كثير من ردود الفعل الغاضبة على نشر لائحة المستفيدين من «رخص النقل» أو ما يعرف ب« لاكريمات» يمكن تفهمها، خصوصا حين يتعلق الأمر بمنتفعين لم يتوقعوا أن يتم فضحهم بشكل مباغت، من قبيل بعض السياسيين الذين يعطون الدروس في قيم النزاهة والتضامن وخدمة الصالح العام، وهم غارقون حتى الرؤوس في مستنقع الريع، أو بعض الفنانين الذين تعودوا ألا يظهروا أمام الناس إلا بعد وضع طبقات سميكة من المساحيق، ليكتشف المغاربة أن مكان عملهم الحقيقي هو «القامرة» وليس السينما أو التلفزيون، وأنهم يكسبون مع «الشيافرية» و»الكريسونات» أكثر مما يربحون مع المخرجين والمنتجين. من الصعب أن تتحطم صورتك في عيون الناس. رغم أن «اللي كيشطح ما كيخبيش لحيتو»، فإن بعضهم لم يعد يستطيع الخروج إلى الشارع إلا بعد أن يغطي وجهه بقب جلابته، «الله يحسن لعوان»، ليس من السهل أن تكون «رياضيا محبوبا» أو «فنانا محترما» أو «سياسيا نزيها» أو «داعية شجاعا» وتجد نفسك بين عشية وضحاها وقد تحولت إلى «مول الكار» أو «مول الهوندا» أو «مولات الطاكسي ابيض»... «خايبة حتى للتعاويد». ومن يتأمل عدد الفنانين في لائحة الرباح، لا يسعه إلا يضرب أخماسا في أسداس: منذ عقود ونحن نشاهدهم يبكون على أسرة المستشفيات لأنهم بلا تغطية صحية، رغم أن عائدات الرخص المسجلة بأسماء حفنة منهم يمكن أن تحل المشكلة. إنها قمة العبث. والآن فقط عرفنا لماذا يضيّع عبد الباري الزمزمي وقته في الفتاوى الغريبة و«إعطاء الرخص» لعباد الله، بدل أن يشغل نفسه ب«شي بيعة وشرية» تدر عليه دخلا من عرق الجبين كبقية المواطنين، الرجل يملك «الرخصة الكبرى» لماذا لا يوزع «الرخص الصغيرة» على الآخرين؟ وإذا كان غضب الزمزمي وزملائه في «قطاع النقل» مفهوما، فإن ما لم أفهمه شخصيا هو موقف وزراء حزب «التقدم والاشتراكية»، الذين عبروا عن امتعاضهم مما أقدم عليه عبد العزيز الرباح، رغم أنهم ينتمون إلى حزب ظل مؤسسه يفتخر، في خريف العمر، بأنه لا يملك «لا دارا ولا عقارا بعد أن بلغ من الكبر عتيا»... بنعبد الله ورفاقه لم يراعوا ذاكرة علي يعتة ولا التضامن الحكومي، وصارت «التقدمية» بالنسبة إليهم تعني الوقوف في «مقدمة» المدافعين عن «اقتصاد الريع». أيا كانت المبررات والتعليلات، فإن المعادلة بسيطة: من يعارض الخطوة التي أقدم عليها الرباح يعني أن «فكرشو لعجينة». بإمكاننا أن نفهم الآن تلك التكشيرة التي ظهرت على محيا نبيل بنعبد الله، خلال أول مجلس حكومي ترأسه عبد الإله بنكيران، حين حرص رئيس الحكومة على «تنقية آذان» وزرائه ب«نصائح طويلة» تدعوهم إلى ترك الجشع جانبا، وقال لهم إن من أراد أن يكمل البيت أو يرسل أبناءه إلى كندا للدراسة قد أخطأ العنوان، لأن راتب الوزير لا يمكن أن يسمح له بأكثر من العيش بكرامة في إطار ما تقتضيه مهامه من اعتبارات ومصاريف. يبدو أن بنعبد الله ورفاقه من يومها «كحلو بالعمى»، لأنهم يملكون تصورا آخر للمسؤولية، تصور كشف عنه الرفيق في عدد من الحوارات التي أعقبت «تكردعه» من سفارة روما، حين ظل يتباكي على عجزه عن إكمال الفيلا التي بدأ بناءها أيام كان سفيرا، ولعل تسديد أقساط البيت كان أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت زعيم «التقدميين» يفك تحالفه مع الكتلة الديمقراطية ويرمي كتب ماركس في القمامة كي يتحالف مع الإسلاميين، ومن الطبيعي أن يظل وفيا للخط الإيديولوجي الجديد الذي يرفعه الحزب في السنوات الأخيرة: «كل الغلة وسب الملة»!.