تشهد الجزائر هذه الأيام حالة من الغليان الشعبي المتزايد، وسط مؤشرات قوية على أن البلاد قد تكون على أعتاب حراك شعبي جديد يعيد إلى الأذهان مشاهد انتفاضة فبراير 2019، التي أطاحت بالرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، بحيت باتت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تنذر بانفجار وشيك، في ظل شعور عام لدى شرائح واسعة من المواطنين بأن ثروات البلاد تُبدّد على حساب احتياجاتهم الأساسية. شعب في الطوابير .. ونظام يصرف المليارات في الوقت الذي يُجبر فيه المواطن الجزائري على الاصطفاف في طوابير طويلة للحصول على مواد أساسية مثل الخبز، الزيت، والحليب، يطالع تقارير رسمية تؤكد ضخ النظام العسكري لمليارات الدولارات لدعم جبهة البوليساريو وتمويل تحركات دبلوماسية في الخارج. هذا التناقض الصارخ بات حديث الشارع، ومصدرًا متجددًا للسخط الشعبي، حيث يرى كثيرون أن الدولة تفضل الاستعراضات الإقليمية والدعم الخارجي على حساب الكرامة المعيشية للمواطن. خطابات تبون .. منابر للسخرية لا للإقناع لم تعد خطابات الرئيس عبد المجيد تبون تحظى بالجدية أو المصداقية لدى قطاعات واسعة من الشعب. بل تحولت إلى مادة للسخرية على منصات التواصل الاجتماعي، حيث توصف بأنها "خطابات غوغائية" تفتقر للعمق وتحمل في طياتها اتهامات متكررة لجهات أجنبية بالتآمر ضد البلاد. وبحسب مراقبين، فإن هذه اللهجة التآمرية لم تعد تقنع الجزائري البسيط، بل يعتبرها محاولة فاشلة لتصدير الأزمات الداخلية وصرف الانتباه عن الانهيار المعيشي الذي يعيشه يوميًا. شرارة الانفجار : فقدان الثقة في كل شيء لم تعد المشكلة في الجزائر اليوم مقتصرة على غلاء الأسعار أو أزمة الحليب والزيت، بل تجاوزت ذلك إلى أزمة ثقة شاملة. فالمواطن الجزائري بات يشعر بأن صوته لا يُسمع، وأن وعود الإصلاح مجرد شعارات جوفاء، والمؤسسات، بما فيها الرئاسة، فقدت جزءًا كبيرًا من شرعيتها أمام أعين الناس، الذين يرون أن القرارات تُتخذ في دوائر مغلقة، لا تمثل الإرادة الشعبية. هل يعود الحراك إلى الشارع؟ ما يجري تداوله حاليًا في الشارع ووسائل الإعلام البديلة، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يشير إلى حالة تعبئة شعبية تتزايد بوتيرة لافتة. الملامح الأولية لحراك جديد بدأت تتشكل في الأحياء الفقيرة، وفي أوساط الشباب العاطلين عن العمل، وحتى في فئات كانت تُعتبر سابقًا محايدة أو موالية، وإذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فإن عودة الحراك إلى الشارع ليست سوى مسألة وقت. الجزائر أمام مفترق طرق اليوم، الجزائر أمام خيارين لا ثالث لهما : إما أن تنفتح السلطة بشكل جدي على مطالب الشعب وتعيد النظر في أولوياتها، أو أن تواجه موجة احتجاجية قد تكون أكثر شراسة ووضوحًا من سابقتها. فالصمت لم يعد خيارًا للشعب، والتجاهل لم يعد ممكنًا من طرف النظام.