أُسدل الستار مؤخرًا على الدورة البرلمانية لمجلسي النواب والمستشارين، وسط استمرار استنزاف ما تبقى من روح التشريع والعمل البرلماني الجاد، بفعل ممارسات حكومة حولت البرلمان إلى أداة تقنية للتصويت الميكانيكي، منزوع النقاش والعمق السياسي، ومستقيل من دوره الرقابي. لقد أصبح مألوفًا أن يتصدى وزير أو وزيرة لرفض كل المقترحات والتعديلات، دون تمييز بين ما هو صادر عن المعارضة أو عن الأغلبية، وكأن الأمر يتعلق بتصويت شكلي لا يبتغي سوى تمرير ما أعدته الحكومة سلفًا. وهو ما يجعل البرلمان، مع مرور الوقت، مجرد غرفة تسجيل، تحميها أغلبية عددية لا تملك من الحجة غير الانضباط الأعمى. في هذا السياق، تكاد المعارضة تُختزل في حضور رمزي، ما دام الرفض الممنهج هو الجواب الجاهز لكل مبادرة أو مقترح. أما العمل التشاركي، فقد صار استثناءً، وأما النقاش الحقيقي، فغاب لصالح مناخ يغذّي الإحباط، ويضعف الثقة في المؤسسات، ويدفع الناس إلى العزوف بدل المشاركة. الأخطر من ذلك أن محيط هذا الوضع يغذيه إعلام من "المصفقين"، و"المضفّقين"، ممن تحوّلوا إلى شهود زور يبررون الإجهاز على الديمقراطية، ويزيّنون الرداءة، ويخدرون الرأي العام. هؤلاء، بدل أن يرفعوا من منسوب الوعي، يراكمون الوهم ويحوّلون النكوص إلى "إنجاز". ومع اقتراب موعد انتخابي جديد، لا تلوح في الأفق برامج طموحة أو رؤى جديدة قادرة على تصحيح المسار. بل تسود لغة التهديد والتخويف، من قبيل أن الاستثمارات ستتوقف، وأن البلاد ستدخل المجهول إذا لم تستمر نفس الأغلبية في مواقعها، رغم ما أثبتته من تناقضات وارتباك. هذا الخطاب الموجَّه للمغاربة يحمل في طياته استصغارًا لوعيهم، ويعكس هشاشة في الثقة بالنفس لدى من يُفترض أنهم يقودون الشأن العام. أما الأصوات المصفقة، فهي أول من يقفز من السفن الغارقة، تاركة الوطن في مواجهة أزماته الحقيقية. لكن، ورغم كل ذلك، يبقى الوطن بالنسبة لنا هو الجدار الأول والأخير. وطن فوق الأغلبية والمعارضة، وفوق الحسابات الضيقة والمناورات السياسوية. وطن نؤمن بأنه يملك مؤسسات راسخة، قادرة على ضمان الاستمرارية، وصيانة المكتسبات، والتصدي لأي تجاوز أو تطاول على الإرادة الشعبية. إن اليقظة مطلوبة، والضمير الحي ضرورة، حتى لا نترك المجال مفتوحًا أمام الرداءة، وأمام من يريد أن يحوّل السياسة إلى مجرد غنيمة، والديمقراطية إلى واجهة بلا مضمون .