المدرب الأرجنتيني: "المنتخب المغربي خصم قوي وما حققه في البطولة لم يكن بالأمر الهين"    إدريس لشكر يؤكد أن تجديد ولايته على رأس "الاتحاد الاشتراكي" جاء بإرادة القواعد الحزبية    الزمامرة يخطف فوزا ثمينا من الدشيرة    محمد وهبي: النهائي يحسم بجزئيات صغيرة وسنقدم كل ما لدينا لنرفع علم المغرب عاليا    فتح: حماس تتجاهل آلام الفلسطينيين    "تناقضات Z" تغضب "شباب الشرق"    شركة يابانية تختار تطوان لبناء مصنع ضخم للسجائر    جشع الباعة بالتقسيط ينفخ أسعار "اللحوم البرازيلية" في مجازر المغرب    الوداد يكمل الاستعداد للتنافس بأكرا    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    إدانة ثلاثة صيادين من بليونش بسبب صيد التونة الحمراء    "مرحبا بيك" تنشط مونديال الفتيات    أشبال الأطلس في موعد مع التاريخ أمام الأرجنتين لانتزاع المجد العالمي    الصعود عنوانا    المحكمة "الجنائية الدولية" تؤيد مجددا مذكرات توقيف مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وملابسات وخلفيات إقدام موظف شرطة على محاولة الانتحار    الهندسة رافعة التنمية... سودو يؤكد أن المهندس المغربي في قلب مشروع مغرب 2030    بميزانية 42 مليار يورو.. أوروبا توجه برنامج "إيراسموس" نحو المغرب وباقي الدول المغاربية    الفنان فؤاد عبدالواحد يطلق أحدث أعماله الفنية    خريبكة تحتضن الدورة 16 للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمشاركة دولية ومحلية واسعة    انتقاء أفلام المهرجان الوطني للفيلم.. جدلية الاستقلالية والتمويل في السينما    البرلمان الياباني يصوت الثلاثاء المقبل لاختيار رئيس وزراء جديد    ارتفاع المداخيل الجبائية إلى 258 مليار درهم خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025    نهضة بركان يواجه بيراميدز بطموح حصد لقب كأس السوبر الأفريقي للمرة الثانية في تاريخه    محلل برازيلي: المغرب يتوفر على فريق قادر على التتويج بلقب كأس العالم لأقل من 20 سنة    بالصور.. مدرسة سيدي عبدالله الإيكولوجية تخلد اليوم العالمي للتغذية    وفاة العالم الصيني تشن نينغ يانغ عن 103 أعوام.. أحد أبرز عقول الفيزياء الحديثة    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية    المخطط الخماسي الجديد للصين: الأولوية للابتكار في مواجهة القيود الأمريكية    إصابة تلميذ في حادث دهس بالترامواي بعين السبع الحي المحمدي    مشروع "ميهادرين" الإسرائيلي لإنتاج الأفوكادو بالمغرب يثير جدلاً وسط أزمة المياه وتزايد الدعوات لوقف التطبيع    لشكر يواصل قيادة الاتحاد الاشتراكي    الدفاع المدني ينعى 9 أشخاص في غزة    الإحصاء المدرسي ينطلق في المغرب    واشنطن تسمح بزيادة إنتاج "بوينغ 737 ماكس"    "الاتحاد الاشتراكي" من الانتخاب إلى التمديد.. لشكر يمدد لنفسه لولاية رابعة في ظل تراجع قاعدة الحزب وتزايد الانتقادات لقيادته    "جيل زد الأمازيغي" يعلن التمسك بقرار الانسحاب ويرفض "الوصاية الفكرية"    باحث روسي: مؤشرات الاقتصاد المغربي تؤهله لشراكة استراتيجية مع موسكو    "الحال" يفتتح فعاليات الدورة 25 من المهرجان الوطني للفيلم في طنجة    وفاة الفيزيائي تشين نينج يانج الفائز بجائزة نوبل    مغينية: فارق السن والخبرة أثر في النتيجة لكن الأداء كان مشرفا    الدرك الملكي بالجديدة يلقي القبض على شخصين قاما بالتبليغ عن عملية سطو مفبركة    غموض لافت في مشروع قرار مجلس الأمن حول الصحراء: بين دعم الحكم الذاتي وضمان حق تقرير المصير    المصادقة على 344 مشروعا بالشمال    توقيع اتفاق جديد للتعاون في مجال الصيد البحري بين المغرب وروسيا    بورصة البيضاء تنهي التداولات بارتفاع    مغربيان ضمن المتوجين بجائزة كتارا للرواية العربية    وفاة والدة الفنانة لطيفة رأفت بعد معاناة مع المرض    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقفون التونسيون والقلق المشروع
نشر في المساء يوم 24 - 07 - 2012

اطلعت على البيان الذي أصدره المثقفون التونسيون قبل أكثر من شهر باللغات الرئيسية الثلاث، العربية والفرنسية والإنجليزية، وفيه يعبرون عن مخاوفهم من المصير الذي آلت إليه الأمور
مؤخرا بعد الثورة؛ فهناك محاولة للهيمنة على كل مفاصل الدولة من قبل الحزب الإسلامي الحاكم؛ وهناك محاولة للتراجع عن بعض المكتسبات الأساسية التي حققها المجتمع التونسي منذ القرن التاسع عشر وليس فقط منذ عهد بورقيبة الليبرالي. ومعلوم أن تونس شهدت أول دستور في العالم العربي منذ عام 1861، ومعلوم أيضا أن قانون الأحوال الشخصية يمنع الطلاق التعسفي وتعدد الزوجات، ويعطي المرأة حقوقا لا مثيل لها في المنطقة؛ وهناك هجوم شامل يشنه حزب النهضة على رموز الحداثة من شخصيات ومؤسسات، كما أنه يستدعي دعاة الأفكار المتشددة في البلاد.
فهل تونس المثقفة بحاجة إلى «أنوار» الشيخ وجدي غنيم أو سواه؟ شخصيا، أتردد في تسميته بحزب النهضة، لأن كلمة نهضة ذات رنين خاص في اللغة العربية، بل وحتى في اللغات الأجنبية.. إنها تعني التطلع إلى المستقبل لا العودة إلى الماضي، إنها تعني في اللغات الأجنبية إحداث القطيعة مع ظلاميات العصور الوسطى المسيحية، وبالتالي فهي لا تنطبق إطلاقا على الأحزاب الأصولية العربية التي تريد العودة إلى العصور الوسطى الإسلامية، وليس القطيعة معها. ينتج عن ذلك أن السطو على هذا المفهوم الشهير خلق بلبلة فكرية وفوضى معنوية، بل وقلب الأمور عاليها سافلها. لم نعد نعرف معنى الكلمات.. حتى اللغة أصبحت معكوسة!
لا يمكن لكلمة «نهضة» أن تنطبق على تأويل إخواني أو سلفي قديم للإسلام. بالمقابل، يمكن أن تنطبق كل الانطباق على التأويل التجديدي المستنير للدين الحنيف والقرآن الكريم.. وهو التأويل الذي أسهم فيه المثقفون التونسيون إلى حد كبير، نذكر من بينهم بعض الموقعين على هذا البيان بالذات: كعبد المجيد الشرفي، ورجاء بن سلامة، ومحمد شريف فرجاني، وفتحي بن سلامة، وآخرين؛ هذا من دون أن ننسى عبد الوهاب المؤدب الذي ذهب إلى أبعد حد ممكن في الدراسة التنويرية للتراث العربي الإسلامي، وكانت جرأته محط إعجاب الكثيرين في أوربا والعالم العربي، وحققت كتبه المتتالية رواجا ملحوظا وألقت إضاءات ساطعة على الإشكالية الكبرى التي تؤرقنا وتؤرق العالم كله حاليا، فقد عرف كيف يصالح بين الأنوار العربية والأنوار الأوربية، أو قل: عرف كيف يجد نقطة التقاطع بينهما والحلقة المفرغة الضائعة.. إنه يبرع في ذلك كل البراعة بفضل اطلاعه العميق على تراثنا الإسلامي العريق، من جهة، وعلى التراث المسيحي فالعلماني الأوربي، من جهة أخرى.. إنه مسكون بكلتا التجربتين والهمّين.
إنه نتاج ناجح ورائع لكلا التراثين الكبيرين. نقول ذلك خاصة وأنه ابن أحد مشايخ الزيتونة الكبار. ومعلوم أن أبناء المشايخ هم الذين ينجحون أكثر من غيرهم في نقد الانغلاقات الدينية والمذهبية لأنهم يعرفونها من الداخل جيدا. ألم يكن نيتشه ابن قس بروتستانتي؟ من يصدق ذلك؟ وحتى فولتير كان ذا تربية كاثوليكية يسوعية متزمتة في طفولته، قبل أن ينقلب عليها لاحقا، وقس على ذلك معظم فلاسفة التنوير الأوربي.. كلهم خرجوا من معطف الدين والتزمت الأصولي المسيحي. ينبغي أن تعاني هذه الأشياء في طفولتك الأولى لكي تعرف كيف تتحدث عنها أو تخرج منها:
لا يعرف الحب إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
هذا الكلام لا يعني إطلاقا إنكار قيمة التيار الإسلامي التونسي أو العربي العريق بمجمله، فالواقع أنه توجد لدى العديد من عناصر هذا التيار الضخم والمحترم رغبة حقيقية في التصالح مع العصر والحداثة. وكنت، أنا شخصيا، قد أشدت بالربيع التونسي وتفاءلت به، على عكس كل نماذج الربيع العربي الأخرى، باستثناء الربيع المغربي. وعللت ذلك باستنارة الأصولية التونسية قياسا على الأصوليات العربية الأخرى.. فهي مثقفة أكثر من الأصولية المصرية، مثلا، وأكثر انفتاحا على العالم. لكن هل هي بحاجة إلى الدعاة المشارقة لكي يبثوا ظلامياتهم فيها؟ ونحن نجد لدى الأستاذ راشد الغنوشي أحيانا تصريحات جميلة وعديدة تمشي في هذا الاتجاه العقلاني، أذكر من بينها قوله إن العلمانية ليست إلحادا بل ترتيبات إجرائية لضمان الحرية («الشرق الأوسط»، 5 مارس، 2012)، وأذكر قوله إن العلمانية لا تتعارض مع الإسلام؛ وبالتالي فالرجل يبذل جهودا لا يستهان بها من أجل المصالحة بين الإسلام والحداثة على عكس كثير من مشايخ المشرق والمغرب. وأعتقد أن هذا الموضوع يهمه فعلا.. فلماذا لا يضع حدا لتجاوزات المتطرفين الذين يهددون الحريات العامة ويقلقون الناس في تونس حاليا؟ لماذا لا يطبق عمليا ما يؤمن به نظريا؟ هل أردوغان أفضل منه؟ أعتقد أنه يخشى إغضاب التيار المتشدد في قاعدته الشعبية. وربما كان يخشى أيضا إغضاب التيارات المحافظة جدا في العالم العربي والتي تكره كلمة العلمانية كره النجوس وتخلط بينها وبين الكفر؛ ولذلك فهو تارة ينفتح وتارة ينغلق طبقا للظروف والمنعطفات والسياقات.
في الواقع، المسألة أكبر منا جميعا، أقصد أن الظرف التاريخي الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية والإسلامية صعب جدا على كل الأصعدة والمستويات: من اقتصادية واجتماعية وفقر وأمية وتزايد سكاني هائل لا تستطيع الدولة بإمكانياتها المتواضعة أن تؤطره أو تلبي حاجياته. ولا أعتقد أن المسألة ستحل قبل أن ينتصر التفسير المستنير للإسلام على التفسير القديم الموروث، أي قبل أن ينتصر تفسير محمد أركون على تفسير الشيخ القرضاوي. صراع المستقبل «صراع تفاسير» أيها السادة، كما يقول الفيلسوف بول ريكور، بمعنى: هل سينتصر التفسير العقلاني الجوهراني الروحاني العميق للإسلام على التفسير الإخواني الحرفي السطحي التوتاليتاري أم لا؟ هذا هو السؤال، والباقي تفاصيل. ثم ينبغي أن يترسخ هذا التفسير الجديد المنقذ في برامج التعليم من الابتدائي وحتى الجامعي. ينبغي أن نتصالح مع أنفسنا أخيرا، ومع العالم أيضا، وهذه عملية ضخمة سوف تستغرق عدة أجيال. أعتقد، شخصيا، أن جيلنا وحده عاجز عن تحقيق هذه المهمة العظيمة، بل ولا حتى الجيل الذي سيليه. ربما كنت مخطئا.. أرجو أن أكون مخطئا.
وأخيرا، سأقول إن بيان المثقفين التونسيين عن مستقبل الديمقراطية وآفاقها يخصنا جميعا نحن العرب والمسلمين، لأن تونس أصبحت مختبرا لكل العرب؛ فالجدلية الصراعية الخلاقة الجارية حاليا بين التيار الليبرالي التحديثي والتيار الإسلامي التقليدي هي جدليتنا كلنا، وسنمر بها جميعا شئنا أم أبينا، وسندفع ثمنها عدا ونقدا. لا بد مما ليس منه بد.. لا بد أن يقدم كل طرف بعض التنازلات إلى الطرف الآخر لكي نتوصل إلى المصالحة التاريخية بين شطري الأمة.
من يتذكر الآن ذلك الرائد الكبير محمد الشرفي، صاحب كتاب «الإسلام والحرية»؟ متى سيتعانق الإسلام مع الحرية كما كان عليه الحال في العصر الذهبي المجيد من تاريخنا؟ متى سينتهي سوء التفاهم التاريخي الذي استمر طيلة العصور الانحطاطية؟ هذه هي بعض التساؤلات التي أثارها في نفسي بيان المثقفين التونسيين المهم. نعم، بناء على نجاح التجربة التونسية أو فشلها يتوقف أيضا مصير العرب الآخرين أو قل انتفاضات الربيع العربي الأخرى. قد يقولون: لكن هذا الكلام ينطبق بالدرجة الأولى على مصر، الشقيقة الكبرى؟ ربما.. لكن يخطئ من يستهين بتونس وتجربتها الرائدة، ليبراليا كان أو إسلاميا.



هاشم صالح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.