صاروخ يقتل أطفالا يجلبون الماء في غزة وإسرائيل تعزو السبب لعطل    طنجة.. مكبرات صوت وDJ في الهواء الطلق تثيران استياء المصلين وسكان كورنيش مالاباطا    "السيبة" في أصيلة.. فوضى في الشوارع وغياب للسلطات    تشلسي يصعق باريس سان جيرمان ويتوج بلقب مونديال الأندية الموسع بثلاثية تاريخية    الفنانة الهولندية من أصول ناظورية "نوميديا" تتوَّج بلقب Stars on Stage    كرة القدم.. "فيفا" يكشف عن قرارات جديدة بخصوص صحة وفترات راحة اللاعبين واللاعبات    من عاصمة سوس.. حزب "الحمامة" يطلق دينامية شبابية جديدة للتواصل مع الشباب وتقريبهم من العمل السياسي    "كان" السيدات .. تأهل نيجيريا والجزائر    رفاق حكيمي يسقطون بثلاثية أمام تشيلسي في نهائي كأس العالم للأندية    اليمين المتطرف في بلدة إسبانية يستغل حادثة للعنف لربط الهجرة بالجريمة    وفاة رئيس نيجيريا السابق محمد بخاري    بناني والحاجي والمرنيسي يحسمون لقب "بطل المغرب" في الفروسية    أطروحة دكتوراه تكشف محدودية تفاعل المواطنين مع الخدمات الرقمية بالمغرب: فقط 40% راضون    الوزيرة بنعلي تعلن الشروع رسميا في إنجاز مشروع أنبوب الغاز المغرب- نيجيريا        دونالد ترامب يحضر مباراة نهائي كأس العالم للأندية لكرة القدم    منظمة الصحة العالمية تحذر: تلوث الهواء يهدد أدمغة الأطفال ويعيق نموهم    نشرة إنذارية: موجة حر من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    عودة العيطة إلى مسرح محمد الخامس.. حجيب نجم النسخة الثالثة    لطيفة تطرح الدفعة الأولى من ألبوم "قلبي ارتاح".. أول ألبوم عربي بتقنية "Dolby Atmos"    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتفاعل مع فاجعة 'خزان أولاد يوسف'    الكوكب يراهن على خبرة الطاوسي في رحلة التحدي الكبير    تيزنيت: للسنة الثانية على التوالي..نسبة النجاح بالبكالوريا تُلامس 80%    إصابة أربعة أشخاص في سقوط أرجوحة بمرتيل    « البسطيلة بالدجاج» تحصد المركز الثالث في مسابقة «تحدي طهاة السفارات» بواشنطن    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مونتينيغرو بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني    متحدية الحصار الإسرائيلي.. سفينة "حنظلة" تنطلق من إيطاليا باتجاه غزة    "فيفا" يُنصف حكيمي: أفضل مدافع في مونديال الأندية بأرقام دفاعية وهجومية مذهلة    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يأسف لتطورات اعتصام قصبة تادلة ويحذر من نشر مشاهد صادمة دون ضوابط    الشاعرة نبيلة بيادي تجمع بتطوان الأدباء بالقراء في برنامج "ضوء على القصيدة"    "نوستالجيا 2025": مسرح يحفر في الذاكرة... ويستشرف الغد    بملتقى فكري مفتوح حول «السؤال الثقافي: التحديات والرهانات»، بالمقر المركزي للحزب بالرباط .. الاتحاد الاشتراكي يفتح نقاشاً ثقافياً استعداداً لمؤتمره الثاني عشر    دلالات خفقان القلب بعد تناول المشروبات المثلجة        "عدالة" تنبه إلى التدهور المقلق للوضع الحقوقي بالمغرب وتدعو لإصلاح يضمن الحقوق والحريات    الاتحاد الأوروبي يؤجل "رسوم أمريكا"    انتهاك صارخ لقدسية الأقصى.. مستوطنون يقتحمون قبة الصخرة ويؤدون طقوسًا تلمودية في ذكرى خراب الهيكل    مراكش تنادي إفريقيا: إصلاح التقاعد لضمان كرامة الأجيال المقبلة    سبعيني ينهي حياته شنقًا بجماعة بني بوشيبت    الرابطة المغربية للشباب والطلبة تختتم مخيم "الحق في الماء" بمركب ليكسوس بالعرائش    "بوحمرون" يسلب حياة طفل في مدينة ليفربول    يديعوت أحرونوت: موجة هجرة إسرائيلية غير رسمية نحو المغرب في خضم الحرب    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    صحافي أمريكي: الملياردير جيفري إبستين صاحب فضيحة شبكة الدعارة بالقاصرات كان يعمل لصالح إسرائيل    صدور كتاب عن قبيلة "إبقوين" الريفية يفكك الأساطير المؤسسة لقضية "القرصنة" عند الريفيين    تقرير: المغرب ضمن 3 دول أطلقت سياسات جديدة لدعم الزراعة الشمسية خلال 2024    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة        بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بملتقى فكري مفتوح حول «السؤال الثقافي: التحديات والرهانات»، بالمقر المركزي للحزب بالرباط .. الاتحاد الاشتراكي يفتح نقاشاً ثقافياً استعداداً لمؤتمره الثاني عشر

السعدية بنسهلي : الثقافة في قلب مشروع التغيير الديمقراطي
في إطار التحضير للمؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المزمع تنظيمه في أكتوبر المقبل، نظمت اللجنة الثقافية المنبثقة عن اللجنة التحضيرية، يوم السبت 12 يوليوز 2025، ملتقى فكرياً مفتوحاً حول "السؤال الثقافي: التحديات والرهانات"، بالمقر المركزي للحزب بالرباط.
الذي شارك فيه عدد من الباحثين والأكاديميين والجامعيين وأعضاء اللجنة الثقافية.
قدّمت السعدية بنسهلي، رئيسة اللجنة الثقافية وعضو المكتب السياسي، المداخلة الافتتاحية تحت عنوان: "نحو مشروع ثقافي اتحادي يواكب التحولات ويصون الكينونة المغربية"، حيث شددت على أن الورقة الثقافية التي يجري إعدادها ليست فقط وثيقة تأطيرية للمؤتمر، بل مشروعا متكاملا يعيد الاعتبار للدور المحوري للثقافة في المشروع المجتمعي الاتحادي.
وأكدت بنسهلي أن الاتحاد الاشتراكي لطالما اعتبر الثقافة مكوناً عضوياً في نضاله السياسي والاجتماعي، وجزءاً لا يتجزأ من معركته ضد الاستبداد والظلامية والتفاهة. وأضافت أن الحزب راكم، منذ عقود، إرثاً ثقافياً غنيًا ساهم فيه مثقفون ومناضلون اتحاديون، من خلال الإعلام الحزبي والسياسات العمومية، وعبر خطاب تنويري عقلاني جعل من الثقافة أداة للتحرر وبناء الإنسان.
المداخلة شددت على أن التحولات العميقة التي يشهدها المغرب، بفعل الثورة الرقمية وتغير أنماط العيش والقيم، تفرض إعادة التفكير في موقع الثقافة كشرط لبناء ديمقراطية فعلية، وكمجال مركزي لصياغة وعي نقدي جماهيري، قادر على مواجهة الشعبوية والتسليع واللامعنى.
وختمت رئيسة اللجنة الثقافية بالقول إن الورقة الثقافية، في صيغتها النهائية، ستكون ثمرة لنقاش جماعي مفتوح، يستند إلى المرجعية الاتحادية، وينطلق من فهم معمق للتحديات المحلية والدولية، بهدف بلورة رؤية ثقافية حداثية ديمقراطية، تجعل من الثقافة رافعة للتنمية والإنسان.
فريدة بوفتاس: الثقافة ليست ترفاً… بل شرط وجود واستراتيجية للتحرر والتغيير
قدمت فريدة بوفتاس، نائبة رئيسة اللجنة الثقافية وعضو المجلس الوطني للحزب، مداخلة نوعية ضمن أشغال ذات الملتقى الثقافي، حيث طرحت سلسلة من الأسئلة الجوهرية حول موقع الثقافة في المشروع المجتمعي والسياسي للحزب، وحول الرهانات والتحديات التي تواجهها اليوم في ظل تحولات متسارعة.
بوفتاس دعت إلى التفكير في الثقافة كفاعل مركزي في العمل السياسي والنضال الديمقراطي، وتساءلت عن سبل إعادة الاعتبار لدور المثقف في زمن الرقمنة وظهور المؤثرين والتقنوقراط كفاعلين جدد في الحقل العمومي. كما شددت على ضرورة مساءلة العلاقة بين الفعل الثقافي والسياسي، وعلى أهمية بلورة مرجعية ثقافية واضحة وموجِّهة لأي مشروع سياسي حداثي.
وفي سياق تشريحها لأسباب تراجع النخب الثقافية داخل الأحزاب والمؤسسات، حمّلت بوفتاس المسؤولية إلى اختلالات بنيوية تطال المدرسة، والجامعة، والإعلام، محذّرة من هيمنة الرداءة وتسليع المعرفة والفنون، في ظل تهميش ممنهج للثقافة في السياسات العمومية، رغم دسترتها في 2011.
وطرحت المتدخلة إشكاليات كبرى تتعلق بتأثيرات الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي على تشكيل الوعي، وعلى موقع الإنسان في المنظومة القيمية الجديدة، متسائلة عن كيفية استدماج هذه التحولات داخل المشروع الثقافي الاتحادي، وربطها بالتأطير الحزبي والإعلامي والتكويني.
وختمت مداخلتها بالتأكيد على أن الرهان الثقافي ليس هامشياً ولا قطاعياً، بل هو رهان وجودي واستراتيجي، معتبرة أن الثقافة ليست ترفاً فكرياً، بل روح المشروع السياسي، وشرط تحقيق مغرب ديمقراطي، حداثي، قائم على قيم المواطنة والكرامة والعدالة الاجتماعية.
عبد الرحيم العطري: الثقافة بوابة التنمية في زمن التفكك واللايقين
وفي نفس الجلسة الأولى لهذا الملتقى قدّم الأستاذ والباحث عبد الرحيم العطري مداخلة اتسمت بالحس السوسيولوجي التحليلي، مبرزًا أن الثقافة لم تعد ترفًا، بل أصبحت ضرورة استراتيجية في ظل ما يعيشه المغرب من تحولات اجتماعية وقيمية عميقة.
وطرح العطري مجموعة من الأفكار المفصلية: المجتمع المغربي اليوم يعاني من التفكك والتناقضات والتفاوض المستمر بين القيم القديمة والحديثة.
هناك انتصار للمال على الفكر، وتفوق لقيم الاستهلاك على قيم التشارك والمعرفة.
الرقمنة عمّقت هذه التحولات، حيث تحولت العلاقة مع الزمن والآخر إلى علاقة "رقمية، فورية، سطحية".
وتساءل العطري: هل نجحنا في الإصلاح أم فقط جددنا أشكال السلطة؟ مؤكدًا أن سوء الفهم القائم بين السياسي والثقافي يعمق الأزمة.
اعتبر العطري أن الثقافة اليوم مطالبة بأن تكون فاعلًا في مواجهة:
أزمة القيم والهوية، والمخاطر البيئية والمائية ثم الصراعات الدينية والتعددية الإثنية، وتفشي ثقافة اليأس والموت الرمزي للمثقف.
ودعا في الختام إلى إعادة الاعتبار للثقافة كمجال لإنتاج الأمل والمعنى، وكرافعة للتنمية والسياسات العمومية.
جمال فزة: التعدد الثقافي والعدالة الاجتماعية مدخل لفهم جديد للثقافة
من جهته، قدم الأستاذ جمال فزة، مداخلة نظرية معمقة، استعاد فيها تطور مفهوم الثقافة من الأنثروبولوجيا الكلاسيكية، حيث كانت تعني الحضارة، إلى المفهوم السوسيولوجي الذي يربطها بروح البنية الاجتماعية. وركز فزة على:
التحدي الأكبر اليوم يتمثل في كيفية تدبير التعدد الثقافي والعيش المشترك في ظل تحولات عالمية غير مسبوقة. وضرورة الاعتراف بالحقوق الثقافية كمكون للعدالة الاجتماعية. توزيع الخيرات بشكل عادل لا ينبغي أن يُفهم فقط اقتصاديًا، بل ثقافيًا، عبر تمكين الجميع من التعبير والمشاركة والتمثيل.
دعا فزة إلى القبول بالاختلاف، وفهم الآخر كما هو، والابتعاد عن الخطابات الإقصائية، مؤكدا على أهمية فهم الدين بطريقة علمية، وتفكيك الأساطير المعيقة لبناء المواطنة الثقافية، وخلص إلى أن تملك المعرفة هو مدخل رئيسي لإعادة تحديد الهوية الوطنية في زمن العولمة وتسييل المفاهيم.
عمر بنعياش: ضرورة إحياء مدرسة التكوين للأطر الحزبية، مع التأكيد على أهمية العلوم الاجتماعية
اختتمت الجلسة الأولى بمداخلة عمر بنعياش الذي ربط الثقافة بالتكوين السياسي والتنظيمي، داعيًا إلى:
إعادة إحياء مدرسة التكوين داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، كفضاء لإعداد الأطر، وتكوين المناضلين، وتطوير الفكر الحزبي.
رقمنة الأعمال الحزبية كضرورة تنظيمية، ولكن دون التفريط في العمق الفكري.
وأكد بنعياش على أهمية العلوم الاجتماعية والإنسانية في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وهيمنة النزعة الاقتصادية على حساب الفهم السوسيولوجي، متوقفا عند ظاهرة التذاكي في وسائل التواصل، وتحول البعض في شبكات التواصل إلى "مواطن يعطي دروسًا"، وانتشار التفاهة والعراء والعنف الرمزي والناعم، كما تحدث عن تسليع الثقافة والسعادة، وتحول المثقف الحقيقي أمام هذا العبث على النت إلى متفرج، واصفا الوضع الراهن ب"ظاهرة التغوّل"، حيث تتفشى السلطوية بأشكال جديدة، داعيًا إلى تجديد الخطاب السياسي والثقافي داخل الحزب، وختم بمقاربة نقدية معتمدة في علم السوسيولوجيا، داعيًا إلى قراءة التجربة من داخلها، لا جلدها من الخارج.
بعض خلاصات الجلسة الأولى: الثقافة ليست ترفًا… بل استراتيجية عبور إلى المستقبل
أجمعت المداخلات على أن الثقافة لم تعد شأنًا نخبويًا أو ترفًا فكريًا، بل رافعة أساسية لمواجهة الأزمات المتعددة، من التفكك القيمي إلى العنف الرمزي، ومن هيمنة الرقمنة إلى صراعات الهوية والانتماء. كما دعا المتدخلون إلى بناء مشروع ثقافي وطني منفتح، تعددي، عقلاني، وإنساني، ينطلق من الواقع المغربي، ويؤمن بأن الثقافة هي السياسة بمعناها العميق.
التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في صلب الرهان الثقافي الجديد للاتحاد الاشتراكي: أي دور للمثقف في زمن الخوارزميات؟
في إطار أشغال الملتقى الثقافي العام الذي نظمته اللجنة الثقافية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يوم السبت 12 يوليوز 2025، خصصت الجلسة الثانية لموضوع راهني واستراتيجي: "التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي في علاقتها بالثقافة والفكر والعمل السياسي". وهي جلسة ثانية عالجت إشكالات مركبة تضع الثقافة في قلب التغيرات الجذرية التي يعرفها العصر الرقمي، وما تطرحه من رهانات معرفية وتربوية ومجتمعية وسياسية.
إدريس جبري: إعادة التفكير في مفهوم الثقافة والمثقف في زمن المنصات
أدار الجلسة الثانية للملتقى الأستاذ الجامعي إدريس جبري، الذي استهلها بتشخيص عام لتحولات المشهد الثقافي في علاقته بالتكنولوجيا، محذراً من خطورة ما أسماه ب"التنشئة الاجتماعية الرقمية"، التي بدأت تنافس المدرسة والأسرة ووسائل الإعلام التقليدية في تشكيل الوعي والذوق والمواقف.
جبري أثار مجموعة من الأسئلة المفصلية: ما هو مفهوم الثقافة اليوم؟ من هو المثقف في زمن الخوارزميات؟ هل لا يزال المثقف الملتزم كما عهدناه، أم أن المفهوم ذاته يحتاج إلى إعادة تعريف في ظل صعود "الخبير التقني" الذي يقدم منتوجه المعرفي مقابل أجر، و"المؤثر الرقمي" الذي يمارس الاستقطاب الجماهيري دون خلفية فكرية أو التزام معرفي؟
كما توقف على مظاهر جديدة تغزو الفضاء الرقمي مثل التفاهة، العري الرمزي، التلصص الجماعي، واستبدال النضال الثقافي الحقيقي بمنصات تروّج السطحية والانفعالات السريعة، في غياب التأطير المؤسساتي والتربوي.
زهور كرام: الثقافة الرقمية مجال جديد للتفكير لا مجرد وسيلة
المداخلة الأولى في هذه الجلسة كانت للدكتورة زهور كرام، أستاذة باحثة في العلوم الإنسانية ومتخصصة في الذكاء الاصطناعي الرقمي، والتي اعتبرت أن اللحظة الراهنة تفرض إعادة التفكير في "الفكر نفسه". فالثقافة الرقمية، حسب كرام، ليست مجرد وسيلة لنقل المعلومة، بل هي أداة معرفية واستراتيجية إدراكية تغيّر نمط التفكير نفسه.
وأكدت أن التحدي الأكبر اليوم هو أن المجتمعات أصبحت تستهلك تقنيات متقدمة بأدوات تفكير متقادمة، معتبرة أن التخلف لم يعد مرتبطاً بعدم امتلاك التكنولوجيا، بل بطريقة استخدامها وإنتاج الوعي من خلالها.
كرام تطرقت إلى مفارقة التعلم في العصر الرقمي: "لم نعد نتعلم ثم نستخدم، بل نستخدم ثم نتعلم"، وهو ما يتطلب، حسب رأيها، بناء تنوير رقمي يرافق الاستخدام ويوجهه. كما حذرت من الدور السلبي للخوارزميات التي تنتج معرفة على مقاس المستخدم، مما يضعف الحس النقدي ويعمق الفقاعات المعرفية.
وفي مقاربة جديدة لمفهوم التأثير، اعتبرت أن "عدد المتابعين" لا يساوي التأثير الحقيقي، بل إن الفكر هو المحفّز الأهم في الثورة الرقمية. واقترحت مفهوم "الصيام الرقمي" كتقنية تربوية لتعويد الأطفال والشباب على علاقة صحية مع الأدوات الرقمية، بعيداً عن الإدمان والاستعمال العشوائي.
أحمد فال: من الذكاء الاصطناعي الخبير إلى المساعد الذكي
المداخلة الثانية كانت من نصيب الدكتور أحمد فال، الخبير في الذكاء الرقمي، الذي قدم عرضاً علمياً مفصلاً حول تطور الذكاء الاصطناعي، من النظم الخبيرة في ثمانينيات القرن الماضي إلى تقنيات التعلم الآلي والمساعدات الذكية المعتمدة اليوم في مختلف القطاعات، خاصة التعليم والإدارة.
فال استعرض تاريخ الذكاء الاصطناعي، بدءاً من المعارف الجافة وقواعد البيانات، وصولاً إلى المرحلة الراهنة التي تشهد تراكماً غير مسبوق في البيانات والعلاقات بين المعطيات، مما يسمح بإنتاج معرفة مؤتمتة، قابلة للتخصيص حسب المستخدم.
كما قدّم للحضور أمثلة تطبيقية حيّة، باستخدام هاتفه الذكي، استعرض من خلالها كيف يمكن استغلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتسهيل مهام يومية أو مهنية، ما خلق تفاعلاً كبيراً بين المشاركين، وأبرز أهمية هذا المجال في تحسين أداء الأفراد والمؤسسات.
فال شدد على ضرورة إدماج الذكاء الاصطناعي ضمن استراتيجية وطنية شاملة، لا تقتصر على الجانب التقني، بل تشمل البعد التربوي والثقافي والأخلاقي، محذراً من مخاطر الاستعمال العشوائي أو غير الموجه لهذا النوع من التكنولوجيا.
نقاش نحو ورقة ثقافية اتحادية تُواكب العصر الرقمي
الجلسة الثانية أبرزت أن الثقافة، كما يراها الاتحاد الاشتراكي، لم تعد مرتبطة فقط بالنصوص والكتب والمسرح والفنون، بل أصبحت تتقاطع مع مفاهيم جديدة مثل الرقمنة، الذكاء الاصطناعي، الخوارزميات، المنصات، والتأثير الرقمي. وهي مفاهيم تستدعي – بحسب المداخلات – بناء تصور ثقافي جديد يدمج هذه الأدوات في تأطير المواطنين، وصياغة وعي نقدي يتلاءم مع تحديات المرحلة.
في هذا السياق، يتجه الحزب نحو صياغة ورقة ثقافية متجددة، تنهل من مرجعيته التنويرية والتقدمية، لكنها تنفتح في الآن ذاته على تحولات التكنولوجيا الرقمية، لتبني خطاب حداثي قادر على فهم الجيل الجديد والتفاعل مع واقعه وآفاقه.
في حضرة الثقافة والذكاء الاصطناعي: عمر أعنان يدعو إلى ثورة ثقافية تُنقذ الإنسان من قبضة الخوارزميات
في مداخلة فكرية لافتة ألقاها في الملتقى الثقافي الذي نظمه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، استعرض النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي وأستاذ الرياضيات، ذ. عمر أعنان، رهانات الثقافة في زمن الذكاء الاصطناعي، ووقف عند التقاطعات المعقدة بين ما هو تقني وفلسفي، بين الثورة الرقمية وسؤال المصير الإنساني.
وأكد أعنان أن الثقافة ليست ترفًا نخبويًا ولا زينة خطابية، بل هي عمق نضالي ومجال للتحرر الفردي والجماعي، مشددًا على أن المشروع الثقافي الذي يحمله حزب الاتحاد الاشتراكي هو مشروع مقاومة ضد التبعية، وضد تكلس الفكر، وضد تسليع الإنسان.
وتطرق إلى التحولات الرقمية الجذرية التي يشهدها العصر، معتبرًا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة، بل أصبح عقلًا بديلاً يهدد بتحجيم الإبداع، وتفريغ المعرفة من عمقها الإنساني. فالمستخدم لم يعد يبحث، بل ينتظر؛ والكاتب لا يبدع، بل يعدل؛ والطفل لا يخطّ، بل يستهلك.
وأشار إلى مفترق وجودي حاد: هل نتجه نحو "الإنسان المعزز" المرتبط بالشبكات والشرائح، أم نحو "الإنسان المنسي" الذي يُقصى من الثورة التقنية بحكم غياب الإمكانيات؟ وأكد أن الرهان لم يعد تقنيًا فقط، بل إنسانيا وأخلاقيا بالأساس.
وفي خضم هذا التحول، شدد أعنان على ضرورة بناء وعي ثقافي ديمقراطي يقاوم الرداءة والإجابات الجاهزة، ويرسّخ التفكير النقدي والخيال كمقومات أساسية لأي ثقافة إنسانية. كما دعا إلى تجديد المدرسة المغربية لتكون فضاءً لتكوين الضمائر، لا فقط تلقين المهارات.
ولم يفته التنبيه إلى المخاطر المتزايدة على حقوق المبدعين في زمن تُدرّب فيه الخوارزميات على أعمال بشرية دون إذن، مما يهدد السيادة الرمزية للمجتمعات. واقترح في هذا الصدد إطلاق استراتيجية وطنية للثقافة الرقمية، تشمل تشريعات جديدة لحماية الملكية الفكرية، وتدعم المحتوى الثقافي المغربي المستقل.
واختتم اأعنان مداخلته بالتأكيد أن المعركة اليوم ليست ضد التقنية، بل من أجل إنسانية لا تضيع داخل خوارزميات لا تفكر، بل تحاكي. وقال: "نريد ذكاءً يعيننا على التفكير، لا يُفكر بدلًا منا. نريد ثقافة تُنقذ المستقبل من أن يتحول إلى كود بلا روح".
بعض خلاصات الجلسة الثانية
الجلسة الثانية من الملتقى الثقافي لحزب الاتحاد الاشتراكي كانت لحظة تأمل جماعي في ما يحدث من ثورة رقمية عميقة، ووقفة نقدية أمام مفاهيم تقليدية لم تعد صالحة لضبط الواقع. وتؤكد هذه الجلسة أن مشروع الحزب الثقافي للمؤتمر القادم لا يمكن أن يتجاهل الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، بل عليه أن يجعلهما ضمن أدوات التحرر والتنوير، لبناء مغرب الحداثة الرقمية والكرامة الإنسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.