مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    اختلاس أموال عمومية يورط 17 شخصا من بينهم موظفون عموميون    السعودية تحدد مواعيد نهائية لتعاقدات الحج ولا تأشيرات بعد شوال وبطاقة "نسك" شرط لدخول الحرم    مستشارو جاللة الملك يجتمعون بزعماء األحزاب الوطنية في شأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في األقاليم الجنوبية    ولد الرشيد يبرز بإسلام آباد جهود المغرب بقيادة الملك في مجال تعزيز السلم والأمن والتنمية    كأس العالم 2026 لكرة القدم/الملحق الإفريقي .. المغرب مسرح آخر المواجهات لبلوغ الحلم المونديالي    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    وكالة الطاقة الدولية تتوقع استقرارا محتملا في الطلب على النفط "بحدود 2030"    أمطار متوقعة غدا الخميس بالمغرب    50 ‬مليار ‬درهم ‬لتقليص ‬الفوارق ‬المجالية.. ‬إنجاز ‬26 ‬ألف ‬كيلومتر ‬من ‬الطرق ‬وآلاف ‬المشاريع ‬الاجتماعية    الغابون تحكم غيابيا على زوجة الرئيس المعزول علي بونغو وابنه بالسجن بتهم الاختلاس    إسرائيل تفتح معبر زيكيم شمال غزة    تقرير دولي: تقدم مغربي في مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال    إسبانيا تقلد عبد اللطيف حموشي بأرفع وسام اعترافًا بدور المغرب في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني    أزمة "النظام الأساسي" تدفع موظفي الجماعات الترابية إلى الإضراب    بورصة الدار البيضاء تفتتح على ارتفاع    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية    الأمم المتحدة: الطلب على التكييف سيتضاعف 3 مرات بحلول 2050    لجنة المالية بمجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    فيدرالية اليسار الديمقراطي تؤكد تمسكها بالإصلاحات الديمقراطية وترفض العودة إلى الوراء في ملف الحكم الذاتي    حجز آلاف الأقراص المهلوسة في سلا    منتخب جهوي بكلميم يندد ب"تبديد" 1000 مليار سنتيم دون تحسين الخدمات الصحية في الجهة    تيزنيت: نقابة مفتشي التعليم تشيد بالأدوار المحورية التي تضطلع بها هيئة التفتيش و ترفض محاولات طمس الهوية المهنية للهيئة وتقزيم أدوارها ( بيان )    ليلة الذبح العظيم..    تنصيب عبد العزيز زروالي عاملا على إقليم سيدي قاسم في حفل رسمي    انطلاق أشغال تهيئة غابة لاميدا بمرتيل ، للحفاظ علي المتنفس الوحيد بالمدينة    المعهد الملكي الإسباني: المغرب يحسم معركة الصحراء سياسياً ودبلوماسيا    مأساة بخريبكة.. وفاة خمسة أشخاص من عائلة واحدة غرقا داخل صهريج مائي    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    برادة يدعو الآباء والأمهات إلى مساندة المؤسسات التعليمية بالمواكبة المنزلية    الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    مؤتمر نصرة القدس و"معا للقدس": أية قوة يتم إرسالها لغزة يجب تحديد ولايتها بواسطة مجلس الأمن بالتشاور مع الشعب الفلسطيني    "لارام" تدشن أول رحلة مباشرة بين الدار البيضاء والسمارة    اتفاق مغربي سعودي لتطوير "المدينة المتوسطية" بطنجة باستثمار يفوق 250 مليون درهم    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وإيران في نهائي "الفوتسال"    انتخابات العراق: ما الذي ينتظره العراقيون من مجلس النواب الجديد؟    بنسعيد في جبة المدافع: أنا من أقنعت أحرار بالترشح للجمع بين أستاذة ومديرة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    "الفتيان" يتدربون على استرجاع اللياقة    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    مراكش تحتفي بعودة السينما وتفتح أبوابها للأصوات الجديدة في دورة تجمع 82 فيلما من 31 دولة    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المال والأخلاق التضامنية
نشر في المساء يوم 04 - 12 - 2012

دشن الاقتصاديُّ البنغالي محمد يونس تجربة جديدة في علاقة الأبناك بالفقراء، من خلال تجربة (بنك جرامين Grameen Bank، أو بنك الفقراء).
فقد حاول إقناع الأبناك التجارية في بلاده (البنغلاديش) بضرورة وضع نظام لاقتراض الفقراء دون ضمانات، مما عرضه للسخرية على أساس أن الفقراء ليسوا أهلا للاقتراض،
في غياب رهون عقارية أو مالية كضمانات. لكن إرادته الحديدية وحبه للفقراء جعله يتحدى هذه الأفكار المعادية للفقراء، فأسس بنك جرامين سنة 1979 في بنغلاديش لإقراض الفقراء بنظام قروض متناهية الصغر، مما يساعدهم على بناء مشاريع صغيرة مدرة لدخل معقول؛ وبذلك حصل على جائزة نوبل سنة 2006م، وأصبح سنة 2008 ثاني شخصية مؤثرة في العالم الإسلامي، بعد الفيلسوف الأخلاقي التركي فتح الله كولن، في استطلاع أجرته مجلتا «فورين بروكسي» الأمريكية و«بروسبكت» البريطانية.
وتقوم تجربة «بنك الفقراء» على تقديم قروض صغيرة لتمويل مشروعات منزلية تقوم بها النساء. وتصل نسبة تسديد القروض في البنك إلى حوالي 99 في المائة. وقد قدم ما يزيد على 11 مليون قرض منذ تأسيسه؛ كما استطاع البنك تجاوز كل الإكراهات العملية والتنظيمية.
وتقوم فلسفة البنك على أن الائتمان حق من حقوق الإنسان، إذ إن الشخص الذي لا يملك شيئا هو صاحب الأولوية في الحصول على القرض؛ فالبنك يعيد الاعتبار إلى الرأسمال البشري وإلى قيمة الإنسان ودافعيته وقدرته الذاتية على العطاء بفعالية وبموهبة وتفان.
ويعطي البنك الأولوية للنساء بإعطائهن الفرصة للتملك، خصوصا في الأرياف والأماكن النائية؛ لذلك فالبنك هو الذي يذهب إلى الفقير، أي بنك القرب.
وبفضل هذه الفلسفة المالية الأخلاقية، يعمل البنك على تدوير المال واستثماره بإقراضه لعملائه الفقراء؛ كما يعمل على استعادة المال بناء على نظام مالي وإداري صارم، يقوم على ضمان الجماعة المحلية ورقابة البنك عبر موظفيه. وتتنوع القروض التي يقدمها البنك بين القروض العامة والموسمية والأسرية وقروض الإسكان. وأبرز البنك فعاليته وأخلاقيته وقربه من الفقراء بتقديم قروض جديدة واستثنائية لمشاريع مدرة للدخل سنة 1998 لما ضرب فيضانٌ عنيف البنغلاديش، وبقي الناس الفقراء وسط الماء عشرة أسابيع كاملة، وفقدوا ممتلكاتهم ومنازلهم؛ فتدخل البنك في إطار عملية ضخمة لإعادة تأهيل المناطق المنكوبة، في إطار شعار «الطريق السريع للقروضِ متناهيةِ الصغر».
ويقبل «بنك الفقراء» هذا، الالتحاقَ به دون عضوية وبلا ادخار ولا سداد أسبوعي أو شهري، بل يدفع البنك موظفيه إلى تحفيز الأسرة المعدمة وإعادة الثقة في نفسها إليها وتبديد مخاوفها وتدريبها على مهارات الأعمال المطلوبة والقيام، بشجاعة، بنشاط صغير ومدر للدخل؛ أي استثارة الكفاءات الذاتية المطمورة في النفوس، والتي غطاها الخوف والإحباط والحكومات الفاسدة.
وقد أثبتت الدراسات أن المتعاملين مع «بنك الفقراء» يتحركون بثبات إلى خارج دوائر الفقر والإقصاء والتهميش، بمعدل 5 في المائة من المقترضين سنويا، من خلال تحسن نوعية الحياة وشروطها، في السكن والصحة الأسرية والزراعة والمرافق الصحية والماء النظيف والتعليم، (من خلال تمويل الطلبة المحتاجين بالمنح) والوعي الاجتماعي والإحساس بالآخرين وترسيخ الوعي بدور الفقير نفسه، بل وقدرته على حل مشاكله ومحاربة الفقر الذي ليس قدرا واحدا ووحيدا ومشكلا لا حل له!
لذلك يدعم البنك المغازل والنساجين بتوفير المواد وتقديم خدمات التسويق ومتابعة الجودة وأعمال التصدير الخارجي... كما يشتغل البنك في مجال الأسماك والرفاهية الريفية وثورة المعلومات الريفية والطاقة الريفية وتوفير الطاقة المتجددة للقرى المحرومة من الكهرباء؛ فأعمال البنك ومشاريعه الاجتماعية تستهدف القرية، واسم البنك مشتق منها، أي (بنك جرامين)، وكلمة «جرام» في اللغة البنغالية تعني القرية، أي (بنك القرية).
فهل يمكن تكرار هذه التجربة في المغرب؟ تراءت لي هذه الملاحظات، وقد سبق لي أن اطلعت على كتاب «بنك الفقراء»، وأنا بصدد متابعة الدرس الافتتاحي للموسم الجامعي 2012 – 2013، الذي شهدته رحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، بأكادير يوم الأربعاء 28 نونبر 2012، وكان عنوانه: «المالية الأخلاقية والتضامنية، دور الأبناك في محاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي»، من تقديم الدكتور البشير حمادي، رئيس مجموعة البنك الشعبي بالجنوب.
وقد تابع المحاضرة جمع غفير من الطلبة والأساتذة والمهتمين، اختتم بنقاش حيوي وغني من لدن الطلبة، مما يعني أن الموضوع كان مستفزا إلى حد كبير، وكان المحاضر ذكيا في مقاربة الموضوع، من خلال الحديث عن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمقاولة RSE والتي تعني، في نظره، احترام القانون وتوفير الشروط الصحية والاجتماعية اللازمة للمشغلين، وظروف العمل وغيره..، كما دافع المحاضر عن التوجه الأخلاقي الجديد الذي يسود البنوك، للاقتراب من الفقراء وتوسيع وعاء الزبناء الفقراء، والمساهمة في المشاريع الاجتماعية الهادفة إلى محاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي. وأشاد المحاضر بالتجربة البلجيكية في هذا المجال، وبتجربة الاقتصادي الدكتور محمد يونس، في البنغلاديش، التي ذكرناها سالفا، لكن دون الحديث عن شروط تنزيل هذه التجربة في المغرب، أمام فشل تجربة القروض الصغرى وتعميقها لمشاكل الفقراء، بل وتسببها في إشكالات اجتماعية معقدة.
فهل المشكل في التجربة أم في التطبيق أم في الفلسفة والرؤية؟ وهو ما كان واضحا في التصور الفكري لمحمد يونس، وفي تجربته في تأسيس بنك الفقراء، خصوصا وأن تجربة «بنك الفقراء» نجحت في دول عربية مثل اليمن التي يعتبر قطاعها المصرفي عائليا بامتياز ومحدودا، كما أن 70 في المائة من سكانها يعيشون في الريف، ويمثل الشباب فيها 70 في المائة، والنساء 53 في المائة. وقد حصل «بنك الفقراء» في اليمن سنة 2010 على جائزة الإبداع والابتكار في الوطن العربي، كما نال جائزة عالمية بفضل منتوجه الجديد: «نظام الإجارة المنتهية بالتمليك للفقراء»؛ كما تقوم تجارب كثيرة لإنشاء «بنك الفقراء» في مصر والسودان.
على أي حال، كان هذا الدرس الافتتاحي فرصة لإثارة نقاش اقتصادي ومالي تحت عنوان أخلاقي واجتماعي، بما يبرز دور القيم في توجيه الاقتصاد وتغيير صورة البنك والمؤسسات المالية والتمويلية في أذهان عموم الناس، وبما يفتح جسور التواصل بين التخصصات الاقتصادية والمالية والعلوم الإنسانية والاجتماعية والفلسفية والدينية.
إن «بنك الفقراء» يتجاوز فكرة الإحسان وتأبيد الفقر والحرمان، وينطلق من مبدأ «ساعد الناس كي يساعدوا أنفسهم»، أي إشعار الإنسان الفقير بقيمته وقدرته وكفاءته؛ والمؤسسات البنكية تملك، اليوم، من المقومات والإمكانيات ما يؤهلها للقيام أدوار أخلاقية وتنموية نبيلة كهذه.



محمد همام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.