ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الجيش المغربي يستفيد من التجارب الدولية في تكوين الجيل العسكري الجديد    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قال إن تهجير اليهود المغاربة جرح مفتوح وأكبر خطأ ارتكب على يد أهله ويد الصهيونية (2/2)
شحلان: الدراسات التي لا تعتبر اليهود المغاربة مغاربة أقحاحا تحركها غايات سياسية
نشر في المساء يوم 23 - 02 - 2013

- على ذكر الخزائن، قرأت في بحث من بحوثكم أنكم تأسفون كثيراً لضياع مكتبة أحد أعلام يهود فاس وهو يوسف بن نئيم، والتي اعتبرتموها من أغنى المكتبات، ماذا كانت تتضمن؟ وأين هي اليوم؟
يوسف بن نئيم ربي من ربيي فاس، وكان كاتب ضبط في محكمتها، توفي في فاس سنة 1961. كان جَمَّاعَةً للكتب والوثائق والمخطوطات، وكانت تتضمن مكتبته عشرة آلاف كتاب مطبوع، من المطبوعات النادرة، ومائة وخمسين مخطوطاً. ونسخ هو بخط يده خمسين أخرى. كما كانت تتضمن هذه المكتبة الكثيرَ من الوثائق المخطوطة، مثل عقود البيوع والزواج والتوكيلات والمراسلات والفتاوى، وغيرها مما يعتبر مصدراً للتأريخ الاجتماعي والاقتصادي، والتعريف بالعائلات والعلاقات التي كانت تطبع دوماً، أفراد الطائفة ومُساكنيهم المسلمين في المغرب. والمؤسف أن هذه المكتبة خرجت من المغرب في ظروف غير معروفة، وتوجد اليوم (لا أدري أهي كاملة أم جزء منها فقط) في أهم معهد من المعاهد اليهودية في أمريكا، وهو The jewish Theological Seminary of America في نيويورك. وقد عرض عليَّ قَيِّمُ قسم المخطوطات، لما زرت المؤسسة المذكورة سنة 1999، فهرست الوثائق التي كانت ضمن محتويات هذه المكتبة المغربية، وهي كثيرة، ونأمل أن تسمح الفرصة للإطلاع على كل محتوياتها بتفصيل. إن أمثال خزانة ابن نئيم كثيرة في المغرب الذي كانت كل مدينة من مدنه تعتبر عند يهودها قدساً، لكثرة علمائها ودور العلم فيها، وضاعت هذه الثروة بألف طريق وطريق، وكنت نبهت وزيرين من وزراء الثقافة، إلى هذا النزيف المؤلم، ولم أتلق منهما جواباً، ولا أعلم أنهما فعلا شيئاً لوقف هذا النزيف. إنها مأساة اللامبالاة، وأخاف أن يبقى الحبلُ على الغاربِ. وآمل من وزير الثقافة الحالي، أن يتخذ ما من شأنه أن يحفظ ما بقي من هذا الموروث، مخطوطات وكتباً وشواهد وأدوات، وكلَّ أثر مادي هو جزء من تراث المغرب.
- في هذا التراث الذي أشرتم إليه كثير مما يحتاج إلى ترجمة، ما رأيكم في الترجمة من العبرية إلى العربية والعكس؟ هل أنتم معها أم ضدها؟ وما أهميتها بالنسبة لنا اليوم؟
الترجمة من حيث هي إغناءٌ، وهي من أهم الوسائل التي تقرب بين الحضارات، وتفيد أيضاً في حالات النزاعات. وأنا أعرف أنكم لا تجهلون هذه الحقيقة، ولكنكم تقصدون، هل تتسبب الترجمة في هذا الحقل اليوم، في حرج سياسي. وبعبارة واضحة، هل تدخل في باب التطبيع. الجواب عن سؤالكم لهذا السبب، يحتاج إلى تفريع. إن ترجمة التراث العبري العربي، في كلا طرفيه، وأقصد بطرفيه، ما نقله اليهود من فكرنا إلى اللغة العبرية وضاعت أصوله العربية، وهو كثير، أو ما ألفه اليهود أصلا باللغة العبرية وروافده من ثقافتنا، أو يهودي المضمون، ولكنه لأعلام عاشوا في ظل الحضارة العربية الإسلامية، وهو من إرث حضارة الشرق الإسلامي والغرب الإسلامي، فترجمته ضرورة ملحة، لكشف كثير من خفايا حضارتنا، ولنبين إلى أي حد أسهمت الحضارة العربية الإسلامية في إيجاد فكر يهودي متنوع المعارف، في قلب هذه الحضارة. وهذا أمر لا نظير له في كل بلاد الغرب، حتى القرن التاسع عشر. وترجمة هذه المعرف إلى العربية واجب علينا، خصوصاً إذا ما علمنا أن الترجمة العبرية للتراث العربي الإسلامي في العصر الوسيط، كانت واسطة لنقل كثير من علومنا إلى اللغة اللاتينية، ثم إلى اللغات الأخرى فيما بعد. وترجمة ما ألفه اليهود المغاربة، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالتاريخ وبالمعارف المغربية، أمر ضروري، لأنه يعنينا بصفتنا مغاربة. الجانب الآخر من التفريع، هو هل لنا أن نترجم كتابات «الإسرائيليين» عامة وبصفتهم هذه، أقول: إني على الرغم من مواقفي المعروفة في هذا الباب، أرى أن ترجمة كل ما فيه خدمة للمغرب وللأمة، ضرورةٌ ملحة ولا تدخل تحت ظل التطبيع. أضرب مثالا له مغزاه في هذا الباب، قبيل حرب ما سموه «حرب الستة أيام» كانوا في حاجة إلى كتاب في تاريخ العرب والإسلام (خال من إيديولوجية، كما فكروا) فانتقوا لجنة لذلك من كبار مختصيهم، وبعناية من مكتب رئاسة الحكومة بالضبط، وألفوا كتاباً سموه «فصول من تاريخ العرب والمسلمين، (طبع 1967)، واعتبروا الأمر قضية وطنية كبرى.
- هل كتبوا هذا التاريخ باللغة العبرية؟
نعم بالعبرية...
- سألتُ هل بالعبرية، لأن هناك من يقول إن اللغة العبرية أشرفت اليوم على الموت لاعتبارات متعددة، فهل تتفقون مع هذا الطرح ؟ وإذا كان العكس فلماذا؟
وهمٌ كبير. أنا أكاديمي، ولا أريد أن أحدث البعضَ بما يريد. إن من مهمتي العلمية أن أتحدث عن الحقائق كما هي، خدمة لوطني وأمتي. العبرية اليوم تنمو وتزدهر. ولهذا أسبابه التي أفضل أن أرجع إليها لآسف على عربيتي. ظل اليهود المؤمنون منذ حُررت التوراة باللغة العبرية، يحافظون على لغة هاته التوراة، حتى في الأوقات التي صار لسانهم آرامياً أو بلغات العالم الأخرى. وكان هذا، الخيطَ الدقيق الذي أمَّن التفاهم والتواصل بينهم في أرجاء المعمور على فقر لغة التوراة. وظلت البيعة في أرجاء المعمور تستعمل هذه اللغة وإن كان المصلون لا يفهمونها. واستفادوا من الحضارة العربية الإسلامية ليضيفوا لمعجمها ومفاهيمها وعلومها أضعاف أضعاف ما لم يكن فيها. ومع ظهور القوميات في أوربا الغربية، ظهرت قومية وطنية يهودية تدعو إلى الاندماج في مجتمعاتها، مع الحفاظ على الهوية اليهودية، واستعمال اللغة العبرية على عِلاَّتها، في آداب قومية يهودية. وسُميت هذه الحركة (الهَسْكَلَة) أو التنوير [الترجمة الحرفية العقلانية]. ولما بدأ هرتزيل حملته في صهيونيته السياسية الحديثة، بدأ أحد كبار صحفييهم، وكان روسي الأصول، وهو إِلِيعِزِرْ بن يهودا (1885-1922) صهيونيتَه اللغوية. ذاك أن مبدأه كان هو «لا وجود لكيان سياسي أبداً بدون لغة وطنية». وبدأت معركة اللغة عندهم بقوة سنة 1908، عندما أرادت مؤسسة يهودية ألمانية أن تنشئ معهداً تقنياً يدرس علومه باللغة الألمانية. اشتعلت سنة 1913 معركة حامية الوطيس في كل فلسطين، ترفض استعمال اللغة الألمانية في هذه المؤسسة، ولا تريد بغير العبرية بديلا على الرغم من فقرها، ونجحت المعركة. وتكونت لجن كانت تتجول في شوارع فلسطين، وتصيح «لنتكلم عبرية»، وترفض كل استعمال غير عبري، لغة وكتابات على واجهات الدكاكين والمؤسسات. وكان إحياء اللغة العبرية منذ بداية القرن العشرين، الشغل الشاغل لكل المجتمع. ووُضعت في هذه الفترة مئات المعاجم التقنية في كل العلوم. وكانت هذه الحركة أقوى مما فعلنا نحن بالنسبة للعربية في ذلك الوقت. وسأصدر إن شاء الله، كتاباً في هذا الموضوع، فمادته مهيأة. وهذه الحركة هي التي هيأت لتأسيس مَجْمَع اللغة العبرية، ويعتبر من أهم المؤسسات في الدولة. وهو جهاز تفاعلي يتلقى استفتاءات الجمهور ومقترحاتهم يومياً، من الداخل ومن الخارج، ويغني اللغة يومياً. ويصدر مجلة نشطة تتبع المصطلحات وتجدد القواعد النحوية واللغوية، وتهتم بالترجمة. ورئيسها كما قلت، مغربيٌّ من قصر السوق. أما فيما يتعلق بلغة التدريس، فيكفي أن أقول إن أقدم كلية أنشئت في فلسطين هي كلية الطب، التي تأسست سنة 1925، وتدرس الطب باللغة العبرية. وتخصص للأجانب التدريس بالإنجليزية. إننا نرى في الأخبار المصورة يومياً، ساستهم، على مختلف الأصعدة، يتحدثون ولا نسمع منهم إلا عبرية، حتى في المواقف التي تستوجب غير ذلك. ونرى ما هو مكتوب أمامهم أو في اللافتات أو الطرق أو واجهات الدكاكين، ولا نرى إلا العبرية.والموظف الذي لا يحسن العبرية، يأخذ أجراً أقل من الذي يعرفها، وهما في رتبة واحدة حتى يحسنها. وقد وضعوا معجمًا تاريخياً للغة العبرية، اطلعت على نسخته الأولية في مؤسسة (The jewish Theological Seminary of America) في نيويورك، لما زرتها، ونحن لم نبدأ بعد حتى في التفكير في وضع هذا المعجم الأساسي والضروري. وأعتقد أن الأصل في سؤالكم، أو هكذا كان يجب، حول موت العبرية.. هو غلط في القراءة، لعل السؤال كان يعني «موت اللغة العربية». كيف ما كان الحال، أكان السؤال صحيحاً أم خطأً، فإنكم أنكأتم جراحاً في القلب. ولا أريد أن أخوض الحديث في هذا الموضوع، على الرغم من سوء مصير العربية اليوم في كل الدول العربية. ونحن جميعاً نرتكب جرماً ونخدم عدواً لحضارتنا دون أن ندري. إن قتل العربية هو قتل لكل تراثنا وتراث الحضارات المتعددة التي أظلها الإسلام على مدى القرون، والتي استفادت من هذه الحضارة أيضاً. اسمحوا لي سيدي. فأنا لا أظن هذه الفقرة نشازاً في حديثي هذا؟
- كونوا على يقين، فأنا لا أعتبر هذا نشازا. وأسألكم سؤالا تدعو إليه مستجدات أخبار المغرب. ذاك هو إعادة ترميم الكنيس اليهودي بفاس، المعروف ب«اصلاة الفاسيين»، كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟ وما رأيكم فيه؟
يقول علماؤنا الأجلاء: «لا رأي (لا اجتهاد) مع النص». يقول جل من قائل في سورة الحج: «... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» (آية 40). ويقول في سورة البقرة: «وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ»(آية 251). وقد أجمع المفسرون، كما هو في ظاهر الآية، على أن الدفع هنا، هو وجوب حماية ورعاية دور العبادة في كل الأديان مهما اختلفت. وربط الله جل جلاله، فسادَ الأرض، بالتقاعس عن هذه الحماية والرعاية، والتدافع الذي هو التآزر من أجل الحفاظ على مقدسات الإنسان. فما حدث في المغرب اليوم، يدخل في باب « وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ». لي ملاحظة واحدة، تلك هي خطأ في الكتابة التي رفعها من رفعها على باب الكنيس في فاس. ذاك أنهم كتبوا بالحرف العبري (صْلاطْ) ويجب أن تكتب (صلاة). بالتاء لا بالطاء. ويجب تصحيحها.
- أخيرا ماذا يمكن أن تقولوا ليهود المغرب الذين هم هناك؟
كلمتي لمن شط بهم المزار في ما سميته «هناك» أن يهود الغرب وأحفاد يهود المغرب هناك، يمثلون المرتبة الثانية عدداً بعد مهاجري الروس. وآمل منهم أن يعيدوا قراءة تاريخهم، وأن يكتبوه هم بأنفسهم. وأن يعودوا إلى ما كتبه أجدادهم، في المشرق والمغرب الإسلاميين، وفيه الكثير من الفكر العربي الإسلامي، وأن يفتخروا به. وأن يقولوا كلمة حق في ما تجري به المقادير هناك. وأن يعلموا أن قيام دولة فلسطينية مستقلة، في حدود حقوقها الشرعية، هو طريق اطمئنان الروح التي كان أجدادهم يسعون إليه فيما كتبوا. ولكي يردوا بعض جميل ما صنعته الحضارة العربية الإسلامية في فكر أجدادهم، ولكي يردوا بعض جميل المغرب الذي ما زال يضم رفات أجدادهم، عليهم أن يناضلوا، وهم قوة عددية هائلة، من أجل قيام هذه الدولة، لأن أهلها هم أقرب الناس إليهم ذهناً وحضارة.

ثلاثة سياقات تثبت أصول المغاربة اليهود

- توصلتم في استنتاجاتكم إلى أن اليهود المغاربة لم يكونوا سوى يهود مغاربة لا علاقة تاريخية لهم بغير هذا الوطن. فكيف يمكن تأكيد هذا؟ وكيف تُقنعون معظم المغاربة الذين يعتقدون بأن اليهود هم مجرد وافدين على جغرافيا المغرب؟
أنا لا أعتقد أن معظم المغاربة يعتقدون بأن اليهود مجرد وافدين. والحقيقة هي أن معظم المغاربة لم يشغلوا بالَهم بهذا الأمر، لأن إيمانهم العميق شغلهم عن ذلك. واعتبروا اليهود جزءاً من ساكنة وطنهم مذ وجدوهم معهم على تربة واحدة. الصحيح أن معظم المغاربة وغيرهم من العرب والمسلمين، لم يجابههم أمر أصول اليهودِ من مواطنيِهم، إلا مع بروز قضية فلسطين وما تابعها حتى اليوم بدرجات متفاوتة. على أي، فما حقيقة أصول يهود المغرب؟ لا يوجد في كتب التاريخ الكلاسيكي ما يفصل في أمر أصولهم علمياً، فحتى أوثق مؤرخيهم المعاصرين الذين سخروا الوثائق واستعملوا أساليب البحث التاريخي الدقيق، مثل حاييم زئڤ هيرشبيرگ، في كتابه تاريخ يهود شمال إفريقيا، وكتابه «من أرض مغرب الشمس». وحاييم الزعفراني، وهو من اليهود المغاربة، ومن كبار المختصين في تاريخ يهود المغرب، في كل كتبه التي ألفها، وغير هذين، لم يصلوا إلى حقيقة في هذا الأمر، يبقى المعتمد في إثبات أصول المغاربة اليهود، هو السياق التاريخي، والمنطق، والمدرسة التجديدية في تاريخ اليهود اليوم.
أما السياق التاريخي، فهو عدم إثبات أي هجرة جماعية يهودية كبيرة توجهت إلى المغرب أو غير المغرب، بما في ذلك التهجير البابلي المشهور، حيث يرى المختصون اليوم، أن نُبُوخُذُنَصَّر، لم يُهَجِّر إلا طبقة صغيرة جداً كانت لها خصوصياتها المعرفية والسياسية. ولم يكن في مُكنة ذاك الزمان، تهجير الآلاف. نعم، وهذا هو المعتمد المنطقي، كانت هناك هجرات أفراد أو جماعات صغيرة، لأسباب متعددة وإنسانية ومعروفة، في كل تاريخ الإنسانية. من ذلك هجرات جماعات محدودة من اليهود، رافقت الفينيقيين في هجرتهم إلى الشمال الإفريقي، وكان لا بد لمثل هذه الهجرات، أن تَحْدث لنقل السلع والصنائع والثقافة والدين أيضاً، وفي واحدة من هذه، وصلت الديانة اليهودية إلى المغرب، على طريق آحاد أو بعض أفراد. وهؤلاء هم الذين نشروا اليهودية في قبائل مغربية قُحَّة. وهذا الفعل لا يجب أن يفترض أن كل من خلق الله من يهود المغرب، وصلوا في رحلة طويلة من فلسطين، في جحافل لم ينتبه لها حراس الحدود وجيوش البلاد المتعددة التي قطعتها هذه الجحافل، وما جاء في مصدر من مصادر التاريخ، حديثٌ عن رحلة بهذا الشكل. لماذا لا نبحث عن مثال بارز واضح، يحل الإشكال، إنه دخول الإسلام إلى المغرب. لم يخطر على بال أحد أن يزيل المغربية الأصيلة عن معتنقي الإسلام المغاربة، لأنهم اعتنقوا الإسلام الذي شرفنا من الجزيرة العربية. وقد وصل هو أيضاً عن طريق الآحاد أو الجماعات التي كانت محدودة عدداً. ولم يفكر المسلم المغربي، في يوم من الأيام، أن ينتسب، جنسيةً، إلى أرض مهبط النبوة. باختصار، لا بد أن يحمل أحدٌ الدينَ، ولكن لا يمكن أن يكون كل المتدينين جاءوا من خارج وما انضاف إليهم مغربي أبداً، إن هذا خارج عن مفهوم العقل. أما المدرسة التاريخية التجديدية، ويمثلها اليوم عدد من المؤرخين الإسرائيليين، فنكتفي بأخذ واحد منهم مثالا، هو Shlomo Sand، أستاذ التاريخ في جامعة تل-أبيب، وهو مؤلف Comment le peuple juif fut inventé, De la Bible au sionisme, Fayard, Paris, 2008، (ألف الكتاب أصلا باللغة العبرية)، حيث استدل بكثير من الوثائق، وبالرجوع إلى كثير من المصادر، منها العربية على الخصوص، على أن اليهودية كانت في الأصل دعوية، وأن يهود المغرب هم مغاربة أصلا، وصَلَتْهم هذه الدعوة عن طريق الآحاد، ولم تكن هجرة جماعية، وأن لا علاقة لهم أصلا بفلسطين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.