سقط سيناريوهان من سيناريوهات ما بعد الانتخابات الإسبانية، سيناريو حكومة اليمين بمساعدة غير معلنة من طرف الاشتراكيين، وسيناريو التحالف التاريخي بين الكتلتين الكُبْريين في إسبانيا يمين ويسار اشتراكي، ممثلين في الحزب الاشتراكي العمالي والحزب الشعبي، على غرار ما تم في ألمانيا، أيام شرودر وميركل ، وهو المقترح الذي تقدم به فييخو ورفضه سانشيز. وبقي السيناريوهان التاليان: توصل بيدرو سانشيز إلى تشكيل الحكومة، في ظروف جد حساسة وبهامش مناورة ضئيل للغاية أو إعادة الانتخابات، وهو سيناريو يسائل الكل، الفائزين والأقليات على حد سواء… في اللحظة الحالية، ومن نفس الكرسي الذي ظل يشغله على رأس الحكومة الإسبانية المنتهية ولايتها، سيواصل بيدرو سانشيز محاولاته لتشكيل أخرى جديدة، بناء على التشريعيات الأخيرة، بعد أن كلفه الملك فيليبي السادس بذلك. ومن خلال نتائج برلمان «معلق» بسبب فسيفساء تشكيلته، سيحاول النجاح في ما فشل فيه نينيو فييخو، زعيم الحزب الشعبي اليميني الذي لم يتجاوز عتبة الأغلبية في القبة… أولا، احترم الملك المنهجية الديموقراطية بدون أن يكون ملزما بها، ولا يوجد في الدستور ما يفرض عليه أن يظل تحت إكراه الصناديق التي أعطت الحزب الشعبي المرتبة الأولى، بل يقف شرط الأغلبية والحصول عليها بمثابة الشرط الإجباري في تشكيل الحكومة وتحديد تشكيلتها.. وبالرغم من الهجوم اليميني على بيدرو سانشيز واتهامه بعرقلة الديموقراطية بعدم «السماح» للرئيس فييخو بإتمام الأغلبية فإن لا أحد اعتبر فشل نينيو «بلوكاجا» مخدوما… ثانيا، تحددت المواقف، قبل الانتخابات وبناء على التزامات فكرية وسياسية وإيديولوجية، معلنة، وبالرغم من بعض الأخبار المتضاربة، فإن المواطن الإسباني لم يفاجأ بتغيرات في التوجهات المعلنة قبل الانتخابات حيث ظل اليساري يساريا واليميني يمينيا والمتطرف متطرفا وسواء أكان في جهة اليسار أو اليمين، وظل الالتزام بالتمايزات الإيديولوجية محترما بشكل كبير… ثالثا، في الديموقراطية البرلمانية يمكن للجمهوريين أن يؤسسوا حزبهم نظرا لتاريخ خاص في الجارة الشمالية، كما يمكنهم أن يلعبوا دور المحدد الحاسم لتشكيل الحكومة، كما هو حال حزب اليسار الجمهوري الكطلاني، ويمكن للانفصاليين أن يعملوا تحت القبة، بالرغم من أنه معروف دفاعهم عن الانفصال والعمل من أجله. غير أن التجربة الإسبانية جد عالية ومرتفعة المنسوب في التدبير التعددي لإشكالات من صميم الوجود الخاص بالدولة، وهكذا فإن من حقهم التعبير عن نزعاتهم، وتعطيهم الديموقراطية الحق في ذلك، لكن ما تعطيه الديموقراطية ينزعه الدستور، كما تابعنا في تنظيم الاستفتاء في كطالونيا ومحاكمة أصحابه ومطاردتهم، وهو ما يجعل الأجندة تتجاوز التخندق الإيديولوجي والحسابات الرياضية الانتخابية إلى جوهر أبعد سيكون على بيدرو سانشيز أن يدبره، وهو مفهوم الدولة والأمة الإسبانية نفسها…، ولقد عرف عن بيدرو سانشيز قدرته الرهيبة على تدبير «الزوايا الحادة»، أو الميتة في السياسة، كما فعل خلال الإطاحة بماريانو راخوي، ثم استمراره في الحكومة عبر تحالفات يسارية، وضع لها شعار، «دولة التقدمية مقابل دولة الرجعية» ممثلة في اليمين والشعبي وفي فوكس… ومن فرادة النظام الأسباني أنه جعل الحل في الوصول إلى الحكومة بيد الانفصاليين الكطلانيين، سواء في اليسار الجمهوري، أو عند أحزاب تطالب بالاستقلال في «الباسك»، والمفاوضات الشاقة التي سيخوضها بيدرو سانشيز ستضع مفهوم الأمة الإسبانية على محك المرونة التي تقتضيها التشكيلة الحكومية…