أكد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن الالتزام بمكافحة الفساد لم يعد ترفا أخلاقيا، بل أصبح "التزاما حقوقيا صريحا"، داعيا المقاولات إلى تجاوز منطق الامتثال الأدنى نحو انخراط واع وطوعي في ثقافة النزاهة وربطها صميميا بالنجاح الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية. وشدد بنعليلو، الذي كان يتحدث اليوم الثلاثاء. خلال مشاركته في منتدى "المقاولة وحقوق الإنسان في ظل اقتصاد مسؤول يراعي مبادئ النزاهة ومكافحة الفساد"، المنعقد بمراكش، على أن المقاولة لم تعد كيانا اقتصاديا محضا، بل صارت فاعلا مؤثرا في معادلة الحقوق، ورافعة أساسية في ترسيخ أسس الوقاية من الفساد. وأوضح أن البيئة الدولية الراهنة لم تعد تقبل الفصل بين الاقتصاد ومحاربة الفساد وحقوق الإنسان، مذكرا بأن المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة وتوصيات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تؤكد أن التزام المقاولة لا يقاس فقط بعدم انتهاك الحقوق داخل فضاء العمل، بل كذلك بمدى بناء منظومة حكامة شفافة، خالية من تضارب المصالح، وقائمة على العناية الواجبة بمخاطر الفساد والتأثير غير المشروع على القرار الاستثماري. وأضاف المسؤول ذاته أن المقاولة التي تتسامح مع الفساد في سلاسل التوريد أو تستفيد من علاقات ريعية مشبوهة، تسهم مباشرة في تكريس اللامساواة وإضعاف المؤسسات، وتقوض الحق في تنمية عادلة. وقال: "الرشوة اعتداء على الحق في تكافؤ الفرص، وعلى العدالة في توزيع الموارد، وعلى حرية المبادرة الاقتصادية". وسجل بنعليلو أن المقاولات أصبحت اليوم مطالبة بابتكار نماذج اقتصادية أكثر إنصافا، وجعل النزاهة جزءا لا يتجزأ من رؤيتها الاستراتيجية، مؤكدا أن الشفافية وآليات الامتثال الداخلي وآليات التبليغ باتت ضرورية للتعبير عن انخراط صريح في مشروع مجتمعي قائم على التنمية العادلة. وأكد رئيس الهيئة أن تعزيز النزاهة، كما أراده جلالة الملك محمد السادس نصره الله، يشكل جزءا لا يتجزأ من حماية الحقوق، معتبرا أن محاربة الفساد ليست فقط تجريما لسلوكيات منحرفة، بل دفاع عن المساواة، وسيادة القانون، وكرامة الاقتصاد الوطني. وتوقف بنعليلو عند أهمية التفاعل بين القطاعين العام والخاص، معتبرا أن المقاولة ليست خصما في معركة الشفافية، بل شريكا محوريا لا غنى عنه، لكونها تساهم في تحصين الاقتصاد الوطني، وتعزيز الثقة العامة، وتقوية مناعة المؤسسات ضد الانحرافات. وأبرز أن هذه الشراكة لن تكتمل دون تجاوز المقاربات التجزيئية، قائلا: "لا السلطات المختصة وحدها قادرة على مكافحة الفساد، ولا الفاعل المقاولاتي يستطيع بمفرده ضمان النزاهة وحقوق الإنسان. نحن بحاجة إلى تحالفات جديدة، وتعاقدات مبتكرة، وتفعيل حقيقي لمبدأ المسؤولية المشتركة". وفي هذا الصدد، نوه بنعليلو بمبادرات المقاولات والهيئات التي التزمت بالمعيار الدولي لنظم إدارة مكافحة الرشوة (ISO37001)، معربا عن استعداد الهيئة لمواكبة كل الفاعلين المقاولاتيين الراغبين في الانخراط في هذا المسار، من أجل تطوير نظم وقائية متكاملة ضد الفساد، وبناء اقتصاد مسؤول يجمع بين الشفافية والتنافسية. كما جدد التزام الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة بمحاربة الفساد كتهديد للتنمية العادلة والسيادة الاقتصادية، داعيا إلى جعل المنتدى منصة إقليمية للحوار وميثاقا جماعيا يعيد الاعتبار لمفهوم "المقاولة المواطنة"، ويعزز تموقع الفاعل الاقتصادي داخل النسق الحقوقي على أساس أخلاقي وإنساني. وخلص بنعليلو إلى التأكيد على أن "احترام الحقوق ومحاربة الفساد يجب أن ينظر إليهما كخيار استراتيجي داعم للنجاح، في لحظات مفصلية تتقاطع فيها رهانات الاقتصاد، والعدالة الاجتماعية".