الأحزاب تثمن المقاربة الملكية التشاركية    رفض البوليساريو الانخراط بالمسار السياسي يعمق عزلة الطرح الانفصالي    الطالبي العلمي يجري مباحثات مع وزير الشؤون الخارجية السنغالي    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    مئات المغاربة يجوبون شوارع باريس احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    أخنوش: "بفضل جلالة الملك قضية الصحراء خرجت من مرحلة الجمود إلى دينامية التدبير"    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ألبوم «تْعيشْ بْلادي» جديد مجموعة «السهام
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 29 - 07 - 2021


رهان الاستمرارية في فن أغاني المجموعات


شهد المركب الثقافي «محمد زفزاف» بحي المعاريف بالدارالبيضاء يوم الجمعة 9 يوليوز 2021 حفلا فنيا وَقَّعَتْ خلاله مجموعة»السهام»ألبومها الجديد الذي يحمل عنوان»تْعيشْ بْلادي»، و الذي يضم خمس أغان هي:»تْعيشْ بْلادي»(التي يحمل الألبوم اسمها) و»ايّامْ كورونا» و»الْحَيّْ الْمُحَمَّدي» و»حْكايَةْ لَبْنِيّاتْ» و»بِاسْمْ النِّضالْ».
حضر الحفل ثلة من الفنانين والمثقفين، وعشاق أغاني المجموعات من المدينة ومن خارجها، مع تمثيلية للجالية المغربية بالخارج.
حفل رائق بنكهة الفوز
من لطائف هذا الحفل تزامنه مع حدث فوز فريق»الاتحاد البيضاوي»(الطّاسْ) لكرة القدم على فريق»النادي القنيطري»(الكاكْ) في مباراة سد، وهو الفوز الذي مكنه من الحفاظ على مكانته بالقسم الوطني الثاني، وبالتالي الانفلات من النزول إلى قسم الهواة؛ ومعلوم أن معقل الفريق هو»الحي المحمدي» الذي انبثقت منه المجموعة السهامية وقبلها المجموعة صاحبة الريادة»ناس الغيوان» ثم المجموعات الأخرى التي ظهرت قبل السهام والتي جاءت بعدها، وقد كانت معرفة النتيجة النهائية للمباراة لحظة فارقة في الحفل، إذ تجاوب الجمهور مع الحدث، وطالب المجموعة بإعادة أداء أغنية»الحي المحمدي»، التي تضمنها الألبوم، في ترديد جماعي حاشد للمجموعة والجمهور معا.
خط إبداعي متميز
اختارت مجموعة السهام لنفسها نهجا إبداعيا واضحا منذ تأسيسها إلى الآن، خطا حافظت على ملامحه الكبرى كلمات ومضامين ولحنا وتوزيعا وأداء وعزفا، ولعل هذه المحافظة على سمات بعينها في الشكل والمضمون ما جعل المجموعة تعلن وجودها المتجدد في كل إبداعاتها، عكس مجموعات أخرى كثيرة اندثرت وباد ذكرها لأنها عجزت عن خلق خط إبداعي متفرد تعرف به وتاهت في غياهب التقليد أو العشوائية في الاختيارات الفنية الكبرى على مستوى الكلام المغنى والألحان والعزف والمظهر العام(/الهندام) لأعضاء المجموعة، وربما العجز أو الفشل على المستويين الإداري والتسييري.
وللأمانة فليست مجموعة السهام وحدها التي نجحت في هذا المسار»التفردي» الذي ضمن لها البقاء والاستمرار، إذ تلتقي في هذا المآل الإيجابي مع مجموعات أخرى مازالت حاضرة في المشهد الغنائي»المجموعاتي» و إن بتفاوت في قوة الحضور والإشعاع مقارنة بالمجموعات الأخريات أو مقارنة بين حاضر كل مجموعة على حدة وماضيها.
إن»التفرد» في الخط الإبداعي العام هو سر بقاء مجموعاتنا الحالية، سواء الرائدة المؤسسة ك»ناس الغيوان»، أو التابعة المجددة بدءا ب»جيل جيلالة» ثم»لمشاهب» و»تكادة» و»السهام» و»مسناوة»، أو النسخة الأمازيغية لفن أغاني المجموعات متمثلة في مجموعة»إزنزارن»؛ وإن تراجع وهج «المحصول» العام لها جميعا مقارنة بالبدايات السبعينية والثمانينية من القرن الماضي.
ولا شك أن هناك عوامل أخرى وازنة لا يمكن إغفالها ساهمت في هذا»البقاء» و»التفرد» على السواء بالنسبة ل»السهام» نرى في مقدمتها محدودية تأثير تغير التركيبة البشرية للمجموعة، خلافا لمجموعات أخرى تأثرت أكثر في هذا الباب تبعا لوفيات أعضاء، أو اعتزالهم لاختيارات وقناعات شخصية محضة، أو انتقالهم إلى مجموعات أخرى، أو تغييرهم شكل الإبداع الفني ككل…
ولقد نجحت مجموعة السهام، حسب اعتقادنا، من خلال ألبومها الجديد، في تكريس مسار ربحها رهان»البقاء»، إضافة إلى»صيانة» التفرد الذي عرفت به، وذلك على كافة المستويات.
المضامين و»إلحاحية»
الراهن المجتمعي
تميزت مواضيع أغاني مجموعة»السهام»، منذ نشأتها قبل أزيد من أربعة عقود خلت إلى حين صدور ألبوم»تْعيشْ بْلادي»، بارتباطها الوثيق بالراهن المجتمعي وحياة الناس، سواء في بعد هذا الراهن الإنساني والكوني، أو على مستوى الانتماء القومي والوطني؛ ولكأن قضايا هذا الراهن»تلح»على أعضاء المجموعة إلحاحا فيأبى مُنْتَجُها الإبداعي إلا أن ينعتق من مخاض صاخب جياش ذي حمولة»رِسالاتِيَّةٍ» ترفض الحياد رفضا باتا، وتنخرط في قضايا المجتمع والانسان والكون انخراطا.
غنت المجموعة في الماضي ومازالت أصوات أفرادها تصدح وتصيح منبهة لأوضاع المغترب المشوق المنتفض سدى داخل مصيدة»الْبَرّاني»، والمهاجر القروي الضائع في متاهات الإسمنت، والعاطل المغلوب على أمره، وعاملة المصانع»حاملة الهم» الفردي والأسري…
والمجموعة من أَبَّنَتْ مهدور الدم في»كوسوفو»، وشَيَّعَتْ مأسور الحقوق في السليبة «فلسطين»…
والمجموعة من كشفت عيوب الأخلاق والسلوك في زمن البارابول والعولمة…
وبالمقابل، نَشَدَتِ المجموعة عالما يسوده العدل، ويحفه السلام، وتلحمه المحبة والتسامح، وتقوده بوصلة الرجوع للقيم…
لكن المجموعةهي أيضا من تَغَنَّى بالعرس والأفراح وطقوس شرب الشاي…
وهاهي المجموعة في»تْعيشْ بْلادي» تحتفي بقدسية وحدة وطنها، وتحيي ذكرى وأمجاد حارة مولدها ونشأتها، وتقف إجلالا لذكرى فتيات شِغِّيلاتٍ جُزِينَ جزاء»سِنِّمار»، وتفضح نوايا من يستتر بعكس نواياه الوصولية السمجة، وتتساءل عن ضلوع ابن آدم في تفشي الجائحة الكورونية الرهيبة؛ وبذلك يظل ربرتوار المجموعة منسجما تماما مع أهدافها، كما جاء في المطوى المرفق بالقرص الموزع على الحاضرين في حفل توقيع ألبومها الجديد:
«… أن نكون حاضرين بإبداعاتنا في خضم كل نضال يروم تطور وتقدم بلادنا(…) راصدين ومتتبعين كل التقلبات والأحداث العالمية».
شساعة الحقل اللغوي:
تهيمن»العامية»المغربية(/»الدّارِجَة») على مُنْجَز مجموعة السهام؛ غير أن»عامية» السهام غنية غِنَى المضامين، بعيدة كليا عن جرأة توظيف الخادش من القول كما في بعض تجارب»الرّابّْ» الشبابي المعاصر أو بعض»الرّاي»، قريبة من عامية»وَلْدْ لَبْلادْ» سواء كان مثقفا من النخبة أو كادحا من البروليتاريا أو مستور الحال من الطبقة الوسطى…
عامية»السهام» راقية مهذبة منقحة، لاخوف من سماعها انفرادا أو جماعيا وسط الأهل والأسرة والأحباب…
عامية»السهام»ممتدة بين الأعمار يقبلها الصغير والكبير، ممتدة بين النوعين البشريين يستوعبها الخشن واللطيف…
عامية»السهام»من حيث المضمون، كما عهدناها، هادئة، حنون رؤوم، تواكب المتلقي في الموقف الصعب والمصاب الْجَلَل:
آشْ حْلَمْتُو يا لْمِّيماتْ؟
واشْنُو شَفْتُو فْ المْنامْ؟
لَبْنِيَّاتْ اللِّي خَرْجُو فالصّْباحْ
عْلاشْ ما رَجْعُو فالظّْلامْ؟!… (1)
وعامية»السهام»من حيث الشكل، كما عهدناها أيضا، تتاخم حدود الاستعارات والكنايات والتوريات الْأَخَّاذَةِ التي يزدان بها بستان عِلْمَيِ البيان والمعاني في لغة الضاد:
غْفَلْنا وفَقْنا بَعْد الْإِعْصارْ
غْفَلْنا وفَيَّقْنا صَهْدْ النّارْ
فْكُلّْ مَحَطَّة نَتْسَنَّاوْ الْقِطارْ
دازْ وخَلَّانا وطالْ الاِنْتِظارْ(2)
لكننا نحسب أهم إنجاز للمجموعة تَغَلُّبُها على طابع»التقريرية» الذي يسم عادة المواضيع المواكبة للراهن المجتمعي، أو المتفاعلة مع الشأن العام، أو الراصدة المستجدات الحياتية اليومية، أو الموثقة والمسجلة معلومات للذكرى وللتاريخ.
إن للمجموعة في هذا الباب جرأة عجيبة في تناول مواضيع «تقريرية» بطبيعتها، وقدرة فائقة على تحويل»النقل والتوثيق الإخباريين» لتلك المواضيع إلى صيغ لغوية وأسلوبية «فنية» مستساغة(3)، ومن ذلك:
جاتْ الْحَمْلَة الْمَسْعورَة(4)
لَبْنِيّاتْ مَقْهورَة
والْحالَة مَضْرورَة
جاتْ الاخْبارْ للمِّيماتْ(5)
ومنه أيضا:
لا آلافْ الْأُمَّة عَمْرَاتْ(6) وحَجّاتْ
لا مَعالِمْ الْعالَمْ بْقاتْ كي كانَتْ
لا أَسْواقْ الْأَمْوالْ جْراسْها دَقّاتْ
لا آلامْ الْإِنْسانْ وَقْفاتْ وزالَتْ (7)
ومنه أيضا:
مَنْ «كَرْيانْ سَنْطْرالْ»(8)
خَرْجو نْسا ورْجالْ
مُبْدِعينْ وأَبْطالْ
(…)
يا»تيرانْ الطّاسْ»(9)
«الْبَيْضا»(10) و»الْغيوانْ»(11)
والْفِكْرْ بالْأَلَوانْ
و»السَّعادَة»(12) مَجْمَعْ اللَّمَّة(13)
ولعل هذا التناسق السلس بين المضمون والشكل في»متن» السهام، والانفلات من «التقريرية» في تناول الموضوع، أبرز معالم الجودة في مأثور المجموعة»الكلامي».
في رحاب «الماندولين»:
إن لهذه الآلة لسحرا!…
في حديث مصور لها متداول عبر بعض قنوات التواصل الاجتماعي، وفي معرض حديثها عن ظروف التحاق»محمد باطما»رحمه الله بمجموعة «لمشاهب»، تذكر الفنانة «سعيدة بيروك» ما باح لها به هذا الفنان الذي سيصبح زوجها بعد ذلك الالتحاق، إذ أسر إليها أن ما جذبه ل»لمشاهب» أمران:
«انْتِ والْمانْدولينْ»!…
ومعلوم أن من كان يعزف هذه الآلة الساحرة آنذاك هو»الشريف لمراني» رحمه الله، ملك الماندولين في أغاني المجموعات بالمغرب، وهو من طَوَّرَها، وصال وجال كما شاء بينها وبين أخواتها من»الوتريات»، بما في ذلك»السيتار»(الهندي الموطن)!…
ومعروف دور»الماندولين» في الأجواق التراثية المرجعية المغربية كأجواق»الطرب الغرناطي»، ودورها أيضا في الموسيقى الشعبية ما بعد»العيطة» كما عند»الحسين السلاوي» رحمه الله.
ولعل تواجد آلة الماندولين لدى مجموعة السهام، وتواجد عازف جيد يتقن»استنطاقها» في شخص الفنان»عبد المجيد مشفق»، عرّاب المجموعة، من العوامل الأساسية التي جعلت»السهام» أقرب ما يكون ل»لمشاهب» من أية مجموعة أخرى: فأنغام الماندولين، إضافة إلى نوعية الألحان المختارة في كثير من المقطوعات السهامية، تجعل هذا الاقتراب من «لمشاهبيات» شيئا بديهيا لا غبار عليه.(14)
يُحْسَبُ ل»عبد المجيد مشفق»، إضافة إلى مشاركته الصوتية الوازنة جماعيا وفي الصولوهات، أنه يعشق هذه الآلة الشجية أنغامها عشق الصب الولهان، مرتبط بها ارتباط المخلص الوفي.
ومن وفائه أنه يحتفظ بآلته الأولى كما أسر لي ذات أسبوع ثقافي بإحدى المؤسسات التعليمية التي كنت أُدَرِّسُ فيها، حيث أحيى صحبة أخيه «خالد مشفق» أمسية تجاوب معها التلاميذ تجاوبا منقطع النظير، أذكر من تجلياته سعي إحدى تلميذات المؤسسة، إثر الحفل، إلى تأسيس مجموعة فتية من الإناث سمتها آنذاك»بْناتْ السِّهامْ»!… ولعل الأخ «خالد»، خاصة، يتذكر هذا الأمر.
ويحسب للمجموعة ككل انفتاحها على آلة «الكونترباس» الوترية الإيقاعية، وانفتاحها على الآلة الجامعة:»الأورغ»…
لقد أضاف الأورغ للألحان السهامية رونقا وبهاء سواء في مصاحبة الماندولين، أو عند التناوب معها في المقدمات الموسيقية(15)، أو في البينيات النغمية الواصلة بين المقاطع المغناة(16)، وإن كنا نرى مساهمة الأورغ في الألبوم (وما قبله) مازالت»محتشمة»، ولن يزيد تخصيص مساحات زمنية أكثر وأكبر للأورغ في أغاني السهام، في نظرنا، إلا توهجا وبهاء، لانسجام الآلتين (الماندولين والأورغ) نغما، وتكاملهما التام عند التلقي السمعي.
أصوات بلا حدود
في أغاني»السهام» تشدو حناجر سخية، وتتمدد حبال صوتية شجية وتتقلص، في توزيع متقن تحس معه أن هذا المقطع»فُصِّلَ» على مقاس هذا المؤدي بعينه لا غيره…
باقة من الأصوات متناسقة، فيها ما يكفي من التنوع بين»الحاد» (Aigu) و»المنخفض» (Grave) وما بينهما، تتألق عند الأداء الفردي، وتتآزر عند الجماعي، في احتفالية صوتية تشنف الأسماع وتأسر الوجدان!
تلك هي السهام»صوتيا»، لا نشاز بين»جوابها» و»قرارها»، تصعد بك إلى قمة المتعة في طلعاتها، وترسو بك في انتشاء عند الانخفاض.
على سبيل التركيب:
مجموعة السهام عنوان سفر طويل على متن الاستمرارية؛ ناضلت، كمثيلاتها، إداريا وماليا وفكريا من أجل البقاء في ظل منظومة مؤسساتية رسمية لا تتبنى دائما مثل هذه التجارب بما يكفي من الدعم والمواكبة والتشجيع والتحفيز؛ إلا أن المجموعة استطاعت رغم ذلك تجاوز البقاء واستمرارية العطاء معا، فحققت جودة ذلك العطاء في»تعيش بلادي»، وقدمته لنا تماما كما جاء في المطوى التوثيقي للألبوم:
«… في حلة موسيقية راقية، وأداء صوتي جميل، وتوزيع موسيقي يليق بهذا المنتج الفني المجموعاتي الذي نروم من خلاله تعزيز مكانتنا داخل هذه المنظومة الموسيقية التاريخية، والرفع من قيمتها».
هوامش
1) من الأغنية الرابعة في ترتيب الألبوم:»حْكايَة لَبْنِيَّاتْ».
2) من الأغنية الخامسة في ترتيب الألبوم:»بِاسْم النِّضالِ».
3) لا شك أن للتركيبة اللحنية وتوزيع الأصوات والبينيات الكلامية المُكَمِّلَةِ للمقاطع دورها أيضا في «تخفيف» حدة الانجذاب نحو الوصف والتعبير الكلاميين التقريريين.
4) المقصود حادث غرق عاملات معمل النسيج بطنجة جراء فيضانات ناتجة عن أمطار غزيرة وتجمع المياه في المعمل المتواجد في قبو المبنى.
5) من الأغنية الرابعة في ترتيب الألبوم: «حْكايَةْ لَبْنِيّاتْ».
6) المقصود:»اِعْتَمَرَتْ» (/أدت مناسك العمرة).
7) من الأغنية الثانية في ترتيب الألبوم:»ايّامْ كورونا».
8) الاسم الأصلي ل»الحي المحمدي»إبان الحماية الفرنسية.
9) ملعب فريق»الاتحاد البيضاوي»، فريق الحي المشهور، و»الطّاسْ» اختزال اسمه باللغة الفرنسية: «TAS».
10) التسمية التي يعرف بها فريق»الاتحاد البيضاوي»، وقد اكتسب هذا الاسم لارتداء لاعبيه اللون الأبيض كفريق»ريال مدريد».
11) المقصود: مجموعة»ناس الغيوان» الرائدة في فن المجموعات الغنائية.
12) تتوسط منطقة(/درب) «السعادة» الحي المحمدي، ومن معالمها السينما والمقهى اللتان تحملان نفس الاسم ودار الشباب.
13) من الأغنية الثالثة في ترتيب الألبوم: «الْحَيّْ الْمُحَمَّدي».
14) من ذلك تشابه المقدمة الموسيقية لقطعة»الحَيّْ المُحَمَّدي»مع الأغنية الشهيرة «خْليلي» لمجموعة لمشاهب. لكننا، إذ نقول»الاقتراب»، نعي ما نقول، ولا ننفي ما سبق ذكره عن»التفرد»، خاصة على مستوى المواضيع و المضامين.
15) «تْعيشْ بْلادي» نموذجا، كما في الألبوم الجديد؛ وفي أغان سابقة ك»أَتايْ بْلادي» و»حْزينَة».
16) «ايّام كورونا» و»حْكايَةْ لَبْنِيّاتْ»نموذجا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.