دفع إخضاع مجموعة السنوسي المتخصصة في النسيج للتسوية القضائية إلى طرح العديد من التساؤلات حول طريقة تعامل السلطات العمومية مع ملفات الاستثمار, و المعايير التي تعتمدها الأبناك في تمويل بعض المشاريع، خاصة أن هزات من قبيل تلك التي أصابت المجموعة يمكن أن تصيب جزءا من النسيج الصناعي المغربي الهش بالسكتة القلبية. كان لخبر إخضاع شركة «لوغليرماروك» العاملة في قطاع النسيج، التي تملكها عائلة السنوسي للتسوية القضائية، وقع الزلزال في وسط المهنيين..خبر وصلت أصداؤه إلى بورصة الدارالبيضاء، حيث هوى سهم البنك المغربي للتجارة الخارجية ب6 في المائة يوم الأربعاء الماضي، لكن في ذات الوقت طرح التساؤل حول بعض اتفاقيات الاستثمار التي توقعها السلطات العمومية مع بعض المستثمرين دون أن تؤتي النتائج المرجوة منها..غير أن الحادثة التي وصفت بأنها أكبر هزة يعرفها قطاع النسيج في المغرب، أعادت التساؤل حول المعايير التي تعتمدها الأبناك في تمويل بعض المشاريع، خاصة الكبيرة منها. سخاء بنكي كيف أبدت الأبناك هذا السخاء تجاه مجموعة السنوسي دون أن تتحسب للمخاطر التي تحرص عادة على تفاديها؟ ذاك تساؤل يثور الآن بعد قرار التسوية القضائية الذي أخضعت له المحكمة التجارية بالرباط تلك المجموعة، علما أن البنوك في المغرب تبدي تشددا في علاقتها مع قطاع النسيج في السنوات الأخيرة، خاصة بعد إلغاء الاتفاق المتعدد الألياف، حيث أصبح في نظرها تمكينه من قروض منطويا على مخاطر كبيرة. هذا ما يدفع، حسب مصدر من القطاع، إلى التساؤل حول الاعتبارات التي دفعت الأبناك إلى منح قروض لمجموعة السنوسي. فالوضعية الحالية للشركة سوف تفضي إلى تبخر مليار ومليار ونصف من التزامات مجموعة السنوسي تجاه الأبناك ومؤسسات أخرى. فقد تشكل كونسورسيوم بنكي من أجل مواكبة المشروع الذي أعلن عنه منذ خمس سنوات، حيث تشكل من البنك المغربي للتجارة الخارجية والتجاري وفابنك والبنك المركزي الشعبي ومصرف المغرب. مما سيفرض على هذه الأبناك تكوين مؤن, الأمر الذي سيؤثر سلبا على نتائجه السنوية. ويرجح مصدر بنكي أن تكون الأبناك التي أغدقت قروضها على مجموعة السنوسي، قد استندت في قرارها ذاك إلى اتفاقية الاستثمار التي أبرمتها المجموعة مع الدولة، لكن هذا لا يكفي في نظر مهني من قطاع النسيج. زرابي حمراء مدت الدولة الزرابي الحمراء أمام أصحاب المشروع الذي أعلن عنه قبل خمس سنوات، فمجموعة السنوسي المتخصصة في النسيج تحالفت مع المجموعة الإيطالية لوغلير، حيث يمتد المركب الصناعي الجديد على مساحة ستة عشر هكتارا في المنطقة الصناعية الصخيرات، باستثمار يصل إلى مليار درهم، جزء كبير منه سيمول عبر القروض البنكية. غير أنه قبل اللجوء إلى البنوك كان المشروع سينجز في إطار الامتيازات التي يخولها « مخطط إيمرجانس» الصناعي. حيث رعى الإعلان عن المشروع الوزير الأول السابق إدريس جطو، الذي كان يضع عينه على مجموعات عالمية حلم بأن تحذو حذو «لوكلير» الإيطالي, فكان ان استفاد المشروع الجديد من أرض عائدة للدومين وتحملت الدولة جزءا من نفقات البنيات التحتية الخارجية، بل إن صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ساهم بمائة مليون درهم من قيمة الاستثمار. ويشير مصدر قريب من حيثيات الإعداد للمشروع الجديد، إلى أن السلطات العمومية المغربية لم تحط الملف بالدراسات الواجبة، إذ كان يفترض فيها أن تستفسر عن الوضعية التي كانت توجد عليها «لوغلير» في إيطاليا كي تعلم أن الشريك المحتفى به لم يكن في كامل لياقته المالية في بلده الأم. وهذا يبرر الملاحظة التي طرحها أحد الأعضاء البارزين مؤخرا في الاتحاد العام لمقاولات المغرب الذي أشار إلى أنه بمجرد أن تعلن مجموعة أجنبية عن نيتها الاستثمار في المغرب، حتى تهرع إليها الأبناك المغربية مقدمة لها كل التسهيلات التي تمنعها عن مستثمرين محليين. وهذا يتجلى في رأيه بوضوح في قطاع العقار. انسحاب الإيطاليين أربع سنوات بعد انخراطهم في المشروع سوف يقرر الإيطاليون، الذين كانوا يملكون ستين في المائة من الرأسمال الانسحاب من المشروع بعد رفضهم المساهمة في ثلاث عمليات لرفع رأسمال الشركة، غير أن المعطيات التي لم يكن أي أحد يريد الانتباه إليها حسب مهني في قطاع النسيج، تتمثل في أن «لوغلير» كانت تحتضر قبل انخراطها في مشروع الصخيرات، فاللجنة الأوربية، فتحت تحقيقا حول المساعدات المالية التي تصل إلى 40.7 ملايين يورو التي كانت الدولة الإيطالية تعتزم منحها ل«لوغلير» بسبب وضعيتها المالية «المقلقة»، حيث كان يفترض أن تنخرط في برنامج لإعادة الهيكلة، فالشركة الإيطالية فقدت في الوقت الذي كان المسؤولون المغاربة في 2005 يحتفون بها، ثلثي أموالها الذاتية. غير أن اللجنة الأوربية أبدت شكوكا حول تمتعها بنوع من المصداقية التجارية. ففي نظر مهني في قطاع النسيج كانت الصعوبات التي يواجهها الشريك في بلده الأصل مؤشرا على المآل الذي انتهى إليه المشروع الذي انخرط فيه في المغرب. لكن هل كانت مجموعة السنوسي بدورها مستعدة للدخول في مشروع يقتضي تصنيع الجينز غزلا ونسجا وخياطة. مشاكل بينما كانت مجموعة السنوسي تستعد للانخراط في المشروع الضخم مع الشريك الإيطالي، كان عليها أن تبذل مساعي لدى إدارة الجمارك المغربية لتسوية مشاكلها ذات الصلة بالقبول المؤقت، حيث كان في ذمتها مبلغ كبير تحاول إيجاد حل له مع الجمارك، وهذا ما يحذو بأحد العارفين بتفاصيل هذا الملف إلى التساؤل حول عدم انتباه المسؤولين الحكوميين الذين درسوا ملف استثمارها إلى هذه السابقة، في ذات الوقت ينقل إلينا أحد المهنيين التساؤلات التي ثارت في الصالونات المغلقة حول مدى توفر عائلة السنوسي على الخبرة الكافية كي تنخرط في مشروع مندمج يتناول الغزل والنسج والمنتوج النهائي، بل إن المشروع الجديد بدأت تروج إشاعات حول جودة المنتوج الذي يقدمه، كما يقول أحد المهنيين، مما فرض تصريف جزء منه في السوق المحلي. وبعد الهزة التي عرفها القطاع جراء التسوية القضائية يتذكر أحد المهنيين، حادثا اعتبره عاديا في حينها في حياة الشركات، لكنه أصبح ذا معنى اليوم، فقد تولى إطار مغربي يجر وراءه سنوات من الخبرة والكفاءة، منصب المدير العام في المجموعة، لكنه ما لبث أن قرر الانسحاب. وقراره فاجأ العديدين ممن يعرفون الرجل. أسئلة معلقة الآن تتداعى التساؤلات وسط مهنيي النسيج والألبسة الذين تمكنت منهم الصدمة والخوف على صورة القطاع بعد المآل الذي ينتظر مجموعة السنوسي، فالعديدون دهشوا، كما يقول أحدهم، لحجم الاستثمار الذي أعلنت عنه المجموعة، علما أنه يتطلب الكثير من المصاريف وسنوات طويلة من أجل استخماد الاستثمارات التي بذلت، غير أن الكثيرين يتساءلون اليوم، أمام ما وصفه أحدهم بالكارثة التي حلت بالقطاع، عن الاعتبارات التي حذت بالأبناك إلى منح قروض كبيرة تتجاوز حجم الاستثمار لمجموعة السنوسي، وماهي الضمانات والرهون التي حصلت عليها. والظروف التي أحاطت بدراسة ملف الاستثمار من قبل الحكومة، ثم إنك لن تعدم من يتساءل عن مدى حقيقة ضخ كل الأموال المحصل عليها في المغرب في المشروع الذي من أجله منحت القروض. مخاوف مهما يكن يعتبر المهنيون أن ما آل إليه هذا المشروع الضخم سيكون له ما بعده في القطاع، حيث سينال من صورته هو الذي يعاني من صعوبات كبيرة في ظل مشاكل التنافسية والأزمة الحالية التي حذت به إلى بذل جهود كبيرة من أجل الحد من خسائره الناجمة عن تراجع الطلبيات واشتداد المنافسة وتراجع قيمة الجنيه الإسترليني... في ذات الوقت يرتقب أن تفضي التسوية القضائية، التي تخضع لها مجموعة السنوسي، إلى فقدان العديد من مناصب الشغل، فذاك أحد المداخل، التي ستلجأ إليها من أجل استعادة عافيتها.