عبّو، الذي هو أنا، وأعوذ بالله من قولة أنا، مجاز عاطل في الثلاثين من العمر. أمضيت سنوات طويلة أدرس وأستدين من أجل الحصول على وظيفة في نهاية المطاف، غير أن المطاف انتهى بي عاطلا أجوب الأزقة والشوارع وأضع طلبات العمل في كل مكان تقريبا. شاركت في كل المظاهرات والاحتجاجات والوقفات والجلسات، وانخرطت في أحزاب وجمعيات وتحدثت في السياسة والفلسفة وهتفت ورفعت الشعارات وأنزلتها، لكن في النهاية أعود إلى نقطة الصفر. من الصفر البدء وإليه المنتهى. صديقي قبّو رجل أحمق. ربما يجب أن أقول إنه شبه أحمق حتى تكون العبارة أدق، لأنه يستغل عطالتي لكي يقترح علي أعمالا لا تتناسب إطلاقا مع مواهبي، مع ألا مواهب لدي غير ملء الكلمات المتقاطعة والنوم حتى الظهر. أنا لم أختر هذه المواهب لأنها مفروضة علي. الكلمات المتقاطعة أصبحت واحدا من جهابذتها وصار زبناء المقهى يلجؤون إلي باستمرار لكي أحل لهم ألغازها، أما النوم حتى ساعات الصباح فسببه أني أصبحت مدمنا على الأفلام البوليسية وأفلام الرعب والخيال العلمي. أكره الأفلام الرومانسية لأنها لا تتناسب مع حال البطالة التي أعيشها. صديقي قبّو يعرف إدماني على السينما، لذلك اقترح علي أن ألعب دور كومبارس في فيلم أجنبي سيجري تصويره في المغرب. ضحكت في البداية من هذا الاقتراح ووصفت صديقي بالجنون، لكنه رد علي بأنه لا يوجد مجنون في العالم سواي، لأن لعب دور كومبارس في هذا الفيلم ثمنه 500 درهم في نصف يوم، وهذه فرصة لا يمكن العثور عليها باستمرار. سألت صديقي عن طبيعة الكومبارس، وهل يجب أن نلعب دور المتسولين أو الحمقى أو اللصوص أو الغوغاء، لأن هذه الأدوار هي التي يلعبها الكومبارس في المغرب باستمرار، فقال لي إنني سأتقمص دور الإمبراطور الروماني نيرون.. ثم ضحك بقهقهة فظيعة وانقطع الخط. أعرف أنه يمزح في قضية نيرون. بعد ساعة عاد قبّو واتصل من جديد وقال لي إنني يجب أن أكون غدا في العاشرة صباحا قرب فندق معروف في المدينة ومعي صورة كاملة، أي أن أظهر فيها كاملا حتى يعرف المخرج في أي مشهد يضعني. وبما أنني رجل عملي وخبير محترف في الكلمات المتقاطعة، فقد قررت اختيار أحسن صورة لي وأنا واقف مثل الفرعون خوفو، ونمت في انتظار الصباح، أو بعبارة أصح حاولت أن أنام. الصباح عادة ما يتأخر في مثل هذه الحالات، أي عندما نكون في حاجة إليه، لذلك عوض أن أنام في ساعات الصباح الأولى كما أفعل دائما، فإنني لم أنم سوى ساعة أو نصف ساعة، وخلال هذا الوقت الوجيز رأيت نفسي في حلم غريب. بمجرد أن غفوت رأيت نفسي ألبس لباس القياصرة الرومان، وفوق رأسي تاج مرصع بالذهب والفضة والجواهر، وحولي قادة الجيش وأعضاء مجلس الشيوخ، وعلى الطرقات شعب بأكمله يهتف لي، والناس يلوحون ويصرخون «عاش الإمبراطور.. عاش القيصر»، فلم أعرف هل أنا إمبراطور أم قيصر أم هما معا. كانت العربة التي أسير فوقها مزينة بلون الذهب ومغطاة بالورد من كل جانب، وكلما وصلنا إلى شارع جديد إلا ووجدنا كبار القوم وعليتهم وهم ينحنون لي، وأحيانا يحاولون الاقتراب مني لكي يقبلوا يدي فأحس بالرعب لأني لا أريد أن يسجل علي التاريخ أني أول حاكم كرس نظام تقبيل الأيدي. كنت أسير مزهوا على عربة الأباطرة وأنا ألوح بعصا الحكم المرصعة باللآلئ والجواهر. فجأة حدث ما لا تحمد عقباه وهجم علي شخص من رعاياي الأوفياء وهو يكاد ينفجر من الغضب وأراد أن يسلبني عصا الحكم. كان يمسك بها بقوة وأنا أحاول تخليصها منه. بدأ الرجل يدفعني ويرجني بقوة والناس في هرج ومرج، وفجأة سمعت صوت امرأة تعنفني وتقول لي إني صرت مثل شكارة الفول من كثرة النوم. فتحت عيني فوجدت أمي ترجني بقوة لكي أستيقظ وهي تحاول أن تأخذ مني جهاز التيليكوموند الذي كنت أمسك به بقوة، يعني عصا الحكم المرصع بالجواهر. يا له من حلم.