الأمير مولاي الحسن يترأس مأدبة غداء أقامها الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    بنسعيد:الإصلاحات التي عرفها المجال الإعلامي ساهمت في توفير مرتكزات متكاملة لتطوير مختلف مكوناته    لقاء تواصلي بطنجة بين الجامعة الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتعزيز الشراكة وخدمة المهنيين    أكبر طلبية طائرات في تاريخ "بوينغ".. قطر تشتري 160 طائرة ب200 مليار دولار    أخبار الساحة    الناخب الوطني لأقل من 20 سنة: "عازمون على المشاركة في المونديال ونحن أبطال إفريقيا"    نهضة بركان يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة سيمبا    إطلاق حملة توعوية لتفادي الغرق في سدود جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    حادثة سيرمميتة بالطريق الرابطة بين الصويرة وأكادير تخلف ثمانية قتلى و20 مصابا    اعتقال أستاذ جامعي يدرّس بأكَادير من أجل التلاعب في التسجيل بسلك الماستر ومنح دبلومات مقابل المال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مهرجان «يالطا» بروسيا ينحني لصوت مغربي… والدارجة تسرق الأضواء    عامل العرائش يدشن افتتاح معرض العرائش للكتاب    "ربيع المسرح" في تارودانت يكرّم الفنانين الحسين بنياز وسعاد صابر    معهد صروح للإبداع والثقافة يسلط الضوء غلى المنجز الشعري للشاعر عبد الولي الشميري    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    الملك محمد السادس يوجه هذه الرسالة إلى الحجاج المغاربة    15 % من المغاربة يعانون من متلازمة القولون العصبي والنساء أكثر عرضة للإصابة بها من الرجال    رسميا.. حكيمي يمتلك نادي "سيوداد دي خيتافي" ويشارك في انتداب اللاعبين    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    المغرب وتنزانيا يعززان التعاون الطاقي    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال ال 24 ساعة الماضية    المغرب يقترب من فرض رقابة قانونية على منصات التواصل الاجتماعي لحماية المجتمع    صرخة فنانة ريفية.. اعتزال "مازيليا" بسبب الوسخ والاستغلال في كواليس الفن    استنفار الدرك الملكي بعد العثور على 20 كيلو من الكوكايين على شاطئ    مركز يجود صيانة مواقع الفوسفاط    "النباوي" يجري مباحثات مع النائب العام رئيس المجلس الأعلى للنيابة العامة بجمهورية الرأس الأخضر    ترامب: سوريا "أبدت استعداداً" للتطبيع    لجنة العدل والتشريع بالنواب تصادق على مشروع قانون المسطرة الجنائية    الذهب ينخفض مع انحسار المخاوف بشأن الأزمة التجارية    وداعا فخامة الرئيس    وزارة التربية الوطنية تفرض عقودا مكتوبة لتنظيم العلاقة بين التعليم الخصوصي والأسر    مجلس فاس يقر عقدا مؤقتا للنقل الحضري ويستعد لاستلام 261 حافلة جديدة    تقرير رسمي: الفلاحة الصغيرة استفادت من 14 مليار درهم كدعم مقابل 100 مليار درهم للفلاحين الكبار    "ترانسافيا" تطلق 14 خطا جويا جديدا بين المغرب وفرنسا لتوفير 130 ألف مقعد إضافي سنويا    جامعيون وخبراء مغاربة وأجانب يلتقون في المحمدية لاستجلاء الفكر الإصلاحي عند العلامة علال الفاسي وإبراز مختلف أبعاده التنويرية    المخرج روبرت بينتون يفارق الحياة عن 92 عاما    توتر أمني في طرابلس يجمد مباريات الدوري الليبي.. والهلع والارتباك يُخيمان على اللاعبين المغاربة    دياز في قلب مشروع المدرب الجديد لريال مدريد    باناثينايكوس يتردد في صفقة أوناحي    المغرب يستضيف مؤتمر وزراء الشباب والرياضة للدول الفرنكوفونية    ردا على طرد موظفين فرنسين من الجزائر.. باريس تستدعي القائم بالأعمال الجزائري وتتوعد بالرد بالمثل    رُهاب الجزائر من التاريخ    الاتحاد الأوروبي يفرض حزمة عقوبات جديدة على روسيا    الإمارات تُجدد حضورها في موسم طانطان الثقافي بالمغرب: تظاهرة تراثية تجسّد عمق الروابط الأخوية    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    المغرب يحقق المعادلة الصعبة: تكلفة إنتاج السيارات الأقل عالميًا ب106 دولارات فقط للعامل الواحد    المغرب في تصنيف التنمية البشرية لعام 2023: نقطة جيدة وانتظارات قوية    الأمم المتحدة تدعو مجلس الأمن إلى التحرك "لمنع وقوع إبادة" في غزة    كسوة الكعبة المشرفة ترفع 3 أمتار    عندما تتحول القرارات السياسية من حسابات باردة إلى مشاعر مُلتهبة    السكوري: الحكومة تتطلع إلى مواصلة تحسين مؤشرات التشغيل لخفض البطالة إلى مستويات معقولة خلال السنة الجارية    مَأْزِقُ الإِسْلاَمِ السِّيَاسِي    المجلس الوزاري: حول الأسماء والأشياء!    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجالية العربية في إسبانيا».. بحث في التاريخ والحاضر والمستقبل
يتتبع الكتاب مسارَ الهجرة العربية إلى إسبانيا منذ بدايتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر
نشر في المساء يوم 18 - 12 - 2013

في إطار اهتمام مركز دراسات الوحدة العربية بإصدار مجموعة من الكتب حول أوضاع الجاليات العربية في المهجر أصدر المركز كتابا تحت عنوان "الجاليات العربية في إسبانيا" للدكتور عبد الواحد أكمير، وفيه يرصد المؤلف أوضاع الجالية العربية في إسبانيا "مهوى القلب" ، والفردوس المفقود، من خلال تطور ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والصعوبات التي تقف في وجهها.
يتتبع الكتاب مسارَ الهجرة العربية إلى إسبانيا منذ بدايتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويميز في ذلك بين الهجرة من المشرق والهجرة من المغرب العربي، ثم التطور العددي لأبناء الجالية، والإطار القانوني للهجرة العربية منذ انضمام إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي وتحولها إلى بلد هجرة، إلى المرحلة الراهنة.
ويتطرق الكتاب إلى موضوع الهجرة السرية، التي دفعت بآلاف الشباب العربي إلى ركوب «مراكب الموت» من أجل العبور إلى «الفردوس الأوروبي». وهو في تناوله للموضوع ميز بين هجرة البالغين وهجرة القاصرين غير المصحوبين. إلى جانب ذلك تتبع الكتاب التوزيع الجغرافي للجالية العربية في هذا البلد والأنشطة المهنية التي مارسها العرب المهاجرون. كما سلط الضوء على ظاهرة ال»موروفوبيا» وأسباب انبعاثها مع تزايد الهجرة العربية، ثم نتائجها الاجتماعية والثقافية مع رصد صورة الجالية العربية في المجتمع الإسباني، وصورة المجتمع والمؤسسات الحكومية الإسبانية عند هذه الجالية، وقد تم هذا من خلال تحليل نتائج استطلاعات الرأي.
كما يتناول الكتاب موضوع مغاربة مدينتي سبتة ومليلية منذ بداية الهجرة إليهما إلى الوقت الحاضر، مع التركيز على الأسباب التي تحول دون اندماجهم الاجتماعي والاقتصادي والديني.
*بدايات الهجرة العربية إلى إسبانيا
هاجر إلى شبه الجزيرة الإبيرية وجزر الكناري مغاربة ومشارقة، ومن كلا الديانتين اليهودية والإسلامية من التجار كما الطلبة. وقد كان للقرب الجغرافي والحركة التجارية بين ضفتي مضيق جبل طارق دور كبير في هذه الهجرة.
وبالنسبة إلى الهجرة المغربية يشير الكتاب إلى أن عبد السلام برادة يعد أقدم مهاجر عربي وطئت أقدامه إسبانيا في منتصف القرن التاسع عشر، حيث تقول مصادر، من بينها رسالة بعث له بها والده من فاس بتاريخ 22صفر الخير 1267/1851م، إن الرسالة تسمي المرسل إليه الحاج عبد السلام برادة، وهذا الأمر، يقول المؤلف، يعني أنه انتقل إلى إسبانيا بعدما أدى مناسك الحج، وفيها يطلب الوالد من ابنه أن يؤدي لمغربيين سيسافران إلى إسبانيا نفقات ابن له تركه في فاس، تكفل بتربيته وتعليمه أحد أعمامه، والرسالة تطلب أيضا من الحاج عبد السلام برادة إرسال بعض الأموال إلى والدته.
ويضيف مصدر آخر تعرف شخصيا إلى المعني بالأمر، وهو الكاتب ريكاردو رويز أورساتي، أن الحاج عبد السلام برادة كان يمتلك محلا لمنتجات الصناعة التقليدية المغربية في مدينة اشبيلية، وقد تزوج هناك زواجا ثانيا من فتاة من عائلة «مدينة سيدونيا» العريقة، التي توارثت لقب دوق منذ القرن الخامس عشر. وقد حافظ الحاج دائما على لباسه المغربي الذي كان مثار إعجاب، إلى درجة أن بعض شباب الطبقة الأرستقراطية صاروا يرتدون سراويل شبيهة بتلك التي كان يرتديها. ويضيف المصدر ذاته أن برادة تمتع بشعبية كبيرة في اشبيلية واشتهر فيها بلقب «المورو سلام».
ويذكر المؤلف أنه إلى جانب هجرة التجار، وخاصة البورجوازية الفاسية، إلى أوروبا وإفريقيا الغربية والوطن العربي، فقد سافر طالبو العلم أيضا، حيث رحل أوائل الطلبة المغاربة للدراسة في الجامعات الإسبانية في بداية القرن العشرين. ولكن ذلك بقي في حدود أعداد رمزية، إذ لم يسجل حضورهم الوازن إلا منذ ثلاثينيات القرن العشرين، حيث استقروا في مدينة غرناطة. وإلى جانب التجار والطلبة هاجر خلال مرحلة الحماية مجموعة من العمال للاشتغال في البناء والمناجم.
وفيما يخص الجنود المغاربة، فحضورهم بدأ في إسبانيا منذ نهاية عشرينيات القرن العشرين. وقد استعمل بعضهم لقمع تمرد عمال المناجم في منطقة «أستوريا» سنة 1934. ولكن أهم هجرة للجنود بدأت مع اندلاع شرارة الحرب الأهلية في يوليو سنة 1936، ويتعلق الأمر بأولئك الذين عرفوا ب»مغاربة فرانكو» وتراوح عددهم ما بين 70 و100 ألف، وقد تم ترحيلهم خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات، وبواسطتهم تمكن الديكتاتور فرانكو من القضاء على الحكومة الشرعية وفرض نظام استبدادي دام 46 سنة. ويلاحظ المؤلف أنه بالنسبة إلى هذه الشريحة فإن تكوينها كان محدودا، وكان أغلب من انخرط في الجندية من الأميين المنتمين إلى المناطق القروية. أما بخصوص مشاركتهم في حرب لا تعنيهم، فقد كان الفقر المدقع والمجاعة التي عمت الريف أهم دواعي المشاركة فيها، خاصة أنهم كانوا قد وعدوا بتحسين أوضاعهم المادية، وبالحصول على أجر قار نهاية الحرب. وحسب شهادة بعضهم، فقد كان ارتداء اللباس العسكري وركوب الطائرة وما يعيه من احترام بين أفراد قبيلتهم هو الذي شجعهم على الانخراط في الجيش.
وإلى جانب الهجرة نحو شبه الجزيرة الإيبيرية فقد اختارت الهجرة المغاربية جزر الكناري، وارتبطت هذه الهجرة بمرحلة الانتعاش الاقتصادي الذي عرفته الجزر في مجالات التجارة والسياحة والصيد البحري.
أما الهجرة المشرقية فقد اختارت في البداية أن تولي وجهها نحو جزر الكناري منذ القرن التاسع عشر، حيث كان اللبنانيون على رأس هذه الهجرة، ثم السوريون والفلسطينيون. وبعد الحرب العربية –الإسرائيلية سنة 1948 ارتفعت الهجرة، وبعد اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975 توافد اللبنانيون على الجزر وتوقفت هجرة الفلسطينيين.
وبالنسبة إلى المهن التي مارسها هؤلاء المشارقة فقد اشتغلوا طباعة متجولين في أحياء المدن والمناطق القروية ولم يؤسسوا محلات تجارية إلا في عشرينيات القرن العشرين، بعد أن أصبحت هجرتهم دائمة. وبخلاف الهجرة إلى جزر الكناري التي كانت دوافعها اقتصادية، فقد كانت هجرة العرب المشارقة إلى شبه الجزيرة الإيبيرية لدوافع ثقافية وسياسية، وكان من المهاجرين الأوائل الطلبة المصريون في خمسينيات القرن العشرين. وفي الستينيات انطلقت هجرة الطلبة الشاميين، خاصة السوريين الذين تخصصوا في مجالي الطب والصيدلة، وبقي أغلبهم في إسبانيا بعد إنهاء دراستهم. وكان المهاجرون لأسباب سياسية بعد مجزرة حماة التي ارتكبت ضد المنتمين للإخوان المسلمين سنة 1982.
الهجرة في ظل مظلة القانون
بعد الازدهار الذي عرفته إثر انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي سنة 1986 غدت إسبانيا قبلة مفضلة لمختلف المهاجرين، إذ وصل عددهم سنة 2011 إلى 5700000. وبذلك شكلوا ما يزيد عن 12 في المائة من مجموع السكان، وهي أعلى نسبة سجلت في بلدان الاتحاد الأوروبي. وعلى غرار الهجرات تطورت الهجرة العربية إلى إسبانيا تطورا سريعا، سواء من حيث أعدادها أو من حيث أصولها الجغرافية.
وأمام هذا الاجتياح البشري الكبير لم يكن أمام بلد سيرفاتيس سوى إصدار قوانين خاصة بالهجرة كانت غائبة. وهكذا سيصدر أول قانون للهجرة في إسبانيا الديمقراطية سنة 1985، وتم تغييره سنة 2000 بقانون جديد، تم تغييره هو الآخر عدة مرات على امتداد العقد الأول من القرن الحالي.
ويذكر الكتاب أنه رغم صدور هذه القوانين بقيت أوضاع كثير من المهاجرين معلقة. لذا كان لزاما القيام بإجراءات خاصة اصطلح على تسميتها ب»التسوية الاستثنائية»، وقد تم ذلك خمس مرات على امتداد عشرين سنة (1986-2005)، واستفاد منها حوالي 1200000 مهاجر. ويوضح الكتاب أنه من خلال الدراسة وبالأرقام يتبين كيف أن الجالية المغربية احتلت المرتبة الأولى أو الثانية أو الثالثة في كل التسويات الاستثنائية. كما توضح الدراسة أن نسبة الذين استفادوا منها يحملون جنسيات أخرى وأساسا الجنسية الجزائرية.
الهجرة السرية وهجرة القاصرين
يؤرخ الكتاب لأول هجرة سرية لسنة 1988، إذ تعود أول حالة مسجلة وبشكل رسمي إلى شهر نونبر من هذه السنة، حيث تم ضبط غرق قارب كان ينقل على ظهره 23 مهاجرا سريا كلهم مغاربة لم ينج منهم سوى 5 مهاجرين. ولاحظ المؤلف أن الهجرة السرية من خلال ركوب البحر رغم مخاطره بقيت محدودة إلى حدود 1990 عقب توقيع اتفاقية شينغن، التي تم في ضوئها تم فرض تأشيرة الدخول على رعايا العديد من البلدان، وعلى رأسها بلدان المغرب العربي، التي تنتمي إليها أكبر جالية عربية بإسبانيا. ولاحظ المؤلف أيضا أنه على غرار الهجرة القانونية للمهاجرين المغاربة إلى إسبانيا انتمى المهاجرون بطريقة غير قانونية إلى شمال المغرب. لكن الظاهرة ما تفتأ تعم باقي مناطق المغرب وبسرعة قياسية، ثم امتدت لتشمل الجزائر وبلدان أفريقيا في مرحلة لاحقة.
أما بالنسبة إلى هجرة القاصرين غير المصحوبين فيسجل المؤلف أن أولى الحالات رصدت في مطلع تسعينيات القرن العشرين، وكان المهاجرون من هذا الصنف من المغاربة، الذين استقروا في إقليم الأندلس القريب من المغرب. وقد بقي عددهم متواضعا إلى منتصف ذلك العقد، حينما تزايد العدد ليصل سنة 1997 إلى 2430 قاصرا، ثم ارتفع العدد سنة 2000 إلى 5796 قاصرا، مما جعل عدد القاصرين المغاربة في مراكز الإيواء في بعض الأقاليم يتجاوز عدد الإسبان. ومع بداية القرن الواحد والعشرين تزايد عدد القاصرين المغاربة بشكل ملفت للعيان، ولم يقتصر ذلك على إقليم الأندلس، بل امتد إلى جهات أخرى، وأساسا برشلونة ومدريد وبالينسيا، ثم أقاليم أخرى. وتحدثت الأرقام الرسمية عن وجود 11411 قاصرا أجنبيا غير مصحوبين في إسبانيا سنة 2005، 70في المائة منهم مغاربة، والباقون جزائريون ومن إفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا الشرقية. وتراوحت أعمارهم ما بين 14 و17سنة مع وجود حالات قاصرين تقل أعمارهم عن هذه السن، إذ إن بعضهم لم يتجاوز التاسعة، وأغلبهم ذكور، هاجروا في الظروف نفسها التي هاجر فيها باقي المهاجرين السريين. ويسقط بعضهم في الدعارة والاستغلال الجنسي، حيث يجدون أنفسهم في آخر المطاف في الشارع.
التوزيع الجغرافي والنشاط المهني للجالية العربية في إسبانيا
تتوزع الجالية العربية على أربعة أقاليم، هي: مدريد، كتالونيا، بالينسيا والأندلس. وحول تفضيل العرب للإقليمين الأولين للإقامة يؤكد المؤلف أن ذلك يعود إلى فرص العمل المعروضة، خاصة في البناء والأشغال المنزلية. أما بخصوص تمركزهم بالإقليمين الآخرين فيرجع إلى عروض الشغل في قطاعي السياحة والفلاحة. وقد كان التمركز أول الأمر في عاصمة الإقليم، ثم ما فتئ يمتد إلى الضواحي والبلديات التابعة للإقليم.
واحتل المغاربة رأس القائمة من بين الأجانب في الأقاليم الأربعة في تسعينيات القرن.
أما بخصوص الجزائريين فإن تمركزهم كان في الأقاليم الشرقية على طول ساحل البحر المتوسط، من كتالونيا في أقصى الشمال الشرقي إلى مورسية والأقاليم المحاذية لها في الجنوب الشرقي، خاصة بالينسيا. ويرجع سبب تمركز الجزائريين بهذه الأقاليم إلى القرب الجغرافي ووجود خطوط بحرية مباشرة تربط موانئ شرق إسبانيا بمناءي وهران والجزائر.
ويحضر الموريتانيون في كاتالونيا ومدريد وجزر الكناري، ويعود وجودهم بالخصوص في جزر الكناري إلى القرب الجغرافي وقدم الهجرة الموريتانية إلى هذه الجزر. أما بالنسبة إلى التونسيين فإن تمركزهم موجود في مدريد وبرشلونة.
أما بخصوص باقي الجنسيات العربية فيذكر المؤلف أنه يتعذر ضبط وجودها لغياب المعطيات الإحصائية.
وعلى مستوى النشاط المهني، يلاحظ المؤلف أن الجالية العربية تشكل أعلى نسبة من اليد العاملة النشيطة بين الأجانب، فقد وصلت إلى 73 في المائة سنة 2007 في صفوف المغاربة. ولاحظ المؤلف أيضا أن العمالة المغاربية تكاد تغيب في المهن التي تحتاج تكوينا عاليا.
وهكذا فإن العرب استقروا في المناطق القروية للاشتغال في الفلاحة، حيث تشير إحصائيات 1997 إلى 60 في المائة من الجزائريين و50 في المائة من المغاربة.
وإلى جانب الفلاحة شكل قطاع البناء أكبر المشغلين، خاصة في لحظة «فوران العقار»، الذي كان في تسعينيات القرن. لكن هذا الوضع تغير حاليا، حيث أفلست أهم شركات العقار، وهذا ما أدى إلى تسريح آلاف العمال من الإسبان والمهاجرين. وإلى جانب ذلك كان الاشتغال بالبيوت أهم الأعمال التي تمارسها النساء. هذا إلى جانب هناك من اختار العمل بشكل حر في التجارة.

بنية العائلة العربية المهاجرة
نحا التكتل العائلي للمهاجرين العرب في إسبانيا خطا تصاعديا، وخاصة في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين. ويذكر أن المؤلف أنه في 1997 مثل المغاربة 60 في المائة من الأجانب الذين قدموا طلبات التكتل العائلي، وهبطت النسبة إلى 54 في المائة سنة 1999. ويلاحظ المؤلف أنه بالرغم من ذلك، فإن التكتل العائلي العربي بإسبانيا يبقى مرتفعا مقارنة بفرنسا وبلجيكا وهولندا.
وقد ساهم تكوين العائلة بإسبانيا في ارتفاع عدد أفراد الجالية العربية، حيث وصل عدد الأطفال العرب الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة خلال سنة 2005 إلى 150 ألفا. وهو ما يمثل عدد الأطفال الأجانب. وهذا ما انعكس أيضا على عدد التلاميذ، وخاصة المغاربة الذين شكلوا ثلث تلاميذ الجالية العربية والإسلامية في الموسم الدراسي 2012/2013. وترتفع نسبة الفشل الدراسي لدى الجالية العربية مع تقدم المستوى التعليمي. وهكذا فإن نسبة المغاربيين مثلا الذين ينهون مختلف مراحل التعليم الابتدائي والثانوي ويصلون الجامعة تبقى في حدود 20 في المائة، بينما تتجاوز النسبة لدى الأوروبيين والأمريكيين اللاتينيين 50 بالمائة.

مغاربة سبتة ومليلية
كانت بداية الهجرة المغربية إلى مليلية في منتصف القرن التاسع عشر، حيث كان أول المستقرين بها مجموعة من شباب القرى المجاورة، الذين شكلت منهم إسبانيا ما سمي ب»فيلق المغاربة الرماة في الريف». أما بالنسبة إلى سبتة فتعود هجرة المغاربة إليها إلى ستينيات القرن التاسع عشر. ويتعلق الأمر ببعض اليهود الذين رافقوا القوات الإسبانية بعد حرب تطوان. وقد ارتفع عدد المغاربة في سبتة ومليلية بعد استقلال المغرب بسبب الهجرة، وكذلك حالات الزواج بين مغاربة المدينتين ومغاربة المغرب.
وحافظ المغاربة في هاتين المدينتين على جنسيتهم وتعذر عليهم في كثير من الحالات الحصول على وثائق تثبت هويتهم المغربية لعدم وجود مصالح مغربية في المدينتين. وفي الوقت نفسه كان الحصول على الجنسية الإسبانية تعترضه صعوبات وعراقيل تضعها السلطات الإسبانية. لكن انضمام إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي فرض عليها إصدار قانون يتماشى مع التشريعات الأوروبية في مجال الجنسية، دخل حيز التنفيذ سنة 1987. وهو ما سمح لأغلب المغاربة بالحصول على الجنسية الإسبانية. ولكن بالرغم من ذلك فإن الحصول على الجنسية لم يذلل الصعاب، إذ بقي الإقصاء الاجتماعي سيد الواقع في هاتين المدينتين المحتلتين.
وقاد تحول المغاربة مع الوقت وبعد ظهور أحزاب سياسية أسسها مغاربة إلى قوة انتخابية، بفعل تزايدهم الديموغرافي، وحصول أغلبهم على الجنسية الإسبانية. وحسب تقارير الاستخبارات العسكرية الإسبانية، فإن الخطر الذي يمثله المغرب في سبتة ومليلية «هو التزايد الديموغرافي وليس القوة العسكرية».
المجتمع الإسباني يرفض الجالية العربية
تظهر استطلاعات الرأي في إسبانيا أن المجتمع الإسباني عرف رفضا كبيرا للجالية العربية، فعلى امتداد عشر سنوات (1991-2000) احتلت هذه الجالية المرتبة الأخيرة في تقييم الإسبان للأجانب، وقد منحتهم استطلاعات الرأي نقطة أقل من التي منحتها لمهاجري أفريقيا جنوب الصحراء، بالرغم من أن ظروف هجرة هؤلاء ووضعيتهم القانونية لا تختلف عن وضعية العرب. ولم تتجاوز نسبة الإسبان الذين يفضلون المهاجرين العرب على المهاجرين من جنسيات أخرى 1 في المائة.
واعترف المستجوبون أن الموقف السلبي من العرب يتقاسمونه مع كل أفراد عائلاتهم، سواء كانوا شبابا أو شيوخا، وهو نفس الموقف عند المنتمين إلى الطبقة الدنيا كما عند المنتمين إلى الطبقة الوسطى أو العليا، وعند المنتمين إلى اليسار كما عند المنتمين إلى الوسط أو اليمين.
وتظهر استطلاعات الرأي أن كلمة «مهاجر» ترتبط في أذهان المواطنين الإسبان بالشخص العربي الذي يعمل في البناء أو الفلاحة أو كبائع متجول أو متورط في عمل إجرامي أو إرهابي.
ولاكتمال الصورة يحس 80 في المائة من المغاربة بالتمييز العنصري أثناء بحثهم عن الشغل، و67 في المائة يشعرون بنفس الإحساس أثناء بحثهم عن السكن، و7،52 بالمائة يحسون بأنهم أكثر عرضة من بقية المهاجرين للعنصرية. وبسبب هذا الرفض فإن المهاجر العربي يتحاشى إقامة علاقات مع الإسبان.
وظاهرة رفض الأجانب في إسبانيا، حسب المؤلف، تكون بمستويات مختلفة، ويجد ذلك تفسيره من خلال التاريخ والدين والثقافة مع العرب بالخصوص. وهي، حسب المؤلف، ظاهرة معقدة ومركبة حاضرة في المجتمع الإسباني دون غيره من المجتمعات الغربية. وهذه «الموروفوبيا» وإن انتهت كرونولوجيا فهي لا تزال مستمرة من الناحية العاطفية والنفسية والإبداعية. لكن المؤلف يرى أن»الموروفوبيا» لاتعود فقط إلى المرحلة الأندلسية، بل لها علاقة كذلك بمجموعة من الأحداث، بعضها دموي عرفته العلاقات المغربية-الإسبانية على امتداد القرن العشرين. وفي هذا الإطار ولفهم أكثر وربط الماضي بالحاضر يسوق المؤلف أحداث إليخيدو في فبراير 2000، حيث بعد إقدام مهاجر مغربي مختل عقليا على قتل فتاة إسبانية هاج سكان البلدة واحتشد حوالي 3 آلاف منهم مسلحين بالسلاسل والعصي والقضبان الحديدية، وبدؤوا بملاحقة المغاربة وأضرموا النيران في سياراتهم وخربوا مقاهيهم ومتاجرهم وبيوتهم ومساجدهم. واعتبرت هذه الحادثة أكبر ملاحقة عنصرية جماعية لأقلية عرقية عرفتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ويربط عميد المستعربين الإسبان بيدرو مارتينيز مونتابز بين رفض المجتمع الإسباني للمهاجرين العرب، والماضي الأندلسي بالقول: «قضية الأندلس انتهت من الناحية الكرونولوجية، لكن من الناحية العاطفية والنفسية والإبداعية ما زالت مستمرة بانعكاساتها الإيجابية والسلبية، وهو ما تعكسه بعض الجمل التي تكررت أثناء أحداث إليخيدو مثل «لنقتل المورو».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.