يأتي مشروع القانون رقم 64.23 المتعلق بإحداث الوكالات الجهوية للتعمير والإسكان في إطار الإصلاحات الهيكلية التي يشهدها المغرب في تدبير المجال الترابي، تماشياً مع التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تعزيز اللاتمركز وترشيد الحكامة العمومية. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الأبعاد القانونية والتنظيمية لهذا المشروع، مع التركيز على المستجدات التي يطرحها في مجال التخطيط العمراني والسياسة السكنية، من خلال منهجية تحليلية تستند إلى النصوص التشريعية والمرجعيات الدستورية ذات الصلة. الإطار القانوني والسياق العام -الأساس الدستوري والتوجيهات الملكية يرتكز مشروع القانون على مقتضيات الفصل 140 من دستور 2011 الذي يُكرّس مبدأ اللاتمركز الإداري، كما ينسجم مع توجيهات خطاب العرش بتاريخ 29 يوليوز 2020، الداعي إلى إصلاح القطاع العام ومعالجة اختلالات التدبير المؤسساتي. كما يندرج في إطار تفعيل توصيات الحوار الوطني حول التعمير والإسكان (2022-2023)، التي أكدت على ضرورة توحيد الرؤية العمرانية وتبسيط المساطر وتعزيز فعالية المؤسسات. 1 -الإشكالية التشريعية تعاني المنظومة الحالية من تشتت الصلاحيات بين مختلف المتدخلين (الوكالات الحضرية، الجماعات، العمالات)، مما يؤدي إلى: غياب التنسيق والتكامل؛ تعقيد المساطر وضعف نجاعة الترخيص؛ قصور آليات الزجر والتتبع. وهو ما دفع إلى اقتراح إحداث 12 وكالة جهوية موحدة، تحل محل الوكالات الحضرية الحالية وتضطلع باختصاصات موسعة. 2- المستجدات القانونية والتنظيمية -الطبيعة القانونية للوكالات الجهوية تنص المادة الأولى من مشروع القانون على إحداث مؤسسة عمومية تحت اسم "الوكالة الجهوية للتعمير والإسكان" على صعيد كل جهة من جهات المملكة. تتمتع هذه الوكالات ب: -الشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وتخضع لوصاية الدولة؛ -إمكانية إحداث تمثيليات محلية على صعيد العمالات أو الأقاليم عند الاقتضاء؛ -صلاحية إنشاء شركات تابعة أو المساهمة في مشاريع لها علاقة باختصاصاتها. توسيع المهام والصلاحيات وفق المادة 3، تسند للوكالات المهام التالية: الزجر العمراني: استرجاع صلاحية مراقبة المخالفات في ميدان البناء، ومراقبة مشاريع التجزئات والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، مما يستدعي ملاءمة القانون رقم 12.66 والمرسوم رقم 2.19.409 المتعلق بكيفيات ممارسة مراقبة وزجر المخالفات في ميدان التعمير والبناء مع الوضع الجديد؛ إعداد التراب: إجراء دراسات استشرافية واستراتيجية تراعي المعطى المجالي والخصوصيات الجهوية؛ السياسة السكنية: المشاركة في برامج السكن الاجتماعي ومحاربة السكن غير اللائق؛ الدراسات القبلية: إنجاز تقييم أولي للمشاريع الاستثمارية قبل إيداع طلبات التراخيص. الحكامة الداخلية وآليات التسيير يعتمد المشروع على هيكلة حكامة متقدمة تشمل: مديراً عاماً يُعيَّن من طرف المجلس الحكومي باقتراح من الوزير المكلف بالقطاع طبقا للقوانين و المساطر الجاري بها العمل؛ مجلس إدارة يرأسه الوزير الوصي، ويضم ممثلي السلطات الترابية، رئيس مجلس الجهة، رئيس الجماعة الحاضنة لمقر الجهة، رؤساء الجماعات الترابية المعنية، مدير المركز الجهوي للاستثمار، ممثلي الإدارات الجهوية المحددة بنص تنظيمي، وشخصيتين مستقلتين مشهود لهما بالكفاءة في مجال التعمير والإسكان؛ لجان متخصصة (لجنة الاستراتيجية والاستثمار، لجنة الحكامة، لجنة التدقيق والتقييم)؛ مجالس للتوجيه والتتبع تعنى بالرقابة الاستراتيجية، كما تنص عليه المادتان 7 و8 من المشروع. التحديات القانونية والانتقادات المحتملة -تداخل الصلاحيات بين المتدخلين رغم رغبة المشرّع في توحيد المهام، تظل هناك تساؤلات حول: مدى وضوح حدود التداخل بين الوكالات الجهوية والجماعات الترابية، خاصة في منح الرخص؛ التنسيق العملي مع المراكز الجهوية للاستثمار لتفادي ازدواجية المهام، لا سيما وأن الوكالات الجهوية باتت تملك صلاحية دراسة المشاريع الاستثمارية بشكل قبلي. – الوضعية القانونية للموارد البشرية تنص المادة 16 على نقل المستخدمين من الوكالات الحضرية إلى الوكالات الجهوية، دون التنصيص على ضمانات الحقوق المكتسبة، مما قد يخلق إشكالات في الممارسة. لذا يُستحسن إصدار نظام أساسي موحد، عادل ومحفز لمستخدمي هذه الوكالات. الإطار الزجري والدستوري إسناد مهمة الضبط والزجر العمراني للوكالات الجهوية يطرح إشكالاً دستورياً يرتبط بالفصل 122 من الدستور، الذي يضمن شروط المحاكمة العادلة ويحدد مهام الضابطة القضائية، ما يستدعي تدقيقاً تشريعياً لتفادي الطعون بعدم الدستورية لمحاضر محرّرة من قبل أطر لا يتمتعون بالصفة الضبطية. الخاتمة والتوصيات يمثل مشروع القانون 64.23 خطوة متقدمة نحو إصلاح شامل لمنظومة التعمير والإسكان، ويُكرس منطق اللاتمركز وتجويد التدبير المؤسساتي. على المستوى التشريعي: تحيين النصوص التنظيمية المرتبطة بالتعمير، لا سيما القانون رقم 12.66 والمرسوم الصادر بتاريخ 8 أكتوبر 2019؛ توضيح العلاقة مع الجماعات الترابية. على المستوى المؤسساتي: -تعزيز التنسيق بين المتدخلين؛ -ضمان الشفافية والمساءلة في التدبير؛ -توضيح العلاقات التدبيرية بين الوكالات الجهوية، الجماعات، مراكز الاستثمار، والمصالح الخارجية للوزارة. على المستوى العملي: -تكوين الأطر وتوضيح مهام المراقبة والزجر مع احترام الضمانات الدستورية؛ -تعزيز الحكامة الترابية وتقريب الخدمات من المواطنين؛ -إشراك المجتمع المدني في مراقبة الأداء. أخيرا وليس آخرا، ينبغي أن يكون النقاش البرلماني فرصة لمعالجة الإشكالات المطروحة، وضمان تنزيل سليم لهذا الورش القانوني الهام. (*) باحث في التعمير ورئيس مصلحة بالوكالة الحضرية للعيون الساقية الحمراء