تاج محل.. مشهور بتناسقه المثالي تقريبا ومعروف في أرجاء العالم بكونه رمزا للهند.. إنه دليل مادي على إخلاص ملك لملكته.. معظم الذين يزورنه يعتبرونه رمزا للحب. لكن هوية المهندس المعماري الذي صمم هذا المبنى، تبقى من أكثر الأمور غموضا، ويقال أيضا إن الرجل الذي بنى هذا الصرح، شاه جيهان، كان سيبني نصبا تذكاريا آخر، إنه تاج محل بلون الأسود. بالتحقيق في أصوله في الهندسة المعمارية الإسلامية، ومن خلال الأدلة الأثرية نكشف الحقيقة وراء هذه الجوهرة الهندية تاج محل. الحب يصنع المعجزات إحدى أروع علاقات الحب في التاريخ الهندي وصلت إلى نهايتها، الإمبراطور شاه جيهان حزين لوفاة زوجته التي يحبها كثيرا ممتاز محل، وكتعبير عن حبه بنى أكثر المباني المذهلة «تاج محل» لترقد فيه محبوبته واستمر البناء 18 سنة. يقول الدكتور «جايلز تيلوتسن»، مؤرخ هندسة معمارية: «تاج محل هو قبر تم بناؤه مبدئيا لممتاز محل، زوجة الإمبراطور المغولي الخامس شاه جيهان. القصة الإنسانية.. قصة الحب، الزوج الحزين والزوجة الجميلة طبعت نفسها في مخيلتنا بقوة، بحيث حينما نقترب من المكان لا نقترب من مبنى، بل نظن أننا نقترب من علاقة أو شخص، كأن تاج محل هو تجسيد لممتاز محل نفسها». الأسطورة تقول إن الشاه لم يفكر فقط في بناء تاج محل، بل كان يخطط لبناء نصب تذكاري آخر مقابل لنهر جهانارا. إنه قبره الخاص بالرخام الأسود وليس الأبيض، لكن قبل أن يبدأ العمل على تاج محل آخر، وضعه ابنه تحت الإقامة الجبرية بعد استيلائه على السلطة قبل إخوته، وتم دفن الشاه إلى جانب زوجته بتاج محل الأصلي. بداية الأسطورة كان لشاه جيهان ثلاث زوجات، أولهن هي ممتاز محل، وفي وقت خطبتهما كانا ما يزالان طفلين ولم يتم ترسيخ زواجهما في تلك المرحلة إلا بعد بلوغهما، ورغم أنه زواج مدبر لأسباب سياسية، فإنه تطور إلى شيء أكثر عمقا مع الوقت. بعد 19 عاما، كانت ممتاز محل مع الإمبراطور في حملة بهضبة ديكان وهي حامل بالطفل الرابع عشر للزوجين. أحد جوانب حياة ممتاز محل أنها كانت ترافق زوجها في العديد من الحملات العسكرية وتحملت مشاق السفر معه، حيث أنجبت فتاة أطلق عليها جوهر، واتضح أن الولادة كانت صعبة على الملكة ذات الثمانية والثلاثين عاما، إذ ماتت بعد فترة وجيزة. مؤرخو البلاط الملكي يقولون إن شاه جيهان رفض الكلام لمدة ثلاثة أيام.. كان محطما تماما وخلال عودته إلى أكرا اختار شاه جيهان موقعا للمثوى الأخير لزوجته ممتاز إنه بناء ضريح مذهل جدا وتحفة معمارية. سر هندسته المعمارية لم يكتب عن بناء تاج محل وهوية مهندسه المعماري، إذ تبقى أحد الأمور الغامضة لهذا النصب التذكاري. لقد كان أمرا تقليديا في الفترة المغولية أن يرتبط المبنى بصاحب المبنى وليس بالشخص الذي قام ببنائه. يزعم كاهن برتغالي عام 1640 أن المهندس المعماري هو حداد فينسي يدعى «جيرينمو فيرينيو»، لكنه ادعاء لا أساس له ومجرد ملاحظة عابرة للكاهن سيبستيان ماريكا». كما أنه ليس هناك ذكر لدى المصادر المغولية أو الأوربية لاسم «جيرينمو». أكثر شخص محتمل لهندسة تاج محل، هو «أستاذ أحمد لاهوري»، لقد كان مهندسا للقلعة الحمراء في دلهي، وكتب ابنه أنه المهندس المعماري لتاج محل. تحليل للمآذن الأربع في حقبة 1980، كشف أن كل واحدة مبنية لتنحني قليلا عن المبنى الرئيس في حال حدوث هزة أرضية. المهندس المدني إيد ماكان مصمم معماري مدني يقول: «من المحتمل أن من قام بهندسته أو من قاموا بذلك فكروا أن جعلوا المآذن تنحني قليلا بحيث تسقط إلى الأمام حين تهتز الأرض». لكن أكرا، حيث يوجد الضريح، نادرا ما تتعرض لهزات أرضية. تحقيق موسع للمهندس المعماري المحتمل يكشف ذلك، المهندس هو أستاذ أحمد لاهوري، أي أصله من مدينة لاهور على الأرجح التي تقع حاليا بباكستان المعاصرة، وهي منطقة معروفة بتعرضها لهزات أرضية عنيفة. بسبب خبرته ربما، طبق لاهوري عناصر مضادة للهزات الأرضية لتصميم المآذن، خصوصا وأن هزة أرضية عنيفة عام 1505 شمال غربي نيبال، التي تبعد 500 كلم عن أكرا، تسببت في اهتزازات بتاج محل. تاج محل أسود مباني المغول كانت دائما مرتبطة بقوتهم، إنها لا تخدم حب شاه جيهان فقط بل هي إشارة إلى حكمه وتراثه وأهميته. تقول الأسطورة إن ما تراه يمثل نصف المخطط فقط عبر نهر جهانارا، هناك بقايا آثار مثيرة للاهتمام مصنوعة من صخور مشابهة لتلك التي تم استخدامها في بناء تاج محل، مما يعزز أسطورة أن شاه جيهان كان يخطط لبناء ضريح ثان من الرخام الأسود. وبذور الفكرة نجدها في كتابات فرنسي يدعى «جون باتيست تافرنيي»، الذي كان يتجول في الهند يتاجر في المجوهرات، وهو يبدو مصدرا موثوقا. عام 1970 قام فريق من خبراء الآثار الهنود والأمريكيين بتنقيبات لإيجاد بقايا لذلك التاج المفترض أن يبينه شاه جيهان، وبعد بضعة أعوام، اكتشفوا بقايا مبان صغيرة. .لم تكن بقايا ضريح بل بركة مثمنة الأضلاع.. كانت حديقة للمتعة يأتي إليها الناس عند الغسق بعد نهار حار طويل. ربما تبقى أسطورة تاج محل ثان دون دليل، لكن هناك تاج محلي حقيقي متلألئ على انعكاس الماء إنها صورة متكاملة من التناسق. عام 1657 مرض شاه جيهان وفقد قدرته على السلطة وأبناؤه تصارعوا على السلطة، التي آلت إلى ابنه «أورنجزيب» الذي ألقى القبض على أبيه وسجنه في «حصن أجرا» حيث لبث الملك المخلوع تسعة أعوام لم يكن إلى جواره من يرعاه سوى ابنته المخلصة «جهانارا» ؛ وكان ينفق أيامه جالسا في «برج الياسمين» مرسلا بصره إلى حيث ترقد زوجته الحبيبة «ممتاز» . على أن هذا الابن الذي خلع أباه على هذا النحو القاسي، كان من أعظم الأباطرة المغول في تاريخ الإسلام. وقيل إنه عزل والده بعد أن رأى بذخه في إنشاء نصب تذكاري «ممتاز محل» وانشغاله بالتخطيط لنصب آخر ربما يكون تاج محل أسود. جنازة شاه جيهان كانت مسؤولية ابنته «جهانارا» التي قررت دفن والدها إلى جانب ممتاز بعيدا عن خط الوسط، مما دمر صورة الكمال التي حاول تحقيقها في البناء. ليس مسجلا إن كان شاه جيهان يريد أن يدفن هكذا إلى جانب ممتاز محل، لكن بسبب الحرب الأهلية المغولية، أرادت «جهانارا» دفن والدها إلى جانب ممتاز أو أرادت أن تراهما مجددا. أخيرا، .داخل برودة الرخام الأبيض يرقد أكثر عاشقين مخلصين في العالم إنهما متحدان حتى في الموت.