السلطات الجزائرية تريد تكميم المواقع الإخبارية أصدرت الحكومة الجزائرية قانونا جديدا لزيادة الرقابة على المواقع الإخبارية، ما يهدد حريتها وحتى وجودها بالنظر للتضييق الذي تعاني منه. وقال حمدي بعلى الصحافي في موقع "توالى" الذي تعرض للحجب في 2 ديسمبر لوكالة فرانس برس إن المواقع الإخبارية الإلكترونية تمثل "فضاء حرا وهي تفلت من سيطرة السلطات فنيا واقتصاديا. وبهذا القانون يريدون وضع اليد عليها". وصدر "المرسوم التنفيذي المحدد لممارسة نشاط الإعلام عبر الأنترنت ونشر الرد أوالتصحيح عبر المواقع الالكترونية" في الثامن من كانون الاول/ديسمبر في الجريدة الرسمية بهدف مكافحة "إساءة استخدام هذا النوع من الإعلام الحديث" الذي ينشر "إشاعات وأخبارا كاذبة ومقاطع فيديو مزورة"، بحسب وزير الاتصال عمار بلحيمر. وانتقد أهل المهنة هذا النص الذي قدمه الوزير والصحافي السابق كدرع ضد الهجمات التي تستهدف الجزائر وجيشها على شبكة الإنترنت. واعتبر الصحافي سعيد جعفر في افتتاحية على موقع "24HDZ" أن القانون يمثل "حظرا سخيفا للصحافة الإلكترونية المستقلة. هذه إشارة سيئة أخرى". وما زال أمام المواقع الإلكترونية الإخبارية 12 شهر ا للامتثال لهذه الأحكام الجديدة – بما في ذلك الحصول على شهادة تسجيل للاستمرار في العمل – أو يتم حظر نشاطها. لكن نظام الترخيص هذا "يتعارض مع أحكام الدستور التي تمنع أي رقابة مسبقة" على وسائل الإعلام، كما نبه أيمن زغدودي، المستشار القانوني للمنظمة غير الحكومية "المادة 19" المدافعة عن حرية التعبير. وأوضح لوكالة فرانس برس أن "المرسوم التنفيذي يتضمن التزامات تهدف إلى تعزيز قبضة السلطة السياسية على حرية التعبير على الانترنت". كما أثار الجدل بند إلزام المواقع الإخبارية على "التوطين حصريا، في الجزائر بامتداد اسم النطاق dz". وذكر زغدودي أن معظم المواقع مستضافة حاليا في الخارج، لأسباب فنية تتعلق بإمكانية الولوج إليها بشكل أساسي، والالتزام بنقلها إلى الجزائر "قد يؤدي إلى انتهاك بعض المبادئ مثل سرية المصادر". وأشار إلى أن هذا الإجراء "أداة للتدخل في المحتوى المنشور على المواقع الإلكترونية من خلال فرض رقابة على كل ما ينتقد السلطات". أما بالنسبة للسلطتين التنظيميتين الموعودتين في المرسوم – إحداهما مسؤولة عن الصحافة الإلكترونية والأخرى عن الخدمات السمعية والبصرية عبر الإنترنت – فهما غير موجودتين بعد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن على كل مدير موقع إخباري إخطار السلطات بأي "محتوى غير قانوني" ينشر على منصته، وفق ا للمرسوم التنفيذي. ما جعل المستشار القانوني لمنظمة "المادة 19" يعبر عن تخوفه من أن "يجعل هذا الالتزام الصحافيين معاونين للشرطة". وقال حمدي بعلى "لا ننوي الانصياع للمرسوم لأنه غير قانوني. حتى لو أردنا ذلك فلا نعرف كيف. الوضع مثير للرعب". ويمكن للعديد من وسائل الإعلام الإلكترونية أن ترفض أيضا الامتثال للقانون، لكن الحجب الذي قد تفرضه السلطات، على الرغم من إمكانية التحايل عليه، له تأثير حتمي على انتشارها وجمهورها وبالتالي على مصداقية هذه المواقع الإخبارية. وقد يؤدي تراجع الولوج إلى المواقع الإخبارية إلى زعزعة استقرارها المالي بما أن معظمها يعتمد بشكل حصري تقريبا على الإعلانات. ومع انخفاض عدد الزائرين للمواقع وبالتالي جمهور الإعلانات، فإن للرقابة أيضا تأثيرا رادعا على المعلنين المحتملين من الشركات الخاصة، بما أن إعلانات الشركات الحكومية محتكرة من قبل الوكالة الوطنية للنشر والإشهار(مملوكة للدولة)، التي يمكن استخدامها بسهولة للضغط على وسائل الإعلام. وتستعد الوكالة الحكومية، التي عملت حتى الآن مع وسائل الإعلام التقليدية (صحافة وتلفزيون)، لاحتلال مشهد الإعلام الإلكتروني من خلال إنشاء فرع للإعلانات الرقمية. وسبق أن تعرض ما لا يقل عن عشرة مواقع إخبارية للرقابة من قبل النظام خلال العام الماضي، مثل "راديو أم" و"مغرب إمرجنت" و"أنترلين" و"قصبة تريبون"، وغيرها. وبالتأكيد، فإن الممارسة ليست جديدة، فقد تعرض موقع "كل شيء عن الجزائر" للحجب منذ 2017، لكنها تتزايد، وفق ا لصحافيين سألناهم. وبذلك فإن الرقابة المتزايدة تمس كل شبكة الانترنت الجزائرية، التي تضم 22 مليون مستخدم ومثلهم من مستخدمي الشبكات الاجتماعية. وإذا كانت السلطة تحاول وضع وسائل الإعلام تحت السيطرة من خلال الضغوط القانونية والتضييق الاقتصادي، فهي أيضا تقاضي مستخدمي الإنترنت بسبب منشوراتهم النقدية على الشبكات الاجتماعية. وبالنسبة للصحافي سعيد جعفر، فإن القواعد الجديدة تهدف إلى "جعل أولئك الذين ينوون البقاء مستقلين، خارجين عن القانون". طريق مسدود وبعد مرور عام على انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون، تقف الجزائر على حافة أزمة مؤسسية في ظل الغياب الطويل لرئيس الدولة بسبب إصابته بوباء كوفيد19. ومنذ وصوله إلى السلطة في 12 ديسمبر 2019 عب ر تبون (75 عاما)، عن إرادته في الإصلاح لوضع أسس "جزائر جديدة"، لكنه يجسد اليوم بلدا في طريق مسدود ومؤسسات متوقفة. وبسبب المرض، قضى الذكرى الأولى لفوزه بالانتخابات السبت في مكان ما في ألمانيا – لا أحد يعرف أين بالضبط – حيث عولج من فيروس كورونا المستجد لمدة شهر. وأعاد هذا الوضع الجزائر إلى ما كان عليه في نهاية عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، عندما ظل في الحكم دون قدرته على الحركة على الحركة والكلام بعد إصابته بجلطة دماغية عام 2013، حتى أطيح به من السلطة في أبريل 2019 على إثر انتفاضة شعبية أصبحت معروفة بالحراك الجزائري. أدى التململ السياسي – الذي لن تضع حدا له بالضرورة عودة تبون – إلى مطالبة بعض الأصوات بتطبيق المادة 102 من الدستور ، المتعلقة بشغور منصب رئيس الجمهورية، من أجل تجنب أزمة مؤسسية. ومن صلاحيات المجلس الدستوري إقرار حالة عدم قدرة رئيس الدولة على ممارسة مهامه "بسبب مرض خطير ومزمن" وعلى البرلمان التصديق على ذلك . وفي هذه الحالة ، فإن رئيس مجلس الأمة بالنيابة صالح قودجيل البالغ 89 عاما، وهو من قدامى المحاربين في حرب الاستقلال، يصبح رئيسا مؤقتا لمدة أقصاها 90 يوما، يتم خلالها انتخاب رئيس جديد. ودون أن يذكر الرئيس تبون الذي غادر البلاد في 28 أكتوبر، دعا رئيس الوزراء عبد العزيزجراد، الجزائريين إلى "تضامن حقيقي لمجابهة التحديات المحيطة بالبلاد محذرا من أن الجزائر "مستهدفة". أما الجيش، العمود الفقري للنظام الجزائري، فظل إلى الآن صامتا. من الناحية الرسمية، لا يزال تبون يمسك بزمام الدولة، لكنه لم يمارس أيا من صلاحياته منذ قرابة شهرين. فهو لم يوقع مرسوم إصدار الدستور الجديد – المشروع الرئيسي لبرنامجه الانتخابي ولم يوقع على قانون المالية لسنة 2021. وتم انتخاب تبون خلال اقتراع قاطعه أغلب الجزائريين، وبالتالي أصبح يعاني من انعدام الشرعية، فمد يده أولا إلى "الحراك المبارك" كما أسماه. ثم وعد ببناء اقتصاد "قوي ومتنوع" قادر على الحد من اعتماد الجزائر المفرط على المحروقات. و"على الرغم من العراقيل الأولى، كان يمكن لتبون أن يخلق شرعية من خلال إطلاق مشاريع كبرى للتجديد السياسي والاقتصادي والمؤسسي. فلم يستطع، أو لم يعرف كيف يفعل ذلك. فمبادرته لم تخلق أي حماس" كما لاحظ الكاتب الصحفي عابد شارف. وتابع "رئاسة تبون فقدت كل مصداقيتها بل أصبحت عائقا للبلاد". بعد مرور عام على رئاسة عبد المجيد تبون، لا يزال ناشطو الحراك والمعارضون السياسيون والصحفيون والمدونون المقربون من الحركة الاحتجاجية، هدفا للمحاكمات. وعلى المستوى الاقتصادي، تشهد الجزائر ذوبان احتياطاتها من العملات الأجنبية، وجفاف السيولة، في ظل سوق نفطية تعاني من الأزمة الصحية العالمية. ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن تشهد الجزائر انكماشا اقتصاديا بنسبة 5,2% في 2020 فضلا عن عجز في الميزانية من بين أعلى المعدلات في المنطقة. ويرى اقتصاديون أن البلاد استنفدت كل الاحتمالات المتاحة لتمويل العجز، بما في ذلك طبع العملة، وسيكون اللجوء إلى التمويل الخارجي "حتميا" في الأشهر المقبلة، على الرغم من التأكيدات المخالفة للمسؤولين الجزائريين. وفي ما يبدو وصفا للوضع الحالي، تساءل الكاتب الفرنسي الجزائري كمال داود "ماذا تفعل بوقتك في الجزائر؟"، ويجيب "بلد بلا أماكن للترفيه بلا مرح (…) عجوز وممل". ويضيف "تحرر لينغلق على نفسه. مات صغيرا ليكبر بلا نهاية. كل شيء آخر هو خطب وكلام فارغ".