لأول مرة، تنشر الأطروحات الجامعية التي كتبها الملك محمد السادس ونال بها الإجازة والدكتوراة في الحقوق. في هذا الملف نكشف عن أسرار ومعطيات غير مسبوقة كتبها الملك في مؤلفاته، ويتحدث فيها عن العلاقة مع ليبيا والاتحاد الأوربي، وعن الإسلاميين وأشياء أخرى. كما نبرز كواليس «سطاج» ولي العهد قبل أن يصير ملكا. كل راغب في الصعود إلى قمة منصب مسؤول، يجب أن يكون قد سبق له تسلق سلم طويل كل درجة منه تعادل سنة من الدراسة الابتدائية والثانوية ثم الجامعية، أما دعامات السلم فهي بحوث أكاديمية ومؤلفات جامعية تحظى بتمحيص بالغ من قبل أساتذة متخصصين. على قدر علو المنصب على قدر عدد درجات السلم، لكن كيف سيكون حال هذا السلم إذا تعلق الأمر بقمة هي رئاسة دولة؟ بصيغة أكثر وضوحا: ما هي الشواهد الدراسية والبحوث الجامعية التي تأهل بها الملك محمد السادس ليصبح ملك المغرب؟ سؤال طرح مرارا، لكن هذه هي المرة الأولى التي تتم الإجابة عنه بشكل واضح وصريح، لأنها المرة الأولى التي سيُنشر فيها ما كتبه الملك محمد السادس بيده من بحوث جامعية لنيل الإجازة والدكتوراة، فضلا عن مسار تكوين أكاديمي وفترة تدريب أهلت ولي العهد ساعتها، الأمير محمد بن الحسن، ليكون على قدر المسؤولية التي ستسند له، وهي قيادة أمة مشكلة من أزيد من 30 مليون شخص موزعين على أرض مساحتها 710 آلاف و850 كيلومترا مربعا. في هذا الملف، ننشر لأول مرة ما ورد في البحث الذي أعده الملك محمد السادس لنيل الإجازة في الحقوق من جامعة محمد الخامس أكدال بالرباط، فضلا عن أطروحة نيل الدكتوراه في الحقوق من جامعة «صوفيا أنتيبوليس» بمدينة نيس الفرنسية. ننشر أيضا تفاصيل الدراسة الجامعية للملك محمد السادس وبروفايلات أساتذة ساهموا في تكوين ملك الغد، إلى جانب حقائق بخصوص فترة التدريب التي قضاها بمكتب «جاك دولور»، رئيس المفوضية الأوربية آنذاك. المثير في هذه المعطيات، التي سيأتي ذكرها، أنها تفتح نافذة ظلت مغلقة طويلا ويمكن من خلالها رؤية تفاصيل أخرى من نمط فكر الملك محمد السادس وتوجهه السياسي والاستراتيجي، إذ تفسر البحوث التي ألفها ولي العهد آنذاك أسباب اهتمام الملك محمد السادس البالغ بالمحيط المغاربي والأوربي، بشكل خاص، وحرصه على تفعيل اتحاد المغرب العربي وربط جسور اقتصادية مع الاتحاد الأوربي. من خلال هذه المؤلفات، التي تنشر لأول مرة، تبرز ملامح أخرى جديدة من شخصية الملك محمد السادس، هذه الملامح تكمن في طريقة كتابة الملك ونمط تفكيره، من خلال المنهجية التي يختارها لبحوثه، كما تظهر هذه الملامح من خلال تفاصيل حميمية تجلو بين الفينة والأخرى بين ثنايا مؤلفاته، تتعلق إما بعلاقته بوالده الملك الراحل الحسن الثاني أو علاقة هذا الأخير بزعماء دول، من خلال لقاءات ومراسلات واكبها محمد السادس عندما كان وليا للعهد، بحكم قربه من الحسن الثاني، إلى جانب وجهة نظره بخصوص زعماء سياسيين فيما يشبه نظرة استشرافية. يظهر أيضا من خلال الحياة الدراسية الجامعية للملك محمد السادس معطى يبدو خفيا للغاية، وهو قربه الفكري والأكاديمي من الاشتراكيين، سواء اشتراكيو المغرب أو فرنسا، إذ يلاحظ أن عددا من الذين أشرفوا على تدريس الملك محمد السادس خلال فترة دراسته الجامعية بالمغرب أساتذة ينتمون إلى اليسار، وبالتحديد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بينهم فتح الله ولعلو والحبيب المالكي، إلى جانب قضائه تدريبا بمكتب «جاك دولور»، الذي يعد من أشهر قياديي الحزب الاشتراكي الفرنسي ومنظريه. ما يجعل هذه المعطيات كلها مثيرة، بل ما يجعل هذا الملف برمته لافتا للانتباه هو أن الأمر يتعلق بكتابات خاصة بملك لم يدأب يوما على تدوين ونشر تفاصيل غير معلومة من سيرته أو مواقفه في كتاب خاص أو مذكرات، على غرار ما قام به الحسن الثاني من خلال كتابات أبرزها «مذكرات ملك» و»انبعاث أمة». محمد السادس ليس كوالده، فإذا كان الأخير لا يجد غضاضة في بسط فصول من حياته وفكره في مؤلفات، تأتي في صيغة مذكرات أو تجميع لحوارات، فإن الملك الحالي، محمد السادس، غاية في التكتم ومبتعد، إلى حد كبير، عن دائرة الأضواء التي يمكن أن تسطع على أمور غير رسمية من حياة الملك. هذا الجانب من حياة سيرة محمد السادس، والذي لم يكشف بشكل دقيق، يبين كذلك طابع النظام التعليمي الذي يسير على نهجه أبناء القصر، والذين يخضعون لمسار تعليمي وأكاديمي دقيق، يبدأ بالمدرسة المولوية وينتهي إما بالمعهد الملكي بالقصر أو إحدى جامعات المغرب أو الخارج، قبل أن يتوجه بقضاء تدريبات بمؤسسات كبرى، على غرار «السطاج» الذي مرت منه الأميرة لالة مريم بمؤسسة «اليونيسكو». الطابع المثير لما سيُنشر في هذا الملف، يكمن في أنه لم يكن معدا أصلا للنشر والتوزيع بشكل يصير متاحا للجميع قصد الاطلاع عليه، بل كُتب ونشر بتوصية خاصة من لجنة مناقشة بحث الملك الذي نال به الإجازة في الحقوق، وطبع ووزع على نطاق شيق، كما هو حال بحث الملك لنيل الدكتوراة. تفاصيل أخرى تزيح النقاب عن جانب خفي من الملك محمد السادس نكشف عنها في الملف التالي.