روسيا: المغرب "شريك مهم" بإفريقيا    لقاء يجمع ولد الرشيد ببرلمان "سيماك"    أحكام ثقيلة ضد مثيري الشغب بسوس    حسن طارق ينوه بمنشور رئيس الحكومة الداعم للتعاون بين الإدارات ومؤسسة الوسيط    تحذير أممي من زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو    الذكاء الاصطناعي الدامج يفتح آفاقاً جديدة للشركات في الاقتصادات الناشئة    محكمة الإستئناف بتونس تصدر أحكاما في قضية اغتيال شكري بلعيد منها حكمان بالإعدام    منتخب الفتيات ينشد التألق المونديالي    رئيس مجلس النواب يتباحث مع الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالمغرب    المغرب يشهد تقلبات جوية بين حرارة مرتفعة ورياح قوية وأمطار رعدية    نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة غدا الخميس بعدد من مناطق المملكة    بسبب المهاجرين غير النظاميين.. تشديد المراقبة الأمنية بمحيط الفنيدق    طنجة.. نهاية مطاردة مثيرة لمتهم فرّ من الأمن خلال إعادة تمثيل جريمة قتل    تجدد المطالب لأخنوش بالحد من خسائر تعطيل التكرير بمصفاة "سامير" والحفاظ على حقوق الأجراء    عائلة وأصدقاء أسيدون يعلنون تحسنا طفيفا لوضعه الصحي ويطالبون بكشف نتائج تقرير الطب الشرعي    استخراج جثة "الراعي الصغير" للتشريح.. وسط مطالب مستمرة بكشف الحقيقة    «تمغرابيت».. عمل فني جديد يجسد روح الوطنية والانتماء في الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    عبد الله ساعف يحاضر حول «العلوم الاجتماعية في المغرب» بتطوان    «مغربيات ملهمات» لبنحمو بالمقهى الثقافي بالرباط    طنجة تتربع على عرش السياحة بالمغرب سنة 2025..    مهرجان الدوحة السينمائي يسلّط الضوء على الأصوات العربية المؤثرة لإلهام الجماهير العالمية    لقاء بنيويورك يعزز التعاون اللامركزي بين جماعتي الداخلة وغريت نيك الأمريكي    "أشبال الأطلس" على موعد مع التاريخ في نصف نهائي مونديال الشباب    الجزائر المتآمرة تشعل حرباً رقمية ضد المغرب وتستدعي "جنودها الافتراضيين"...    علامة الأزياء العالمية «GUESS» تحتفل بالذكرى الخامسة والأربعين بمؤتمر «عالم واحد، علامة واحدة» في مراكش    والد جندي إسرائيلي: "حماس" سمحت لابني بالصلاة 3 مرات يوميا وكانت تعطيه كتاب "سيدور" للصلاة منه    "ذاكرة السلام" شعار الدورة 14 لمهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور    28 منتخبا حجز مقعدا له في نهائيات كأس العالم 2026 لحد الآن مع تواجد سبعة منتخبات عربية    المنتخب المغربي... رمز للوحدة الوطنية لا ساحة لتصفية الحسابات    ليكيب الفرنسية تكتب: ياسين جيسّيم.. جوهرة دنكيرك التي تبهر العالم بقميص المغرب في مونديال الشباب    نزهة بدوان: "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء" ترسيخ للمحلمة الوطنية    ماذا يحدث في المغرب؟    في ‬مفاهيم ‬الخطاب ‬الملكي:‬ من ‬تأطير ‬المواطنين ‬إلى ‬ترسيخ ‬ثقافة ‬النتائج    المجتمع المدني والديمقراطية    بركة: الموسم الفلاحي المنصرم سجل تحسنا نسبيا    أسعار الذهب ترتفع قرب مستوى قياسي جديد    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    إسرائيل تستعد لإعادة فتح معبر رفح للسماح بدخول شاحنات المساعدات إلى غزة    وليد الركراكي: التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال 2026..المنتخب المغربي يواصل استخلاص الدروس والتحسن استعدادا لكأس أمم أفريقيا    الملك يترأس مجلسا وزاريا للتداول في توجهات قانون مالية 2026    أزيد من 36 ألف شاب دون 40 سنة استفادوا من برنامج دعم السكن منهم 44.5 في المائة من النساء الشابات    أمني إسرائيلي يعلن التوصل بجثة رهينة "خاطئة"    برلماني يسائل تدبير مؤسسة في وجدة    واشنطن.. صندوق النقد الدولي ومحافظو بنوك مركزية إفريقية يجددون تأكيد التزامهم بالتنمية المستدامة في إفريقيا    تتويج جمعية دكالة ضمن أفضل جمعيات المجتمع المدني بالمغرب في اليوم الوطني لمحاربة الأمية    كرة القدم: 16 فوزا متتاليا.. رقم قياسي عالمي جديد من توقيع أسود الأطلس    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم الموسيقى والأغنية والفنون الاستعراضية والكوريغرافية    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرارات وزارة التربية الوطنية بين مبادئ الحكامة وخيار السلامة
نشر في المساء يوم 12 - 03 - 2012

يستوقف الباحث أو المهتم بقضايا تدبير الشأن العام إقدامُ أغلب الحكومات المتعاقبة على المغرب على تأثيث أدبياتها وبرامجها بمفهوم الحكامة، تارة كآلية لتحقيق الإقلاع التنموي المنشود، وتارة كغاية تسعى إلى إقرارها في واقع التدبير اليومي للمرفق العمومي. والحقيقة أن التجارب الحكومية السالفة لم تنجح، في ما يبدو، في إعطاء هذا المفهوم بعدا مركزيا في سياساتها،
إن كنهج للإصلاح أو كغاية له، لذلك اتسم التدبير العام في مجمله، ولازال، بسيادة عقلية التفرد والإقصاء ومركزة القرارات وغياب قيم الإشراك والتعاقد والشفافية والمحاسبة وطغيان القرارات اللحظية المرتبكة والمربكة، البعيدة عن أي تخطيط استراتيجي، وتلك بالتأكيد هي سمات «اللاحكامة»، فكان طبيعيا أن تنقض كل حكومة غزلها قبل أن يكتمل، وأن تلعن كل أمة أختها حتى قبل أن تكلف نفسها عناء النظر في ما فعلته.
لقد أعلنت الحكومة الحالية، غير ما مرة، نيتها الأكيدة في الالتزام بمبادئ الحكامة في تدبير المرفق العمومي، وهو ما لا يتأتى اختبار صدقيته في الوقت الحالي بالنظر إلى أن الأمر في بدايته، غير أن هذا لا يمنع من مواكبة التجربة والتقويم المستمر لسيرورتها، خاصة وأن البدايات قد تنذر في كثير من الأحيان بالمآلات، ما لم يقع التصويب والتدخل في الوقت وبالشكل المناسبين. وسنركز حديثنا في هذا المقال على قطاع التربية الوطنية، الذي خطف الأضواء خلال الأيام القليلة الماضية، بعد سلسلة القرارات التي أقدمت عليها الوزارة (التمهيد لتوقيف العمل ببيداغوجيا الإدماج، إلغاء المذكرة 204 المتعلقة بالتقويم والامتحانات، إلغاء المذكرة 122 حول تدبير الزمن المدرسي، إلغاء التكوينات،...)، لنطرح سؤالا واحدا: هل التزمت الوزارة المعنية بمعايير الحكامة الجيدة حين إصدار القرارات المذكورة؟
سنكون أكثر رحمة بالوزارة، وسنتناسى كل مبادئ الحكامة ومعاييرها المتعارف عليها كونيا، وسنسلط الضوء على مبدأ واحد وهو مبدأ «الإشراك»، لنعيد طرح السؤال بصيغة أخرى: هل التزمت وزارة التربية الوطنية بإشراك كافة الفاعلين والمعنيين حين أقدمت على اتخاذ القرارات المشار إليها؟
الحقيقة أن الوزارة لم تلتزم بالمبدأ المذكور، فقد فاجأت قراراتها (مراسلاتها) أغلب الفاعلين والمهتمين، وتولد عنها سيل من ردود الأفعال، تجاوز في كثير من الأحيان حدود اللياقة المطلوبة بين الفئات المهنية، وهو أمر متوقع بالنظر إلى حالة الغموض واللبس التي تخلفها عادة القرارات التي لا تتمخض عن نقاش بين كافة الفاعلين، ذلك أن الإشراك المنظم والواعي يضمن تعبئة الجميع من أجل البحث عن أنجع السبل لحل الإشكالات المطروحة على قاعدة التوافق، الذي هو في حد ذاته مبدأ من مبادئ الحكامة الجيدة.
إن تصريح وزير التربية الوطنية بكونه اتخذ القرارات المشار إليها بإشراك كافة الفاعلين لا تقف على رجلين كما يقال، فمن جهة تم تغييب فئة محورية داخل المنظومة التربوية، ألا وهي هيئة التأطير والمراقبة التربوية، والتي عبر المجلس الوطني لنقابتها المنعقد بتاريخ 19 فبراير 2012 عن استيائه من المنهجية التي تم بها توقيف العديد من المشاريع البيداغوجية، والأكيد أنه يقصد منهجية التفرد والتسرع وغياب الإشراك. قد يقول قائل إن النقابات التعليمية هي المقصود بالإشراك في كلام الوزير، وهذا وارد جدا بالنظر إلى موقف النقابات المرحب في عمومه بالقرارات المتخذة، غير أن تصريحات بعض النقابيين تعطي الانطباع بأن الأمر لم يتعلق قط بحوار مهني علمي بقدر ما كان إذعانا واستجابة لمطالبها التي كانت جاهزة على مكتب الوزير (يمكن مراجعة تصريحات بعض الأطراف النقابية بحضور الوزير في برنامج «قضايا وآراء» الذي بثته القناة الأولى بتاريخ 28 فبراير 2012). إن تصريحا من هذا النوع يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى التزام وزارة التربية الوطنية بمبادئ الحكامة، وهل تم تجاوز تلك المبادئ تأمينا لخيار السلامة.
لقد تم إصدار القرارات ببساطة متناهية، تحمل في طياتها كثيرا من التناقض واللامهنية، وكمثال على ذلك، إلغاء المذكرة 204 المتعلقة بالتقويم والامتحانات، رغم أن بعض المؤسسات الابتدائية قد تقرر الإبقاء على بيداغوجيا الإدماج (وإن كان هذا الأمر مستبعدا)، فهل ستصدر الوزارة مذكرتين حول التقويم والامتحانات؛ تخص الأولى المؤسسات التي ستتخلى عن بيداغوجيا الإدماج، في حين توجه الثانية إلى المؤسسات التي قد تحتفظ بهذه البيداغوجيا؟ وكيف يفترض أن تتعامل الوزارة بشكل عام مع صنفين من المؤسسات، ولو خلال ما تبقى من السنة الدراسية؟ كيف للوزارة أن تدبر هذا الازدواج البيداغوجي بين الفئة القليلة المختارة للإدماج وجمهرة العازفين عنه؟ ألا يقتضي ضمان استقرار المنظومة المحافظة على النموذج البيداغوجي خلال ما تبقى من الموسم الدراسي، مع إطلاق حوار وطني مواكب وشامل يقيم التجربة تقييما علميا ومهنيا موضوعيا، لينفتح على البدائل الممكنة في الوقت وبالشكل المناسبين؟
إن قضية المقاربة التربوية قضية مفصلية، تتعالى في الأنظمة التربوية الحديثة عن اختيارات وزير أو توجهات حكومة، ذلك أن فلسفة التربية والتكوين، ونسق التعليم والتعلم، ومنطق التدريس، وما يرتبط بكل ذلك من اختيارات بيداغوجية وسيناريوهات ديداكتيكية، هي في الأصل قضايا تهم أهل الاختصاص والخبرة، ويلزم أن يأخذ كل قرار يتعلق بها لبوسا مهنيا بحثا، لا مجال فيه للاعتبارات السياسية أو النقابية إلا بمقدار ما يدعم الخيار التربوي ويجعله أكثر نجاعة وإحكاما.
إن الإيمان بأهمية نهج سياسة جديدة للمنظومة، قائمة على الحكامة كمقاربة وفلسفة جديدة للتغيير، يقتضي من كافة المتدخلين، مؤسسات ونخبا، العمل الجاد من أجل إعادة صياغة علاقات الأفراد في ما بينهم، وعلاقتهم بالمرفق العمومي على أسس التعاقد والإشراك والتوافق، التي تحقق تقوية شعور الفرد بمواطنته وانتمائه إلى مجتمعه، فمتى يتم تخليص هذا المفهوم من طابع الهلامية والتفلت والاستهلاك الذي أضفته عليه الخطابات الرسمية المتعاقبة، علما بأنه يشكل اليوم العنوان الأبرز لخطاب المرحلة السياسية، إلى حد لن يكون معه مستغربا أن تنعت الحكومة الحالية بحكومة «الرهان على الحكامة»، كما لن يكون مقبولا، في الآن ذاته، أن تتحرك مكونات هذه الحكومة وفق أي مقاربة لا تجعل من مبادئ الحكامة وأسسها المتعارف عليها نهجا راتبا في رسم السياسات العمومية؟
حسن عديلي - مفتش تربوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.