نشرة إنذارية: موجة حر مع الشركي من الأربعاء إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة    ولد الرشيد: الأقاليم الجنوبية أصبحت منصة اقتصادية إستراتيجية تربط بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية    اجتماع بوزارة الداخلية لتحديد معايير استخراج أسماء المدعوين لأداء الخدمة العسكرية برسم الفوج المقبل للمجندين    مبادرة مدنية ترفض حرمان الجمعيات من التبليغ عن الفساد وتعتبره دوسا على الدستور والالتزامات الدولية للمغرب    الملك محمد السادس يهنئ أمير قطر بذكرى توليه الحكم    "كوبكو" تدشن أول وحدة لصناعة بطاريات الليثيوم في الجرف الأصفر بطاقة 40 ألف طن    السياحة المغربية تحقق أداء قويا في 2025 بارتفاع العائدات وعدد السياح    انطلاق أول عملية توريق للديون المتعثرة وأخرى قيد الإعداد    ارتفاع سعر الدرهم بنسبة 1.7% أمام الأورو و0.3% مقابل الدولار    أخنوش يترأس اجتماع مجلس الرقابة للقرض الفلاحي ويشيد بدوره في دعم العالم القروي    ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 56 ألفا و156 منذ بدء الحرب    إيران تؤكد أن منشآتها النووية "تضررت بشدة" جراء الهجمات الأميركية    محتلو شواطئ عمالة المضيق يهتدون لحيل جديدة لكراء المظلات والكراسي    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة        كأس العالم للأندية.. طاقم تحكيم كندي بقيادة درو فيشر يدير مباراة العين الإماراتي والوداد الرياضي    المنتخب المغربي النسوي يبدأ تحضيراته استعدادا لكأس أمم إفريقيا        وفاة مشتبه فيه بطنجة بعد ابتلاعه مادة مشبوهة أثناء محاولة توقيفه.. والنيابة العامة تدخل على الخط    موجة حرّ شديدة تضرب مناطق بالمغرب    طنجة.. كلب يهاجم فتاة وسائق يدهس شابا ويلوذ بالفرار    ربط "أخضر" بين إسبانيا والمغرب.. بواخر كهربائية دون انبعاثات تبدأ الإبحار في 2027    نزار بركة يكشف عن انخفاض قتلى حوادث السير في الطرق السيارة بنسبة 50 في المائة و رصد 3 ملايير درهم للصيانة الطرقية    مستجدات قضية "قتل الشاب بدر"    بنكراد: معظم المحتجين في 20 فبراير بمجرد ما عرضت عليهم المناصب ذهبوا لها وانفضوا    بكين.. مؤتمر يستكشف أوجه التعاون الصيني – المغربي في قطاع السياحة    منتدى أصيلة ينظم الدورة الصيفية    الرباط.. انعقاد الاجتماع ال74 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العدل العرب    مع استمرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران جيش الاحتلال يواصل استهداف غزة واتصالات لوقف الحرب وسط وعود جديدة لترامب    عودة الدواجن البرازيلية إلى الأسواق المغربية بعد زوال المخاطر الصحية    بسبب أزمة مالية خانقة.. معاقبة نادي أولمبيك ليون الفرنسي بالهبوط للدرجة الثانية    مقتل 6 من جنود اسرائيليين في قطاع غزة    استقالة "قاضية الفضيحة" تُعيد محاكمة مارادونا إلى نقطة الصفر    أكاديمية المملكة تنظم تظاهرة دولية    إيران تنظم السبت جنازة قادة وعلماء    المغرب يستهدف 52% من إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة العام المقبل    النقابة الوطنية للعاملين بالتعليم العالي تجدد تمسكها بالوحدة النقابية وتدعو إلى الإضراب يوم 2 يوليوز    جدول أعمال دورة يوليوز يكشف إفلاس مجلس جهة سوس ماسة وافتقاده للرؤية التنموية.. وأشنكلي يصدم رؤساء جماعات    مجلس النواب الأميركي يرفض مبادرة لعزل ترامب    كأس العالم للأندية 2025.. تعادل بوكا جونيورز الأرجنتيني وأوكلاند سيتي النيوزلندي (1-1)    ترامب يؤكد مجددا أن المواقع النووية في إيران "دمرت بالكامل"    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. فلامنجو البرازيلي يتعادل مع لوس أنجلوس الأمريكي (1-1)    أموال الناظور تمول مدنا أخرى.. أين الأبناك من تنمية المنطقة ودعم الرياضة والثقافة كما أرادها جلالة الملك؟    مجموعة بريكس تدعو إلى "كسر حلقة العنف" في الشرق الأوسط    ثلاثية تشيلسي تقصي الترجي التونسي    تقنية الهولوغرام تعيد جمهور مهرجان موازين لزمن عبد الحليم حافظ    والي بنك المغرب يدعو الحكومة إلى إنجاح برامج تمويل المقاولات الصغرى    الرجاء ينال المركز الثالث بكأس التميز    مؤسسة أحمد الوكيلي تطمح إلى إخراج "الآلة" من النخبوية الموسيقية    بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    بعد مسيرة فنية حافلة.. الفنانة أمينة بركات في ذمة الله    دراسة تكشف ارتفاع معدلات الإصابة بالتهاب المفاصل حول العالم    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسباب العزوف عن الزواج
نشر في ميثاق الرابطة يوم 27 - 06 - 2013

لقد كان أسلافنا الأولون إلى عهد قريب يعرفون للحقوق الزوجية مكانتها، فكانوا مع أزواجهم أسعد حالا، وأهنأ بالا، فأنجبوا منهن ذرية صالحة، منهم العظماء والعلماء والزهاد والصالحون، ملكوا الأرض شرقا وغربا…
فنشروا في ربوعها علما وعدلا وحكمة ونورا مبينا، لكن خلف من بعدهم خلوف أحدثوا في شؤون الزواج أمورا بعيدة عن الإسلام، فأصبحت الحياة الزوجية لكثير منهم جحيما لا يطاق، حتى أن كثيرا من شباب اليوم وشاباته آثروا العزوف عن الزواج على حياة الإحصان.
قم بجولة في المحاكم، وتصفح الإحصاءات التي تثبت نسب الطلاق ومشاكله ثم انظر إلى سلوكهم في الشوارع وغيرها، عند ذلك تستنتج ما صارت إليه الأمور، هناك عزوف شديد عن الزواج أعرض عنه كثير من شبابنا سواء منهم الذكور والإناث امتد بهم العمر فلم يتيسر لهم الإحصان لأسباب كثيرة أذكر بعضها فقط. فرسول الله صلى الله عليه و سلم وضع قاعدة ذهبية للإحصان تتمثل في قوله: "إذا آتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كثير".
تلك إذن فتنة ومشكلة عويصة يتخبط فيها المجتمع المغربي فما هي إذن أسباب العزوف عن الزواج؟
1. غلاء المهور
فمن المعلوم في الشريعة الإسلامية أن المهر ليس له حد، وقد لاحظ الخليفة عمر في أيام خلافته غلاء المهور، فأراد أن يقنن الصداق إلى حد معقول فخطب في الناس مشيرا إلى غلاء المهور، فقامت امرأة فاعترضت عليه وذكرته يقول تعالى: "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم احديهن قنطارا فلا تاخذوا منه شيئا" [سورة النساء، الآية: 20].
فعقب عمر على قولها قائلا صدقت المرأة وأخطأ عمر. لكن ترشيد المهور والتخفيف على الشباب يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم النساء بركة أقلهن مهورا".
2. لوازم حفلة الزواج
فهي ترتيبات صارت عند أكثر العائلات شيئا مفروضا في الحفلات سواء عند الخطوبة أو عند إقامة حفل العرس، حيث يتطلب ذلك نفقات لا يستطيعها إلا الموسرون والأغنياء، وهو شيء يخالف تعاليم الإسلام في بساطته ويسره وتيسيره، فلو تصرف تلك الأموال في إنشاء ضروريات الحياة الزوجية لكان أحسن.
فالوليمة في العرس سنة فقد قال عليه الصلاة والسلام: "أولموا ولو بشاة" لكن ينبغي أن تكون الوليمة وسطا لا إسرافا ولا تقتيرا فكلاهما منهي عنه شرعا.
3. البطالة وقلة الأجور
وهما أمران يؤديان إلى عدم إمكان توفير السكن للزوجة، فيضطر الكثير ممن يتزوجون أن يسكنوا مع عائلاتهم، مما يترتب عنه مشاكل قد تؤدي إلى الطلاق، وكلنا نعلم شؤم البطالة فهي الفقر بعينه، والفقر قد يفقد للإنسان مروءته، بل إنه يدفع لكثير من الشباب إلى ارتكاب جرائم السرقة والقتل.
4. وهو الأخطر وهو صعوبة الاطمئنان والانشراح فيمن سيكون شريك الحياة زوجا أو زوجة، و ذلك يرجع إلى الانحلال الخلقي وهو سمة في كثير من شباب اليوم ذكورا وإناثا، أضف إلى ذلك العادات التي يشب عليها الشاب والشابة.
إن الانحلال الخلقي داء العصر، وشيوع الفجور والفحشاء قد أفقدا الثقة فيمن سيكون شريك الحياة، ولذلك ينغمس الشباب في إشباع نزواتهم خارج الإطار الشرعي فيجدون أنفسهم -في ظنهم- مرتاحين لا يفكرون إلا في إشباع غرائزهم ولا يهمهم شيء بعد ذلك. وفي مثلهم يصدق المثل "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
ذ. عبد الله بوسيك
عضو الرابطة المحمدية للعلماء

البحتري
من المبادئ النقدية الأساسية التي أدركها نقاد الأدب ودارسوه والباحثون فيه، أن الأديب ابن بيئته.
تقول مدرسة من أهم المدارس النقدية في العصر الحديث "عليك أن تعرف الشجرة لتعرف الثمرة".
ومعنى هذا أن التربة التي ينبت فيها الأديب ويترعرع فيها هي التي تُحدد ذوقه، وعقليته، واتجاهه الأدبي. ومن أكبر الشعراء الذين تنطبق عليهم هذه النظرية الشاعر البحتري.
فهو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى، المعروف بالبحتري نسبة إلى عشيرته الطائية بُحتر، ويذكر له مؤرخوه سلسلة نسب تنتهي إلى طيء فهو قحطاني من ناحية أبيه، ولكنه عدناني من ناحية أمه التي تنتسب إلى شيبان، وهي قبيلة ينتهي نسبها إلى ربيعة من عدنان[1] . وقد أخبرنا مؤرخوه بانحداره من طيء، وحدثنا هو بذلك في كثير من شعره، كقوله مفتخرا:
إن قومي قومُ الشريف قديما وحديثا: أُبوّة، وجدودا
ذهبت طيء بسابقة المج د على العالمين بأسا وجُودا
وأما أن أمه من شيبان فلم يُحدثنا عنه التاريخ، وإنما عرّفنا به البحتري حين قال:
أعمرو بن شيبان، وشيبانكم أبي إذا نسبت أمي، وعمركم عمري
وهو لذلك، كان يَعد ربيعة كلها أخواله، فيقول:
أسَيْتُ لأخوالي: لربيعة، إذ عفت مصايفُها منها، وأقُوت[2] رُبوعها
فالبحتري عربي طائي من قبيلة طيء وهي القبيلة التي ينتسب إليها شيخه، وأستاذه أبو تمام، ولذلك يُعرفان بالطائيين، وقد ولد "بمَنبج" وهي قرية صغيرة قرب حلب في مطلع القرن الثالث للهجرة، وكان ميلاده سنة 205ھ، وقضى طفولته بهذه القرية. وتُحدثنا الكتب التي تحدثت عن المدن كمعجم البلدان لياقوت بأن مدينة "منبج" مدينة جميلة جدا ذات طبيعة ساحرة، كثيرة البساتين، عذبة الماء، باردة الهواء، والحياة فيها كما هي في القرى حياة بسيطة لا تعقيد فيها ولا تكلف.
كما أن الثقافة التي عُرفت بها "منبج" هي الثقافة العربية الخالصة التي لم تتشابك بالثقافات الدخيلة. ومعنى هذا أن البحتري نشأ نشأة بدوية، وقد أثرت في بدويته آثار تلك المدينة الفارسية فملأت عينه بهجة وروعة، ولكنها لم تصل إلى ذهنه وقلبه.
ولا تحدثنا المراجع الأدبية والتاريخية بشيء ذي بال عن هيئته وطفولته، إلا ما روي عنه فيما بعد من أنه كان أسمر، طويل اللحية، وقد نشأ في أحضان عشيرته يتغذى من فصاحتها، وانصرف في طفولته إلى الأخذ بالثقافة التي كانت سائدة في قريته، ويبدو أنه اختلف مبكرا إلى الكُتاب، فحفظ القرآن الكريم كما حفظ كثيرا من الأشعار، والخُطب، واختلف حين شبّ إلى حلقات العلماء في المساجد يأخذ عنهم اللغة والنحو وشيئا من الفقه، والتفسير والحديث، وعلم الكلام ورواية الشعر العربي القديم.
وكان لهذه الثقافة أثرها المبكر، إذ ما لبث أن استيقظت فيه موهبة الشعر، وسرعان ما أخذ ينظم شعرا جيدا قصد به شيوخ قبيلته "منبج" وغيرهم من سادة مدن الشام، وامتد به طموحه فتجاوز به بلدته إلى بلاد أكبر من حولها، إذ نراه ينزل حلب، وهناك تعرف على "عُلوة بنت زُريقة" التي شغفته حبا، ويبدو أن زُريقة كانت مُغَنية، وتَعرف أيضا على صديق يسمى "الذفافي" مدحه ببعض شعره، وهجاه فيما بعد لاقترانه بعُلوة.
وفي فجر شباب البحتري نجده يرحل إلى "حمص" ليمدح بعض الكبراء، وكأنما كان السعد معه على ميعاد إذ التقى صدفة بالشاعر الذي آلت إليه زعامة الشعر في هذه الفترة…
يتبع…
ذ. رانية العلالي
– باحثة –
————-
1. وفيات الأعيان ص: 178.
2. أقوت: خلت من سكانها.
وإماطة الأذى عن الطريق صدقة!
جاء الإسلام لتحقيق السعادة والاطمئنان والأمن للبشرية جمعاء، وجاء هذا الدين الحنيف بمبادئ تهم جميع نواحي الحياة دون إغفال أي جانب من الجوانب ولو كان يبدو بسيطا، وذلك باعتبار هذا الدين خاتم الديانات والرسالات، وصالح لكل زمان ومكان، وهو ما يحتم على المؤمنين به أن يتدبروا فيه ويفهموه فهما صحيحا واقعيا بعيدا عن الجمود والغلو والتطرف، وبعيدا كذلك عن الاستهتار وتمييع مقاصده ومبادئه تحت ذرائع مختلفة.
ولعل موضوع البيئة الذي شغل الناس هذه الأيام من بين المواضيع التي أعطاها الإسلام أهمية قصوى من خلال المقاصد الكبرى التي وضعها، والتي تركز على الوسطية وعدم الإسراف، ومراعاة مصالح الآخرين، والابتعاد عن الأنانية، والتفكير العدواني الداعي إلى التدمير والانتقام، مع الدعوة إلى التحلي بالإيثار، والمحبة وحسن الأخلاق والإيجابية والفعالية في التفكير، والتنفيذ مع أخذ المبادرة في كل ما يفيد العباد والبلاد.
ولقد جاءت في الشرع الحكيم نصوص ترشد البشرية إلى مبادئ الحفاظ على البيئة والاستفادة منها بشكل لا يستنزفها ولا يضيعها مثل قوله تعالى: "ولا تبذر تبذيرا اِن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" [سورة الاِسراء، الآية:26-27] وقوله تعالى : "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" [سورة الاَنعام، الآية: 141]، كما جاءت نصوص أخرى تذكر بقدرة الله في خلق الجبال والبحار والجمال والسماوات وتدعو إلى التأمل فيها والاستفادة منها وشكر الله على ذلك، مع النهي عن الاعتداء عليها وتدميرها "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"[سورة البقرة ،الآية: 190].
وإذا تأملنا في المقطع الحديثي الذي اتخذناه عنوانا لموضوعنا هذا؛ فإننا نستشف منه دقة الإسلام في تكريس الحفاظ على البيئة، واهتمامه بها بشكل يجعل أدنى شيء يمس بها مخالفا لمقاصده ومبادئه المثلى. ولذلك، فالتعمق في فهم هذا الحديث الشريف يبرز لنا مدى التكامل الذي يستطيع الدين الإسلامي بناءه بين الجسد والروح، وبين الدين والدنيا.
وإذا تأملنا في عبارة "إماطة الأذى" نجدها تحمل دلالة "العناية المركزة" التي توحي بالإبعاد والإزالة؛ لأن إماطة الأذى يعني إزالته بشكل كلي ومحو أثره، بحيث يكون ذلك الأذى قد تمت تنحيته عن الأماكن التي يرتادها الناس بشكل يجعله بعيدا عن الإضرار بهم، ولا يمكنه أن يعود إلى الطريق من جديد بفعل الرياح أو غيرها.
وتشمل لفظة الأذى كل ما يضر الإنسان والحيوان والطبيعة، فكل ما يمس بالناس في أبدانهم أو يعرقل مسيرهم ينبغي إماطته عن الطريق، كما هو الشأن بالنسبة للأحجار والأشواك وكل جسم يشكل خطرا على المارة بحيث يسبب لهم العرقلة أو الانزلاق، بل قد يشمل الأذى كذلك ما يؤذي الناس في أذواقهم كما هو الشأن بالنسبة للأزبال، التي توضع في الأرصفة، وتشوه المنظر العام للشارع، وتنبعث منها روائح كريهة.
فالأذى لا يشترط فيه أن يكون ماديا بل قد يكون متعلقا فقط بالجانب الجمالي والذوقي، لذلك فإماطة الأذى عن الطريق لا يعني ضرورة كونه في وسط الطريق، بل قد يفهم منه كذلك إماطته عن قارعة الطريق أيضا وعن كل الفضاءات التي تتصل بالشارع؛ لأن القصد الشرعي من وراء ذلك كله هو وقاية الناس من الأضرار التي تنشأ عن رمي تلك الأجسام في الطرقات، مع الحفاظ على الجانب الجمالي الذي ترعاه كذالك الشريعة في جميع الأحوال.
وما يثير الانتباه في هذا المقطع من الحديث هو اعتبار هذا الفعل يدخل في إطار "الصدقة"، ولعل ذلك يوحي بالمفهوم المتعدي للصدقة الذي يستلزم وجود متصدق ومتصدق عليه؛ وكأن الإنسان الذي أماط الأذى عن الطريق يتصدق على باقي المارة بالهواء النقي والراحة النفسية والمسار السوي المريح، كما أنه بذلك يحصل على أجر هذه الصدقة التي تضاعف بقدر ما حققه من راحة وطمأنينة.
وإذا كان الإسلام يأمر بإماطة الأذى عن الطريق، فإن ذلك يفهم منه أنه أمر بعدم رمي الأذى في الطرقات؛ لأن الأمر بالإماطة يشمل كذلك الفعل السلبي المتمثل في عدم الإذاية بطريق الأولى والأحرى، ونصوص الشرع الداعية إلى عدم تلويث الأماكن والطرقات كثيرة. كما أن النصوص الداعية إلى الاهتمام ببناء الفضاءات البيئية والاعتناء بها ورعايتها كثيرة، فكما دعا الشرع الإسلامي الحنيف إلى توقي النجاسات والابتعاد عن الأماكن العامة عند قضاء الحاجة وعدم البول في المياه الراكدة وعدم التبذير والإسراف وتدمير الطبيعة، دعا كذلك إلى الاعتناء بالطبيعة والاهتمام بالنظافة في جميع مظاهرها، ولهل الحديث النبوي الشريف الذي ينص على أنه "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" أوضح إشارة إلى اهتمام الإسلام بالبيئة والمحافظة عليها.
إن المقاصد الكبرى للإسلام التي جاءت للمحافظة على النفس والمال والعقل، وتدعو إلى التضامن والاقتصاد، أكبر إشارة إلى أن الإسلام يأخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار، إذ إن "التفكير التضامني الجماعي" الذي يكرسه الإسلام يتجسد بشكل جلي في الحفاظ على البيئة التي تعد مجالا مشتركا بين جميع الكائنات من إنسان وحيوان وجماد، فالإنسان مستخلف في الأرض لبنائها وفضله الله على كثير ممن خلق وحمله الأمانة الكبرى لإزالة الفساد في البر والبحر وخلق بوادر الإصلاح ومظاهر البناء وأخذ مشعل الريادة والقيادة نحو عالم أفضل وخال من كل ما من شأنه الأذى والتدمير.
ذ. أمجوض عبد الكريم البعمراني
– باحث –


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.