تحرص بعض الأسر على تزويد أبنائها بمصروف الجيب باعتباره دعامة أساسية في علاقتها بهم، من دون أن يدرك بعضهم في كثير من المرات أن مصروف الجيب يساهم في تشكيل شخصية الطفل بشكل أو بآخر، حيث يؤكد علماء النفس على ضرورة احترام الطفل واحتياجاته منذ صغره حتى يشب على احترام ذاته، وبالتالي احترام احتياجات الآخرين من خلال تدريبه على التعامل مع مصروفه الخاص بمسؤولية. المصروف هو عادة هامة جدا في حياة الأطفال، لأنها تساهم في نموهم الاجتماعي والسلوكي، والصورة الأولية للمصروف هي ما يحصل عليه الطفل قبل سن المدرسة كل يوم من حلوى أو شوكولاته، فالأم في هذه السن تستعمل الحلوى في مكافأة الطفل أو عقابه، بهدف تعليمه قواعد السلوك المطلوب منه، فيحصل على قطعة الحلوى إذا سلك مسلكا سليما والعكس صحيح، وبعد أن يصل الطفل إلى سن 4 سنوات، وهو متوسط السن الذي يذهب فيه أبناؤنا إلى المدرسة، يبدأ بالحصول على مصروف يومي، إلى أن يصل إلى سن تسع أو عشر سنوات، حين نبدأ في إعطائه مصروفا أسبوعيا . في البداية سيقوم بإنفاقه كله في اليوم الأول، ويبقى بدون مصروف لبقية الأيام، ومن تجربته هذه سيتعلم أن له ميزانية محددة يجب عليه تدبيرها، وأن يقسم ما معه من نقود على أيام الأسبوع، غير أن المشكلة التي تقع فيها العديد من الأمهات هي تعوديهن الطفل على إمداده بالمزيد من النقود في حالة نفاذ مصروفه، وهذا خطأ كبير، لأن الطفل هنا لا يعرف كيفية التعود على التصرف في حدود ما هو متاح له. ولابد من الإشارة إلى أن مصروف الجيب بالنسبة للطفل يساعده على تحديد شخصية الطفل وبلورتها منذ سن مبكرة، فعندما يحصل الطفل على مصروفه من والديه، يسعى لإنفاقه في المدرسة تقليدا للكبار. ودور الوالدين هنا هو أن يسأله لدى عودته من المدرسة عن الأشياء التي أنفق عليها نقوده، بطريقة بعيدة عن أسلوب التحقيق إذا وجدت الأم أن طفلها أنفق مصروفه في أشياء لا يحتاجها لمجرد الإنفاق، عليها أن تعاتبه بأن تمنع عنه المصروف ليوم أو يومين حتى لا يصبح شخصا مسرفا، كما عليها أن تتجنب إنشاء علاقة شرطية بين ذهاب ابنها للمدرسة وبين حصوله على المصروف فهذا خطأ، فلنفرض أنها في يوم لم تتمكن من توفير مصروفه بسبب ظرف أو آخر، فما سيحدث هو أنه سيذهب إلى المدرسة، وهو يشعر أنه واقع تحت ضغط عدم وجود مصروف معه، وأن هناك شيئا هاما ينقصه قد يأخذ كل تفكيره ويعيقه عن التركيز في الدرس، بالإضافة إلى دمج مصروف يومين في يوم واحد كأن تقول لابنها «لن أعطيك مصروفا اليوم ولكن سأعطيك غدا مصروف يومين»، وذلك حتى يعتاد الطفل على التعامل مع كافة الظروف التي تواجهه. ويخشى بعض الآباء والأمهات أن يطلبوا من أبنائهم ادخار جزء من مصروفهم لشراء بعض ما يحلمون بشرائه خوفا من تعود الطفل على عادة البخل، وهذا اعتقاد خاطئ، فمن المهم أن نعوِدهم منذ صغرهم على المشاركة في شراء بعض احتياجاتهم الخاصة، أو ما يرغبون في شرائه من لعب بادخار جزء من مصروفهم. فالطفل يدرك هنا أنه يدخر لشراء شيء يحلم به، وهذا يعلمه المثابرة على تحقيق الهدف كما يتعلم أنه بدلا من إنفاق مصروفه بشكل في أشياء لا قيمة لها، يمكنه توفيرها لشراء شيء قيم يستفيد منه مدة أطول، وهذا ما يعطيه متعة وإحساسا بالمسؤولية، ليس هذا فقط بل يمكن للأم أن تختلق، بين الفينة والأخرى، قصة وتطلب منه المساعدة بجزء من مصروفه، على شرط أن تؤكد له أن ما تبرع به مهم جدا وفعل شهم، حتى يدرك الطفل معنى المساهمة بمجهوده أو ماله، وهو ما سينعكس على شخصيته في الكبر. فريد إيكيسن أستاذ اللغة العربية ومؤطر تربوي