في السنوات الأخيرة أطلقت سلطات مدينة طنجة سلسلة من مشاريع البنية التحتية التي تهدف إلى تحديث طرقها، شبكاتها الحيوية، وتجهيزاتها الأساسية، من توسيع محاور مرورية، إلى إعادة تهيئة الأرصفة، وتطوير شبكات الصرف الصحي والماء والكهرباء، كلها أوراش مهمة لا يمكن إنكار ضرورتها في مدينة تتوسع ديموغرافيا وتتهيأ لأحداث دولية كبرى مثل كأس إفريقيا للأمم 2025 ومونديال 2030. ورغم أهمية هذه المشاريع، فإن توقيت انطلاقها أثار استياء واسعا بين الساكنة والتجار وحتى الزوار، فمع اقتراب بداية فصل الصيف، تشهد المدينة توافدا كبيرا للجالية المغربية المقيمة بالخارج، إضافة إلى انتعاش السياحة الداخلية، ما يجعل الشوارع والطرقات تعيش على وقع ازدحام خانق حتى في الأوقات العادية. ومع انطلاق هذه الأشغال بشكل متزامن في عدد من الأحياء والمحاور الحيوية، تحولت طنجة إلى ورشة مفتوحة تتنفس بالكاد، حفر، وتحويلات مرورية غير واضحة، وشوارع مغلقة دون إشعار مسبق، إلى جانب غياب لافتات التوجيه والتنظيم في عدد من النقط، هذه كلها عوامل تجعل التنقل في المدينة أقرب إلى مغامرة يومية. هذا الاختناق المروري اليومي لا يسبب فقط هدرا للوقت، بل يفاقم أيضا من توتر السائقين، ويؤثر سلبا على جودة حياة السكان، أما الزوار خاصة من أفراد الجالية المغربية، فيفاجؤون منذ لحظة وصولهم بواقع فوضوي لا ينسجم مع الصورة الوردية التي يسوق بها للمدينة. وصرح أحد أفراد الجالية المغربية المقيمة بفرنسا، في حديث ل"المغرب 24" خلال زيارته لطنجة: أزور المدينة كل سنة وأحمل لها مكانة خاصة في قلبي لكن هذه السنة الوضع مختلف تمامًا، طنجة تغرق في الفوضى، والأشغال منتشرة في كل زاوية، والتنقل بات مرهقا للغاية، لا أفهم سبب اختيار هذا التوقيت بالذات. هذا الوضع يطرح تساؤلات مشروعة حول غياب رؤية تخطيطية شاملة تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الحركة الموسمية للمدينة. فلماذا لم يتم إطلاق هذه المشاريع في الشتاء، أو على مراحل صغيرة تجنبا للاكتظاظ؟ وأين هو التنسيق بين مختلف المصالح المسؤولة؟ وهل تم فعليا إشراك الساكنة أو إعلامهم بشكل مسبق؟ عدد من الفاعلين المحليين يرون أن المدينة تحتاج فعلا إلى تطوير بنيتها التحتية، لكنها في الوقت ذاته بحاجة إلى حسن التدبير والنجاعة في الإنجاز، لأن العشوائية في التوقيت تهدر الثقة والمردودية معا. ما يزيد من حساسية المرحلة هو أن طنجة مرشحة لاستقبال عدد من التظاهرات القارية والدولية، وعلى رأسها كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، هذه الأشغال يجب أن تصب في خدمة تلك الرهانات، لا أن تسيء لصورة المدينة وتربك زوارها. الرهان ليس فقط على البنية، بل على طريقة التنفيذ، ومواكبة الورش بالتواصل الواضح والفعال مع السكان، وتقديم بدائل حقيقية في مجال التنقل والتنظيم. فالتنمية لا يمكن أن تنتظر، لكن لا يجب أيضا أن تكون على حساب راحة الناس، ولا أن تنفذ بعقلية استعجالية غير مدروسة، المطلوب من سلطات طنجة ومجالسها المنتخبة هو تبني مقاربة تواصلية وتدبيرية متكاملة، تراعي التوقيت، الظروف، وسلوكيات التنقل، فالمدينة ليست فقط طرقا وأرصفة، إنها نبض بشري يحتاج إلى احترام وتقدير في كل ورش يطلق باسمه.