منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    المنتخب المغربي يواجه نظيره البرازيلي في أقوى قمة دور الربع وعينه على انتزاع تذكرة العبور إلى النصف    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    الإنصاف أخيرا لأشرف حكيمي..    أشرف حكيمي يعيد الكرة الذهبية الإفريقية إلى المغرب بعد 27 سنة    الأمن الوطني ينفي شائعة تعرض طفل للعنف داخل مدرسة بالمغرب ويؤكد تداول الفيديو وقع خارج البلاد    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    المنتخب النسوي للفوتسال يجري آخر حصة تدريبية قبل لقاء الأرجنتين    المغرب والولايات المتحدة يعززان التعاون العسكري بتمرين ميداني بالحسيمة    توقيف 4 أشخاص يشتبه ارتباطهم بشبكة اجرامية تنشط في تنظيم الهجرة غير المشروعة والاتجار في البشر    أمريكا تقدم "خطة السلام" في أوكرانيا    المغرب ‬يعزز ‬ريادته ‬البنكية ‬في ‬إفريقيا ‬ويتقدم ‬التصنيف ‬القاري 3 ‬بنوك ‬مغربية ‬ضمن ‬أفضل ‬20 ‬بنكًا ‬    منشور جديد يوجّه النيابات العامة إلى تفعيل مستجدات المسطرة الجنائية وتقييد فتح أبحاث الجرائم المالية    نقابات التعليم ترفض الإقصاء وتلوّح بالعودة للاحتجاج في حال عدم وفاء الوزارة بالتزاماتها    الملك يبارك اليوم الوطني لسلطنة عمان    منتخبات ‬وفرق ‬وطنية ‬تواصل ‬التألق ‬وتخطيط ‬متواصل ‬يجعل ‬من ‬كرة ‬القدم ‬رافعة ‬تنموية ‬كبيرة    مونديال 2026.. جزيرة كوراساو الضيف المفاجأة    النموذج ‬المغربي ‬في ‬السياسة ‬الخارجية ‬يرتكز ‬على ‬بناء ‬الثقة ‬عوض ‬التوجس ‬التعاون ‬بدل ‬العزلة    وسط ‬تفاؤل ‬المغاربة... ‬مخزون ‬السدود ‬الوطني ‬يرتفع جهود ‬كبيرة ‬لتدارك ‬التآخر ‬الحاصل ‬في ‬إنجاز ‬المشاريع ‬المائية ‬الكبرى    لجنة "الحقيقة والمساءلة" في وفاة "الراعي الصغير" تدعو للاحتجاج    "إطلاق أربع رصاصات تحذيرية".. إحباط عملية تهريب كبرى بغابة الرميلات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    تقرير: نصف عبء خدمة الدين الطاقي في إفريقيا تتحمله أربع دول بينها المغرب        أوكسفام: "ثروات الأثرياء" في ارتفاع    مسيرة احتجاجية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمحمدية ضد إدارة فندق أفانتي    وسيط المملكة: شكايات المغاربة انتقلت من تظلمات بسيطة إلى تفاعلات اجتماعية    غرفة الصيد الأطلسية الشمالية تبحث تنظيم العلاقة التعاقدية بين المجهزين والبحارة    ممرضو التخدير يراسلون الوسيط ويطالبون بإطار واضح للمهام والمسؤوليات داخل المستعجلات        كيوسك الخميس | العدالة المجالية قضية مركزية في مسار حماية حقوق الإنسان    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    لفتيت: الدولة تقف على مسافة واحدة من الجميع والمنظومة الجديدة تحصّن الانتخابات    توقعات أحوال الطقس لليوم الخميس    كيف تناول الإعلام الفرنسي تتويج أشرف حكيمي بالكرة الذهبية الإفريقية 2025؟    معمار النص... نص المعمار    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    "صوت هند رجب" يفتتح مهرجان الدوحة السينمائي2025    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    جمعية منار العنق للفنون تنظم مهرجان العالم العربي للفيلم التربوي القصير في دورته العاشرة    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    رياض السلطان يستضيف جاك فينييه-زونز في لقاء فكري حول ذاكرة المثقف    القصر الكبير تاريخ مجيد وواقع بئيس    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحراك الشعبي.. هل هو جزء ثان ٍ من حركة التحرر الوطني العربي؟
نشر في المساء يوم 30 - 04 - 2012

نسائل في هذه العجالة الحركية الممتدة والمتصاعدة في الشارع العربي مشرقا ومغربا أو من سوريا حتى المغرب الأقصى. لا يعني هذا أنه من الوارد هنا، أن نقف عند كل حالة بمفردها كما فعل البعض مؤخرا بطريقة متعسفة جدا، وفي غياب للأدوات المعرفية التحليلية المرهفة الكفيلة باستنطاق الواقع العربي في سياق تحوله.
نحن نؤمن هنا بشيء من التشابه بين البيئات والظروف في بلدان الحراك الشعبي الأخير. ومن ألوان هذا التشابه نذكر وجود أنظمة استبدادية غاشمة عملت، بشكل كبير ومتفاوت، على الإجهاز على البقية من عناصر الاستقلال الموجودة لدى مجتمعاتنا والزج بها، في النهاية، في حال من البؤس والفقر والعجز الاجتماعي الموصول بجدره المادي، وفي وضع كبير من التبعية للمؤسسات الاقتصادية العالمية (مؤسسات الدين العالمي) ذات الارتباط باقتصادات الدول الكبرى. بعبارة موجزة، لقد حققت لنا الارتهان العميق والكلي للمنظومة الرأسمالية واقتصاد السوق بما لا مزيد عليه. نعم، لقد أجهزت بمعنى عميق على شيء من الفصل الجزئي حققته مثلا ثورة 52 بمصر، ونقصد الفصل بين الاقتصاد الوطني المصري ونظيره العالمي، ذاك الفصل الذي كان يعني استعداد النظام المصري في تلك الحقبة للدخول في مغامرات تنموية، ربما انتهت إلى تحقيق نصر كثيرا ما حلم به الفرد المصري منذ محمد علي وطيب الذكر الخديوي إسماعيل.
أسلمته أيضا إلى شيء كبير من العجز الفكري الثقافي، فلم تعد هناك في ظل الأنظمة التي تعمل شعوبها اليوم على إفنائها الواحد تلو الآخر -«نرجو أن يمتد الحبل نحو النظام السعودي الذي يشكل سقوطه، في نظرنا، بداية التحرر الفعلي التاريخي للذات والفعل العربي والإسلامي»- إمكانية لربط الثقافة بالتحولات الاجتماعية، نقصد أنه في ظل هذه الأنظمة انعدمت إمكانية تحول الفكرة/الماهية إلى نشاط ووجود وفعل اجتماعي عاقل وموضوعي، إنما فتح المجال واسعا لسلوكات عفوية لها تأثيرها، ولأفكار محضة معزولة تماما في سياقاتها ومساراتها الاجتماعية، نعني أن المثقف في ظل المستوى غدا واحدا من أجزاء النظام أو قل تحول إلى ممارسة وظيفة الدفاع عن النظام وتبرير ممارساته، وأحيانا الدفاع عنها بصفتها الحق المطلق، وما ذاك إلا لأن الدولة تخشى النقد والفهم الذي ينصرف نحو الظواهر العقلية والاجتماعية، وأيضا الوجدانية، من أجل دراستها ومناقشة أزمنتها أو تطورها وفهم مغاليقها وأعطابها.
أسلمته أيضا ووجدت لديه نزوعات دينية متفاوتة الخطورة وميل إلى تدين ليس هو الذي تكلم عنه يوما ماكس فيبر والذي أسعد الحظ به أوربا في لحظة تاريخية ما، فقفزت انطلاقا منه نحو آفاق واسعة من الحداثة والإصلاح، وإنما هو تدين مغشوش يراعي كثيرا المظهر والشكل (الحرص على العبادات) في غياب كلي لعمل أخلاقي وفكري نزيه وواضح وإيجابي يمكن أن يطهر المجتمع ويغسله من أمراضه المزمنة التي تعاظمت وتأبدت بشكل غير مسبوق (ينظر سيد القمني).
إن كثيرا من الضعف الذي أصاب مجتمعاتنا راجع إلى اختياراتها السياسية على أساس أن الوعي السياسي يشكل أعلى مستويات الوعي، هذا درس ماركس الذي أصبح إلى جانب كل العناصر الصحيحة في النظرية مضموما إلى العلم وجزءا منه.
انطلاقا من هذا وكيما نخرج من لحظة التوصيف السابقة، نطرح الأسئلة التالية: كيف نفسر الحراك الشعبي العربي الأخير؟ كيف نفسر ونفهم هذا الوارد الذي دفع به استشهاد البوعزيزي إلى الساحات والأماكن العامة كمن يريد استردادها من اغتصاب دام عقودا؟ كيف نفهم تعاظم واشتداد الصراع بين القوى الاجتماعية والأنظمة بدل الصراع في ما بينها، أي هذه القوى، كما تقول ماركسيات مبتذلة منقولة؟ ما دور العامل الديني، إن كان له دور يحسب، في هذا الحراك أو الدينامية؟ لماذا انخرط الإخوان وغيرهم من التيارات الإسلامية متأخرين في هذه الدينامية لنجدهم متصدرين المشهد الانتخابي (المغرب، مصر، تونس)؟ أسئلة من كلٍّ كثير متشعب نحب أن نتلوها مع القارئ علنا نظفر ببعض إجابة تضيء مسيرة هذا الحراك وتفسر لماذا يمكن اعتباره جزءا من آخر أوسع هو مسيرة التحرر الوطني الذي دخلت فيه مجتمعاتنا في البداية مع القوى الإمبريالية، وها هي اليوم تستكمل بعضا من مهماتها التي دخلت انتظارا طويلا، ربما للفصل الأخير الذي لم يحن أوانه.
يفيدنا المصطلح الخلدوي هنا، ونعني مصطلح نشأة مستأنفة، للتعبير عما يحدث اليوم في البلدان العربية، وهو ما قصدناه لقولنا إن الحراك الشعبي الذي تتفاوت وتائره هنا وهناك صيغة ثانية وجزء من حركة التحرر الوطني، لكن هذه المرة ضد أنظمة نشأت وتكرست لما فشلت حركة التحرر الوطني ضد الإمبريالية في بناء أنظمة ديمقراطية شعبية تسمح بالحريات وبالتعددية وبالتداول السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثروة والمطالب الاجتماعية التي كان من المفروض أن نضعها إلى جانب المطلب السياسي الأسمى وهو تحقيق الاستقلال والتحرر من قبضة المستعمر. نحن نشير هنا إلى أن حركة التحرر الوطني لم تكن، للأسف، ثورية شعبية كما زعم ذلك بعض مؤرخي المرحلة (مهدي عامل، حسين مروة). نعم كانت وطنية قومية، لكن ثورية تعبر عن صراع طبقي. هذا ما يكشف الحراك الشعبي اليوم عن بطلانه وزيفه مصداقا لهذه الشعارات ذات الطبيعة الاجتماعية المرفوعة اليوم من لدن شباب (يرفض التنظيمات السياسية ذات المصداقية أو تلك التي أوجدها النظام لخدمة أهدافه)، لكنه استيقظ على مستقبل مفوت، وعلى فوات كثير من مصالحه أو تفويتها وسرقتها من قبل أنظمة مستبدة امتصت الثروة وغرزت مخالبها في البقية الباقية من هذا الجسد المنخور.
صحيح أن الحراك الشعبي هذا يفتقر إلى كثير من التأمل في أوضاعه بعيدا عن سكرة ونشوة إسقاط الأنظمة، خاصة بعد سقوط نظام مبارك الذي نعتبر سقوطه عنصرا حاسما في تطور الحراك وتعاظمه، إن لم نقل نضجه في أفق صيرورته استقلالا تاريخيا حقيقيا. والغريب أنه بسقوط نظام مبارك طرحت جميع الأسئلة المتعلقة بالهوية، والبرنامج الوطني الكفيل بانتشال المجتمع من مشكلاته والقائم على مصالحه وأهدافه: الحرية، التعددية، العلاقة بالتراث،...
وصحيح أيضا افتقار هذا الحراك إلى دعامة نظرية واضحة قادرة على مده بالإجابات والمعطيات المناسبة في سياق صيرورته مشروعا وطنيا بديلا، وصحيح أيضا أن حركة التحرر الوطني كانت مسبوقة بعمل نهضوي إصلاحي (محمد عبده، الأفغاني) أمدها بأسلحة علمية وفكرية عميقة حولتها، بفعل اشتباكها بواقعها المعقد والمكتنز، إلى وسائل وأدوات للعمل السياسي. لقد أجاب أو حدد محمد عبده، من منطلق ديني ونظري متفتح، العلاقة بين الإسلام وكثير من مفاهيم العصر: الحرية وخاصة الدينية، العدالة، العقل، مدنية الدولة الإسلامية، مادية قوانين الاجتماع الإنساني...
صحيح أيضا افتقار الحراك إلى كوادر قادرة على استثمار المكاسب الحقيقية الموجودة لدى الجماهير. وهنا نشير إلى العلاقة الملتبسة بين الحراك والتنظيمات السياسية، نقصد:
- عجز هاته الأخيرة عن قراءة الأوضاع الاجتماعية بطريقة سليمة وواضحة؛
- عجزها أو ضعفها الأخلاقي، ونعني به عجز البناء القيمي الذي تأسست عليه عن أن يكون شاغلا حقيقيا لدى الجماهير؛
- ضعفها العلمي، ونعني عجز أدواتها التحليلية عن فهم وتفسير البنية الاجتماعية في تحولاتها، وعن استثمار الأنساق الفكرية (الإيديولوجية من حيث هي وعي منقول لإضاءة واقع آخر مختلف ومتخلف) من أجل بناء فهم مطابق لما هو موجود؛
- هذا علاوة على ضعفها الخطير من جهة ارتباطها بالجماهير التي كشفت عن عفوية كبيرة وكشفت بدورها عن قلق اجتماعي لم يجد، للأسف، الإطار والمفهوم الذي يحتويه ويحمله.
أستاذ باحث


بوبكر الفلالي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.