في عالم يتغير بسرعة غير مسبوقة، يواصل الذكاء الاصطناعي فرض حضوره على المشهد الإعلامي العالمي، فيسبح الصحافيون والمؤسسات الإعلامية في بحر من الإمكانات والفرص، بينما تتنامى الأسئلة والتحديات حول حدود هذا التحول. فالتطبيقات الذكية مثل "غوغل تريندز"، و"جي بي تي"، و"ديب سيك"، و"كلود"، و"غروك" وغيرها، أصبحت تغير يومًا بعد آخر أساليب العمل الصحفي، بفضل ما توفره من سرعة ودقة وخفض للتكاليف. يكفي نقرة واحدة لإنشاء تقارير ومواد إخبارية كانت تتطلب ساعات طويلة، إلى جانب تتبع المواضيع الرائجة وتحليل سلوك الجمهور وتقديم محتوى موجه بشكل أكبر. ولا تقف إمكانات الذكاء الاصطناعي عند الكتابة والتحرير فقط، بل تشمل تصنيف المحتويات والكشف عن المضامين الحساسة وتحسين إدارة الترددات الإذاعية، فضلًا عن إنشاء الصور والفيديوهات من أوصاف نصية، ما يقلل الحاجة إلى جلسات تصوير مكلفة أو عمليات ما بعد الإنتاج. هذا التحول دفع مؤسسات كبرى لخوض التجربة. صحيفة "إيل فوليو" الإيطالية أصدرت طبعة كاملة بالذكاء الاصطناعي رفعت مبيعاتها بنسبة 60% في يومها الأول. أما "الإندبندنت" البريطانية فاعتمدت على الذكاء الاصطناعي في إعداد ملخصات مع إبقاء المراجعة البشرية، فيما أطلقت "واشنطن بوست" خدمة دردشة مع القراء. لكن في المغرب، ورغم إدراك المهنيين لأهمية هذا التحول، تشير دراسة للمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري إلى محدودية الاستعداد لاستخدام هذه التقنيات بسبب غياب بيئة مؤسساتية ملائمة وتكوين متخصص. وتوضح نرجس الرغاي، عضو المجلس، أن هذا التحول يتطلب تشريعات واضحة واستثمارات في البنية الرقمية وتأهيل الكفاءات الصحفية. الرسالة واضحة : المطلوب ليس رفض الذكاء الاصطناعي ولا التسليم الكامل له، بل التعامل معه كأداة قوية تخدم الصحافة وتبقى في يد الصحافي لا العكس، حتى يستمر الإعلام في أداء دوره الإنساني والمجتمعي.