صاروخ يقتل أطفالا يجلبون الماء في غزة وإسرائيل تعزو السبب لعطل    طنجة.. مكبرات صوت وDJ في الهواء الطلق تثيران استياء المصلين وسكان كورنيش مالاباطا    "السيبة" في أصيلة.. فوضى في الشوارع وغياب للسلطات    تشلسي يصعق باريس سان جيرمان ويتوج بلقب مونديال الأندية الموسع بثلاثية تاريخية    الفنانة الهولندية من أصول ناظورية "نوميديا" تتوَّج بلقب Stars on Stage    كرة القدم.. "فيفا" يكشف عن قرارات جديدة بخصوص صحة وفترات راحة اللاعبين واللاعبات    من عاصمة سوس.. حزب "الحمامة" يطلق دينامية شبابية جديدة للتواصل مع الشباب وتقريبهم من العمل السياسي    "كان" السيدات .. تأهل نيجيريا والجزائر    رفاق حكيمي يسقطون بثلاثية أمام تشيلسي في نهائي كأس العالم للأندية    اليمين المتطرف في بلدة إسبانية يستغل حادثة للعنف لربط الهجرة بالجريمة    وفاة رئيس نيجيريا السابق محمد بخاري    بناني والحاجي والمرنيسي يحسمون لقب "بطل المغرب" في الفروسية    أطروحة دكتوراه تكشف محدودية تفاعل المواطنين مع الخدمات الرقمية بالمغرب: فقط 40% راضون    الوزيرة بنعلي تعلن الشروع رسميا في إنجاز مشروع أنبوب الغاز المغرب- نيجيريا        دونالد ترامب يحضر مباراة نهائي كأس العالم للأندية لكرة القدم    منظمة الصحة العالمية تحذر: تلوث الهواء يهدد أدمغة الأطفال ويعيق نموهم    نشرة إنذارية: موجة حر من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    عودة العيطة إلى مسرح محمد الخامس.. حجيب نجم النسخة الثالثة    لطيفة تطرح الدفعة الأولى من ألبوم "قلبي ارتاح".. أول ألبوم عربي بتقنية "Dolby Atmos"    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتفاعل مع فاجعة 'خزان أولاد يوسف'    الكوكب يراهن على خبرة الطاوسي في رحلة التحدي الكبير    تيزنيت: للسنة الثانية على التوالي..نسبة النجاح بالبكالوريا تُلامس 80%    إصابة أربعة أشخاص في سقوط أرجوحة بمرتيل    « البسطيلة بالدجاج» تحصد المركز الثالث في مسابقة «تحدي طهاة السفارات» بواشنطن    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مونتينيغرو بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني    متحدية الحصار الإسرائيلي.. سفينة "حنظلة" تنطلق من إيطاليا باتجاه غزة    "فيفا" يُنصف حكيمي: أفضل مدافع في مونديال الأندية بأرقام دفاعية وهجومية مذهلة    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يأسف لتطورات اعتصام قصبة تادلة ويحذر من نشر مشاهد صادمة دون ضوابط    الشاعرة نبيلة بيادي تجمع بتطوان الأدباء بالقراء في برنامج "ضوء على القصيدة"    "نوستالجيا 2025": مسرح يحفر في الذاكرة... ويستشرف الغد    بملتقى فكري مفتوح حول «السؤال الثقافي: التحديات والرهانات»، بالمقر المركزي للحزب بالرباط .. الاتحاد الاشتراكي يفتح نقاشاً ثقافياً استعداداً لمؤتمره الثاني عشر    دلالات خفقان القلب بعد تناول المشروبات المثلجة        "عدالة" تنبه إلى التدهور المقلق للوضع الحقوقي بالمغرب وتدعو لإصلاح يضمن الحقوق والحريات    الاتحاد الأوروبي يؤجل "رسوم أمريكا"    انتهاك صارخ لقدسية الأقصى.. مستوطنون يقتحمون قبة الصخرة ويؤدون طقوسًا تلمودية في ذكرى خراب الهيكل    مراكش تنادي إفريقيا: إصلاح التقاعد لضمان كرامة الأجيال المقبلة    سبعيني ينهي حياته شنقًا بجماعة بني بوشيبت    الرابطة المغربية للشباب والطلبة تختتم مخيم "الحق في الماء" بمركب ليكسوس بالعرائش    "بوحمرون" يسلب حياة طفل في مدينة ليفربول    يديعوت أحرونوت: موجة هجرة إسرائيلية غير رسمية نحو المغرب في خضم الحرب    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    صحافي أمريكي: الملياردير جيفري إبستين صاحب فضيحة شبكة الدعارة بالقاصرات كان يعمل لصالح إسرائيل    صدور كتاب عن قبيلة "إبقوين" الريفية يفكك الأساطير المؤسسة لقضية "القرصنة" عند الريفيين    تقرير: المغرب ضمن 3 دول أطلقت سياسات جديدة لدعم الزراعة الشمسية خلال 2024    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة        بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زاكورة حاضرة درعة التي تختزن المفاجآت لعشاق التيه الصحراوي
محبوا السياحة الصحراوية يتدفقون عليها على مدار السنة
نشر في المساء يوم 23 - 09 - 2009

اسم زاكورة مشتق من جبل «تازكورت» الذي تحتمي بظله، و«أزكور» في اللهجة المحلية تعني الكنز. إنها الواحة، والمدينة، والقرية والكتاب المفتوح الذي خص صفحات منه للحكايات وأخرى للأساطير. وما بين الحكاية والأسطورة دروب جغرافية وتاريخية طويلة افترشتها القصبات في قلب الصحراء عبر وادي درعة ومنطقة الواحة مرورًا بخَزَانة تمْكروت والعرق اليهودي وهو بحر الرمال الخادع. تختزن زاكورة مفاجآت لعشاق التيه في الصحاري الذين يمكنهم الإبحار في رمال الصحراء الشرقية الممتدة إلى ما لا نهاية ليعيشوا لحظات عذبة من صمت الطبيعة وجبروتها. زاكورة مدينة الحرية. مدينة ذات طابع خاص، احتفظت بأصالتها وطابعها الهندسي، رغم رياح التحديث التي هبت عليها من جميع الجهات، خصوصا مع التوافد الكبير للسياح الذين يأتون إليها من مختلف أصقاع المعمور.
تعد زاكورة أحد الأقاليم السبعة التي تتشكل منها جهة سوس ماسة درعة،
هذه الجهة الممتدة بين المحيط الأطلسي غربا ودولة الجزائر شرقا، وإذا كانت مدينة أكادير هي بوابة هذه الجهة، فإن زاكورة هي حزام الأمان بين الشقيقتين الجزائر والمغرب.
وبفضل هذا الموقع المتميز، ببوابة الصحراء وبمؤهلاتها الطبيعية الساحرة ومناظرها الطبيعية التي تجمع بين التفرد والجمال، وطيبوبة أهلها وقصورها وقصباتها وواحاتها وتلالها وكتبانها الرملية الساحرة، وماضيها العريق الضارب في أعماق التاريخ، ظلت زاكورة منذ قرون منطقة جذابة تعلق بها أهلها وأحبوها حدّ الافتتان مصرين على التعلق بها رغم صعوبة الظروف المناخية وقساوة الطبيعة الصحراوية.
واحات النخيل
اسم زاكورة مشتق من جبل «تازكورت» الذي تحتمي بظله، و«أزكور» في اللهجة المحلية تعني الكنز.
إنها الواحة، والمدينة، والقرية والكتاب المفتوح الذي خص صفحات منه للحكايات وأخرى للأساطير. وما بين الحكاية والأسطورة دروب جغرافية وتاريخية طويلة افترشتها القصبات في قلب الصحراء عبر وادي درعة ومنطقة الواحة مرورًا بخَزَانة تمْكروت والعرق اليهودي وهو بحر الرمال الخادع.
جبالٌ ووديان، سيلٌ يحمل الطمي وشمس تجاهد السحبَ الداكناتِ، بدو رحل بعد أن ينتهي الشتاء يبدؤون في الاحتفاءِ بالربيع والخروج من أجواء البرد لتتحرك قبلهم وبعدهم قطعان الغنم وقوافل الإبل.
فالبيوت الطينية تمتص درجة الحرارة التي تتجاوز 45 درجة مئوية، كما أن هواءها النقي يطهر ما علق في رئتي الزائر من دخان سيارات المدن الكبرى، ويعتق جسده وعقله من ضغط الحياة الحضرية القاسية، ويمنحهما لحظة تحرر لا مثيل لها.
عشاق السياحة الصحراوية يتدفقون على زاكورة طيلة السنة بما فيها فصل الصيف، إنها واحة على وادي درعة الذي يعد أطول نهر في المغرب رغم جريانه غير المنتظم.
وعكس ما قد يتبادر إلى ذهن الناس من احتمال أن تكون زاكورة، بالنظر إلى مناخها الصحراوي، خالية من النبات إلا من النخيل وغيره من الأشجار المعروفة بقدرتها على تحمل الظروف المناخية مهما بلغت قساوتها، فإن الغطاء النباتي لهذه المنطقة متنوع رغم غلبة الطابع الصحراوي على مكوناته.
كما أن ارتفاع درجة الحرارة، التي يعتبرها البعض مبررا منطقيا لعدم المغامرة بزيارة زاكورة في فصل الصيف، يعد نقطة قوتها لدى غالبية السياح الراغبين في اكتشاف المدن الصحراوية مناخا وعاداتا وأنماط عيش.
يقف زائر المدينة عن قرب على خصائص عمران المدينة المشكل أساسا مما يسميه سكان المنطقة «القصور»، التي تبنى بطريقة تقليدية اعتمادا على الطين، زيادة على الاطلاع على نظام العلاقات الاجتماعية السائدة داخل الواحات .
وتتخذ كثبان الرمال لحظة شروق الشمس ووقت غروبها حلة لا يقاوم سحرها، حيث يصعب التمييز بين الكثبان الرملية وأشعة شمس خافتة تبدو كأنها تأبى أن تودع المنطقة لولا ليل يستمد سطوته من نظام الزمن.
فزاكورة ذات قدرة كبيرة على جعل زوارها، بمن فيهم الشمس، يألفون جوها بعد أن يفتنوا بواحاتها ويُسحروا بغنى الغطاء النباتي لنواحيها وتنوع تضاريسها. فرغم أن مورفولوجيتها صحراوية بالأساس، فإنها تتيح للوافد عليها فرصة زيارة مدن أخرى كأكدز وتاكونيت...
يذكر التاريخ أن هذه المنطقة كانت مهد الأسرة السعدية التي حكمت المغرب في القرن السادس عشر، وامتد نفوذها حتى تومبوكتو في مالي، ولازالت اللوحة المنتصبة قبيل وادي درعة تذكر الزوار: «تومبوكتو: 52 يوما». فقد عاشت هذه المدينة عبر القرون الخوالي محطة مهمة في طريق القوافل التجارية بين مراكش وتومبوكتو.
في كتابه»حفريات صحراوية مغربية»، يشير عبد الوهاب بن منصور إلى أن رمال الصحراء لم تكن حائلا بين المغرب وبقية الأقطار الإفريقية، بل كانت أداة ربط وصلة وصل بينه وبينها، حيث كانت الصحراء المغربية معبرا لطرق القوافل بين المراكز التجارية القديمة بالشمال بمثيلتها بالجنوب، فعبر هذه الطرق الصحراوية يحكي التاريخ والشعر كيف كان ملوك المغرب والسودان يتهادون التحف النادرة والطرف العجيبة والحيوانات الغريبة .
ويتمدد وادي درعة عبر أكبر واحات المنطقة، «مزكيطة وتنزولين وطرناطة وفزواطة وكتاوا ومحاميد الغزلان». فحتى ثلاثة عقود خلت كانت الغزلان ترتوي من مياه درعة في واضحة النهار، وكانت حيوانات وطيور البراري أوفر قبل أن تتغير اللوحة كليا، فيصبح الزائر أمام كثبان على حد البصر، تداعبها الرياح منذ الأزل فلا تستقر على شكل. وفي حركتها الطبيعية تزحف على البساتين، وتتخطى الأسوار العالية المقامة حول «كصور» درعة، وهي الوحدات السكنية الجماعية المحصنة من الأعداء في زمن «السيبة»، ومن زحف الرمال في الوقت الحاضر. وتنم أسماؤها عن تعايش إلى حد التمازج بين أعراق مختلفة. فهذه «كصور» بأسماء عربية يقيم بها أمازيغ، تجاورها أخرى بأسماء أمازيغية يسكنها عرب، وفي زاوية شاسعة من الصورة يتمدد قفر النقب شمالا حتى الحدود الجزائرية، وتغطي سهوب سيدي عبد النبي المنطقة التي تفصل زاكورة عن صحراء «طاطا». مئات الهكتارات ليس فيها سوى «الشيح والريح». والشيح هو العشبة التي يسوقها «العطارة» لورودها في كتب الأعشاب كشفاء لداء المعدة. ويتصدر الصورة جبل باني المتمدد مثل ثعبان أسطوري من جبل «كيسان» المقابل لقرية أكدز إلى المحاميد.
واحات النخيل
في الطريق إلى زاكورة يواجهنا شيخ عملاق أسود، كأنه مارد خارج من قمقم الحكايات الصحراوية، هو جبل كيسان المتجهم بلونه الداكن، الجبل يحرس أكدز، وَجْهُه يشرف على الواحة التي ينمو بها 27 نوعا من التمور. من أعلى جبال الأطلس في تلك المنطقة التي تطل على الوادي تبدو قمم النخلات مثل وَرْدَاتٍ أبدية على مائدة من الصخور الأزلية.
أدنى جبل كيسان، وفي قلب واحة وادي درعة تنام متفرقات قرى صغيرة، تظنها غير مأهولة حتى تلمح قرويا يسير هنا أو قرويتين تتوقفان هناك، إنه يوم في حياة الجنوب يمشي فيه الزمن متمهلا على عربة أو دراجة أو دابة، وتستوقفه مصافحات وابتسامات وتحيات.
على مسافة البصر والطريق قصبات أو آثار لها، حيث يحمل كل برج منها قصة، فمُلاكُها كانوا حماة القوافل، ومنها قصبات أولاد عثمان وقصبة القائد العربي... تنتشر على امتداد مدن وقرى أفلاندرا، مزكيطا، أكدز، تامزموت، تتزولين، تمكروت، فزواطة، زاكورة، امحاميد الغزلان...
البيوت هنا نموذج في تدوير الخامات البيئية للصناعة والحياة، الجدران من الأحجار والطين، والأسقف من الخشب والسعف، وكلها خامات متوافرة كالماء والهواء.
تشتهر زاكورة باعتبارها حاضرة السياحة الصحراوية بفضل كتبانها وواحاتها الممتدة على طول وادي درعة، واحد من أكبر الوديان المغربية، سياحة تشهد فترات مد وجذب.
الفولكلور الرجالي المتميز بإيقاعاته الراقصة، وخزانة الزاوية الناصرية في «تامكروت» بمخطوطاتها النادرة، أصبحا بدورهما في خدمة السياحة حتى بات من الصعب اليوم أن نتحدث عن زاكورة دون سياح. ليبقى النشاط الأساسي إذن هو السياحة مادامت فلاحة البساتين الصغيرة لا تسمن ولا تغني في مناخ يقل معدل أمطاره عن 70 ميليمترا سنويا. لا الثمور التي تنتجها واحات وادي درعة، ولا حناء المغرب التي تنتجها منطقة «النقب»، قادرة على استيعاب اليد العاملة المحلية.
قوة الجذب السياحي الذي تتمتع به المنطقة، يجعلها كما يعني اسمها كنزا لا ينضب، لكن الزائر يجد نفسه في مدينة فقيرة تتضخم عشوائيا وسط الفراغ، ولعل ذلك ما يعكسه فراغها من سوق في مستوى حجمها السكاني. من يصدق أن ساحة يتجاور فيها الخضار والحداد هي كل ما في الأمر؟. فالسكان الطيبون، بعد عقود من التمدن، مازالوا يفضلون السوق الأسبوعية التي يقيمونها هنا يومي الأربعاء والأحد ويطوون خيامها عصرا. والحياة البسيطة لأبناء المنطقة نقيض حياة الفنادق السياحية وبزارات الصناعة التقليدية.
الطريق إلى زاكورة عبر ورزازات تمتد مستقيمة ومنحدرة على طول 170 كلم ،تعطيك شعورا بأنك تدخل المنطقة الصحراوية، الأرض رغم أنها خالية فإنها تحمل مخيلتك إلى ما كانت عليه المنطقة في ما مضى، قوافل الجمال، حركة تجارية، زعماء دين، وبعض المكتشفين الذين جاؤوا إلى قلب زاكورة في طريقهم إلى تمبوكتو.
من أهم الآثار التي تجذب أكثر من مائة صورة في اليوم نصب يوضح المسافة بين زاكورة وتمبوكتو بالجمال وهي 52 يوما. وبزاكورة يمكن أن ترى قصبة اليهود الذين قدموا للتجارة حاملين الثروات المعمارية عن طريق المارين بالمنطقة.
قصور درعة
و من أهم المعالم في زاكورة هناك «جبل زاكورة» أو مرتفع زاكورة، الذي يصل علوه إلى 3000 قدم، ويمكن الوصول إليه عبر ممر صغير يدلك عليه السكان المحليون بكل سرور. وغروب الشمس في المنطقة يمتد حول الواحات وأشجار النخيل المجاورة يشعر بمتعة كاملة للرحلة.
تؤثث القصور والقصبات المكان مضفية عليه سحرا خاصا، فالقصر شبيه بالقرية، أما القصبة فقد تكون منعزلة أو منشأة داخل القصر وهي بصفة عامة مقر للحاكم.
فالقصور الرملية أو«القصبات» تمتد على طول مجاري ينابيع المياه الجوفية، تتشكل في شكل جزر صحراوية كانت في السابق بمثابة مراكز استراحة للقبائل الرحالة. وعادة ما تكون هذه القصور في شكل هندسي موحد مع شيء من الاختلاف من حيث التزيين في الأبواب، ولكن فيها جميعا تتزاوج الرسوم الهندسية الأمازيغية مع الفنون الإسلامية في العمارة، وتكاد تكون أبواب هذه القصور المظهر الخارجي الأبرز لعمارة القصر نظرا لضخامتها وشكلها اللافت. ومازال العديد من هذه القصور المغربية العتيقة التي لا يقل عمر معظمها عن قرنين من الزمن، بحالة جيدة، قصبات تاريخية آية في الجمال على مستوى تصميمها أو تنوع زخرفتها، غير أنها اليوم تتجه نحو الدمار، وقد نستيقظ يوما لنجد مكانها ركام الأتربة.
القصور تشبه متاهة بديعة يسكنها الحمام، وهي بلونها الترابي مثل سجادة أحادية اللون. ربما تظن حين تراها من الخارج أن ارتفاعها ثلاثة طوابق، لكنك في الداخل سترى كيف تولد طوابق أخرى حتى تبلغ سبعًا، تزيد في جهة وتنقص في أخرى. أما القصبات فصناديق معمارية ذات نقوش غائرة ونوافذ وفتحات تهوية، مرة تفضي إلى الفضاء الرحب الذي يؤهلها لرؤيته من موقعها المرتفع، ومرة تفضي إلى خلاء وهمي. وسواء أضاءتها الشمس من الخارج، أو أسرجت أنوار القناديل من الداخل، لا تتبين العين ساكنيها المحروسين من العيون الفضولية أو المتلصصة مرة بفضل السور العالي، المصمت إلا من الأبواب المقوسة والجدران الساكنة، ومرة لبُعد البناء عن الطريق.
يحتال التصميم المعماري للقصبات على صرامة الهندسة بليونة الفن. فغرفُ القصبة يفضي بعضها إلى بعض، ولا تكاد غرفة تشبه الأخرى في الحجم أو التصميم أو موقع النوافذ وقربها من الأسقف أو بعدها عن الأرضيات. ولا يصل بين الغرف إلا درج مرتفع الخطوات حينا، أو ممر يضيق أحيانا فتحسبه لم يخلق إلا للأطفال. الاختلاف ميزة مشتركة بين الغرف التي لا يوحدها سوى السقف الخشبي، وعنده سيبدأ الاختلاف مرة أخرى، بين سقف ينوء بزخرفة بديعة وآخر يقتصد فلا يسفر إلا عن تشكيلات جصية بيضاء خرساء. وكلما ارتفعنا زادت الزخارف في الأسقف والجدران، وهي زخارف بألوان طبيعية. وتصنع الأسقف من أخشاب القصب والنخل والصفصاف، بينما تصنع خزائن الجدران من خشب الأرز. أما النوافذ فأمرها غريب، فهي في الأدوار الدنيا تقترب من السقف، فيما هي بالطوابق الأعلى تكاد تلامس الأرض، ربما يكون ذلك التصميم حماية للتكوين الطيني للقصبات. وتتميز هذه النوافذ بأقواس كما لو كانت نوافذ مسجد، أما وحدات زخرفتها فلا تكاد تتفق أبدا بين نافذتين.
هجمت البيوت الخرسانية على المدينة، بيوت تنتمي إلى لا مكان، فلا تكاد تحفظ من خصال الجنوب الصحراوية المعمارية شيئا، يشق صفي بيوت المكان شارع رئيسي، ربما تختلس النظر إلى الطرق الفرعية، فتعود إليك بقايا الملامح المعمارية المميزة أو لا تعود. ستتعرف إلى التاريخ من لافتات بعض المحلات. ليس غريبًا أن تجد فندقا أو سوقا تحمل اسم تمبوكتو، فمن هنا بداية الطريق للجنوب.
قصبة تمنوكالت من أقدم وأعرق مراكز السلطة، قصر المحاميد، قصر البطحا، قصر اجديد أعريب، قصبة لعلوج التي لم يبق منها غير أطلال عاصرت العهدين السعدي والعلوي، قصبة مولاي أو زاوية امبارك التي يقام بها موسم خلال شهري أكتوبر وشتنبر، القصر الكبير، زاوية القضيا، قصبة اعمامو، قصبة أيت اسفول، قصبة حما الطاهر، قصبة مولاي الفضيل، قصر أدوافيل، قصبة الرملة التي تتوسط كتبانا رملية، قصبة اليمني، القصبة الفوقانية، قصبة المشان، قصبة أولاد بلعيد...بعض من مئات القصور والقصبات التي ذكرها المهدي بن علي الصالحي في كتابه «الرحلة الدرعية الكبرى»، إلى جانب عشرات الزوايا كزاوية القاضي، زاوية أمداغ، زاوية الحنا، زاوية امغري، زاوية سيدي عمرو، زاوية تبورخصت، زاوية سيدي لحساين، زاوية وأيت بويحيى، زاوية بونو، زاوية تكرسيفت، زاوية سيدي موسى، زاوية سيدي بلال بقصر تفكروت بفزواطة، زاوية سيدي عمرو بن مسعود، زاوية سيدي علي، زاوية سيدي صالح التي تأسست سنة 1088 هجرية، أسسها الشريف سيدي صالح بن ابراهيم، زاوية سيدي يحيى، زاوية مولاي الشريف بن عمر العلوي السلجماسي، زاوية سيدي صالح القديمة وتسمى أيضا زاوية للاحليمة بنت صالح أو الزاوية الدخلانية، من أشهر آثارها الدار الكبيرة التي تقام بها الحضرة أيام الأعياد الدينية...
صحراء زاكورة ليست تلك القفار الموحشة والرمال الخادعة والأرض الجدبة، بل نجد وراء الوحشة والسراب والقفر صيغا ثقافية متوارثة وحضارة ضاربة في التاريخ، في كل قبيلة موروث ثقافي متمايز ومتقاطع بشكل نادر مع سواه. وإذا كان لا يصح أن يبلغ عدد حبات الرمال قصص الصحراء، فإنها لن تقل عن عدد القوافل التي عبرت دروبها.
بقايا خزانة تامكروت
بتمكروت توجد أشهر زاوية في جنوب المغرب لتعلم اللغة العربية والقرآن الكريم والعلوم الفلكية والهندسية والشعر، أسسها الشيخ العالم سيدي أحمد ابن ناصر الناصري الذي طاف بالأقطار العربية ليزود خزانة تمكروت بأمهات الكتب. وقد جعل من الزاوية مأوى لاستقبال القوافل وتأمينها, ومشفى للشاكين من الأمراض العقلية. ولكن لم يبق سوى الخزانة وبها جزء من الكتب، كانت أربعة آلاف كتاب أغلبها أخذ إلى خزانة الرباط، ومدرسة داخلية لتعلم القرآن الكريم. ويقام كل سنة موسم إحيائي لذكرى الشيخ يفد إليه من إفريقيا كثيرون للتجارة والزيارة والتبرك.
بهذه الزاوية العلمية كانت القبائل جميعها تقدس العلم وتجل العلماء. ومن هنا كانت لهذه الزوايا المكانة والمكان اللذين ساهما في اتساع رقعة العلم وانتظام التواصل والحفاظ على كنوز مكتوبة، أعدوا لها خزانات خاصة قاومت الزمن وعوامل صحراوية عدة. ولعل من أثر تلك الزوايا انتشار الطرق الصوفية.
لم يبق في المكتبة سوى مئات الكتب فقط منها ما كتب على جلود الغزال، ومنها ما خط بماء الذهب. نسخ قرآنية من مصر وسوريا وتركيا وإيران والأندلس ومالي وسواها. سحر وشعر، فلك وبلاغة... :«أثر البلاغة» للزمخشري. «في إعراب القرآن» للقيرواني، حديث البخاري، «قاموس اللغة» للفيروزآبادي، مؤلفات ابن عبادة القرطبي، «آداب الشعر» للمقري، «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة» لجلال الدين السيوطي، «عقد الجواهر الثمينة في مدح عالم المدينة»، «الشذور الذهبية الأحمدية لتعليم اللغة التركية والعربية»، «روضة الأزهار في علم وقت الليل والنهار» للجادري. كما أن بها نسخة «البدور اللوامع في شرح جمع الجوامع في أصول الفقه» للحسن بن مسعود اليوسي، وهي عبارة عن مخطوط مستقل بأوراق من الحجم الكبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.