قبل سنوات فقط، لم تكن الغابة الحضرية لمدينة سطات سوى فسحة طبيعية خام، لا تظهر زينتها إلا مع فصل الربيع، حين تتلون نباتاتها بالخضرة وتتنفس الأشجار بكثافة. ومع أنها تبعد حوالي كيلومترين فقط عن مركز المدينة، فإنها كانت بعيدة كل البعد عن اهتمام المجالس المتعاقبة. ومع ذلك، ظلت تستقطب عشاق الطبيعة ممن ألفوا زيارتها وأدمنوا الجلوس في مقهاها المطل على الفضاء. اليوم، تغير المشهد تمامًا. فقد شهدت الغابة عملية إعادة تأهيل شاملة، طالت البنية التحتية من تعبيد للطريق الرئيسية حتى نهايتها، مرورًا بإنشاء أرصفة جديدة، تجهيز مرابد مجانية للسيارات، وتوفير إنارة عمومية على طول المسار. ولم تخلُ هذه الإصلاحات من لمسة فنية، إذ أضيفت صباغات زاهية وألوان متناغمة بعثت الحياة في المكان. ألعاب الأطفال انتشرت بأصناف متنوعة، وأضيفت منطقة جديدة لممارسة الرياضة، جهزت بأحدث الأدوات الرياضية في الهواء الطلق، ما جذب الشباب والكبار على حد سواء. لا يمكن الحديث عن المزامزة دون العودة إلى تاريخها، حين احتضنت فندق «DU PARC» المصنف بأربع نجوم، وسط مساحة غابوية تجاوزت 8 هكتارات. الفندق، الذي كان ملاذًا للمنتخبات والنوادي الرياضية المغربية في تسعينيات القرن الماضي، ضمّ غرفًا وأجنحة، مطعم «La Pinède»، ملهى ليلي، مسبح، ملعب تنس، سبا وساونا… كان أشبه بمدينة مصغرة داخل الغابة، قبل أن تخبو أضواؤه وتندثر مع الزمن. وفي زيارة مساء الأحد الماضي للغابة الحضرية قمنا بزيارة مكان غير بعيد عن الغابة، يبرز فضاء «الغولف الملكي»، الذي تحول بدوره إلى متنفس حيوي يقصده المواطنون من مختلف الأعمار. هناك، في المساحة العشبية الممتدة، يتوزع الزوار في مشاهد عائلية مؤثرة: أطفال يلهون، شباب يؤدون عروضا بهلوانية، أسر تمضي وقتها في لعب الورق أو مشاركة وجبة خفيفة على وقع نسمات الصيف. شهادات من الميدان: في حديث لنا مع (ر.ز)، أحد الزوار المنتظمين للغابة، قال: «التجديد جميل، حتى لو بدا بسيطًا. نحتاج إلى مزيد من المساحات الخضراء العشبية، مثل هذه، أو على الأقل في الأماكن السفلى من الغابة، فهي أكثر استواء وراحة للعائلات.» وعن إشكالية النقل، أضاف: «حبذا لو تم التفكير في وسائل نقل بسيطة واقتصادية، كسيارات الأجرة الكبيرة بثمن رمزي لا يتجاوز 3 أو 4 دراهم، لتسهيل الوصول إلى الغابة، خاصة على الأسر ذات الدخل المحدود.» في لقاء آخر مع زائر ثانٍ، خلُص النقاش إلى ضرورة الحفاظ على هذا المشروع الحضري، واقترح جملة من التوصيات، أبرزها: -إشراك المجتمع المدني والجماعة المحلية في تتبع تنفيذ المشاريع ومراقبة جودة الخدمات. -إنشاء مرافق مرافقة كأكشاك مرخصة، دورات مياه صحية، وحاويات نفايات. -تعزيز التوعية البيئية والتثقيف الصحي بين الزوار. – تنظيم حملات صيانة دورية لتشذيب النباتات ومراقبة صحة الغطاء النباتي. وهكذا، وسط التحديات اليومية التي تعرفها المدن المغربية، تُعيد سطات عبر غابتها الحضرية رسم صورة أكثر توازناً بين الإسمنت والأخضر. غير أن الحفاظ على هذا المكتسب رهين بإرادة جماعية، تضع مصلحة المدينة وبيئتها في قلب الأولويات. فهل تكون «المزامزة» مستقبلاً نموذجًا يُحتذى به وطنياً في إعادة تأهيل الفضاءات الطبيعية؟ بلاً نموذجًا يُحتذى به وطنياً في إعادة تأهيل الفضاءات الطبيعية؟ (*) صحافي متدرب