كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    مقتل رئيس أركان الجيش الليبي ومسؤولين كبار في حادث تحطم طائرة    كأس إفريقيا للأمم: المنتخب التونسي يفوز على نظيره الأوغندي بثلاثة أهداف لواحد    أمسية ثقافية تكرس التقاطعات الثمينة بين القفطان المغربي والساري الهندي    ليكسوس العرائش لكرة السلة بين تصفية الذمم المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة... أسئلة جوهرية في قلب الأزمة    مديريتان تمددان "تعليق الدراسة"    ضبط مطلق للنار على أمن ورزازات    شخص ينهي حياته بطريقة مأساوية نواحي اقليم الحسيمة    مدير عام جديد لبورصة الدار البيضاء    تكريم الفنان عبد الكبير الركاكنة في حفل جائزة النجم المغربي لسنة 2025    دار الشعر بمراكش تواصل برنامج الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية    ريدوان يكشف تفاصيل الألبوم الغنائي المرتبط بأجواء كأس إفريقيا للأمم    بلاغ بحمّى الكلام    مدرب السنغال: من الجيد تحقيق الفوز في المباراة الأولى ولدينا مجموعة قوية تلعب بأساليب مختلفة    وهبي: الحكومة عجزت عن حماية حياة الناس.. وأكره نقاش الإثراء غير المشروع    اتفاقية تجلب ميناء جديدا للصويرة    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (الجولة 1/المجموعة 4).. منتخب السنغال يفوز على نظيره البوتسواني (3- 0)    فجيج في عيون وثائقها    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    وزير العدل: "القانون لا يسعف دائما" لتنفيذ أحكام الأجراء ضد شركات في أزمة    منتخب الكونغو الديموقراطية يستهل مشواره بفوز على نظيره البينيني (1-0)    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء قريب من التوازن    تساقطات ثلجية وأمطار قوية بعدد من المناطق    164 ألف صانع مسجلون بالسجل الوطني للصناعة التقليدية    تقتسم صدارة المجموعة الثانية رفقة جنوب إفريقيا .. مصر تنجو من كمين زيمبابوي بفضل خبرة صلاح    الهيئة الوطنية للمعلومات المالية.. تقديم التقرير السنوي برسم 2024 لرئيس الحكومة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بالأحضان يا أهل الكان ..وعلى بركة الله        منصة رقمية للطلبات والسحب عند الرشد .. تفاصيل الإعانة الخاصة لليتامى    فتح تحقيق مع 8 أشخاص متورطين في المضاربة في تذاكر الكان    الأغنية الرسمية لكان المغرب-2025 "AFRICALLEZ" أنشودة الوحدة    الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    في عالم الخداع الشامل، يصبح قول الحقيقة فعلاً ثورياً    تشجيعات المغاربة لمنتخب "الفراعنة" تحظى بإشادة كبيرة في مصر    "أكديطال" تستحوذ على مجموعة تونسية    الصحافة الإسبانية تشيد ب"كان المغرب" وتبرز جاهزية المملكة لكأس العالم    وزارة العدل الأميركية تنشر 8 آلاف وثيقة جديدة في قضية "إبستين"    قناة كندية تصنّف المغرب ضمن "سبع وجهات الأحلام" للسياح الكنديين نهاية العام    "البيجيدي" ينبه إلى الأزمة الأخلاقية والتحكمية في قطاع الصحافة ويحذر من مخاطر الاختراق الصهيوني    اضطراب جوي قوي يهم عدداً من مناطق المغرب والأرصاد تدعو إلى الحذر    كأس إفريقيا .. برنامج مباريات الثلاثاء    اليوم العالميّ للغة الضّاد    ارتفاع أسعار الذهب إلى مستوى قياسي    النفط يتراجع مع تقييم الأسواق للمخاطر الجيوسياسية مقابل عوامل سلبية    تراجع مستمر في معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم ببلادنا    بستة أصوات مقابل خمسة.. مجلس المستشارين يمرّر مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة وسط انتقادات لغياب البرلمانيين    بنسبة %52.. نمو قياسي في مرافق شحن السيارات الكهربائية بالصين    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    ترامب يوجه تحذيرا جديدا إلى مادورو    غضب دانماركي وأوروبي من تعيين موفد أمريكي في غرينلاند وترامب يعتبر الجزيرة "حاجة أمنية"    إسرائيل تقتل ثلاثة عناصر من حزب الله    ميسور: حملة واسعة لتوزيع المساعدات الإنسانية لفائدة الأسر بالمناطقة الأكثر هشاشة بجماعة سيدي بوطيب    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استرداد أوجه الرافد العبري في الثقافة المغربية إلى حيّز الوعي

المعرفة بالمضمون سابقة على محاولة إدراجه في برامج نشر المعرفة
يروج الحديث في الأيام الأخيرة حول التعريف التربوي بأوجه ما سمّته ديباجة دستور 2011 في تحديدها للعناصر المتكاملة المشكّلة للهوية المغربية ب»الرافد العبري»؛ بل إن هناك حديثا عن ضرورة إدماج هذا الوجه في مضامين برامج التدريس. ويبدو جليا، من هذا القبيل من الحديث والدعوة، أن هناك مفارقةً ما بين متوسط الوعي العامّ للمجتمع المغربي وبين نصّ وروح الدستور. وهو ما يعني أن نص وروح الدستور متقدّمان بحوالي ما يعادل جيلا عن ذلك الوعي المتوسط العام، الذي فاجأه قبل عشر سنوات ذكرُ «الرافد العبري» في ديباجة الدستور، إلى درجة أن كثيرا من الناس، حتّى داخل الوطن، قد اعتبروا ذلك الورود مجرد مغازلة فجّة في اتجاه أطراف خارجية من أجل تسويق صورة معيّنة، وذلك نظرا لأن مقوّمات ذلك الرافد وأوجهه لم يعُد لها وجود قائم في ذهن حوالي جيلين، بعد هجرة اليهود المفاجئة والسريعة،

رغم قيام وجود تلك الأوجه قياما موضوعيا على الأرض (مئات المقابر والمزارات التي ظلت مواسمها حيّة حتى بعد الهجرة) وفي ثنايا الوثائق والكتب والمخطوطات والتحف التي تعود إلى قرون خلت. أضف إلى ذلك أنه – وباستثناء ثلة قليلة من الباحثين الأكاديميّين في العقود الأربعة الأخيرة، من مدرسة حاييم الزعفراني، التي ظلّت، مع ذلك، تربط الرافد العبري بمكان وزمان معيّنين (الأندلس) – ظلّت الأوساط المنتجة للنصوص المعرفية في باب العلوم الإنسانية (تاريخ، سوسيولوجيا، فلسفة، آداب، فنون،…) مصرّة، في اكتفاء واعتداد معرفيين جمعيين مريحين تقليديا، إصرارا جمعيا على البقاء في جهل بأداة من الأدوات-المفتاح الضرورية للولوج ولوجاً معرفياً تحقيقيا إلى عالم المعرفة الرافد العبري، ألا وهي أداة اللغة العبرية، وما كُتب بالحرف العبراني من نصوص بالعربية الفصحى أو بالعربية الدارجة المغربية في نُطق بعض الجماعات اليهودية بها (نطق أحرف الصفير، إدخال بعض المفردات العبرية أو الحاكيتية…) مدوّنا هو كذلك بالحرف العبراني؛ مع أن كل ذلك يشكل خزانة هائلة. وحتّى تلك الثلة التي كوّنت نفسها بنفسها خارج الوطن، قضت مشوارها المهني في ظروف مضايقات سوسيو-ثقافية ومهنية اضطر معها أغلبها إلى تبرير دائم لنوع المعرفة التي كوّن فيها نفسه ويكوّن فيها غيره، وجنح البعض، في الأخير، إلى الانخراط في المدرسة القديمة/الجديدة، مدرسة «كشف تقاليد المكر والدسائس والتحريف» في أبواب العقائد والسياسة والاقتصاد، كشفاً معزّزا، هذه المرة، باستعمال بعض مفردات اللغة العبرية، وذلك من باب «وشهد شاهد».
من مراكمة المعرفة، إلى خطة بيداغوجية لإدراجها في برامج التربية والتكوين
وبناءً على التمهيد السابق، يتعيّن التمييز المنهجي ما بين مهمة/خطّة التعرّف المعرفي التحقيقي العامّ بأمر من الأمور، وبين مهمة/خطّة إدراج تلك المعرفة، متى حصلت، في خُطط نشر وتعميم تلك المعرفة، مدرسيا/جامعيا كان ذلك الإدراج عبر أسلاك المنظومة التربوية، أم تيسيريا تعميميا عبر وسائل الإعلام المتعددة والمتنوّعة.
في ما يتعلق بإدراج ما يكون قد تراكم من المعرفة الأكاديمية بأوجه الرافد العبري على الخصوص – مثله في ذلك مثل سائر المكونات الهوّياتية – في برامج المنظومة التربوية، لا تنحصر مستلزمات ذلك الإدراج على جانب تمكّن القائمين به من حدّ أدنى من المعرفة الأكاديمية المتعلقة بالمضامين المعنية بدلَ مجرد إرادة إرادوية استجابةً لأي سياسة عامّة جديدة في القطاع. فلا بدّ كذلك من تصوّر سوسيو-بيداغوجي خاصّ لصياغة المعدولات (modules) الملائمة وتوزيعِها توزيعا مناسبا ومتكاملا معا سائر المكوّنات الأخرى – بشكل غيرَ مُنبَتٍّ معزول، وغير قسري ولا إرادوي/اعتباطي/تعسّفي – على خارطة مواد التكوين التربوي والعلمي (التاريخ، الآداب، التربية الوطنية، تعلّم اللغات، التفتّح الفني…). فأيّ عمل يُرتجل خارجَ هذا السبيل الأخير، الحائز على الملاءمة التكاملية الدامجة في الكلّ، إنما هوّ عمل يُنذر بأن يجعل من أيّ خطة لاسترداد أوجه وتجلّيات المكوّن العبري/اليهودي، المغيّبة لحدّ الآن في الثقافة المغربية، عبارة عن نقل لمفهوم «الملّاح» بل «الكًيتو» من الفضاء السوسيو-طوبوغرافي إلى حيّز المضامين التربوية، على شكل إفراد نصوص/خطابات مباشرة تتحدّث بشكل فجّ عن «اليهودي» وعن «اليهود» و«الحُلي اليهودي» و«المطبخ اليهودي»، و«الموسيقى اليهودية»…، وعن «التسامح عبر التاريخ» وبقية الشعارات، أي أنه منذر على المدى المتوسط أن يسفر عن نتائج عكسية بسبب جوهر المضامين التي تُعطى إياه وبسبب البيداغوجية الفجّة القسرية.
فمن ذا الذي بإمكانه أن يتحدث مثلا عن «موسيقى يهود المغرب»، في حين المغاربة اليهود، الراسخين تاريخيا في نسيج المجتمع المغربي على اختلاف قراه وحواضره وباختلاف لغات ولهجات جهات المغرب، لم يطوّروا أنواعا موسيقية إثنية خاصة بهم باعتبار بُعدهم الملّي، كما حصل ذلك في اليمن وإثيوبيا وأوروبّا الشرقية مثلا، وإنما شاركوا كلَّ جهة من جهات المغرب، باعتبار انتمائهم إليها، أنواعَها الموسيقية، من أندلسي، وغرناطيّ، وشعبيّ قديم وحديث، وأحواش، وبوغانيم، وملحون…، بل شكلت جماعاتهم، في بعض فترات تشدّد الخطاب الديني، الملجأ الوحيد الذي يتمّ فيه الحفاظ على تواتر واستمرارية بعض الأنواع الموسيقية، وذلك من خلال أجواقهم التي كانت تحيي سهراتٍ في بعض البيوتات الكبرى، وفي قصور السلاطين؟ فلا غرابة إذن أن نسمع حتى في أيامنا هذه االمنشد الكبير ربّي حاييم لوك ذي الشهرة العالمية لا يكل من التصريح في كل مناسبة بأنه تلميذ من تلامذة المرحوم عبد الصادق شقّارة، من جهة، وأن نسمع فنّانا كبيرا آخر، عبد الرحيم الصويري، يصرح يوما في برنامج إذاعي مغربي بأنه ورث فنه من أبيه المؤذّن المعروف في مدينته الصويرة ب»الشليّح الذي اكتسبه بدوره بفضل انخراطه في جوق غنائي يهودي بمدينته بطلب من هذا الأخير عبر باشا المدينة على إثر إحياء سهرة بدار الباشا بعدما لاحظ أعضاء الجوق جودة صوت تهليلاته في إذان الفجر الذي كان يوقظ المسلمين واليهود للصلاة.
وقُل نفسَ الشيء عن الحليّ، والطراز، واللباس، وغير ذلك من كلّ ليست له علاقة برموز الشعائر والطقوس الدينية. بل حتّى بعض الشارات التي يُعتقَد خطأً أنها خاصة باليهود، مثل النجمة السداسية (التي لم تبدأ في الرواج كرمز في بعض مدارس القبالة اليهودية سوى في القرن-16م) شاراتٌ تدخل ضمن الشارات الرسمية المغربية من خلال السكة النقدية (إلى حدود نهاية الخمسينات) والخواتم السلطانية المغربية منذ زمان. فإذا كان هناك من خصوصيات، فهي قائمة على مستويات أخرى معيّنة، يدخل تناولها في خانة الدراسات السوسيو-اقتصادية التاريخية التي تتناول مثلا الخصوصيات الإثنية ل»الأروسطوقراطية سبه-بورجوازية الفاسية» أو ل»نمط الاقتصاد التجاري السوسي»، وغير ذلك. فعلى هذا المستوى – وليس في غيره – يمكن الحديث عن «المالية، والحرفية، والمهن الحرّة (طبّ، صيدلة، محاماة، توثيق/ترجمة…) والتجارة الخارجية …» للجماعات اليهودية المغربية. لكن كلّ هذا يوجد خارج عن دائرة ما يمكن إدراجه في معدولات برامج التكوين التربوي التثقيفي الأولي العام.
من «يهودي مغربي»
إلى «مغربي مسلم»
إن المغرب ليس في حاجة إلى التسابق في تهافتٍ من أجل الحصول على شهادة تزكية من أيّ طرف في باب إصلاح مضامين التثقيف والتربية الوطنية (وفي هذا الباب، يقولون: «التخليّة أولا، قبل التحليّة»). فقد كان المغرب سبّاقا إلى العناية الرسمية برصيد تراثه العقاري من المَحاجّ والمزارات والبِيَع وغير ذلك ممّا له تعلق مباشر بخصوصية الرافد اليهودي/العبري، على غرار عنايته بنظير ذلك ممّا هو إسلامي أو مشترك بين اليهود والمسلمين، وذلك منذ ما يربو عن عقدين من الزمن، أي حتى قبل الدستور الجديد. كما أن المغرب قد تميّز، في محيطه، باشتماله على متحفين لبعض أوجه الرافد العبري، في كل من الدار البيضاء، وأخيرا في الصويرة، وهناك مشاريع أخرى في طنجة وفاس. وفي مثل هذه الفضاءات الأخيرة يمكن بدء الانفتاحات السلِسة الأولى التي تربّي، في نفس الوقت، ثقافة التِحافة وفضولَ المعرفة لدى الناشئ، بعيدا عن شحن الأذهان بنصوص/عبارات خطابية إعلانية/إدلائية، وبصور فجّة في الكتاب المدرسي، خالية من أي مجهود سوسيو-بيداغوجي، ناهيك عن جانب الذوق الفنّي والإبداع، على غرار تلك الصورة التي أوردتها النسخة الإنجليزية للصحيفة الإسرائيلية «ها-أريتص» (10 ديسمبر 2020)، في ما يشبه تنويهاَ وإعطاءً ل»نقطة حسنة». إنها صورة لما يشبه حصّة في التربية الوطنية: مجموعة من الأطفال لما بين السادسة والسابعة، وهم جالسون متحلّقون حول عمود الراية المغربية، والمعلمة/المنشطة واقفة. وبأسلوب فقاقيع الحديث في الشرائط المرسومة، قالت المعلّمة: «ليُعرّف كلّ واحد منكم بهوّيته!».
ويبدو أن الصبية كانو مدركين جيدا لمفهوم «الهوية» كما يدركون معنى «ماء» و»خبز» و»حلوى»، وأنهم عرفوا بالضبط الأبعاد الهويّاتية المطلوب منهوم الإدلاء بها، وتتمثل في بعدين اثنين مثل الشهادتين (أي الديانة، والأصل الإثني).
فقد توالت الأجوبة بشكل آلي/روبوتي من طرف الصبية: «اسمي فاطمة ماء العينين، مغربية مسلمة، من أصول صحراوية حسّانية»؛ «اسمي نزهة الطرّيس، مغربية مسلمة، من أصول أندلسية»؛ «اسمي محمد ضيوف، مغربي مسلم، من أصول سينيغالية»؛ «اسمي عمر السقّاط، مغربي مسلم، من أصول عربية»؛ «اسمي خديجة ايت يدّر، مغربية مسلمة، من أصول أمازيغية»؛ «اسمي داود بن حاييم، مغربي يهودي». «علِم كلُّ أناسٍ مشربَهم» وقبيلتهم.
وهكذا، فإنه قد أصبح يبدو أنّ من لا يعرف بالضبط إثنيته وقبيلته، من بين التلاميذ، ليدلي بذلك عند الاقتضاء، سيُعتبر بعد اليوم «تلميذا كسولا متخلّفا» أو مغربيا غريبا منقطعا ومُنبتّاً! هكذا، في إطار المغرب الحداثي لما بعد دستور 2011، سيتعلم كل طفل مغربي أن يدلي، مدرسيّا واجتماعيا تواصليّا بالشهادتين: شهادة الملّة (التي قد تتفرع إلى تفاصيل المذاهب)، وشهادة الأصل الإثني (التي قد تتفرع إلى تفاصيل القبيلة).
إن بإمكان المغرب الحديث أن يتدارك ويستدرك ما غيّبته الأجيال السابقة، بإيقاعه الخاص وبإيقاع ما يقتضيه خلق التراكم المعرفي أولا في الحقل المعني على المدى المتوسط، بعيدا عن الارتهان، في تهافتٍ، لرياح زمنيّة الظرفيات العابرة. وإذا كان ذلك التراكم في حقل المعرفة ببعض أوجه المكون العبري/اليهودي قد بدأ على شكل مبادرات تكوينات فردية عصامية منذ حوالي أربعة عقود كما ذُكر، فإن ما تدعو الحاجة إليه في هذه المرحلة هو مأسسة ذلك المنحى الأكاديمي بخلق مركز أو شعبة جامعية ذات صلاحيات بحثية وتكوينية وإشهادية من أجل تسريع ذلك التراكم وتطوير اتجاهه بما لا ينحصر في بعض التاريخيات المنتقاة. هذا ما كانت قد دعت إليه ورقة تمّ توجيهها من طرف زمرة من أساتذة اللغة العبرية، وتمّت قراءتُها أمام المشاركين في «لقاء الاستماع إلى المجتمع المدني» الذي نظمته لجنة صياغة مسّودة مشروع القانون التنظيمي حول «المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية» بمقر «المكتبة الوطنية للمملكة المغربية» في شتاء 2015.
عن الأدب المغربي
الناطق بالعبرية
إن من شأن خلق مثل الأطر التكوينية الأكاديمية المذكورة، في باب أوجه الثقافة المغربية المغمورة عامّة، وخصوصا في فضاء الأقسام الأكاديمية الناطقة بالعربية، ليس فقط أن تشكل تلك الأطر خلايا ونَوىً لإنتاج ومراكمة معرفة جديدة، في تناغم مع الواقعين، التاريخي والمعيش، بل من شأنها كذلك أن تساهم في تجاوز حالة الاحتباس الفكري التاريخي التي أصبح يعاني منها مفهوم «الأدب» في بعض الأقسام بالجامعة، ذلك الاحتباس الذي يحول دون الاقتدار على طرح «أسئلة جديدة» حول الأدب عامّة، من حيث الموضوع والمنهج والقيم الجمالية والبنيوية والسيوسيو-ثقافية، ومن حيث العلاقة بالواقع القائم، وبالفنون الأخرى مثل المسرح والسينيما.
فبقطع النظر عمّا عرف ب»الأدب الشعبي» (زجل، ملحون، دواوين أمثال دارجة، سرديات جديدة ونصوص مسرحية بالعربية الدارجة) وعن «الأدب الأمازيغي» القديم والحديث الذي بدأ يرفع عن قديمه الحجاب (انظر المدلاوي-2012 «رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب» و العدد-100 من مجلة «المناهل»)، هناك أيضا رصيد هائل ممّا يمكن تسميّته، بدون أي مزايدة «الأدب المغربي الناطق بالعبرية». لا يتعلق الأمر بمجرد الرصيد القديم ممّا كتب بالعبرية لغةً وحرفاً أو بالعربية الفصحى أو الدارجة مدوّنتين بالحرف العبراني، والذي يتراوح ما بين الشعر والحوليات التاريخية الجهوية والدراسات اللسانية الرائدة تاريخيا في ما بين المغرب والأندلس (من قبيل أول مدرسة للغويات المقارنة، في ما بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين: ابن قريش المغربي، ابن بارون، ربّي إسحاق الفاسي…)، وغير ذلك. إن هناك أيضاً حركةَ كتاباتٍ أدبية باللغة العبرية استمرت إلى يومنا هذا انطلاقا من بلاد المهجر، وتحوز كل ما يلزم من الخصائص لاعتبارها أدبا مغربيا، بقطع النظر عن الجنسية وجواز السفر والبطاقة الوطنية، كما هو حاصل بالنسبة لكتّاب مرموقين يكتبون بالفرنسية وبغيرها في المهجر، وتدرج أعمالهم ضمن «الأدب المغربي الناطق بلغة كذا» ويدرّس بعضها في الجامعة المغربية بصفته تلك. فمن ذا الذي يعرف مثلا أن أول وآخر نصّ مغربي من أدبيات اليوطوبّيا (littérature utopique) هو كتاب («يوطوبّيا من الدار البيضا») الذي ألفه «ربّي مخلوف أبطّان» بالعبرية في الدار البيضاء خلال الحرب العالمية الثانية والذي حققه ونشره David Guedj سنة 2016 بإسرائيل؟ كما أن كمّا هائلا من السرديات المؤطّرة بنائيا بفضاءات المغرب من مدن وقرى بشخصياته السردية من خلال الأسماء الشخصية، وبعاداته وألوانه وروائحه ومطبخه وزمنيّته وقضاياه، قد ازدهر في المهجر في العقود الأخيرة (جبرائيل بن سمحون، أشير كنافو، شوشانة رويمي، موشي بار-حين، دافيد الموزنينو، نيهوراي شتريت…). بل إن مبادرات فردية من طرف بعض الثلة القليلة الباحثة في مجال الدراسات العبرية في المغرب، ممّن تمت الإشارة إليهم قد شرعت في العقدين الأخيرين في ترجمة بعض تلك الأعمال من العبرية إلى العربية، لكن في منطقة الظل دائما. فقد شرعت شخصيا منذ سنة 2000 في ترجمة حوالي 12 قصة قصيرة من قصص جبرائيل بن سمحون لم أتمكن من أنشر منها سوى أربع («العائد»، «المرأة التي بسطت جناحيها»، «الفندق»، «صعود تودا إلى السماء»). ثم قام الأستاذ عبد الرحيم حيمد بترجمة ونشر الرواية التاريخية للكاتب "أشير كنافو" بعنوان «صبيّ من إفران»؛ وبعد ذلك، قام الأستاذ العياشي العدراوي بترجمة مجموعة من القصص القصية لنفس الكاتب السابق، جبرائيل بن سمحون، في إطار رسالته الجامعية، ثم ترجم له أخيرا رواية بعنوان «المغربي الأخير»، وقد قمت شخصيا بتقديم لهذه الرواية التي نُشرت قبل أسابيع في صيغة إليكترونية بموقع دار «أمازون»، ويبحث لها المترجم عن ناشر ينشرها نشرا ورقيا في المغرب.
الخلاصة هي أنه، ما لم تحتضن الهياكل الجامعة، أوّلا، مثلَ هذا النشاط الأكاديمي احتضانا مؤسّسيا، لا يصحّ، بحال من الأحوال، أيّ حديث عن خطّةٍ بيداغوجية لإدماج المكوّن العبري في المنظومة التربوية المغربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.