نادي السد يتوج بلقب كأس قطر لكرة القدم عقب فوزه على الدحيل (4-3)    نادي القضاة يستعد لعقد جمعه العام لانتخاب مكتب جديد    التعاون الفلاحي يتصدر إعلان نواكشوط    مركز مغربي: الحكم الذاتي يتيح تنافس قادة "البوليساريو" مع نخب الصحراء    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    وعود استثمارية ضخمة تتوج مباحثات وكالة التنمية الفرنسية بالأقاليم الجنوبية    فليك ينتظر هيمنة برشلونة أمام الريال    منتخب الشباب يستعد للقاء سيراليون    أرسنال يجهز الممر الشرفي لليفربول    الى صديقي يونس    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    مصرع 6 أشخاص في حادثة سير مروعة بالطريق السيار    زيارة استثنائية وإنسانية للزفزافي تنعش آمال الحل في ملف حراك الريف    زلزال تفوق قوته 5 درجات يضرب هذه الدولة    حريق مهول يلتهم وحدة صناعية للأغطية دون خسائر بشرية    البطولة.. الكوكب المراكشي على بعد نقطة من العودة إلى القسم الأول بتعادله مع رجاء بني ملال    الناظور غائبة.. المدن المغربية الكبرى تشارك في منتدى "حوار المدن العربية الأوروبية" بالرياض    في يومها العالمي.. شجرة الأركان تتوّج رمزًا للتراث المغربي والصمود البيئي    العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تستنكر حرمانها من وصل الإيداع القانوني    ترامب يعلن موافقة باكستان والهند على وقف "فوري" لإطلاق النار    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    سحابة كلور سامة في إسبانيا ترغم 160 ألف شخص على ملازمة منازلهم    إسبانيا تُطلق دراسة جديدة لمشروع النفق مع طنجة بميزانية 1.6 مليون أورو    بعد واقعة انهيار عمارة بفاس..التامني تسائل الداخلية عن نجاعة مشاريع تأهيل المباني الآيلة للسقوط    مراكش .. انطلاق فعاليات البطولة الوطنية للشطرنج    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يستعد للإعلان عن اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية خلال جولته الشرق أوسطية    مهرجان مغربي في تاراغونا يبرز عمق العلاقات بين المغرب وإسبانيا    وساطة أمريكية تنهي التصعيد بين باكستان والهند    ديستانكت ومراد يرويان خيبة الحب بثلاث لغات    من الرباط إلى طنجة.. جولة كلاسيكية تحتفي بعبقرية موزارت    مهرجان "كان" يبرز مأساة غزة ويبعث برسائل احتجاجية    الأوروبيون يسعون لهدنة مع موسكو    وكالة الحوض المائي اللكوس تطلق حملة تحسيسية للتوعية بمخاطر السباحة في حقينات السدود    طنجة تستقبل العالم وشوارعها ما زالت تبحث عن التهيئة    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    تنظيم استثنائي لعيد الأضحى بالمجازر.. هل يتجه الناظور لتطبيق النموذج المعتمد وطنياً؟    بالقرعة وطوابير الانتظار.. الجزائريون يتسابقون للحصول على الخراف المستوردة في ظل أزمة اقتصادية خانقة بالبلاد (فيديوهات)    القضاء الأمريكي يجمد تسريح موظفين    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    الفيفا يرفع عدد منتخبات كأس العالم للسيدات إلى 48 بدءاً من 2031    المغرب يدفع بصغار التجار نحو الرقمنة لتقليص الاقتصاد غير المهيكل    النصيري يستعيد بوصلة التسجيل بتوقيع هدف في مرمى باشاك شهير    غزة تموت جوعا... كيلو الدقيق ب10 دولارات ولتر الوقود ب27    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    إيران وأمريكا تستأنفان المحادثات النووية يوم الأحد    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    النظام الجزائري يمنع أساتذة التاريخ من التصريح للإعلام الأجنبي دون إذن مسبق: الخوف من الماضي؟    أسود الأطلس... فخر المغرب الذي لم ينقرض بعد    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسؤولية السياسية في فاجعة دمنات: في الحاجة إلى الجدية التي يستحقها المغاربة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 10 - 08 - 2023

مرة أخرى يعيش المغرب تحت وقع فاجعة كبرى ذهب ضحيتها العديد من البسطاء، تاركة جرحا غائرا في نفوس الأسر المكلومة التي تنتمي للفئات الاجتماعية الهشة ولمنطقة من المناطق المهمشة.
ولا نعلم هل بلغ النبأ المفجع رئيس الحكومة؟ هل بلغ وعيه، وليس المقصود سمعه؟
مرة أخرى، لم يتوان هادم اللذات ومفرق الجماعات، الموت القاسي، في حصد المزيد من الأرواح البشرية البريئة التي لا تتحمل أي مسؤولية عن محيط طرقي هي مرغمة على استعماله رغم أنه يفتقد لشروط السلامة الضرورية وتتخلله اختلالات كثيرة لم تجد بعد طريقها للمعالجة.
هل تعتبر الحكومة الموت الناجم عن حوادث المرور قضاء وقدرا لا نملك أمام جبروته إلا الاستسلام والتزام الصمت؟ أم أنها لم تدرك بعد أن الوفاة جراء حادثة سير أمر حتمي كلما انتفت شروط الأمان في الفضاء الطرقي؟!
مرة أخرى، وتقريبا بنفس سيناريو العديد من الحوادث المرورية التي ألفتها بلادنا للأسف الشديد، وقعت، يوم الأحد 6 غشت 2023، بإحدى الطرق غير المصنفة، حادثة سير مميتة خلفت أربعة وعشرين قتيلا ينحدرون من نفس الجماعة بضواحي مدينة دمنات بإقليم أزيلال.
مركبة للنقل المزدوج تقل ركابا يتجاوزون العدد المسموح به، هوت إلى أسفل الوادي بأحد المنعرجات الخطيرة على مستوى دوار أخشان بجماعة سيدي بويخلف، ووضعت حدا لحياة أبرياء كانت وجهتهم السوق الأسبوعي لسد رمق العيش، وكانت رغبتهم التنقل بالوسائل المتاحة لاقتناء ما يلزم من طعام لهم ولأطفالهم.
لا يهم إن كان النقل سريا أم علنيا لأنه الوسيلة الوحيدة التي كانت متاحة أمام الضحايا. ولا يهم إن كان عدد الركاب مسموحا به أم غير مسموح به لأن وسائل النقل المتاحة تتيح خدمة عمومية ضرورية لمستلزمات العيش الأقل كرامة.
هو البحث المرير عن لقمة العيش في زمن ترفع فيه الحكومة شعار «الدولة الاجتماعية».
هو الحلم الذي تبخر، ورحلة اللاعودة، في ظل الدستور الذي يضمن لجميع المغاربة الحق في الحياة طبقا للفصل العشرين: «الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون ذلك»، ويضمن لهم السلامة وفق الفصل الواحد والعشرين: «لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته».
لقد تناقلت وسائط التواصل والإعلام، وطنيا ودوليا، النبأ المفجع، وسلط بعضها الضوء، رغم قتامة المشهد، على جهود السلطات المحلية وإشراف النيابة العامة على البحث الذي باشرته السلطات المعنية لمعرفة أسباب الحادثة. ودون انتظار نتائج التحقيق، بدأت أصابع الإدانة المسبقة تتجه نحو تحميل المسؤولية لأضعف حلقة في سلسلة المسؤوليات المفترض في مثل هذه الفواجع، وتناسلت التحليلات الهاوية التي ركزت على الأسباب المباشرة لوقوع الحادثة:السرعة المفرطة، الحمولة الزائدة، الحالة الميكانيكية للمركبة، خطورة المنعرج، تدهور البنية التحتية وغيرها.
قد يكون هذا الطرف أو ذاك مسؤولا، بشكل مباشر، عن وقوع حادثة السير الخطيرة، كما الشأن بالنسبة للحوادث المرورية الأخرى. بالطبع، لا بد من تحديد المسؤولية التقنية، أو لنقل القانونية، لكن ماذا عن المسؤولية السياسية والأخلاقية؟
إنها مسؤولية رئيس الحكومة.المسؤول سياسيا عن استمرار انعدام السلامة الطرقية ببلادنا لأن حكومته لم تقدم، منذ تنصيبها ونحن على مقربة من منتصف ولايتها الحكومية، أي تصور استراتيجي لمعالجة الإشكالية القاتلة.
الأكثر من ذلك أن بعض المنابر الإعلامية ركزت على كون الحصيلة المأساوية تعد الأعلى على الصعيد الوطني، متناسية ما يختزنه سجل وفيات حوادث السير بين دفتيه من حصائل ثقيلة ليس أقلها ألما وقساوة ضحايا حادثة الدروة قرب مدينة برشيد سنة 2009،وحادثة حافلة الركاب بين مراكش وأكادير سنة 2012، وحادثة اصطدام شاحنة بحافلة لنقل الركاب بين العيون وطانطان سنة 2015، وغيرها من الحوادث المرورية التي خلفت عشرات القتلى، والتي ستظل مأساتها وأوجاعها حاضرة بقوة بيننا وفي أوساط الأسر المكلومة تصارع النسيان وتقف في مواجهة الذاكرة المثقوبة.
لذلك، فإن رئيس الحكومة يتحمل المسؤولية السياسية كاملة، ليس فقط بالنسبة للحوادث المرورية التي خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى، بل أيضا لحوادث السير التي تخلف ولو قتيلا واحدا، أي مواطنا واحدا.
رئيس الحكومة مسؤول سياسيا، ومعه كل أعضاء حكومته المعنيون بإشكالية انعدام السلامة الطرقية، لأنه المسؤول الأول عن تنسيق عملهم وتدخلاتهم. لا تقف المسؤولية السياسية هنا عند وزير النقل واللوجستيك فحسب، هي مسؤوليته بكل تأكيد لأنه الغائب الأكبر، لكنها مسؤولية مشتركة لوزراء التجهيز والعدل والداخلية والتربية الوطنية والتعليم العالي والتواصل والشباب ومعظم الوزراء كل في ما يعنيه. هي مسؤولية الحكومة السياسية برمتها.
لم تكن الفاجعة فقط في ما خلفته الحادثة من ضحايا وآلام قاسية، بل كانت الفاجعة في صمت الحكومة الرهيب، وفي سياسة النعامة التي نهجتها الحكومة في ظرف عصيب، وفي منطقة تشهد أحوال بناتها وأبنائها على غياب العدالة الاجتماعية والمجالية التي التزم البرنامج الحكومي بترسيخها.
هي المسؤولية الأخلاقية تتحملها الحكومة إلى جانب مسؤوليتها السياسية.
لم يعد مقبولا غياب الإرادة السياسية وافتقاد المبادرة وغياب الجرأة والشجاعة في نقد الممارسة الحالية وابتكار الحلول الناجعة والتدابير ذات الأولوية لجعل السلامة الطرقية في قلب النموذج التنموي الجديد.
كلنا يعلم بأن أول استراتيجية وطنية متكاملة للسلامة الطرقية انطلقت فعليا مع العهد الجديد الذي أرسى دعائمه جلالة الملك محمد السادس، ونعلم بأن جلالته أعطى إشارة قوية، في الاجتماع الذي ترأسه بالقصر الملكي بمدينة الدار البيضاء يوم18 فبراير 2005، حين دعا إلى ضرورة إيلاء العناية القصوى لمواجهة آفة حوادث السير، وأصدر توجيهاته السامية لأعضاء الحكومة ومسؤولي الأجهزة المعنيين لبذل الجهود التي من شأنها الاستجابة للتطلعات المشروعة للمغاربة، وحماية الأسر المغربية من أخطار الطرق.
وينبغي التذكير هنا أيضا بالالتزام السياسي الذي تضمنه التصريح الحكومي لحكومة التناوب التوافقي والذي تقدم به الوزير الأول الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي أمام مجلس النواب، والذي تضمن لأول مرة إشارة واضحة إلى الالتزام الحكومي بالسلامة الطرقية: «وفي ما يتعلق بالنقل، فإن سياسة الحكومة تستهدف تحسين تنافسية القطاع عن طريق التحرير التدريجي، وتأهيل مختلف المتدخلين، والمساهمة النشيطة في إنعاش سياسة منسجمة في مجال سلامة التنقل.» كان التزاما سياسيا أثمر أول استراتيجية وطنية في مجال السلامة الطرقية في تاريخ المغرب الحديث، والتي استندت إلى التجارب الدولية الرائدة وساهمت الكفاءات الوطنية في تفعيلها.
مع كامل الأسف، لم تخضع الاستراتيجية الممتدة على مدى عشر سنوات (2003 – 2013) وخططها الاستعجالية الثلاثية السنوات للتقييم الضروري، الموضوعي والشامل، لأن حكومة العشر سنوات العجاف التي تلت دستور 2011 لم تمتلك ما يلزم من الإرادة والوسائل للقيام بذلك. كل ما قامت به هو التمطيط الزمني للمخططات الاستراتيجية القائمة، وإعلان أهداف رقمية حالمة لم تتمكن من تحقيقها، وتجميد ميزانية الاستثمار الموجهة في جزء منها للبنيات التحتية الطرقية، وغيرها. الأكثر من ذلك، أن الحكومة المحافظة آنذاك وقفت سدا منيعا أمام مبادرة حقيقية للإصلاح المؤسساتي للسلامة الطرقية، تقدمت بها المعارضة البرلمانية ممثلة في الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، واعترضت بشكل متعسف على مقترح القانون باستعمال الفصل 77 من الدستور مدعية الحفاظ على توازن مالية الدولة. ورغم أن المشروع الإصلاحي للفريق الاشتراكي لم يكن مدرجا في المخطط التشريعي الذي نشرته الحكومة المحافظة، إلا أنه جاء بصيغة محرفة تم اعتمادها وتفعيلها، لنجني ثمارها اليوم، وأي ثمار؟!
إن المسؤولية السياسية للحكومة تدعو رئيسها للتقصي في عدد الالتزامات القطاعية والميزانيات المرصودة التي لم تنفذ، وفي الاتفاقيات القطاعية التي لم تخرج إلى حيز الوجود، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال، لا الحصر، تأهيل المستعجلات، التربية الطرقية، الرعاية الاجتماعية للسائقين المهنيين (وليس فقط الحماية الاجتماعية)، النهوض بالمهن المرتبطة بالسلامة الطرقية.
رئيس الحكومة مدعو أيضا إلى مراجعة الهندسة المؤسساتية المعتمدة اليوم بما يترجم موقعه المفترض في تدبير السلامة الطرقية، كما يدبر ملف الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال والفلاحة وغيرها.
ودون الدخول في حيثيات الإصلاح الذي تستلزمه السلامة الطرقية في الوقت الراهن، الحكومة مدعوة إلى خلق نفس استراتيجي جديد لأن النفس الاستراتيجي الذي انطلق مع حكومة التناوب التوافقي بلغ مداه، ولأن النموذج التنموي الجديد في حاجة إلى كل الطاقات الوطنية التي لا ينبغي هدرها على الطرقات. فالمطلوب إحداث القطيعة بإقرار رؤية تعتبر السلامة الطرقية جزءا لا يتجزأ من منظومة الصحة العمومية، وإرساء إطار متماسك للكفاءة المؤسساتية، وتعزيز الاستثمارات المعقلنة والناجعة الكفيلة بإقامة نظام آمن للنقل والتنقل.
المطلوب أيضا توفير إطار تشريعي حديث وصارم لا يخضع للحسابات السياسوية، وتدعيم أجهزة المراقبة الطرقية بالإمكانات المادية والمعدات التكنولوجية اللازمة للقيام بمهامها النبيلة، وتحفيز البحث العلمي لإنتاج الأفكار المشعة في مجال السلامة الطرقية.
ختاما، بقيت مسألة تقنية تستوجب الاستحضار، تتعلق بالتمييز الذي أقامه الخبراء بين أربعة أطوار كبرى لتطور التفكير والممارسة المتعلقة بالسلامة الطرقية. ما يهمنا، في هذا المقام، أن الطور الأول يقترن بسنوات الخمسينيات والستينيات، ويعتبر أن أفضل وسيلة لتحسين السلامة الطرقية هي تعديل سلوك مستعملي الطريق بالتربية والتوعية والعقوبات الصارمة اعتبارا لكون الخطأ البشري يعتبر العامل الرئيس في وقوع حوادث السير، بينما يعتبر الطور الرابع المقترن ببداية الألفية الثالثة أن ثقافة إدانة الضحية تتحول إلى إدانة الجميع، وأن أفضل وسيلة هي ضمان الحق في الصحة عبر أنظمة نقل ناجعة وشبكة طرقية سليمة ومركبات آمنة.
لرئيس الحكومة، أن يختار الطور الذي يعتقد أن بلادنا الواعدة تستحقه، لكنني على يقين أنه لن يختار الارتماء في أحضان الماضوية. أنا على يقين أن اللحظة الراهنة، وصور الفاجعة مازالت ماثلة أمامنا، تستدعي أن نتمثل جيدا ما دعا إليه جلالة الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش الأخير: «واليوم، وقد وصل مسارنا التنموي إلى درجة من التقدم والنضج، فإننا في حاجة إلى هذه الجدية، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة».
رحمة الله على الضحايا، والصبر والسلوان للأسر المكلومة، وللسيد رئيس الحكومة الكلمة.
(*)عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي
للقوات الشعبية
رئيس الحكومة مسؤول سياسيا، ومعه كلأعضاء حكومته المعنيون بإشكالية انعدام السلامة الطرقية، لأنه المسؤول الأول عن تنسيق عملهم وتدخلاتهم. لا تقف المسؤولية السياسية هنا عند وزير النقل واللوجستيك فحسب، هي مسؤوليته بكل تأكيد لأنه الغائب الأكبر، لكنها مسؤولية مشتركة لوزراء التجهيز والعدل والداخلية والتربية الوطنية والتعليم العالي والتواصل والشباب ومعظم الوزراء كل في ما يعنيه. هي مسؤولية الحكومة السياسية برمتها.
لم تكن الفاجعة فقط في ما خلفته الحادثة من ضحايا وآلام قاسية، بل كانت الفاجعة في صمتالحكومة الرهيب، وفي سياسة النعامة التي نهجتها الحكومة في ظرف عصيب،وفي منطقة تشهد أحوال بناتهاوأبنائها على غياب العدالة الاجتماعية والمجالية التي التزم البرنامج الحكومي بترسيخها.
هي المسؤولية الأخلاقية تتحملها الحكومة إلى جانب مسؤوليتها السياسية.
لم يعد مقبولاغياب الإرادة السياسيةوافتقاد المبادرة وغياب الجرأة والشجاعة في نقد الممارسة الحالية وابتكار الحلول الناجعة والتدابير ذات الأولوية لجعل السلامة الطرقية في قلب النموذج التنموي الجديد.
كلنا يعلم بأن أول استراتيجية وطنية متكاملة للسلامة الطرقية انطلقت فعليا مع العهد الجديد الذي أرسى دعائمه جلالة الملك محمد السادس، ونعلم بأن جلالته أعطى إشارة قوية، في الاجتماع الذي ترأسه بالقصر الملكي بمدينة الدار البيضاء يوم18 فبراير 2005، حين دعا إلى ضرورة إيلاء العناية القصوى لمواجهة آفة حوادث السير، وأصدر توجيهاته السامية لأعضاء الحكومة ومسؤولي الأجهزة المعنيين لبذل الجهود التي من شأنها الاستجابة للتطلعات المشروعة للمغاربة، وحماية الأسر المغربية منأخطار الطرق.
وينبغي التذكير هنا أيضا بالالتزام السياسي الذي تضمنه التصريح الحكومي لحكومة التناوب التوافقي والذي تقدم به الوزير الأول الأستاذ عبد الرحمن اليوسفيأمام مجلس النواب، والذي تضمن لأول مرة إشارة واضحة إلى الالتزام الحكومي بالسلامة الطرقية: «وفيما يتعلق بالنقل، فإن سياسة الحكومة تستهدف تحسين تنافسية القطاع عن طريق التحرير التدريجي، وتأهيلمختلف المتدخلين، والمساهمة النشيطة في إنعاش سياسة منسجمة في مجال سلامة التنقل.» كان التزاما سياسيا أثمر أول استراتيجية وطنية في مجال السلامة الطرقية في تاريخ المغرب الحديث، والتي استندت إلى التجارب الدولية الرائدة وساهمت الكفاءات الوطنية في تفعيلها.
مع كامل الأسف، لم تخضع الاستراتيجية الممتدة على مدى عشر سنوات (2003 – 2013) وخططها الاستعجالية الثلاثية السنوات للتقييم الضروري، الموضوعي والشامل، لأن حكومة العشر سنوات العجاف التي تلت دستور 2011 لم تمتلك ما يلزم من الإرادة والوسائل للقيام بذلك. كل ما قامت به هو التمطيط الزمني للمخططات الاستراتيجية القائمة، وإعلان أهداف رقمية حالمة لم تتمكن من تحقيقها، وتجميد ميزانية الاستثمار الموجهة في جزء منها للبنيات التحتية الطرقية، وغيرها. الأكثر من ذلك، أن الحكومة المحافظة آنذاك وقفت سدا منيعا أمام مبادرة حقيقية للإصلاح المؤسساتي للسلامة الطرقية، تقدمت بها المعارضة البرلمانية ممثلة في الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، واعترضت بشكل متعسف على مقترح القانون باستعمال الفصل 77 من الدستور مدعية الحفاظ على توازن مالية الدولة. ورغم أن المشروع الإصلاحي للفريق الاشتراكي لم يكن مدرجا في المخطط التشريعي الذي نشرته الحكومة المحافظة، إلا أنها جاء بصيغة محرفة تم اعتمادها وتفعيلها، لنجني ثمارها اليوم، وأي ثمار؟!
إن المسؤولية السياسية للحكومةتدعورئيسها للتقصي في عدد الالتزامات القطاعية والميزانيات المرصودة التي لم تنفذ، وفي الاتفاقيات القطاعيةالتي لم تخرج إلى حيز الوجود والتي نذكر من بينها على سبيل المثال، لا الحصر،تأهيل المستعجلات، التربية الطرقية، الرعاية الاجتماعية للسائقين المهنيين (وليس فقط الحماية الاجتماعية)،النهوض بالمهن المرتبطة بالسلامة الطرقية.
رئيس الحكومة مدعو أيضا إلى مراجعة الهندسة المؤسساتية المعتمدة اليوم بما يترجم موقعهالمفترض في تدبير السلامة الطرقية، كما يدبر ملف الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال والفلاحة وغيرها.
ودون الدخول في حيثيات الإصلاح التي تستلزمه السلامة الطرقية في الوقت الراهن، الحكومة مدعوة إلى خلق نفس استراتيجي جديد لأن النفس الاستراتيجي الذي انطلق مع حكومة التناوب التوافقي بلغ مداه، ولأن النموذج التنموي الجديد في حاجة إلى كل الطاقات الوطنية التي لا ينبغي هدرها على الطرقات. فالمطلوب إحداث القطيعة بإقراررؤية تعتبر السلامة الطرقية جزء لا يتجزأ من منظومة الصحة العمومية، وإرساء إطار متماسك للكفاءة المؤسساتية،وتعزيز الاستثمارات المعقلنة والناجعة الكفيلة بإقامة نظام آمن للنقل والتنقل.
المطلوب أيضا توفير إطار تشريعي حديث وصارم لا يخضع للحسابات السياسوية، وتدعيم أجهزة المراقبة الطرقية بالإمكانات المادية والمعدات التكنولوجية اللازمة للقيام بمهامها النبيلة، وتحفيز البحث العلمي لإنتاج الأفكار المشعة في مجال السلامة الطرقية.
ختاما،بقيت مسألة تقنية تستوجب الاستحضار، تتعلق بالتمييز الذي أقامه الخبراء بين أربعة أطوار كبرى لتطور التفكير والممارسة المتعلقة بالسلامة الطرقية. ما يهمنا، في هذا المقام، أنالطور الأوليقترنبسنوات الخمسينات والستينات، ويعتبر أنأفضل وسيلة لتحسين السلامة الطرقية هي تعديل سلوك مستعملي الطريق بالتربية والتوعية والعقوبات الصارمة اعتبارا لكون الخطأ البشري يعتبر العامل الرئيس في وقوع حوادث السير، بينما يعتبرالطور الرابع المقترن ببداية الألفية الثالثة أن ثقافة إدانة الضحية تتحول إلى إدانة الجميع، وأن أفضل وسيلة هي ضمان الحق في الصحة عبر أنظمة نقل ناجعة وشبكة طرقية سليمة ومركبات آمنة.
لرئيس الحكومة، أن يختار الطور الذي يتعتقد أن بلادنا الواعدة تستحقه، لكنني على يقين أنه لن يختارالارتماء في أحضان الماضوية. أنا على يقين أن اللحظة الراهنة، وصور الفاجعة مازالت ماثلة أمامنا، تستدعي أن نتمثل جيدا ما دعا إليه جلالة الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش الأخير: «واليوم، وقد وصل مسارنا التنموي إلى درجة من التقدم والنضج، فإننا في حاجة إلى هذه الجدية، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة».
رحمة الله على الضحايا، والصبر والسلوان للأسر المكلومة، وللسيد رئيس الحكومة الكلمة.
رئيس الحكومة مسؤول سياسيا، ومعه كل أعضاء حكومته المعنيون بإشكالية انعدام السلامة الطرقية، لأنه المسؤول الأول عن تنسيق عملهم وتدخلاتهم. لا تقف المسؤولية السياسية هنا عند وزير النقل واللوجستيك فحسب، هي مسؤوليته بكل تأكيد لأنه الغائب الأكبر، لكنها مسؤولية مشتركة لوزراء التجهيز والعدل والداخلية والتربية الوطنية والتعليم العالي والتواصل والشباب ومعظم الوزراء كل في ما يعنيه. هي مسؤولية الحكومة السياسية برمتها.
لم تكن الفاجعة فقط في ما خلفته الحادثة من ضحايا وآلام قاسية، بل كانت الفاجعة في صمت الحكومة الرهيب، وفي سياسة النعامة التي نهجتها الحكومة في ظرف عصيب، وفي منطقة تشهد أحوال بناتها وأبنائها على غياب العدالة الاجتماعية والمجالية التي التزم البرنامج الحكومي بترسيخها.
هي المسؤولية الأخلاقية تتحملها الحكومة إلى جانب مسؤوليتها السياسية.
لم يعد مقبولا غياب الإرادة السياسية وافتقاد المبادرة وغياب الجرأة والشجاعة في نقد الممارسة الحالية وابتكار الحلول الناجعة والتدابير ذات الأولوية لجعل السلامة الطرقية في قلب النموذج التنموي الجديد.
كلنا يعلم بأن أول استراتيجية وطنية متكاملة للسلامة الطرقية انطلقت فعليا مع العهد الجديد الذي أرسى دعائمه جلالة الملك محمد السادس، ونعلم بأن جلالته أعطى إشارة قوية، في الاجتماع الذي ترأسه بالقصر الملكي بمدينة الدار البيضاء يوم18 فبراير 2005، حين دعا إلى ضرورة إيلاء العناية القصوى لمواجهة آفة حوادث السير، وأصدر توجيهاته السامية لأعضاء الحكومة ومسؤولي الأجهزة المعنيين لبذل الجهود التي من شأنها الاستجابة للتطلعات المشروعة للمغاربة، وحماية الأسر المغربية من أخطار الطرق.
وينبغي التذكير هنا أيضا بالالتزام السياسي الذي تضمنه التصريح الحكومي لحكومة التناوب التوافقي والذي تقدم به الوزير الأول الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي أمام مجلس النواب، والذي تضمن لأول مرة إشارة واضحة إلى الالتزام الحكومي بالسلامة الطرقية: «وفي ما يتعلق بالنقل، فإن سياسة الحكومة تستهدف تحسين تنافسية القطاع عن طريق التحرير التدريجي، وتأهيل مختلف المتدخلين، والمساهمة النشيطة في إنعاش سياسة منسجمة في مجال سلامة التنقل.» كان التزاما سياسيا أثمر أول استراتيجية وطنية في مجال السلامة الطرقية في تاريخ المغرب الحديث، والتي استندت إلى التجارب الدولية الرائدة وساهمت الكفاءات الوطنية في تفعيلها.
مع كامل الأسف، لم تخضع الاستراتيجية الممتدة على مدى عشر سنوات (2003 – 2013) وخططها الاستعجالية الثلاثية السنوات للتقييم الضروري، الموضوعي والشامل، لأن حكومة العشر سنوات العجاف التي تلت دستور 2011 لم تمتلك ما يلزم من الإرادة والوسائل للقيام بذلك. كل ما قامت به هو التمطيط الزمني للمخططات الاستراتيجية القائمة، وإعلان أهداف رقمية حالمة لم تتمكن من تحقيقها، وتجميد ميزانية الاستثمار الموجهة في جزء منها للبنيات التحتية الطرقية، وغيرها. الأكثر من ذلك، أن الحكومة المحافظة آنذاك وقفت سدا منيعا أمام مبادرة حقيقية للإصلاح المؤسساتي للسلامة الطرقية، تقدمت بها المعارضة البرلمانية ممثلة في الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، واعترضت بشكل متعسف على مقترح القانون باستعمال الفصل 77 من الدستور مدعية الحفاظ على توازن مالية الدولة. ورغم أن المشروع الإصلاحي للفريق الاشتراكي لم يكن مدرجا في المخطط التشريعي الذي نشرته الحكومة المحافظة، إلا أنه جاء بصيغة محرفة تم اعتمادها وتفعيلها، لنجني ثمارها اليوم، وأي ثمار؟!
إن المسؤولية السياسية للحكومة تدعو رئيسها للتقصي في عدد الالتزامات القطاعية والميزانيات المرصودة التي لم تنفذ، وفي الاتفاقيات القطاعية التي لم تخرج إلى حيز الوجود، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال، لا الحصر، تأهيل المستعجلات، التربية الطرقية، الرعاية الاجتماعية للسائقين المهنيين (وليس فقط الحماية الاجتماعية)، النهوض بالمهن المرتبطة بالسلامة الطرقية.
رئيس الحكومة مدعو أيضا إلى مراجعة الهندسة المؤسساتية المعتمدة اليوم بما يترجم موقعه المفترض في تدبير السلامة الطرقية، كما يدبر ملف الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال والفلاحة وغيرها.
ودون الدخول في حيثيات الإصلاح الذي تستلزمه السلامة الطرقية في الوقت الراهن، الحكومة مدعوة إلى خلق نفس استراتيجي جديد لأن النفس الاستراتيجي الذي انطلق مع حكومة التناوب التوافقي بلغ مداه، ولأن النموذج التنموي الجديد في حاجة إلى كل الطاقات الوطنية التي لا ينبغي هدرها على الطرقات. فالمطلوب إحداث القطيعة بإقرار رؤية تعتبر السلامة الطرقية جزءا لا يتجزأ من منظومة الصحة العمومية، وإرساء إطار متماسك للكفاءة المؤسساتية، وتعزيز الاستثمارات المعقلنة والناجعة الكفيلة بإقامة نظام آمن للنقل والتنقل.
المطلوب أيضا توفير إطار تشريعي حديث وصارم لا يخضع للحسابات السياسوية، وتدعيم أجهزة المراقبة الطرقية بالإمكانات المادية والمعدات التكنولوجية اللازمة للقيام بمهامها النبيلة، وتحفيز البحث العلمي لإنتاج الأفكار المشعة في مجال السلامة الطرقية.
ختاما، بقيت مسألة تقنية تستوجب الاستحضار، تتعلق بالتمييز الذي أقامه الخبراء بين أربعة أطوار كبرى لتطور التفكير والممارسة المتعلقة بالسلامة الطرقية. ما يهمنا، في هذا المقام، أن الطور الأول يقترن بسنوات الخمسينيات والستينيات، ويعتبر أن أفضل وسيلة لتحسين السلامة الطرقية هي تعديل سلوك مستعملي الطريق بالتربية والتوعية والعقوبات الصارمة اعتبارا لكون الخطأ البشري يعتبر العامل الرئيس في وقوع حوادث السير، بينما يعتبر الطور الرابع المقترن ببداية الألفية الثالثة أن ثقافة إدانة الضحية تتحول إلى إدانة الجميع، وأن أفضل وسيلة هي ضمان الحق في الصحة عبر أنظمة نقل ناجعة وشبكة طرقية سليمة ومركبات آمنة.
لرئيس الحكومة، أن يختار الطور الذي يعتقد أن بلادنا الواعدة تستحقه، لكنني على يقين أنه لن يختار الارتماء في أحضان الماضوية. أنا على يقين أن اللحظة الراهنة، وصور الفاجعة مازالت ماثلة أمامنا، تستدعي أن نتمثل جيدا ما دعا إليه جلالة الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش الأخير: «واليوم، وقد وصل مسارنا التنموي إلى درجة من التقدم والنضج، فإننا في حاجة إلى هذه الجدية، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة».
رحمة الله على الضحايا، والصبر والسلوان للأسر المكلومة، وللسيد رئيس الحكومة الكلمة.

عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي
للقوات الشعبية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.