بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    اتحاد طنجة يفوز على نهضة بركان    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤسسات استشفائية عمومية على حافة الإفلاس
مهددة بالسكتة القلبية بسبب عدم توصلها بالتعويضات عن الخدمات العلاجية لحاملي بطاقة راميد
نشر في المساء يوم 21 - 05 - 2015

تعيش عدة مستشفيات عمومية على الصعيد الوطني وضعا ماليا لا تحسد عليه، ملامحه توحي بإفلاس وشيك يتهدد تلك المستشفيات بسبب الأزمة الخانقة التي تعصف ببعضها وخاصة المراكز الاستشفائية الجامعية، فمداخيل هذه الأخيرة تقلصت عن سابقاتها من السنوات، والسبب في ذلك أن هذه المستشفيات باتت اليوم مطالبة باستقبال الآلاف من المرضى المستفيدين من برنامج المساعدة الطبية "راميد" وتوفير العلاج المجاني لهم، لكن دون أي استفادة من التعويض عن العلاج، إذ بحسب الأطر الصحية العاملة بهذه المستشفيات فإنه منذ دخول نظام المساعدة الطبية، حيز التطبيق والمستشفيات العمومية بمختلف تصنيفاتها سواء كانت مراكز صحية، أو مستشفيات عادية أو مؤسسات استشفائية جامعية تتخبط في مشاكل لا نهاية لها بدءا من مشكل الاكتظاظ ونهاية بمشكل ضعف المداخيل وانزلاقها نحو نقطة الصفر.
الدولة وقبل البدء في تطبيق نظام المساعدة الطبية «راميد»، طرحت بحسب المتتبعين نظاما خاصا لمحاسبة وفوترة المداخيل لضمان الحكامة في تدبير ملفات العلاجات داخل المستشفيات العمومية، أكده القانون المنظم لبرنامج المساعدة الطبية، الذي فرض على هذه المستشفيات فوترة جميع الخدمات الصحية التي يتلقاها حاملو بطاقة راميد، من خلال عقلنة تدبير الملفات وضبط محاسبتها، لتسهيل المهمة على وزارة الصحة، لتتمكن كل سنة من التعرف على الكلفة المالية الإجمالية التي يتطلبها الولوج إلى الخدمات الصحية، لضمان سيرورة تمويل المستشفيات.
غير أنه وبحسب العاملين بالقطاع، الميزانية المرصودة للنظام ظلت غامضة وغير واضحة، كما أن الوزارة كانت على دراية كافية بالمعيقات التي يمكن أن تواجهها وعلى رأسها ضعف الموارد البشرية على مستوى الأطباء والممرضين، ورغم ذلك لم تهتم، فالمستشفيات هي التي أصبحت اليوم تتحمل مصاريف علاج إضافية من مواردها الذاتية بشكل سيعصف -حسب تعبيرهم- بمداخيل هذه المستشفيات.
وكمثال على ذلك المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد في الدار البيضاء، الذي أضحى يقوم يوميا ب120 عملية ويشخص 1000 حالة ويدين للدولة بحسب ما تم تداوله إعلاميا بأكثر من 30 مليار سنتيم خلال سنة 2014، وهذا الدين إذا اتسعت رقعته لتشمل معظم المستشفيات والمراكز الجامعية على الصعيد الوطني يعتبر بحسب المهنيين «كارثة» ستكون لها تداعيات على نوعية الخدمات الصحية المقدمة للمرضى المعوزين باعتبارهم الشريحة الأكثر استفادة من راميد.
وبحسب المهنيين فإن شهادة الاحتياج في السابق كان صاحبها يؤدي مبلغ 200 درهم كمساهمة مادية من أجل العلاج، أما اليوم فالمريض لا يؤدي شيئا للمستشفيات، الشيء الذي جعل مداخيل هذه الأخيرة في انحدار بشكل حرمها من الاستقلالية المالية في التدبير تمكنها من إصلاح أعطاب المعدات الطبية.
عبد القادر طرفاي، الكاتب العام للجامعة الوطنية للصحة، للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، أوضح في اتصال هاتفي، بأن تطبيق مدونة التغطية الصحية، في شقها المتعلق بنظام المساعدة الطبية، كمشروع مجتمعي طموح يستجيب لانتظارات أكثر من ثلثي المغاربة، الذين هم في حاجة ماسة للعلاج، عرف تراجعا خطيرا جعل الظن والأمل في نظره يخيب، لأن الواقع لم يتوافق مع الانتظارات المأمولة.
فالانطلاقة التجريبية لهذا البرنامج يقول طرفاي كانت في جهة تادلا أزيلال، وكان مفروض أن الحكومة تجري وقفة وتجربة تعالج من خلالها الصعوبات وتقف على الاختلالات التي شابت النظام ثم تعمم تطبيقه، لكن للأسف الحكومة -يضيف- تجاهلت صعوبات المرحلة التجريبية في جهة تادلا أزيلال ولم تتصدى للمعيقات، واعتمدت النظام بشكل يعتمد بحسب تعبيره على « الفلكور والبهرجة» أكثر مما يهدف للاستجابة للمواطن الراغب في العلاج الذي يعاني من صعوبات أيضا بسبب نقص الأدوية والتجهيزات في المستشفيات. وأضاف أنه من خلال هذه الاختلالات، اتضح أن مشاكل المستشفيات العمومية تفاقمت أكثر والسبب في نظره سوء تطبيق نظام المساعدة الطبية.
وأكد طرفاي بأن قانون 65.00 من مدونة التغطية الصحية، ينص على أن الجهاز المسؤول المكلف بالتدبير المالي لنظام المساعدة الطبية، هو الوكالة الوطنية للتأمين الصحي «لانام» إلا أنه وإلى اليوم، يؤكد المتحدث ليس هناك ميزانية مخصصة وخالصة لنظام المساعدة تمنح للوكالة وتقوم بضخ ميزانية مفروض فيها أنها ستذهب للوكالة لتمويل نظام المساعدة الطبية وتمويل المستشفيات العمومية التي تستقبل حاملي بطاقات راميد.
فهذه الميزانية يتم ضخها في الصندوق الخاص بوزارة الصحة، وبالتالي الميزانية المخصصة لنظام المساعدة الطبية تعاني على ضوء ما سبق ذكره من سوء تسيير وتدبير انعكس بحسب طرفاي على تسيير وتدبير المستشفيات التي هي اليوم على شفير الإفلاس.
والسبب في ذلك أرجعه طرفاي إلى أن مبالغ كبيرة من الأموال المرصودة تذهب في صفقات متعلقة بالأدوية تمر في ظروف «غير سليمة» تضخ أموالا طائلة في جيوب مجموعة من المختبرات الخاصة بتصنيع الأدوية في المغرب، دون أن تستفيد منها المستشفيات التي مازالت تنتظر التعويضات عن تحملها تكاليف معالجة حاملي بطاقة راميد.
فالميزانية تصرف في نظره بطريقة غامضة ويتم بعث الكثير من الأدوية لا تطلبها المستشفيات، يتم تكديسها بجانب الممرات إلى أن تفسد وترمى مع النفايات الطبية، في الوقت الذي تواجه فيه المستشفيات العمومية متطلبات أخرى غير نقص الأدوية، متطلبات فيما يخص الصيانة وتوفير الموارد البشرية وتوفير التجهيزات الضرورية للعلاج .
تعويضات متأخرة
لقد قدرت كلفة نظام المساعدة الطبية، حسب الدراسة التي تم إجراؤها من طرف وزارة الصحة سنة 2007 في 7،2 مليار درهم، وقدر هذا الغلاف ب 3 ملايير درهم برسم سنة 2012، حيث وزعت التركيبة المالية لنظام المساعدة الطبية على ثلاثة شركاء، النسبة الأكبر فيها للدولة بحصة 75 في المائة والنسبة الأقل فيها للجماعات المحلية التي ساهمت ب6 في المائة، أما نسبة 19 في المائة فتحملها المستفيدون المصنفون في وضعية هشاشة بدفعهم سنويا مبلغ 120 درهم عن كل شخص، على أساس أن يرتفع المبلغ إلى 600 درهم سنويا للأسرة الواحدة.
وبعد مرور حوالي ثلاث سنوات عن تطبيق البرنامج وتكدس المستشفيات العمومية بالمواطنين المصنفين في وضعية هشاشة الذين يقصدونها طمعا في الفحص المجاني أو إجراء عملية جراحية بأقل تكلفة ممكنة، وجدت المستشفيات العمومية نفسها في وضعية لا تحسد عليها، فمدراؤها كانوا يعتقدون بأن الوزارة ستحرص على تطبيق النظام كما أنزل، لكن الواقع أثبت لهم العكس، فالمفروض في الشخص المستفيد الحامل لبطاقة راميد أن يستفيد من الخدمات الصحية المقدمة في ردهات المستشفى، حيث يقوم فريق إداري خاص بفوترة الخدمات المنجزة له كالراديو أو السكانير أو التحاليل أو العمليات الجراحية … ويتم تقديمها إلى الوكالة المعنية بالتأمين الصحي، لكي تعوض المستشفى في تلك الخدمات العلاجية التي قدمها بشكل شفاف وواضح، لكن بحسب مصادر «المساء» كيف يمكن للمستشفيات اليوم بأن تقوم بفوترة الخدمات وتقديمها لوزارة الصحة وهذه الأخيرة تفتقد للصلاحية وفق ما ينص عليه القانون؟ فهي ليست مهمتها تمويل الخدمات الصحية كالمؤسسات والصناديق المعنية بذلك، خاصة وأن الفصل 44 من مدونة التغطية الصحية ينص على أنه « يمنع على كل هيئة مكلفة بتدبير نظام أو مجموعة من أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، الجمع بين تدبير نظام من هذه الأنظمة وتدبير مؤسسات تقدم خدمات في مجال التشخيص أو العلاج أو الاستشفاء أو مؤسسات توريد الأدوية والمعدات والآلات وأجهزة الترويض الطبي أو هما معا…».
فالفصل تضيف مصادر صحية، نص صراحة على عدم قانونية الجمع بين التمويل والتسيير، فخرق هذا القانون تضيف المصادر ذاتها، انعكس على المستشفيات العمومية التي لم تتلقى أي تمويل مادي باستثناء الميزانية السنوية المخصصة لها من قبل الوزارة والتي تستفيد منها جميع المستشفيات، والتي كانت قبل أن يدخل النظام حيز التطبيق، هذه الميزانية هي بدورها تضيف مصادرنا، تعرف نقصا حادا نظرا لضعفها، الشيء الذي انعكس على الخدمات المقدمة للمرضى، وأدى إلى طول المواعيد للعلاج، وتسبب في ظهور مظاهر مثل المحسوبية والرشوة، وبدل أن ترتفع المداخيل زيادة على الميزانية السنوية، تقلصت بشكل مخيف، حيث طالبت المصادر ذاتها، وزارة الصحة بتقديم لائحة هي عبارة عن مقارنة علمية بين مداخيل المستشفيات قبل ثلاث سنوات ومداخيلها اليوم، عن طريق رصد تطور عدد الوافدين، بالمقارنة مع الميزانية.
صالحي أحمد، وهو عضو في النقابة الوطنية للصحة العمومية التابعة للفدرالية الديمقراطية للشغل، أوضح ل»المساء» أنهم كمهنيين وكمسؤولين مع برنامج المساعدة الطبية، لكنه في عهد الحكومة الحالية عرف نوعا من «التلكؤ» في تسوية الوضعية المادية للمستفيدين منه، متسائلا « إذا كان المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد مدينا للدولة ب30 مليار سنتيم، فماذا عن مستشفيات أخرى بالرباط ووجدة ومكناس ومراكش….»
وعزا المتحدث السبب إلى غياب آلية للتحكم من طرف الدولة في نسبة هذا العجز المالي الذي أثر سلبا على أداء وعمل المستشفيات التي تتعرض تجهيزاتها لأعطاب متكررة دون أن يتم إصلاحها، في ظل ضعف الميزانية السنوية المرصودة والتي يؤكد بأنها تقلصت من 8 في المائة من الناتج الداخلي الخام، سنوات الاستقلال إلى 5 في المائة. في المقابل – يضيف- نجد بأن هناك تشجيعا واضحا للقطاع الخاص بحيث أن هناك أكثر من 150 مصحة خاصة فقط في مدينة الدار البيضاء، أما المستشيفات العمومية فهي بدون مرافق صحية وبدن بنيات تحتية..
نتائج الأزمة المالية بالمستشفيات
سنة 2012 قدم وزير الصحة الحسين الوردي تقريرا صادما عن وضعية المستشفيات بالمغرب وما تعيشه من تردي وتدني للخدمات الصحية وضعف جودتها وضعف البنية التحتية وقلة المعدات والأطر الصحية والبشرية وتردي الخدمات المقدمة للمرضى، الذين ينتمون في غالبيتهم، إلى الطبقات المعوزة والفقيرة.
وعلى ضوء هذا التقرير كان الأمل معقودا بحسب المهنيين على وزارة الصحة في عهد الحكومة الحالية، بأن تتعامل بذكاء مع مشاكل القطاع المعقدة التي تراكمت لسنين وتعاقبت على حلها حكومات، لكن بإلقاء نظرة على الواقع الصحي اليوم يقول جل العاملين بالقطاع الذين استقت «المساء» أقوالهم لا شيء تغير، فقط عدد الوافدين هو الذي ارتفعت نسبته في المستشفيات، التي أضحت تتخبط في مشاكل لا حصر لها خاصة ظاهرة الطوابير التي عادت بقوة، حيث ينتظر حاملو بطاقة الراميد دورهم من أجل إدخال المعلومات الخاصة بهم للخضوع لعملية جراحية أو القيام بتشخيص أو تحاليل طبية، مما يتسبب في إطالة مدة إقامة المريض بالمستشفى. زيادة على ذلك تضيف المصادر نفسها، أن المواطنين الراغبين في العلاج، لا يتقبلون فكرة عطل الأجهزة، لأنهم لا يعلمون حقيقة المشكل المطروح، خاصة وأنهم يقولون إن الخطاب الرسمي يتجه في منحى تحميل المسؤولية للأطر الصحية، في الوقت الذي تعد فيه هذه الأخيرة شماعة يعلق عليها حسب تعبيرهم «فشل المسؤولين « في التسيير والتدبير»، فصالحي أحمد، العضو النقابي، أكد أنه بسبب الضغط المتواصل على جهاز «السكانير» مثلا هذا الأخير يعيش أقل من عمره الافتراضي، الشيء الذي يجعل الأطر محرجة أمام المرضى وتتعرض للشتم والسب وفي أحيان أخرى للاعتداء. كما أكد أن جل الشركات المتعاقدة مع المستشفيات العمومية، تغير وجهتها صوب المصحات الخاصة نتيجة عدم وفاء المستشفيات العمومية بالتزاماتها المادية، بناء على تعليمات حكومية بذلك.
وأوضح المتحدث، أنه في الوقت الذي يلجأ فيه المواطنون الذين يتمتعون بالتغطية الصحية إلى القطاع الخاص، نجد بأن المواطنين المعوزين المشمولين بنظام المساعدة الطبية مجبرين على اللجوء إلى المستشفيات العمومية، في ظل ما وصفه سياسة «التفقير» وحملة في الخطاب الرسمي لإفراغ وإضعاف المؤسسات الاستشفائية العامة التي يتعرض أطرها والعاملون بها لمختلف الاعتداءات وصلت حد الضرب واستعمال السلاح الأبيض، كما وقع أخيرا في مستشفى محمد السقاط بعين الشق بالدار البيضاء، الذي هاجمته مجموعة مدججة بالأسلحة البيضاء وقامت بالاعتداء على بعض العاملين به مخربة مرافق المستشفى، زارعة الرعب في نفوس الأطر والمرضى.
فالفوضى ونسبة الاعتداءات تطورت بحسب الأطر الصحية بشكل مخيف وخطير، حيث أضحى مجموعة من المواطنين يكيلون التهم للأطر ويحملونهم مسؤولية الأعطاب التي يعرفها القطاع، مشيرين إلى أن المواطن عندما يدخل المستشفى العمومي ينبهر بعدد أصحاب البدل البيضاء ولا يعلم بأن 80 في المائة منهم هم مجرد متدربين من المدارس الخاصة، في الوقت الذي تعرف فيه المستشفيات نقصا مهولا في الموارد البشرية.
السكتة القلبية بمعهد باستور
ما يتهدد المستشفيات من سكتة قلبية وشيكة، يتهدد معهد باستور كمؤسسة عمومية متخصصة تعتبر الجناح الصحي التابع لوزارة الصحة المكلف بالأبحاث العلمية المدققة، وتطوير البحث العلمي الطبي. فقد خرجت الأطر الصحية العاملة به عن صمتها وفضحت حجم الدين الذي يوجد في رقبة الحكومة والذي يجب أن ترجعه للمعهد الذي بات يعيش أزمة خانقة بسبب استقباله لأعداد كبيرة من حاملي راميد قدم لهم الخدمات بالمجان دون أن يحصل على مقابل مادي لذلك ما عدا منحة قدرها 700 مليون سنتيم، ومن ورائها، يقول مصدر مقرب، تنكرت الحكومة له وصدمته بكونه غير معني بنظام الراميد، الأمر الذي أخرج أطر المعهد عن صمتهم حيث نظموا وقفات احتجاجية فضحوا من خلالها الأزمة المالية الخانقة التي يمر بها المعهد، والتي لم يعرف لها مثيلا من قبل، حيث أصبحت إدارة المعهد تجد صعوبة في تأدية أجور الموظفين فضلا عن نفاذ التموين للمختبرات ووصول المديونية إلى 05 مليار سنتيم، مع العلم أن رصيد الحساب البنكي للمعهد لا يتجاوز 60.000 درهم.
إدريس الحبشي عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للصحة العمومية، أوضح في تصريح ل»المساء» أنه سواء تعلق الأمر بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد أو المستشفيات الإقليمية والجهوية ولا المؤسسات العمومية الصحية كمعهد باستور، فأزمتها المالية وصلت إلى حد لم يعد مقبولا السكوت عنها، خاصة تلك المستشفيات والمؤسسات التي تتمتع بتسيير مالي مستقل مثل المركز الاستشفائي ابن رشد، الذي يعيش أزمة حقيقية بسبب الضغط اليومي من قبل المرضى المصنفين في وضعية هشاشة، والذين استفادوا من خدمات نظام المساعدة الطبية الذي – يضيف المتحدث- رصدت له ميزانية خاصة وصندوق خاص لتمويل الخدمات التي تقوم بها المستشفيات، لكن لم يتم الالتزام بها، الشيء الذي جعل المستشفيات تتجه نحو نفق مسدود بسبب العجز المالي الذي أضحت تعاني منه، والديون المتراكمة عليها والأعطاب التي طالت معظم أجهزتها وآلاتها التي تستدعي الإصلاح وإعادة التأهيل.
وتابع الحبشي، أنه في إطار نقابتهم راسلوا وزارة الصحة وكل المعنيين الحكوميين بموضوع الأزمة أكثر من مرة، خاصة تلك التي يعرفها معهد باستور، الذي لم يتلقى تعويضا من الدولة عن خدماته لحاملي بطاقة «راميد»، لمدة 4 سنوات جعلت حجم دينه يرتفع إلى 3 مليار سنتيم.
وتساءل المتحدث، عن موقف المتفرج الذي يتخذه المسؤولون الحكوميون وهم يشاهدون غرق المؤسسات الصحية العمومية في أزمتها المالية دون أن يحركوا ساكنا، معربا عن تخوفه من نية مبيتة لدى هؤلاء في الإطاحة بالمستشفيات العمومية من أجل تمهيد الطريق أمام القطاع الخاص، متسائلا ( كيف يعقل بأن المؤسسات العمومية تحدد لها ميزانية في المجلس الإداري الذي يرأسه وزير الصحة وتحضره وزارة المالية ومكونات المجلس التي تضم أساتذة من التعليم العالي ومن كلية الطب وممثلين لوكالة التأمين الصحي «لانام» ويتم خلال هذا المجلس تقديم عروض عن حجم الدين والمبالغ المطلوبة، وتتم المصادقة عليها وتوقيعها من لدن الوزير، وفي الأخير يفاجأ الجميع بأن الوزارة تمتنع عن الأداء؟»
«الحماق هذا» يضيف مستغربا، فالبرتوكول على حد قوله لا يعكس الواقع، مع العلم أن كل ذلك مسجل في تقارير حساب المجالس الإدارية التي عقدت فضلا عن المراسلات التي كتبت.
وتخوف المتحدث من الأهداف الخفية وراء صمت المسؤولين الحكوميين، موضحا أن الموظفين والمؤسسات والمدراء هم من يدفعون ضريبة هذا الصمت بعدما اختلط عليهم «الواجب والحق مع الإكراهات المادية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.