الحسيمة.. افتتاح قاعة رياضية متعددة التخصصات لفائدة موظفي الأمن الوطني    أمن طنجة يوقف شخصين متورطين في سرقات بالعنف استهدفت نساء    شراكة استراتيجية بين مؤسسة طنجة الكبرى والمعهد الفرنسي خدمةً للشباب والثقافة    تقرير: المغرب يضم اليوم 35 شخصاً من أصحاب الثروات التي تتجاوز مائة مليون دولار    حركاس ينتقل رسميا لضمك السعودي    أسماء لمنور.. صوت المغرب يصدح من جديد بأغنية وطنية تبعث على الفخر    كيف تحوّل "نقش أبرهة" إلى أداة للطعن في قصة "عام الفيل"؟    تصفيات كأس العالم 2026: مباراة المنتخب الوطني المغربي ونظيره النيجري ستجرى بشبابيك مغلقة        إسرائيل تطالب بسحب تقرير الخبراء عن المجاعة في غزة "فورا"        رفض تمتيع لشكر بالسراح المؤقت    تعشير السيارات يدر 7 مليارات درهم على خزينة الدولة    الخميس بين الحرارة والضباب.. تفاصيل الحالة الجوية بالمغرب    "ماستر كارد" تبرز مسار التحول الرقمي    الجمعية العامة تواجه رهانات تقرير غوتيريش حول الصحراء بمفاهيم متناقضة    الوزيرة بن يحيى ترفع ميزانية "جائزة التميز" وتوسعها ترابيا    واردات الحبوب بالمغرب تتراجع 11% في سبعة أشهر    حادثة انقلاب حافلة بأزيلال تصيب 20 راكبًا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    مدرب رينجرز يؤكد اقتراب رحيل حمزة إيغامان    في الذكرى ال80 لنهاية الحرب العالمية.. قمة شنغهاي تدعو إلى نظام عالمي أكثر توازناً    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    من طنجة إلى الكويرة.. بوريطة: المغرب يفتح بوابة الأطلسي لأشقائه في دول الساحل    اضطراب النوم يضاعف خطر الانتكاسات لدى مرضى قصور القلب (دراسة)    قبل انطلاق البطولة.. اتحاد طنجة يراهن على باركولا وماغي لتغيير وجه الموسم    من تندوف إلى سوريا والساحل.. مسار مرتزقة البوليساريو في خدمة إيران والجزائر    الإعلان عن مشاركة سفينتين مغربيتين في مبادرة جديدة عالمية لكسر الحصار عن غزة    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024 (نصف النهائي).. "تأهلنا إلى النهائي جاء عن جدارة أمام منتخب السنغال القوي" (طارق السكتيوي)    ذكرياتٌ فى ذكرىَ رحيل الأديب عبد الكريم غلاّب    القطاع النقابي "للعدل والإحسان" يطالب بسحب مشروع قانون التعليم العالي وإعادته لطاولة الحوار    زخم ثقافي وحملات بيئية يميزان صيف العاصمة الاقتصادية    مجاهد: "سيني بلاج" قيمة مضافة للمشهد السينمائي المغربي    اختتام فعاليات المهرجان الثقافي والفني والرياضي الأول بالقنيطرة باستقطاب 750 ألف متفرج خلال أربعة أيام    إدارة الجمارك... محجوزات السجائر المهربة تناهز 254 ألف وحدة في 2024    بطولة أمريكا المفتوحة لكرة المضرب.. الأمريكية كوكو جوف تتأهل إلى الدور الثاني    حزب الاستقلال يدين محاولات خصوم المملكة التشويش على النجاحات التي تحققها بلادنا    مدرب مانشستر يونايتد يكشف عن تطورات حالة نصير مزراوي    ترامب يرأس اجتماعا في البيت الأبيض بشأن الأوضاع في "غزة ما بعد الحرب"    عائلة وأصدقاء أسيدون أسيدون يعلنون صعوبة وضعه الصحي ويطالبون بتكثيف الجهود للكشف عن حقيقة ما حدث له        خطوبة كريستيانو وجورجينا تثير تعليقات متناقضة في السعودية    مقتل 13 مسلحا في جنوب شرق إيران    ماذا تريد بعض الأصوات المبحوحة في فرنسا؟    تقرير: النساء يتقاضين أجورا أقل من الرجال ب42% في القطاع الخاص    الصين تنظم النسخة ال25 من معرضها الدولي للاستثمار في شتنبر المقبل        صحيفة إسبانية: المغرب ضمن أكبر 15 مصنعاً للسيارات في العالم بطاقة إنتاجية مليون سيارة سنة 2025    اختتام الدورة الثانية لمهرجان الموروث الثقافي بجماعة الحوزية بايقاعات روحانية و عروض للتبوريدة    مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد يصدر تقريره السنوي لسنة 2025 حول الجغرافيا السياسية لإفريقيا    هؤلاء يبيعون لك الوهم ..    المغرب ‬‮:‬ ‬حملات ‬تقتضي ‬رفع ‬درجات ‬الحذر    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قيم المواطنة الغائبة وارتكاس الفكر القبلي عند العروي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 19 - 01 - 2020

من بين ما نبه اليه عبد الله العروي في محاضرة له الاسبوع الماضي بكلية الآداب بالرباط، هو موت الدولة الاجتماعية والمدنية كإحالة على فشل المنظور التنموي، وهو اعتراف ضمني بأن هناك شيئا ما ينقص الجانب الاجتماعي، ومنه الشعور بانعدام قيم المواطنة بالمعنى الذي يرد في الخطاب الفكري عند أحمد عصيد أيضا، مما يعني الاحساس العام بضعف قيم التجانس بين المكونات المشكلة للوطن من خلال إشارات عديدة منها تصاعد العنف المادي عبر القتل والاغتصاب والاعتداءات اليومية وغيرها، والرمزي الذي يحيل على عودة الفكر القبلي كواجهة للتطرف المجالي الذي أصبح يحكم علاقة المغاربة في ما بينهم …
تنمية الوطن عبر تفعيل الجهوية، يعيد طرح أسئلة غياب الشعور بمفهوم الوطن من خلال آليات تكريس الانقسامات والتشرذم الذي يعرفه العالم، ومنه المغرب وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تقريبه عبر مفاهيم جديدة ومنها عودة مفهوم القبيلة ليس كمصطلح ثقافي ذهني محدد، من أجل فهم الظواهر وتفسيرها باعتباره قاعدة للتأويل الجمعي المرتبط ببناء مفهوم الوطن، ولكن كمفهوم يزكي واقع الانفصال بناء على ثنائية (الأنا والآخر)، التي تصف وتصنف وتفرز الأفراد والأشياء والأحداث، على أساس عنصري وفئوي وطبقي في ظل تقاطبات سياسية أو دينية أو إثنية تعيد تشكلات الأنا الموغلة في الفردانية، والباحثة عن تموقع مصالحها الضيقة مما يضيع مصالح الناس جميعا .
هل يمكن الحديث عن جهوية متقدمة في ظل تآكل الاجتماعي والانساني لفائدة تجمعات طائفية ومذهبية تعكس تراجع الدولة بمفهومها الحداثي لصالح القبيلة ؟ ترى أي قراءة ثقافية وسيمائية لمطالبة الزفزافي بعودة الاستعمار الاسباني عوض ما أسماه بالاستعمار العروبي في حراك الريف ؟ وماهي دلالات حمل راية الأمازيغ في حراك يقال إن مطالبه اجتماعية بالدرجة الأولى ؟
إن إعادة استعادة ما يسمى بالهويات المغلقة عبر كائنات مشروخة على مستوى الإنسان والمجال، ساهمت أيضا فيه الدولة بشكل لا شعوري، وذلك من خلال تسميتها لأقاليم انطلاقا من بعدها القبلي ليس فقط كخصوصية مجالية ولكن عبر تثبيتها كشكل من أشكال التمركز على الذات، يجعلها ترفض إنتاج آليات التمدن بها لارتباط القبيلة بالمجال القروي أولا، ثم لأن عمليات التغيير الاجتماعي بها لم تكسبها تدريجيا القيم الحضرية وما يرتبط بها من أنماط للسلوك الحضري القائم على قبول الآخر والتعايش معه ، لأن الحضارة وكما يقول ابن خلدون في كتابه» المقدمة» تقاس بالعمران الحضري كما تجسد مثلا في المدن التاريخية بالمغرب، والتي ارتبطت في اغلبها بالاستعمار الغربي وبالهجرات الاوربية المنتظمة، وباستقرار المكون الموريسكي أو اليهودي أو الزنجي بها .
التمدن شكل من أشكال الثقافة والمثاقفة أيضا، ولا يمكن أن يساير فكر العصبيات الجماعية في أبعادها القبلية والطائفية التي ارتبطت بالأنا ، والتي كثيرا ما تبقى أسيرة مجالها فقط بمعناه الجغرافي، دون أن تجد لها قبولا لدى الآخر خصوصا وأن الفكر القبلي نفسه هو ترسيخ لمفاهيم التمايز بين أفراد القبيلة الواحدة عبر إعادة صياغة الولاءات من طرف المريدين، وإنتاج لما يسمى بالأعيان. كما أنه يعمل على ترويج أن الدولة غير قادرة على إعطاء الفرد حقوقه، مما يجعلها في لا شعوره بلا قيمة، ومن ثم لا حاجة للولاء والانتماء لها بل لا داعي لها، وما مبرر لوجودها أصلا، ما دامت القبيلة هي التي تمنحه الحاجة والمصلحة.
«الرياسة» كمفهوم خلدوني أو السلطة بمعناها اليوم، لم تعد ترتبط بالقبيلة لأن الحظوة التي تبحث عنها القبيلة اليوم لم تعد مرتبطة بالعصبية التي تاهت مع مفهوم الدولة السياسية، عبر مؤسساتها الدستورية التي تحيل على مفهوم الوطن ، مما يعني أن الفكر القبلي فكر هلامي ارتكاسي لذلك كان التعاطف مع حراك الريف مقبولا من الحق في الاحتجاج المشروع المؤطر بقانون الدولة ، ومرفوضا عند الحديث عن الريف كمجال معزول عن اللاشعور الجمعي للمغاربة لأنه امتداد للذاكرة والوطن. فداخل العصبية القبلية هناك عصبيات متعددة من جهة، ثم إن سطوتها التاريخية اندثرت أمام ضغوطات الحداثة علما بأن الاستعمار ساهم بدوره في تكريسها لخدمة أجندته وفق سياسة براغماتية هدفها الاحتواء، وقيادة القبائل وفق سياسة براغماتية هدفها الاحتواء الشامل .
إن دور القبيلة كان حاسما في الارتباط بتوجهات وقرارات سياسية بعيدا عن المعطيات التاريخية المرتبطة بها، والتي تصنفها بكونها ثائرة أو خانعة أو غير ذلك، وهو مالم يعد مقبولا أمام ثقافة المجتمع المدني لأنه لا يسمح أمام ضعف خياراتها السياسية والمدنية أو أي نكوص في تنميتها، بأن تكون على حساب المواطنة والوطن والمساواة العامة للأفراد والجماعات امام القانون والعدالة، ونجاعة المؤسسات الدستورية المؤطرة بدستور 2011 .
* أستاذ وباحث
في ماستر اللغة العربية والتواصل بين الثقافات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.