انطلاق أشغال أول منتدى برلماني اقتصادي موريتاني مغربي    نائبة أخنوش تعتذر عن إساءتها لساكنة أكادير.. وممثل ال "العدالة والتنمية" في أكادير يطالب "الرئيس الغائب" بتحمل مسؤليته    "نقابة FNE" تكشف تفاصيل الحوار    مُذكِّرات    مجلس المنافسة يحقق في تواطؤ محتمل بين فاعلين بسوق السردين الصناعي دام 20 عامًا    باكستان تعلن إسقاط 77 طائرة مسيّرة هندية خلال يومين    في أول قداس يرأسه… البابا ليون الرابع عشر يبدي أسفه لتراجع الإيمان أمام "المال والسلطة"    ألونسو يترك ليفركوزن وسط أنباء عن انتقاله لريال مدريد    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للمرة الثالثة    أجواء معتدلة غدا السبت والحرارة تلامس 30 درجة في عدد من المدن    قضية القاضي نجيم بنسامي ضد هشام جيراندو.. تهديدات بالتصفية عبر الإنترنت وعقوبة بالسجن 15 سنة    الناصيري متهما المالي وشوقي: "سيدنا كيدير خدمة مزيانة فإفريقيا وهاد الناس باغين يضربو كلشي فالزيرو"    لتعزيز التنوع البيولوجي.. المغرب يحدث 8 محميات بحرية على سواحله المتوسطية والأطلسية    نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي..    مباحثات حول هدنة في غزة جرت هذا الأسبوع مع الوسطاء    بوريطة يطمئن مغاربة هولندا: لا خوف على حقوق 400 ألف مغربي رغم تغيّر الحكومة    انعقاد الاجتماع الوزاري المقبل للدول الإفريقية الأطلسية في شتنبر المقبل بنيويورك    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    سباق اللقب يشتعل في الكامب نو والكلاسيكو يحدد ملامح بطل الليغا    حكيم زياش يتصدر العناوين في قطر قبل نهائي الكأس    منتدى البحر 2025: رهانات حماية المحيطات والتنوع البيولوجي البحري محور نقاش بالجديدة    "كوسومار" تستهدف إنتاج 600 ألف طن من السكر بحلول 2026    سؤال في قلب الأزمة السياسية والأخلاقية    فاس.. مصرع 9 أشخاص جراء انهيار بناية سكنية من عدة طوابق    ضحايا ومصابون في حادث انهيار مبنى سكني بحي الحسني بفاس    تطورات مأساة فاس.. ارتفاع عدد القتلى إلى 9 والمصالح تواصل البحث تحت الأنقاض    توقيف شخصين بالبيضاء بشبهة ارتكاب عمليات سرقة مقرونة بالتهديد    غضب على بنكيران بسبب رفضه تأسيس حزب أمازيغي    برلماني يطالب باختصاصات تقريرية لغرف الصناعة التقليدية    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    البطولة الاحترافية.. الجيش الملكي يتشبث بمركز الوصافة المؤهل إلى دوري أبطال إفريقيا    كيم جونغ يشرف على تدريبات نووية    الذهب يصعد وسط عمليات شراء وترقب محادثات التجارة بين أمريكا والصين    الأمم المتحدة-أهداف التنمية المستدامة.. هلال يشارك بنيويورك في رئاسة منتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للعلوم والتكنولوجيا والابتكار    في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة وتصاعب المطالب بوقف التطبيع.. إسرائيل تصادق على اتفاقية النقل البحري مع المغرب    "مؤثِّرات بلا حدود".. من نشر الخصومات الأسرية إلى الترويج للوهم تحت غطاء الشهرة!    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    أسبوع القفطان بمراكش يكرم الحرفيين ويستعرض تنوع الصحراء المغربية    مواجهة حاسمة بين المغرب التطواني وشباب السوالم لتحديد النازل الثاني للقسم الوطني الثاني    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الشعر الحساني النسائي حاضر في فعاليات الدورة ال18 لموسم طانطان 2025    وزير التشغيل والكفاءات يكشف إجراءات تفعيل العمل عن بعد بالمغرب    كرة القدم داخل القاعة لأقل من 19 سنة.. المنتخب المغربي يتعادل مع نظيره الإسباني (6-6)    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    أتاي مهاجر".. سفير الشاي المغربي يواصل تألقه في "معرض ميلانو" ويعتلي عرش الضيافة الأصيلة    الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    «أول مرة»… مصطفى عليوة يطلق عرضه الكوميدي الأول ويعد الجمهور بليلة استثنائية من الضحك    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقف العربي و المد الثوري
نشر في المساء يوم 16 - 09 - 2011


1 عوض الصحوة لا بد من القول بالتجديد
عوض استعمال كلمة «الصحوة» التي تدل عند كثير من الصحافيين والمتتبعين الغربيين على ما اصطلحوا على تسميته
في لغتهم بReveille de l Islam، لا بد من استعمال كلمة «التجديد الإسلامي» كمفهوم إسلامي لا يتضمن في المقام الأول الفعل اللساني من خطابة ووعظ وإرشاد، كما لا يتضمن مجرد الصخب والضجيج بالأصوات والأيدي والعضلات، وإنما يتضمن أولا وقبل كل شيء تجديدا على مستوى «الفعل العقلي» القائم على الضبط والتنظيم والحساب للخطوات والتقليص المستمر لدوائر المصادفات والمفاجآت. والحجة التي يستند إليها الجابري في تفسير وتبرير التجديد العقلي أمران:
أولهما، تمييز الشاطبي في البدع بين ما هو من قبيل العبادات والأصول الضرورية التي يقوم عليها الدين الإسلامي في العبادات والمعاملات والتي لا يمسها التجديدن وبين ما هو من مقتضيات الحياة وتطورها التي لا بد فيها من التجديد.
وثانيهما أننا نعيش في حضارة غربية تتحدانا في جميع الميادين الفكرية والأخلاقية والعلمية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
والتجديد، انطلاقا من هذا الطرح العقلي، مقترن بالاجتهاد لأن قوامه استفراغ للوسع في تحصيل العلم بأحكام الشريعة على وجه يحس المجتهد من نفسه بالعجز عن المزيد؛ فالاجتهاد جهد فكري، والجهد الفكري لا يكون بدون قدرة منهجية على ممارسته. وهذا ما أدركه الجابري إدراكا تاما في إقراره الواضح بأن الاجتهاد ليس مجرد استحضار للنصوص المنقولة من الشريعة، كما أنه ليس مجرد رواية للنوازل السالفة؛ كلاّ، الاجتهاد «منهج» يواكب من خلاله المجتهد معطيات الحياة ومستجداتها، والمنهج بطبيعته يتكون ويبنى أثناء الممارسة ويتطور وينمو بعدها؛ ولا سبيل إلى ذلك بدون تجديد للعقل، وتجديد هذا العقل يكون بانفتاح المجتهد. قال الجابري: «انفتاح العقل يبدأ بالانفتاح على الحياة، على المعطيات الجديدة التي تحملها معها والقوانين التي تحكم تطورها... وما ينقص الغالبية العظمى من علماء الإسلام اليوم هو القدرة على الاجتهاد المواكب للحياة، أما الاجتهاد الذي تخطته الحياة فهو لا ينفع الحاضر، والماضي في غنى عنه».
ولا بد مع الانفتاح من الانطلاق من أصول الشريعة ومقاصدها، وذلك بسلوك بابين عظيمين:
باب أول يمثله مبحث أسباب النزول، «وهذا باب عظيم واسع يفتح المجال واسعا لإضفاء المعقولية على الأحكام بصورة تجعل الاجتهاد في تطبيقها وتنويع التطبيق باختلاف الأحوال وتغير الأوضاع أمرا ميسورا».
وباب ثان يمثله النظر في القواعد الأصولية والفقهية في ضوء ثابتين مفصليين: ثابت الضروريات والحاجيات والتحسينيات المصالح المقصودة في الشريعة. وهو لعمري شرط أساسي في المجتهد عند الشاطبي. وثابت الوعي بنسبية تطبيق الأحكام في شريعة الإسلام، ليس فحسب في زماننا الراهن وإنما في كل زمان ومكان، فالشريعة لم تنزل دفعة واحدة، بل وحتى عندما انتقل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفيق الأعلى كان بُعد النسبية حاضرا في أقرب الأوقات إلى عصر النبوة والخلافة الراشدة؛ يبدو ذلك في هذا الحوار الذي جرى بين عمر بن عبد العزيز وابنه عبد الملك الذي قال لأبيه يوما: «ما لك لا تنفذ الأمور، فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق؟»، فقال الأب: «لا تعجل يا بني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة. وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة». لا يخفى أن الوعي بالنسبية يمكن الفقيه من التبصر بحدود أي «تطبيق للشريعة»، فيضع بذلك أي تطبيق للأحكام الشرعية في حجمه الحقيقي وفي إطاره الموضوعي.
2 القول بالخلف الصالح لزماننا عوض القول بالسلف الصالح لزمانهم
إذا كان من البديهي القول إن السلف الصالح كان صالحا لزمانه، فإنه يتعين على الخلف أن يكون صالحا لهذا الزمان الذي نعيشه ونعيش فيه نحن أبناء القرن الحادي والعشرين. وهذا مبلغ الفهم الدقيق والمقاصدي ل«السلفية» لأن صاحبه يرى فيها، سواء كحركة أو كمنهج، تجسيدا صادقا لمظهر من مظاهر الإصلاح في تاريخ التجربة الحضارية التي مرت منها المجتمعات الإسلامية.. وهنا تبرز قوة الربط الذي يقيمه الجابري بين السلفية والإصلاحية، سواء في المشرق أو تجربة الحركة الوطنية المغربية.
إن النسبة إلى السلف في كلمة «السلفية» تأخذ شرعيتها وتستمد بمدى التزام السلفي بمنهجية تجعل المصالح المقصودة في الإسلام هي ما يحدد قبلته ويرسم وجهته. نحن نقول، مثلا، «السلف الصالح»، أي هؤلاء الذين تقدمونا وسبقونا في الوجود التاريخي والزمني، وكانوا صالحين ومصلحين، أي كانوا على أوصاف تتسق مع المصالح المقصودة في الدين. ومعيار الإصلاح المنسوب إلى «السلفية» لا يتجسد في انتمائها إلى هذه المرحلة أو تلك من المراحل الزمنية المباركة أو غير المباركة التي مرت منها الأمة الإسلامية؛ كلاّ، إن معيار الإصلاح في مفهوم «السلفية» متجسد في نوع ودرجة الالتزام بمنهجية تجعل المسلمين في الوقت الراهن قادرين على الانتساب إلى زمانهم هم، يعالجون مشاكلهم بالأساليب التي تتناغم وتنسجم مع عصرهم.
ليس المشكل في «السلفية» كمصطلح لأن المطلوب في جميع الأحوال بناء خلف متجدد في فكره وفي فقه وفي سلوكه وفي اجتهاداته سيتحول بمنطق التاريخ إلى سلف سيحكم التاريخ والخلف بمدى صلاحه أو فساده. وقديما، امتدح الشاطبي مسلكه في الموافقات واعتبره مسلكا موافقا للسلف المختار. وفي هذا الصدد، قال عن مسلكه: «إنه، بحمد الله، أمر قررته الآيات والأخبار وشد معاقده السلف الأخيار».
المشكل محصور في مدى أهلية الخلف لكي يكون صالحا، لا لزمان السلف، ولكن لزمانه هو؛ وهو ما عبر عنه الجابري تعبيرا دقيقا وبليغا في قوله: «المسألة المطروحة، والتي يجب طرحها دائما، هي مسألة ما إذا كان المسلمون صالحين لزمانهم، أي قادرين على أن يعيشوا عصرهم، على أن يدشنوا «سيرة» جديدة تكمل «سيرة السلف» القديمة، وتجعل منها واقعا حيا صالحا لأن تستلهمه الأجيال المقبلة في بناء «سيرت»ها الخاصة».
والحاصل أنني لا أعني من عرضي لهذين القولين اللذين يؤسسان مباحث قسم تطبيق الشريعة في كتاب «وجهة نظر» للجابري أنني أسلم، بدوغمائية ووثوقية، بكل وجهات نظره، رحمه الله؛ كلا، ليس الأمر كذلك لأن ثقافة العمل الإيجابي علمتني وتعلمني دائما أنه ينبغي علينا دائما أن نلتفت، باعتبارنا قراء ومقومين، إلى ما يبني ويكمل قبل أن ننبه إلى ما يهدم وينتقص. وهكذا وانطلاقا من إيماني الراسخ بجدوى هذه الثقافة العملية الإيجابية، فإنني أبدي اعتراضي على نقطتين مفصليتين في مباحث هذا الكتاب:
1 - إنني بقدر ما أوافق الجابري على طرحه العقلاني للتجديد، فإنني أنبه في الوقت نفسه إلى أن التجديد في الإسلام ينبغي أن يكون مبنيا على نظرية نقدية يقول صاحبها أو يريد أن يقول: إن التجديد وعي نقدي مستأنف تتحدد أطره المنهجية وتبنى معارفه العلمية بنظرية يجب أن نستحضرها، بهذه الدرجة أو تلك، في تجديدنا لخطابنا ولسلوكنا الإسلامي. وتكتنز هذه النظرية وعيا بالذات بقدرما يستلزم محاسبتها محاسبة مستمرة تكتنز أيضا وعيا علميا بواقعها، يستوجب تفاعلا إيجابيا مع معطياته المختلفة. ومن أهم ما يثمره الوعي العلمي بالواقع عدم الوقوع في مهاوي التطرف لأنه آفة لا تعمي صاحبها وتحجب عنه الحقائق الموضوعية فحسب، بل تجعله يتفاعل مع معطيات واقعه الذي يحتضنه تفاعلا سلبيا: إما بإنكاره والقفز الموهوم عليه واعتزاله، وإما بالاستسلام التام لإكراهاته والخضوع المطلق لمغرياته.
2 - بقدر ما أوافق الأستاذ الجابري على طرحه المستقبلي والمقاصدي للسلفية فإنني أتحفظ، بل أعترض على دعوته إلى التخلي عن منطق السلفيين الذي يقوم على مبدأ الدنيا مجرد قنطرة إلى الآخرة. هل هذا منطق يمكن أن يؤدي وظيفة ناجعة في هذا العصر؟ ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى الجابري لأنه قاصر ومحدود واستنفد أغراضه. قال الأستاذ محمد عابد الجابري: «أدى هذا المنطق وظيفته يوم كان العصر عصر إيمان فقط، وليس عصر علم وتقنية وإيديولوجيات».
وفي نظري، فإن «منطق الدنيا مجرد قنطرة إلى الآخرة» فعال وناجع في كل العصور، لكن بشرط أن نهتم بالقنطرة الدنيوية فنقوي أركانها ونشيد أعمدتها وبنيانها على أساس من العلم الدقيق، وعلى أساس من الخبرة المتخصصة بمكونات القنطرة التي سنمر عبرها إلى الآخرة. لا ننسى أن القرآن الكريم يدعونا إلى أن نريد الآخرة، نعم لا شك في ذلك، لكنه يدعونا في الوقت ذاته إلى أن نسعى غليها بسعي دنيوي يلتحم في بنائه الإيمان بالله مع العمل الصالح والخلاق. إن سعي المؤمن إلى الآخرة لا يكون بتطليق الدنيا لقوله تعالى: «ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا»، (سورة الإسراء، الآية 19). وجملة «وهو مؤمن» في الآية السابقة إسمية لدلالتها على تمكن الإيمان. ليس في هذا المنطق أي تطليق للدنيا، هي «قنطرة» أو محطة خلقت للإنسان، وخلق هو لها ليفيد منها ويعمرها ويستمتع بمباهجها. وكل ذلك محتاج إلى تنظيم، وكل ذلك مفتقر إلى تقنين جاءت شريعة الإسلام لضبطه وتهيئته.
انتهى/


إسماعيل الحسني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.