والقطعية، مع محاولات تتوخى العناية بروح الخيار الفلسفي الماركسي. ونقرأ في نهاية العدد مقالة يقدم فيها الشاعر محمد بنيس جوانب من علاقته الشعرية بماركس، وعنوانها حين مستني الأرض، ورسالة مفتوحة من حميد منسوم إلى يساري سابق.
نتصوٍَّر ونحن نقرأ مواد محور هذا العدد، أنه لا يمكن أن تستعيد مفاهيم وإشكالات الماركسية قوتها وإجرائيتها، إلا عندما يُعاد ابتكارها بأشكال جديدة، في ضوء تحوُّلات التاريخ، وتحوُّلات المنجزات المعرفية والتقنية، التي ما فتئت تحصل في مختلف حقول المعرفة، والتي لم تكن قد وُجدت وَقْتَ تشكل المفاهيم والمقدمات الكبرى لهذه الفلسفة في القرن التاسع عشر. ومما لا شك فيه، أن القشرة الوضعية التي غلفت النواة المعرفية الماركسية زمن تبلورها، لم تعد قادرة اليوم على احتلال نفس الموقع المعرفي، الذي كانت تحتله في القرن التاسع عشر، الأمر الذي يترتب عنه ضرورة تطوير مفاهيمها، وذلك بمتابعة مستجدَّات المعرفة في مختلف حقولها. ولعل متابعة النماذج المنهجية والمعرفية الجديدة والمتطوِّرة، يتيح للماركسيين إنجاز مراجعات نقدية مطلوبة بشجاعة وبروح تاريخية، لأهم مبادئ ومقدمات الفلسفة الماركسية، فهذه العملية بالذات، هي التي تجعل الماركسيين أكثر وفاء لروح الماركسية ومآثرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.