إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    فريق يوسفية برشيد يتعادل مع "الماط"    مدرب بركان يعلق على مواجهة الزمالك    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    مرصد يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    مكناس.. اختتام فعاليات الدورة ال16 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    البطولة: المغرب التطواني يضمن البقاء ضمن فرق قسم الصفوة وبرشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    كلمة هامة للأمين العام لحزب الاستقلال في الجلسة الختامية للمؤتمر    طنجة تسجل أعلى نسبة من التساقطات المطرية خلال 24 ساعة الماضية    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك للقفز على الحواجز    اتحاد العاصمة ما بغاوش يطلعو يديرو التسخينات قبل ماتش بركان.. واش ناويين ما يلعبوش    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    أشرف حكيمي بطلا للدوري الفرنسي رفقة باريس سان جيرمان    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    حماس تنفي خروج بعض قادتها من غزة ضمن "صفقة الهدنة"    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة واعتراض السبيل وحيازة أقراص مخدرة    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    بيدرو سانشيز، لا ترحل..    محكمة لاهاي تستعد لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو وفقا لصحيفة اسرائيلية    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار المظاهرات المنددة بحرب إسرائيل على غزة    بيع ساعة جَيب لأغنى ركاب "تايتانيك" ب1,46 مليون دولار    بلوكاج اللجنة التنفيذية فمؤتمر الاستقلال.. لائحة مهددة بالرفض غاتحط لأعضاء المجلس الوطني    العسكر الجزائري يمنع مشاركة منتخب الجمباز في بطولة المغرب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية جيل ستاين في احتجاجات مؤيدة لفلسطين    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأطلس المتوسط.. مغاربة يعيشون تحت «رحمة» الثلوج
همهم المشترك هو «الطريق» التي يعتبرونها السبيل الوحيد لفك العزلة عنهم
نشر في المساء يوم 09 - 02 - 2012

«أبريد» و«البرد».. لا تشترك هاتان الكلمتان في الجذر اللغوي فقط، بل إنهما تشتركان أيضا في كونهما سبب معاناة سكان العديد
من المناطق في جبال الأطلس المتوسط.. ف»أبريد» (الطريق) حلم تحوّلَ، بمرور الوقت، إلى كابوس يقضّ مضجع السكان، أما «البرد»، الذي تعيش تحت رحمته كل مناطق المملكة هذه الأيام، فإنه يعني، من بين ما يعنيه، بالنسبة إلى سكان تلك المناطق، شظف العيش والعزلة عن العالم الخارجي، في ظل غياب أبسط متطلبات الحياة، فسوء الأحوال الجوية يرمي بدواوير المنطقة في «غياهب النسيان» ويجعلها تحت رحمة الثلوج التي تقطع عنها الطرق، أما المسؤولون فهم في «دار غفلون»، كما يقول سكان «المغرب العميق».
«المساء» اقتربت في تحقيق هذا الأسبوع من معاناة سكان بعض المناطق في جبال الأطلس المتوسط وأعطتهم الكلمة ليبثوا شكواهم إلى من يهمهم الأمر، لعل التفاتة تنهي آلامهم وتخرجهم من «حياة القرون الوسطى»، فتوفر لهم «الطريق»، التي تفك العزلة عنهم وتجعلهم يلتحقون بركب القرن ال12.
لا يكاد المرء هذه الأيام يلتقي صديقا أو قريبا أو يشاهد نشرة أخبار أو يطالع مقالا في أحد المنابر الإعلامية إلا ويكون محور النقاش هو موجة البرد القارس التي تجتاح المغرب وانخفاض درجات الحرارة، الذي تعرفه ربوع المملكة.. لكن هذا النقاش سرعان ما ينتهي عند ضرورة توخي الحذر واتخاذ الاحتياطات الضرورية. أما في مناطق المغرب العميق، فإن الأمر يختلف كثيرا جدا، فمع قدوم فصل الشتاء، تبدأ معاناة سكان الأطلس المتوسط، خاصة في الجبال، مع قسوة الطقس، وهي المعاناة التي تكبر بسبب ضعف البنية التحتية وقلة الإمكانيات ولا مبالاة المسؤولين، وهو ما يجعل سكان المنطقة عرضة للجوع والمرض.
ولعل هذه المعاناة تعرف ذروتها هذه الأيام مع التساقطات الثلجية المهمة التي تعرفها المنطقة، والتي يقول السكان إن سمكها قد يصل إلى ما يزيد على ال50 سنتيمترا، لتختفي شاعرية البياض التي تسحر السياح وهم يتمتعون بمنظر الثلوج وهي ترقد بدلال على قمم الجبال وسفوحها، فتبعث الحياة في نفس المشاهد بمنظرها الخلاب، لكنها تقتل، في المقابل، الحياة في نفوس ساكنة هذه المناطق، التي تصبح في مثل هاته الأيام من كل عام شبيهة بجزر متناثرة، يصعب الخروج منها أو الدخول إليها، لتصبح فيها الحياة مستحيلة، إلا على سكان أبَوا على أنفسهم الهزيمة وما زالوا يقاومون قسوة الظروف الطبيعية و»قلوب» المسؤولين..
قرية «تيقجوين»
كان الجو باردا، كما هو الحال هذه الأيام، عندما قررت «المساء» زيارة المنطقة والاطلاع على الظروف التي يعيش فيها السكان. بعد أن تجاوزنا مدينة خنيفرة على الطريق الوطنية في اتجاه ميدلت، استدرنا يمينا، عبر دوار «تمدغاس»، وبعد أن قطعت السيارة حوالي 28 كيلومترا، بدأت الطريق تضيق وبدت في حالة متدهورة جدا، وهي الطريق التي يقول كبار السن هنا إنها «من أيام الاستعمار».
استمررنا في المسير، رغم وعورة المسالك الطرقية، إلى أن بلغنا دوار «تيقجوين» (آيت حنيني)، الذي تفصله حوالي 70 كيلومترا عن مدينة خنيفرة، حيث انحسرت الطريق ولم يعد بإمكاننا مواصلة السير..
عندما وصلنا إلى القرية، تحلّقَ حولنا عدد كبير من السكان، الذين أخبرنا أحد مرافقينا إنهم يفرحون برؤية الإعلاميين أكثر من فرحهم بملاقاة أحد المسؤولين.. لأنهم واثقون، على الأقل، من أن الإعلاميين سينقلون معاناتهم إلى الرأي العام، على خلاف المسؤولين، الذين لا يرونهم، وإلى غْلطو وزارونا راهْ ما كايدّيها فينا حد».
أبان سكان المنطقة، على عكس ما قد يتبادر إلى الأذهان، ورغم بساطتهم، عن وعي كبير وإلمام بمشاكلهم، بل وحتى حلولها في بعض الأحيان. كما أن قدرتهم على التواصل مع مخاطَبهم كانت مثيرة للاهتمام، حيث حاولوا، بلهجتهم المحلية (الأمازيغية) المختلطة بالكثير من العامية المغربية (رأفة بحالنا) بث شكواهم ووصف قسوة عيشهم، وهو الوصف الذي كانوا، في بعض الأحيان، يلجؤون فيه إلى «السخرية السوداء»، حتى يثبتوا أن عزلتهم «القسرية»، وإن كانت قد تمكنت من جعلهم يعيشون حياة «القرون الوسطى»، فإنها لم تستطع أن تمنعهم من مواكبة ما يحدث في القرن ال21.
«تيقجوين» قرية تقطن بها حوالي 460 أسرة، يسكن أغلبها، على غرار سكان جل دواوير الأطلس المتوسط، في بيوت هشة، أشبه ب»الأكواخ»، بُنيت من طين وخشب، وهي قرية يقول سكانها إنها معزولة حتى في عز الصيف، بسبب التهميش، لكن الحياة تكاد تُشَلّ فيها في موسم الشتاء، بسبب أوضاعها القاسية، إذ رغم أنه تم ربطها بالكهرباء حديثا، فإن غياب الطرق والمستوصفات والمدارس يجعلها معزولة عن محيطها، وهي العزلة التي يفاقمها ضعف التغطية الهاتفية في المنطقة.
ما يزيد حيرة السكان هنا هو أن مسالك منطقتهم ليست جبلية يصعب شق طرق معبدة فيها، فأغلب مسالكها منبسطة، لكن ما يجعلها وعرة هو لا مبالاة المسؤولين، التي تشكل أرضية خصبة للظروف المناخية من أجل قطع المنطقة عن بقية العالم.
في «تيقجوين»، كما في سائر مناطق المغرب العميق، تعيش النساء حياة صعبة جدا ويتكبدن عناء القيام بأشغال شاقة، بل إنهن أهم «مستهدَف» بالعزلة التي تعيشها المنطقة، إذ إضافة إلى ما يعانينه من أجل تدبير أمور بيوتهن، فإنهن يساهمن في أعمال الفلاحة ويتكبدن عناء جمع حطب التدفئة، إلى غير ذلك من الأعمال الكثيرة التي تقع على عاتقهن.. باختصار، إنها حياة لا علاقة لها ب»ما يتحدث عنه المسؤولون من حقوق للمرأة والاحتفال بيومها العالمي، إذ هي مجرد شعارات جوفاء، فليست هناك حقوق للمرأة ولا حقوق للإنسان في هذه المنطقة»، يقول مصطفى العلاوي، الفاعل الحقوقي ورئيس جمعية الكسابة للتنمية والمحافظة على البيئة والغابة في دوار «تيقجوين».
تقول سيدة عجوز التقيناها في طريقنا: «ما زلتُ، رغم كبر سني، أجلب الماء من «الساقية»، وقد وجدتموني أستعد لوضع الدلاء فوق الحمار من أجل هذا الغرض»، وأضافت: «نعيش في محنة هنا، خصوصا نحن النساء، فإذا مرضت إحدانا، يضطر السكان إلى حملها على إحدى البهائم صوب «تيقجوين»، التي تبعد عنا ب8 كيلومترات، ثم يتم وضعها فوق الجرار لتُنقَل صوب المستشفى.. محننا كثيرة، ونطلب من المسؤولين الرأفة بنا والتخفيف من معاناتنا.. ونتمنى من الله أن ينصر ملكنا محمدا السادس»..
«غاديين عند سيدنا»..
بينما كنا مستغرقين في الحديث مع السكان حول مشاكل القرية، وردنا خبر خروج سكان مجموعة من الدواوير في مسيرة احتجاجية، مما فرض علينا التحرك، صحبة أحد سكان المنطقة، لنستطلع الأمر. ونحن في الطريق، شاهدنا مجموعة من الأشخاص يسيرون بين الجبال، فأخبرنا مرافقنا أن الأمر يتعلق ببعض المشاركين في المسيرة.. حاولنا الاقتراب منهم بسرعة، لكن وعورة المسالك اضطرتنا إلى التروي، حيث حثّنا ابن المنطقة على توخي الحذر، مخافة أن تزلّ قدم أحدنا فيحدث ما لا تحمد عقباه..
فجأة، توقفت المسيرة، وهو ما مكننا من اللحاق بها، وعند وصولنا، وجدنا رجال الدرك والقوات المساعدة ورجال أمن بزي مدني يحاولون ثني المحتجين عن مواصلة مسيرتهم.. كان بين رجال السلطة قائدان شابان ورئيس الدائرة الأمنية، وكان القائدان يتعاملان مع المحتجين بفظاظة ملحوظة ويحاولان منعهم بالقوة، وبدا أنهما «لا يتحليان بثقافة الحوار»، حسب تعبير أحد أعوان السلطة، الذي طلب منا عدم الكشف عن اسمه، والذي استطرد قائلا إن «سلوك المسؤولين الشابين يظهر أنهما لا يعرفان المنطقة وطباع سكانها جيدا، كما يتنافى مع التوجه الجديد للدولة، الذي يجعل القائد عنصرا أساسيا في التنمية».
بعد علمهم بحضور الصحافة، تغيرت المعادلة بالنسبة إلى المحتجين، حيث أحسوا أن السلطات لن تستطيع منعهم بالقوة في حضورنا.. وحتى إذا منعتهم، فإن ذلك سيكون عن طريق الحوار والمفاوضات.. بناء على المعطيات الجديدة، بدأ المشاركون في رفع الشعارات والهتاف بمطالبهم، في تجاهل تام لوجود السلطات.
عندما اقتربنا من المحتجين، سألنا بعض ممثليهم عن عددهم وسبب خروجهم، فأخبرونا أنهم حوالي 600 شخص قرروا الاحتجاج على التهميش بطريقتهم الخاصة.. مسيرة على الأقدام في هذه المسالك الوعرة والظروف المناخية القاسية. وعندما سألناهم عن وجهتهم، كان جوابهم عفويا وتلقائيا: «حْنا غاديينْ عْند سيدْنا».. لم يكن الجواب واضحا بالنسبة إلينا، أو ربما كان مفاجئا، لذلك أعدنا طرح السؤال، زيادة في الاستيضاح: «إلى أين بالتحديد؟»، فجاء الجواب جماعيا هذه المرة: «الرباط آسّي.. الرباط، راه عْيينا من الوعود الكاذبة، وفي كل مرة نسأل عن مصير الطريق يقولون إن المشكل سيحل، وها نحن اليوم مهددون بالحرمان منها كليا، لذلك قررنا بث شكوانا إلى الملك محمد السادس».
اتضحت الرؤية، إذن، فقد قرر المشاركون في المسيرة، وهم من دواري «بغيغات سيدي علي» و«ماتجداد»، أن يوصلوا معاناتهم إلى الرأي العام، لذلك حسموا أمرهم وقصدوا الرباط، لإخبار المسؤولين هناك أن «المنطقة ما زالت تعيش كما تركها الاستعمار، فلا شيء تغير إلا نحو الأسوأ.. راه عار نْبقاو مْعزولين عن العالم وحنا فالقرن ال21»، يقول المحتجون.
سألتهم «المساء»: «هل تحملون إلى المسؤولين مطالب محددة؟»، فأجاب أحدهم: «مطالبنا واضحة: الطريق، مستوصف يضم ولو ممرضا واحدا، وبعض «الكينات» (الأدوية)، خصوصا في هذه الفترة من السنة، حيث ينتشر مرضا الحمى والزكام».
«تراكتور الطوارئ»
تركنا المسيرة وعدنا، صحبة مرافقنا، إلى قرية «تيقجوين» من أجل إتمام السير إلى وجهتنا: دوار «أومزا»، الذي تطلّبَ الوصول إليه قطع مسافة 11 كيلومترا في ثلاث ساعات؟!.. أجل، ثلاث ساعات وعلى متن سيارة رباعية الدفع، «مسنودة» بالجرار الوحيد في المنطقة، وهو في ملكية أحد السكان، يدعى محمد أولحاج.
على خلاف قرية «تيقجوين»، يعاني دوار «أومزا» من انعدام التيار الكهربائي، وما عدا ذلك، فإن مشاكل المنطقة تكاد تتشابه حدَّ التطابق. يقول الفاعل الحقوقي والجمعوي مصطفى العلاوي: «في الحقيقة، لا أعرف من أين أبدأ الحديث عن المشاكل التي تتخبط فيها المنطقة، بل إنني أجد نفسي عاجزا عن وصف معاناة السكان. فمثلا، سكان هذا الدوار يعانون مشاكل لا حصر لها، بدءا من غياب طريق مُعبَّدة، إلى انعدام أي مؤسسة تعليمية لتدريس أبنائهم. وللأسف، ورغم أننا في سنة 2012، فإن سكان المنطقة ما يزالون محرومين من الكهرباء، وهذا ما يندى له الجبين.. راهْ حْشومة وعارْ، وحْنا في هاذ القرن والناس باقيين بْلا ضو».
لم يكتف السكان، حسب مصطفى العلاوي، بالتأفف والشكوى من الوضعية التي توجد عليها دواويرهم، بل حاولوا إيصال صوتهم إلى المسؤولين بكل الطرق المتاحة، حيث «كتبنا مراسلات وشكايات إلى المسؤولين، كما خضنا العديد من الأشكال الاحتجاجية، لكنْ لا حياة لمن تنادي». ويضيف مصطفى: «ما أستنتجه من كل محاولات فك العزلة عن المنطقة التي قمنا بها وباءت بالفشل، هو إما أننا ما كانعرفوش نْبكيوْ أو نوصفو مشاكلنا أو أن قلوب الحكومة والمسؤولين متحجرة.. لأن نداءاتنا واستجداءاتنا لا تحرك ساكنا لديهم، راه عْيينا من الطلبة»..
ولأن مشاكل السكان تأبى أن تنتهي، فإنهم يجدون أنفسهم يضربون أخماسا في أسداس عندما يتعلق الأمر بنقل مريض أو سيدة فاجأها المخاض إلى مستشفى مدينة خنيفرة، لأنه الأقرب بالنسبة إليهم (80 كيلومترا).. وعندما سألناهم كيف يتدبرون أمورهم في مثل هاته المواقف، أجابونا أن جرار محمد أولحاج يتحول في هاته الحالة إلى «سيارة إسعاف» مخصصة لنقل المرضى والحوامل مسافات بعيدة صوب أقرب طريق مُعبَّدة، أملا في الحصول على وسيلة نقل أخرى تنقلهم إلى مستشفى إقليم خنيفرة.
يقول مصطفى العلاوي: «ما زلنا، في القرن الواحد والعشرين، ننقل مرضانا والنساء الحوامل فوق الجرّار، وهذا هو حال جميع دواوير المنطقة، بسبب غياب الطريق، أما إذا كان سمك الثلوج كبيرا، كما هو الحال في هذه الليلة (30 سنتيمترا) فيُسقط في أيدينا ولا ندري ماذا نفعل لنقل سيدة على وشك الولادة أو مريض إلى المستشفى، حيث «يعجز» الجرار نفسُه عن اختراق الطريق»..
وقد اعترضت السكانَ مثل هذه المشاكل مرارا في منطقة «آيت حنيني»، وآخرها حالة سيدة تدعى فاطمة عبدوس (28 سنة)، والتي ظلت في حالة مخاض لمدة ثلاثة أيام حتى كادت تفارق الحياة، فاضطر السكان إلى حملها على الجرار، لكن سمك الثلوج منعهم من التقدم، مما جعلهم يعتمدون على سواعدهم من أجل إزالة الثلوج من أمام الجرار، مستعملين في ذلك الرفوش (البالات) وقطعوا على هذه الحال حوالي 25 كيلومترا مشيا على الأقدام!.. لكنهم اضطروا إلى التوقف، بعد أن عجز الجرار عن مواصلة السير، وكانت المسافة المتبقية بينهم وبين الطريق الرئيسية حوالي كيلومتر واحد، فقرروا حمل السيدة الحامل فوق «نعش» وضعوه على أكتافهم إلى غاية الطريق الرئيسية، حيث وجدوا سيارة إسعاف في انتظارهم.
ليس جرار أولحاج «سيارة إسعاف» وحسب، بل إنه يتحول، في حالات كثيرة، إلى «ديبناج»، يقول العلاوي: «بالأمس فقط، قطعنا حوالي 4 كيلومترات في «البيست»، لكن سيارتنا سرعان ما توقفت، بعد أن حاصرتها الثلوج والأوحال.. لقد وجدنا أمامنا «جبلا» من الثلوج، لذلك اتصلنا بأولحاج، حيث قام بجر سيارتنا لمسافة 8 كيلومترات»، هنا علق أحد السكان بسخرية: «هاداك راه ماشي غيرْ تراكتور، راه تراكتور الطوارئ»..
«مدرسة» وحيدة
في ضواحي خنيفرة وميدلت، تنخفض درجة الحرارة إلى 10 درجات تحت الصفر ليلا ويضطر سكان القرى إلى إشعال النار في «مدافئ» منازلهم على مدار الأربع والعشرين ساعة، وهم يطالبون بأبسط حاجيات الحياة الضرورية، فدواوير مثل أومزا وتافراوت والمرابط وإيديكين، التابعة لقرية آيت حنيني، محرومة من أبسط متطلبات الحياة: الطريق والكهرباء والتمدرس، إذ إن المدارس الصغيرة، على قلتها، الموجودة في هذه الدواوير أغلقت حجراتها الدراسية في وجه التلاميذ وهجَرها المعلمون إلى حين ذوبان الثلوج، المتوقَّع في بداية شهر مارس المقبل. وفي هذا الصدد، يقول العلاوي: «تصور معي أن المدرسة الوحيدة الموجودة في دوار أومزا هي عبارة عن منزل تبرَّعَ به، منذ حوالي سنتين، أحد السكان مشكورا، لكنْ إذا اضطر هذا الرجل إلى استعادة بيته فماذا سيكون مصير الأطفال؟ بكل بساطة، سيجدون أنفسهم ضحية لا مبالاة السلطات، التي لم تستطع أن توفر لهم مدرسة يتعلمون فيها.. أليس هذا وصمة عار على جبين المسؤولين، الذين أرسلنا إليهم عدة شكايات في الموضوع دون لم يحركوا ساكنا؟»...
بخصوص مشكل التمدرس في دوار أومزا، يقول موحى حارث (38 سنة -أب لثلاثة أبناء): «عمر ابنتي 12 سنة، ورغم ذلك، فهي تدرس في المستوى الثاني ابتدائي، ويعود السبب إلى حرماننا من مدرسة، ولولا ذلك لكانت الآن تدرس، على الأقل، في المستوى الخامس ابتدائي.. وحتى المدرسة التي تتلقى فيها تعليمها الآن هي هبة من أحد السكان، وإذا طالب باسترجاع بيته، فستجد ابنتي، ومعها باقي أطفال المنطقة، أنفسَهم عرضة للضياع.. أضف إلى ذلك أن المدرسة تدفع كل من يراها إلى الرثاء لحال أطفالنا».
«دوزيم عندنا»..
يقول السكان إن المسؤولين لا يلتفتون إليهم، وإذا فعلوا ذلك فلغاية في نفس يعقوب.. ويستدلون على قولهم بما حدث في دوار أومزا قبل أسبوعين، حين زارت القناة الثانية «دوزيم» المنطقة، لتجد نفسها «محاصرة» بالثلوج، أسوة بالسكان، الذين يقولون إن المسؤولين أتوا بآليات لإزاحة الثلوج لم يروها قط في حياتهم، لكنهم يقولون إنهم لم يكونوا لينخدعوا بذلك لأن تلك المعدات التي «زارت» منطقتهم لأول مرة ما كانت لتدخلها لولا وجود القناة الثانية في المنطقة..
حل طاقم برنامج «Grand Angle» -القناة الثانية- بدوار أومزا من أجل إجراء تحقيق حول معاناة سكان الدواوير النائية من شدة البرد القارس، ففوجئ الطاقم بتساقطات ثلجية غزيرة حالت دون عبور الطريق، بعد أن تجاوز علو الثلج 50 سنتيمترا.
وأفادت لمياء المريني، من طاقم البرنامج، في تصريحات صحافية، أن «طاقم البرنامج ظل «محاصَراً» في الدوار لأكثر من 5 ساعات وغرقت سيارتنا في ركام من الثلوج»، مضيفة: «حاولنا التوجه إلى دوار ثان، لكن الطريق مقطوعة، وها نحن ننتظر من أجل «إنقاذنا».. إننا نعيش عزلة دون تغطية هاتفية ولا كهرباء»..
تم «إنقاذ» طاقم القناة وعاد سالما إلى «قواعده»، تماما كما عادت المعدات التي ساهمت في إنقاذ الطاقم إلى «مخابئها»، ف»التراكس» دخل القرية حتى لا يفتضح أمر المسؤولين أمام الإعلام»، يقول مصطفى العلاوي، مضيفا: «ما كنا نتوقعه هو الذي حدث بالضبط، فالقناة الثانية غادرتنا منذ حوالي أسبوع، وما يزال الدوار كما هو، حيث لم يزرنا أي مسؤول، ولو على سبيل الاستهزاء!.. يْجي غير يضحك على الناس ماشي يتناقش معاهوم، غير باش نْكولو راه المسؤول الفلاني جا باش يطمأنّ علينا، على الأقل باش نْحسّو باللّي راه عندنا حتى حْنا مسؤولين».
ويستطرد بمرارة: «في بعض المرات، يتساءل الناس هنا «واشْ حْنا مغاربة أولا لا، على الأقل إلى كنا حتى حنا من هاد البلاد نْعرفو عْلاش حنا محرومين من الحقوق ديالنا، وإلى ما كناش مغاربة هاديك حاجة خرا، ولكن مزيان نْعرفو»..
الطريق مطلب رئيسي
يتقاسم سكان المناطق الجبلية همّا مشتركا وهو «أبْريد» (الطريق)، فعلى غرار دواري «تيقجوين» و»أومزا»، تعاني ساكنة هذه المناطق من تردي حالة البنية التحتية ومن غياب طرق معبدة تفك العزلة عنهم وتسهل لهم التزود بالمؤونة وكلأ الماشية في موسم الشتاء وتُمكّنهم من تسويق محاصيلهم الزراعية، التي غالبا ما يكون مصيرها التلف أو «أحضان» المضاربين، الذين يستغلون الفرصة من أجل ابتزاز السكان واقتناء محصولهم من البطاطس (من أجود الأنواع) بأثمنة بخسة.
يقول السكان إن خيرات الطبيعة كثيرة في المنطقة، لكنْ لا قيمة لها، بسبب غياب وسائل النقل وانعدام الكهرباء، كما حدث هذه السنة، حيث كان محصول البطاطس جيدا لكن السكان لم يستطيعوا تسويقه واحتفظ أغلبهم به في منازلهم، مما يعرضه للتلف، بين الفينة والأخرى.
يقول حارث موحى: «نحتاج إلى الطريق والمدرسة والكهرباء ومستشفى أو مستوصف.. نحن محرومون من كل شيء».. توقف برهة عن الحديث، حيث بدت عليه علامات التأثر وشرع في البكاء، ثم استرسل: «الضو ماشي ضروري، ولكن الطريق راه لا بد منها، باش نْقدرو نهزّو الناس اللي مراض عند الطبيب، راه مشكل الطريق ضارنا بزاف».. ثم أضاف، بعصبية: «لم يفعل لنا المسؤولون شيئا، لقد أهملونا.. راه حتى واحد ما يْرضى لراسو هاد الحالة، لكن ما بيد حيلة».
ويختم موحى حديثه قائلا: «لقد حبانا الله، عز وجل بكل ما نريد في هذه المنطقة: الماشية والفلاحة، لكن المسؤولين حرمونا من الاستفادة من نعم الله، فغياب الطريق يتسبب في إتلاف محصولنا، نظرا إلى عدم تمكننا من نقله إلى أسواق المناطق المجاورة.. لذا أطلب من السلطات أن ترأف لحالنا وتعيننا، بتوفير الطريق والمدرسة وربط المنطقة بالكهرباء».
حتى الثروة الغابوية التي تتمتع بها المنطقة، يقول السكان إن المستفيد الأول منها هو الجماعة، التي تجني أموالا طائلة من خلال بيع الخشب للمحتكرين في المنطقة، أما السكان البسطاء فلا يستفيدون من الغابة، وإذا فعلوا، فإن الأمر لا يتعدى كمية صغيرة من الحطب الذي يجمعونه للتدفئة أو بضعة أخشاب يستعملونها في بناء بيوتهم، التي يصفها أولحاج ب»القبور»، لأنها مبنية من «طين وخشب»، في غياب أبسط شروط الحياة الكريمة.
«مول التراكتور..»
يتقاسم محمد أولحاج مع سكان المنطقة آلامهم ومشاكلهم ويحاول، قدْر استطاعته، مساعدتهم، فهو مالك الجرار الوحيد في الدوار، حيث يلجأ إليه السكان من أجل حمل مرضاهم ونسائهم الحوامل إلى المستشفى أو من أجل مساندة سيارة «حاصرتها» الثلوج، يقول أوعدي: «أحس أننا لسنا مغاربة.. نعاني بسبب الثلوج التي تجعلنا مقطوعين عن باقي العالم، ولا من يلتفت إلينا.. نتصل بالمسؤولين، لكنْ لا أحد يزورنا أو يلقي بالا لشكاوانا، ونقضي ستة أشهر من الشقاء بسبب الطريق المقطوعة، كما أنه ليس هناك أطباء بيطريون نلجأ إليهم عند مرض بهائمنا. تصور أن الموت ينتظر الجميع هنا: الإنسان والحيوان، وكأننا غير موجودين على الخريطة»!..
وتعبيرا عن «كفره» بكل المسؤولين في المنطقة، يقول أولحاج بحماس: «أطلب من الملك محمد السادس ورئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، العطف علينا»، وعندما استفسرته «المساء»: «هل تنتظر، فعلا، شيئا من حكومة بنكيران؟»، أجاب بكل عفوية: «أرجو أن تنتهي مشاكلنا على يد الحكومة الجديدة، وأتمنى لها التوفيق وأن يبعد الله عنها «الغشاشين».. واستطرد: «نحن جميعا مغاربة، لا فرق بين أبناء الغرب أو الشرق أو الصحراء، لذا أرجو من الحكومة أن تلتفت إلى سكان الجبال، الذين يعانون في غياب البنية التحتية، على بنكيران أن ينظر إلينا بعين الرحمة حتى نخرج من هذا الوضع، الذي هو أشبه بحياة الحيوانات»..
«أدلينا بأصواتنا، ولكن!»..
يقول السكان إنهم شاركوا في الانتخابات الأخيرة، لكنهم يقرنون مشاركتهم في الاستحقاقات المقبلة بضرورة التفات الحكومة إلى مشاكلهم، «لأننا سئمنا من الوعود الكاذبة ومن غياب المحاسبة، فنحن لا نرى المرشحين سوى في الحملات الانتخابية.. يأتون إلى هنا ليوزعوا علينا الوعود ثم ينصرفون لخدمة أهدافهم الشخصية، بعد أن ينجحوا في الانتخابات»، يقول أولحاج.
وعندما استفسرتهم «المساء» عن اسم برلماني المنطقة، أجابوا: «لدينا أربعة برلمانيين لا نراهم إلا عندما يريدون شراء محصول البطاطس أو الأخشاب التي تقطعها الجماعة من أشجار الغابة، ثم «يذوبون»، كما تذوب الملح في الماء».
«هل تغير شيء في المنطقة؟».. يجيب أولحاج، دون تردد: «لا شيء، فالأمور ما زالت على حالها منذ عهد «السيبة»، ما زال كنعقل على هاد الشّي اللّي عندنا من عهد جدي، مشات جماعات وجات جماعات ومشاو برلمانييين وجاو برلمانيين ولكن ما كاين والو، هادشي علاش حنا كنترجاو الملك محمد السادس يشوف فينا، أما المسؤولين فالله يهديهم».
يعتقد السكان أن حلول مشاكلهم لا تتطلب مخططات أو اجتماعات أو مكاتب دراسات، فهي بسيطة بساطة أسلوب عيشهم، لذلك فإنهم يقولون إن توفر الإرادة هو أول هاته الحلول، فحل مشكل التمدرس مثلا بالنسبة إليهم هو أن تقوم الدولة بتوظيف أبناء المنطقة العاطلين، عوض أن تخصص معلمين لستة مستويات، كما هو قائم الآن، لتحل مشكلين في آن واحد: البطالة والأمية.
عند ختام زيارتنا للمنطقة، التي دامت يومين، حملنا سكان هذه الدواوير رسالة إلى المسؤولين ووسائل الإعلام مفادها أنه لا يجب أن يذهبوا «ضحية» المأساة التي عرفتها منطقة أنفكو، بعد الوفيات المتوالية لأطفالها، مما جعل أغلب التحركات الجمعوية تصب في اتجاهها، إذ رغم أن أغلب الدواوير المجاورة لها تعيش نفس الظروف، فإن التركيز الإعلامي على أنفكو جعل المسؤولين يضعونها على رأس أولوياتهم، «وهو ما تسبب في تعميق عزلتنا»، يقول مصطفى العلاوي.



مسيرة تلو أخرى.. ولا حل في الأفق
في طريق العودة، صادفنا مسيرة أخرى لبعض سكان المنطقة، للأسباب ذاتها وبنفس الأمنيات (الطريق -التعليم -الصحة). كان هناك حوالي 600 محتج أيضا، ينتمون إلى جماعتي لقباب وسيدي يحيى أوالسعد، وكانت الوجهة هي جماعة أبضغيغ -أيت سيدي علي، والهدف هو دفع المسؤولين إلى حل مشاكلهم.. و"ماذا ستفعلون إذا لم تتم الاستجابة إلى مطالبكم؟" تسأل "المساء"، ليأتي الجواب سريعا: "سنتجه إلى عمالة ميدلت، ليس لدينا حل آخر"..
وتتكرر نفس الشكاوى على لسان هؤلاء أيضا، فمشاكل دواوير المنطقة متشابهة حد التطابق، حيث يقول المحتجون إن الدراسة متوقفة بسبب أحوال الطقس السيئة، إذ غالبا ما لا يتمكن المعلم من الوصول إلى المدرسة بسبب الثلوج التي تقطع الطريق، كما أن الأهالي يخافون على فلذات أكبادهم من الوديان التي تنتشر في المنطقة، نظرا إلى غياب القناطر، ويفضلون ترك أبنائهم في البيوت عوض المغامرة بإرسالهم إلى المدرسة.
"أبْريد هو مشكلنا الأزليّ"، يصرخ أحد المشاركين في المسيرة، فبسببها تغيب معظم المواد الأساسية عن المحلات القليلة التي توجد في المنطقة، وحتى إذا تمكن السكان من الحصول عليها فغالبا ما تكون بأضعاف أثمنتها الحقيقية، فهم يقتنون مثلا قنينة الغاز الصغيرة، التي لا يتعدى ثمنها 11 درهما، ب20 درهما، أي بحوالي الضعف.. لم تكن هذه المسيرة الأولى وليست الأخيرة، فقبل أيام، نظمت نساء قرية "أزدين"، المنتمية إلى قبيلة "أيت شارض"، والواقعة بين جبلي "أقلال" و"أقليبوس"، مسيرة احتجاجية إلى عمالة إقليم خنيفرة، للمطالبة بطريق معبّدة إلى المنطقة، التي لا تبعد عن مركز المدينة سوى بحوالي 12 كيلومترا، لكن وعورة المسالك وطبيعة التربة تشكلان عائقا أمام تنقلات ساكنة هذه المنطقة من أجل تدبير الحياة اليومية والأحوال الطارئة في حالات المرض والولادة.
ولأن المفاجآت هنا تأبى أن تنتهي، فإن المحتجات يقلن إن "الطريق موضوع الاحتجاج تظهر على الخريطة "معبّدة"، لكنها على أرض الواقع غير موجودة أصلا"!..



عزيز ماكري
أ.م.ب بريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.