مونت-لا-جولي.. مغاربة فرنسا يحتفلون في أجواء من البهجة بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    طقس الأحد: كتل ضبابية بعدد من الجهات    طقس الأحد: ضباب وسحب منخفضة بعدة مناطق بالمملكة    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بخصوص كتاب «الوجه الخفي للثورة التونسية» ل «المازري حداد»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 01 - 2012

أحدث كتاب «الوجه الخفي للثورة التونسية» للمازري حداد ضجة في الأوساط العربية والفرنسية. ربما انفجر في وجوهنا كقنبلة موقوتة وغيّر الصورة المثالية التي نشكلها عن الربيع العربي. فقبل ظهوره في المكتبات الباريسية أول ديسمبر راحت مواقع الانترنيت تنشر صفحات مطولة منه وتجري المقابلات مع صاحبه. وعلى أي حال فإنه يمشي عكس التيار، وقد قدم له سمير أمين. وسواء اتفقنا معه أم اختلفنا فإن أطروحاته تستحق العرض والنقاش والأخذ والردّ.. وإلا ما معنى النقاش الديمقراطي؟
يقول مازري حداد: «.. ولكن هل يعلمون أن هذه الإسلاموية المخففة أو ما يدعونه بالإسلام المعتدل لن ينتصر في ليبيا أو مصر ولا حتى في تونس كما انتصر في تركيا؟ لماذا؟ لأسباب تاريخية وسيكولوجية وسوسيولوجية أولية. ثم لسبب آخر: وهو أن أردوغان أو حزب التنمية والعدالة التركي لم يختر صيغته التحررية الحالية وإنما أجبر عليها إجبارا! أردوغان كان أصوليا إخوانيا مثلهم وكان يتمنى لو بقي أصوليا إخوانيا. وحزبه يحتوي على الكثير من الإخوان المتشددين الذين يكرهون العلمانية والحداثة كره النجوس.. ولكن عدة عوامل داخلية وخارجية أجبرته على التطور والتغير غصبا عنه. نعم لقد أجبرته الجمهورية التركية العلمانية على التطور والتخلي عن المواقف الإخوانية الأصولية السابقة. كما أجبره الجيش التركي، ذلك الساهر الأمين على إرث مصطفى كمال أتاتورك. يضاف إلى ذلك أن حزب أردوغان اضطر للتأقلم مع تراث ديمقراطي كان موجودا سابقا في تركيا، وهو معدوم في العالم العربي. وبالتالي فلا ينبغي ان نخلط بين الأمور. تركيا ليست ليبيا ولا مصر ولا تونس. يضاف الى ذلك أيضا ان نزعة الهيمنة لأردوغان يتصدى لها حزب قوي هو حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك شخصيا عام 1923. أما حزب بورقيبة المؤسس عام 1934 فكان يمكن ان يلعب نفس الدور تجاه النهضة والغنوشي لولا أنهم فككوه وقطعوا رأسه بعد الثورة. وقل الأمر ذاته عن الحزب الوطني الديمقراطي لمبارك في مصر..كل هذه العوامل المتوافرة في تركيا والمشجعة على الانفتاح والتحرر من عقلية الإخوان المسلمين الانغلاقية الضيقة غير موجودة في أي بلد عربي. من هنا الخوف على مصير هذه البلدان بعد الربيع العربي الذي قد يتحول الى خريف خائب او حتى شتاء قارس.
وقد يتساءلون:لماذا ربحت «النهضة» الانتخابات في تونس؟وجواب المؤلف هو التالي: لأن التونسيين مهيّؤون سيكولوجيا وثقافيا لاستقبال الأصوليين وكأنهم منقذون أرسلهم الله لكي يعيدوا للإسلام دوره ومجده في تونس المحروسة بعد طول كسوف وغياب. لقد أنقذوا الروح التونسية من اللعنة الأبدية التي أصابتها طيلة العهود السابقة. في الماضي كنا شعبا كافرا زنديقا، والآن مع النهضة سوف نعود الى القيم «الحقيقية» للإسلام! سوف نصبح طاهرين، مطهرين. وعلى هذا النحو سنخرج من الجاهلية نهائيا ونقلب تلك الصفحة السوداء للمرتدين الذين أهانوا الإسلام في عقر داره منذ عام 1956. باختصار شديد: منذ الاستقلال كنا قد أصبحنا شعبا وثنيا مبتعدا عن الله دون ان نعي ذلك..على هذا النحو يفكر الشعب التونسي البسيط الطيب..والذنب ليس ذنبه وإنما ذنب الفقر والجهل والظروف. ثم يردف مزري حداد قائلا:
ينبغي العلم بأنه لا بورقيبة ولا بن علي قاما بتهيئة الشعب التونسي للامتحان الديمقراطي الذي لا يمكن أن يحصل الا بعد تدرب طويل على العلمانية الدنيوية التي لا نطابق بينها وبين العلمانية الفرنسية بالضرورة. فهناك عدة أنواع من العلمانية لا نوع واحد. هناك عدة طرق لإقامة علاقات حديثة بين الدين والدولة او للفصل بين هذه العلاقات. على العكس من ذلك لقد حاول كلاهما، أي بورقيبة وبن علي، أن يستغلا العاطفة الدينية للشعب التونسي لأغراض سياسية مثلما يفعل كل حكام العرب والمسلمين. لماذا فعلا ذلك؟ كي يعوضا عن نقص المشروعية الديمقراطية لنظامهما. فما دام النظام غير ديمقراطي، أي غير منتخب بشكل حر من قبل الشعب، فلا يمكن إلا أن يستغل الحاكم هيبة الدين ومشروعيته العظمى لنيل بعض المشروعية في أنظار شعبه. هذه بدهية. ويمكن أن نضيف إلى كلام مازري حداد ما يلي: ما دام الدين لم يتعرض للنقد التاريخي كما حصل للمسيحية في أوروبا،وما دامت العلمانية لم تحل محله كذروة عليا للمشروعية السياسية، فإن الأمر سيظل هكذا إلى أبد الآبدين..
ويمكن أن نضيف مع المؤلف ونزيد عليه قائلين: ليس المقلق أن يكون التونسيون والعرب عموما بحاجة الى وقت طويل قبل التوصل إلى تشكيل دولة علمانية ديمقراطية حديثة.فهذا شيء طبيعي ولا ينبغي أن يدهش أحدا. أوروبا ظلت تصارع ذاتها وتراثها الديني طيلة أربعة قرون حتى توصلت إلى ذلك.هذه قصة طويلة وصعبة ومتعرجة ومليئة بالمطبات والتقدم إلى الأمام والتراجع إلى الخلف بغية التقاط الأنفاس في كل مرة، الخ. ولكن المقلق فعلا هو ذلك الزمن القصير جدا الذي لزم على قوى الارتكاس أن تستخدمه لكي تحقق بعض الانتصارات الرمزية ولكي تقنع الشعب التونسي بأنها هي المستقبل!على الرغم من كل الفرحة الغامرة الآن والإجماع الشامل غربا وشرقا فاني مصر على القول بأن الأصولية ليست المستقبل وإنما الماضي الذي لا يمضي..إنها عبارة عن حاضر عجوز يرفض ان يصبح ماضيا. فكيف اكتسى أثوابا براقة مؤخرا؟ كيف خدع كل الناس بمن فيهم المثقفون؟وكل ما نخشاه هو ان يغطي ضباب الخريف والشتاء قريبا على الربيع العربي.
شبح الاستعمار الجديد يتراءى خلف الربيع العربي!
علاوة على ذلك فإني سأقول ما يلي: وراء هذا الكرنفال الديمقراطي الكبير الممتد من المحيط الى الخليج ألمح شبح مشروع الاستعمار الجديد. هناك تحالف يتم تجميعه وحشده الآن لسحق آخر معاقل المقاومة العربية ولعزل إيران التي أصبحت قوة إقليمية عظمى مزعجة للكثيرين. بم يتمثل المشروع الاستعماري الجديد؟ ما هي الأدوات التي سيستخدمها لتحقيق هدفه؟ انه يحاول بعث النزاع المذهبي المفتعل بين السنة والشيعة،كما ويحاول اللعب على وتر الصراع التاريخي بين الامبراطورية الفارسية الصفوية والإمبراطورية العثمانية. وبعد ذلك كله يريد ان يضع كل الأنظمة الإخوانية العربية التي ستخرج من صناديق الاقتراع تحت مظلة أردوغان والهيمنة التركية. لماذا؟ لأن القائد التركي لا يتمرد على الأوامر مثل الإيرانيين. وأكبر دليل على ذلك هو انه أذعن لنشر شبكة الدرع الصاروخية الأميركية على أراضيه.(بين قوسين وكتعليق على كلام مازري حداد القائل بأن الصراع السني- الشيعي مفتعل من قبل الغرب أقول بأنه مخطئ تماما هنا.فهذا الصراع الذي اخترق تاريخ الإسلام كله لا يمكن القول بأنه مفتعل.على العكس انه شرخ في تاريخ طويل..ولو كان سوريا او عراقيا او لبنانيا او خليجيا أو مشرقيا لما قال هذا الكلام. لا. الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية موجودة فعلا على أرض الواقع. وهي تغلي في النفوس غليانا في هذه اللحظة بالذات. ولا يمكن ان تلوم الغرب على استغلالها لتقسيمك وإنما ينبغي ان تلوم حالك لأنك لست قادرا على تجاوزها عن طريق فكر تنويري جديد).لكن لنواصل رحلتنا الطويلة مع مازري حداد. يقول: هناك مخطط لتقسيم ليبيا في حالة ان النظام الجديد لمصطفى عبد الجليل لم ينجح في مهمته. وعندئذ قد يتعرض هذا البلد الذي يغص بالثروات الطبيعية لنفس المصير الذي تعرض له العراق من قبل. فهو مقسم عمليا إلى ثلاث دول بعد الاحتلال الأميركي وذلك تلبية لرغبات إسرائيل وأوامرها. وعلى غرار السودان فان كل البلدان العربية ذات المساحة الواسعة سوف تتعرض للتقسيم طبقا لمعايير طائفية وعرقية بغية تحقيق أهداف اقتصادية تشبع نهم الغرب الذي لا يشبع(بترول،غاز،مياه). ويعتقد مازري حداد ان موقف الجزائر من الصراع الليبي يشرف أحفاد الأمير العظيم عبد القادر الجزائري. فقد رفضت ان تلعب اللعبة القذرة: لعبة المخطط الكولونيالي الجديد. ولأنها رفضت ذلك فإنها أصبحت مستهدفة من قبل بدو قطر وحماتهم الأميركيين- الإسرائيليين. ولهذا السبب فإن لورنس العرب الجديد برنار هنري ليفي أصبح يسن أسنانه على الجزائر ترقبا لاندلاع الربيع العربي فيها. ومعلوم أنها بلده الأصلي حيث ولد فيها عام 1948 وذلك قبل ان تنتقل عائلته إلى المغرب ثم فرنسا. وبالتالي فالهجوم على الجزائر وتقسيمها إلى دولة عربية ودولة بربرية يهمه جدا.
قد يقول قائل: ولكنك تفسر كل شيء عن طريق نظرية المؤامرة. ويجيب المؤلف: أعترف بأنه لا يكفي أن يضغط الأمريكان على الأزرار لكي يهيجوا كل جيوشهم المحلية على الفيسبوك والتويتر والانترنيت والفضائيات ويشعلوا ثورة ربيع عربي في هذا القطر او ذاك. فلو لم تكن الظروف الاجتماعية والسياسية مهيأة لذلك لما انتفض الشباب العربي بالغضب ضد أنظمة الفساد، ولما كان الربيع العربي. هذا شيء مفروغ منه. وبالتالي فللربيع العربي أسباب واقعية، موضوعية هي الديكتاتورية، الفساد والرشوة والمحسوبية، البطالة التي تصيب نسبة هائلة من شباب العرب. وهذا يعني ان كل شروط الانفجار العربي كانت جاهزة ومتوافرة ولكن مبارك وبن علي وسواهما من الديكتاتوريين غضوا البصر عنها ودفنوا رؤوسهم في الرمال كالنعامات. فكان ان كنستهم الانفجارات تكنيسا. ولكن هذه الحالة من الغضب الاجتماعي للشبيبة العربية استغلها الإستراتيجيون الأمريكان لقلب الأنظمة وتجديد الطبقة السياسية العربية وقطع الطريق على الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية الحقيقية.
وبالتالي فإن المؤلف يوجه النصيحة التالية الى كل الأنظمة الواقعة في مرمى الهدف الفرنسي- الأميركي: سارعوا إلى إجراء الإصلاحات الحقيقية قبل فوات الأوان. فعلاج الثورات الحقيقي ليس القمع الدموي المجرم وإنما الإصلاح الفعال. فهو وحده القادر على إيقافها. تلزم إصلاحات ديمقراطية واقتصادية واجتماعية ملحة وإلا فأمامكم الطوفان! وقد أعذر من أنذر..
ثم يختتم المؤلف كلامه قائلا: يريدون إقناعنا بأن كل هذه الثورات عفوية، بأن هذه الفتنة الكبرى شيء جيد بالنسبة للعالم العربي..ولكن وراء هذا الانتشاء بالحرية والفرح بالديمقراطية يقبع شبح ثلاثة مخاطر قاتلة: الأصولية الظلامية، والفوضى الشاملة، وفقدان السيادة الوطنية لمصلحة الأجانب. ينبغي ان يعلم العرب ان هناك ما هو أخطر من الديكتاتورية: الفوضى الشاملة بعد انهيار الدولة، وما هو أخطر من الفوضى الشاملة: الحرب الأهلية، وما هو أخطر من الحرب الأهلية: عودة الاستعمار.
أسئلة وأجوبة عندما طرحوا على مازري حداد هذا السؤال:ه ل تعتقد بأن حزب الغنوشي قد أصبح ديمقراطيا وقطع مع كل فكر توتاليتاري؟ أجاب:
لا أعتقد ذلك. فالايدولوجيا التي قام عليها هذا الحزب تخلط بشكل كامل بين الدين والسياسة. وبالتالي فلا يمكن لحزب كهذا ان يكون إلا استبداديا توتاليتاريا.
ولكن السؤال المحير المطروح في الواقع هو التالي: لماذا صوت كل هذا العدد الكبير من نساء تونس وشبابها المعولم الحداثي المنكب على الفيسبوك والتويتر لصالح حزب أصولي هو حزب النهضة؟ نفس السؤال ينطبق على كل البلدان العربية الأخرى من مصر إلى المغرب إلى ليبيا حتما..
الجواب: يرى مازري حداد أن الشباب الحداثي المتطور لم يصوت للغنوشي. هذا غير صحيح.ولكن ماذا يمثل سوسيولوجيا، أي عدديا، في المجتمع التونسي؟ ليس قسما كبيرا من الناس على عكس ما تتوهمون. الأغلبية العظمى التي صوتت لهم هي من فقراء الأرياف والأحياء الشعبية والناس البسطاء والأميين. وهؤلاء يشكلون أغلبية الشعب. الشعب التونسي لا يزال فقيرا ومتأخرا في شرائح واسعة منه. هذه حقيقة. وأغلبية هؤلاء الناخبين يعتقدون عن جد بأن الأصولية تجسد فعلا الطهارة الأخلاقية. وبالتالي فالتصويت لهم واجب ديني بل ان التصويت للعلمانيين يعتبر خطيئة وحراما. ان هذا الخلط الذكي بين الإسلام والإسلاموية، بين الدين الروحاني- الأخلاقي والايديولوجيا السياسية المنبثقة عنه، هو الذي لعب عليه تيار الغنوشي وكل تيارات الإسلام السياسي بمهارة. وهو سبب نجاحهم واكتساحهم لكل الانتخابات التي تجري. فالناس البسطاء بل وحتى أنصاف المتعلمين لا يستطيعون التفريق بين الدين وبين التأويل الأصولي له. إنهما شيء واحد بالنسبة لهم. على هذا النحو نجح حزب الغنوشي في احتكار الإسلام كله لوحده فأصبح الإسلام وحزب النهضة متطابقين. هنا تكمن القوة الهائلة لحزب الغنوشي وكل أحزاب الإسلام السياسي كما قلنا. إذا كان التصويت مشروطا منذ البداية بالخوف من النار والطمع في الجنة فإن اللعبة الديمقراطية مزيفة مسبقا ومحسومة سلفا للتنظيمات الدينية او التي تستخدم الدين بكل فعالية كأيديولوجيا سياسية. ولا يستطيع التيار العلماني التقدمي ان يفعل شيئا. دوره لم يجئ بعد ولن يجيء قبل سنوات طويلة عندما تستنير العقول..
والسؤال المطروح الآن هو التالي: كيف ترى مستقبل تونس؟ هل المكتسبات التقدمية التنويرية لعهد بورقيبة مهددة؟
الجواب: في علم السياسة كما في علم الرياضيات هناك معادلات ذات مجاهيل عديدة، وهناك خفايا ودقائق ومفاجآت. كل شيء يمكن ان يحصل في تونس. ولكن كل شيء أيضا يعتمد على مقاومة قوى التقدم والمجتمع المدني والمسلمين المستنيرين حقا. من المؤكد ان جماعة النهضة يحقدون على بورقيبة بشكل أعمى. وبالتالي فمكتسبات المرأة التونسية ليست خطا أحمر بالنسبة لهم. وقد يتراجعون عنها او عن بعضها اذا ما استسلم لهم المجتمع وقواه الحية. ولكن هذه المكتسبات ليست مهددة فورا. ينبغي ان تستتب الأمور لهم تماما قبل ان يحاولوا التحرك والضرب. الإسلاميون أصبحوا أذكياء ومحترفي سياسة ولا يكشفون أوراقهم دفعة واحدة. سوف يستخدمون التكتيك التدريجي كما قلنا.يضاف الى ذلك ان الاميركان لا يزالون بحاجة الى النموذج التونسي الجيد قبل ان ينتقلوا الى المرحلة التالية من الربيع العربي: إسقاط سوريا وربما الجزائر من بعدها. وكما كان البابا يوحنا بولس الثاني يقول للمسيحيين: لا تخافوا! كونوا مطمئنين! أنا هنا والروح القدس معي أحميكم، فان أوباما يقول للعرب: لا تخافوا يا عرب. الأصولية هي المستقبل. هذا أفضل الموجود. اقبلوا بحظكم في الحياة و»بديمقراطية دينية» على قدكم ومقاسكم ومستوى تطوركم او بالأحرى تخلفكم وتزمتكم. لا تستحقون أكثر من ذلك. لكم الشريعة، ولنا البترول. لكل دينه!
سؤال: في رأيك هل سيكون الشتاء الأصولي أسوأ في ليبيا ومصر منه في تونس؟
حداد: بدون شك. في مصر سيربح الإخوان الانتخابات النيابية بشكل صارخ اكثر مما فعلته النهضة في تونس(هذا الكلام قيل قبل الانتخابات المصرية). أما بالنسبة لليبيا فالوضع سيكون أسوأ وأسوأ. اذا ما استطاعت المحافظة على وحدة أراضيها ودولتها القومية فان نظامها اما أنه سيكون نسخة طبق الأصل عن وهابية قطر، او نسخة طبق الأصل عن وهابية الطالبان في أفغانستان. ويا له من خيار! في كل بلد يتعرض لظاهرة الربيع العربي سنلاحظ ان الأصولية ستتخذ الطابع السوسيولوجي والسيكولوجي،أي الاجتماعي والنفساني، لمعطيات القطر المعني. هناك معطيات محلية موجودة في ليبيا غير تلك الموجودة في تونس او مصر الخ. والعكس صحيح أيضا.
ينبغي العلم بأن الأصولية المعتدلة عبارة عن سمفونية مضللة للعقول. وقد اخترعها الغرب منذ بضع سنوات لتخديرنا. لا ريب في ان الإسلام التركي على طريقة اردوغان مختلف عن إسلام الطالبان وإسلام قطر ولا علاقة له بإسلام إيران الخمينية. ولكن على الرغم من ذلك يبقى صحيحا القول بأن الأصولية هي الأصولية! إنها عبارة عن عقيدة لاهوتية- سياسية يتخذ فيها الإيمان الديني صفة القانون الملزم. إذا كانت الأصولية المعتدلة موجودة فلماذا لا يعترف بها السيد ساركوزي هنا في فرنسا. ألا يوجد في فرنسا مسلمون أكثر مما يوجد في قطر بخمسين مرة؟وعندئذ يصبح البرلمان الفرنسي مفتوحا لنائبة تلبس البرقع الأفغاني ونائب يلبس الطربوش العثماني. شيء حلو! ألن يكون ذلك تجسيدا للتعددية الثقافية وحق الاختلاف؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.